سياسات الفصل الأسري للمهاجرين في الولايات المتحدة

في يوليو 2017، عندما غادر جون كيلي وزارة الأمن الداخلي ليصبح رئيس موظفي الرئيس ترامب، تحرك ستِفن مِلر وجين هاملتون لملء فراغ السلطة الناجم عن رحيله، وكلهم عزم على تعميم سياسة الفصل الأسري على الصعيد القومي

سياسات الفصل الأسري للمهاجرين في الولايات المتحدة

(Getty)

(ترجمة: عرب٤٨)

صدر التقرير الآتي عن مجلة الأتلانتك الأمريكية، كتقرير تقصّي أشرفت عليه الصحفية كايتلن دكرسن تتبّع فيه تفاصل سياسة الفصل الأسري لدى الحكومة الأمريكية، وما يلي تلخيص لأهم ما ورد فيه.

***

يتناول التقرير تاريخ سياسة الفصل الأسري للحكومة الأمريكية، موضحًا أنه في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول، تحول دور وكالة حرس الحدود من مراقبة الحدود لأداء مهام أمن قومي كبرى، عبر تقديم استراتيجيات لتأمين كافة الحدود. في عام 2005، اقترح رئيس حرس الحدود في ديل ريو بولاية تكساس، راندي هِل، فكرةً للتخلص من عبور الحدود غير القانوني، بقمع هذه الممارسات وتضييق الخناق بشدة عليها.

مقنعًا نظرائه في أجهزة تطبيق القانون المحلية بالمشاركة في تجربة يُقاضى فيها كل شخص بالغ يُقبض عليه يعبر الحدود بشكل غير قانوني، بغض النظر عن السبب. حملت المبادرة اسم عملية Streamline، ويخضع فيها المهاجرين لإجراءات الترحيل الرسمية، ويتبعها عقوبات أشد إذا قٌبض عليهم يحاولون العبور مرة أخرى، مما يقطع الطريق أمامهم للحصول على الجنسية. هذا النهج لتأمين الحدود هو الأب الشرعي لسياسات الفصل الأسري التي يتحدث عنها التقرير.

يقدم التقرير جدولًا زمنيًا للأحداث والأفراد المشاركين في سياسة الفصل الأسري للحكومة الأمريكية خلال إدارة ترامب. ويصف خطوات عملية صقل الأفكار والمقترحات لمثل هذه السياسات قبل عرضها على أمناء مجلس الوزراء أو رؤساء الوكالات للحصول على موافقة، وكل المتاهات في المنتصف. موضحًا أن العديد من الجمهوريين البارزين رفضوا العمل لصالح ترامب، لتضيقَ قائمة التعيينات السياسية المتاحة أمامه. ويُقسّم التقرير العاملين على ملفات قضايا الهجرة إلى مجموعتين: جمهوري المؤسسة من أصحاب المصالح، وجماعة الصقور المتشددين، ممن يطورون خططهم لقمع الهجرة لسنوات وينتظرون الإدارة المناسبة.

(Getty)

يسلط التقرير الضوء على كرستين نِلسن، التي شغلت منصب رئيس موظفي جون كيلي في وزارة الأمن الداخلي، وستيفن مِلر كشخصيات رئيسة في سياسة الفصل الأسري للإدارة في ربيع عام 2017. ويوضح أن جِف سيلف، رئيس حرس الحدود في إل باسو بولاية تكساس، قرر البدء بمبادرة صغيرة بإحالة الآباء المهاجرين مع أطفالهم للمحاكمة لقمع هذه الممارسات كجزء من جدول أعمال الرئيس الجديد.

أشار المسؤولون الفيدراليون لاحقًا إلى المبادرة المحلية على أنها «تجريبية»، واستخدموها كنموذج يُعمم على الصعيد القومي. يوضح التقرير كذلك دور ريتشارد دوربين، المدعي العام الأمريكي للمنطقة الغربية من تكساس، ممن أشرف على المحامين الأمريكيين المساعدين الذين قاضوا الآباء المهاجرين المنفصلين كجزء من البرنامج التجريبي.

يوضح التقرير كذلك أن التعليمات المرسلة لوكلاء حرس الحدود لم تحتوِ على أية قيود أو إرشادات حول كيفية فصل الوالدين عن الأطفال، مما تسبب في رفض بعض الوكلاء التعامل مع حالات الفصل بسبب ما قد يترتب عليها إنسانيًا وقانونيًا.

في يوليو 2017، عندما غادر جون كيلي وزارة الأمن الداخلي ليصبح رئيس موظفي الرئيس ترامب، تحرك ستِفن مِلر وجين هاملتون لملء فراغ السلطة الناجم عن رحيله، وكلهم عزم على تعميم سياسة الفصل الأسري على الصعيد القومي.

واجهت وزيرة الأمن الداخلي بالإنابة إيلين ديوك، المنضمة حديثًا لإدارة ترامب آنذاك، كارثتين طبيعيتين، هما إعصار هارفي وإعصار ماريا، واستغل مِلر وهاملتون فرصة انشغالها. تواصل مِلر مع موظفي وزارة الأمن القومي ليلاً ونهارًا، ومارس شتى الضغوط عليهم لينال إجماع أوليّ حول أفكاره.

رفضت ديوك المضي قدمًا في عمليات الفصل، وطلبت المشورة بشأن المبادرة، لكنها وافقت لاحقًا وشرعت في تنفيذها. كان معظم موظفي ديوك معتدلين ولم يأخذ الكثير منهم فكرة فصل الأسر على محمل الجد، وظنوا بأن المشروع لن يمر، لكنه مر، واستغني عن الكل المشككين منهم لاحقًا.

يناقش التقرير بالتفصيل دور ستِفن مِلر وإلين ديوك وجِف سيشنز وكرس كوباش وجون كِلي وكِرستين نِلسن وجين هاملتون وغيرهم في سياسة الهجرة لإدارة ترامب. ويصف التوترات بين مِلر وديوك، وقرار استبدال ديوك بنِلسن كوزيرة للأمن الداخلي.

يصف كذلك خلفية نِلسن، وافتقارها للخبرة القيادية، وميلها لاتخاذ موقف دفاعي عند انتقاد القسم، لينتهي بها المطاف لاحقًا لتحمل كامل المسؤولية عما جرى وتصبح الوجه الإعلامي للسياسة. كما يشير إلى أنه في الوقت الذي بدأت فيه الأخبار تتوالي عن حالات الفصل الأسري في وسائل الإعلام، لم يصدق الكثير من موظفيها التقارير، حتى عندما دعمتها الأدلة.

(Getty)

ويوضح التقرير أن وزارة الأمن الداخلي تغيرت بحدة تحت قيادة نِلسن، إذ وجّهت كل طاقتها نحو الحدود الجنوبية الغربية مع تقليل التركيز على المناطق الأخرى. يُذكر أيضًا أن جِف سيشنز، المدعي العام في ذلك الوقت، كان يتبع نهج اللاتسامح «zero tolerance» ، الاسم الإعلامي لسياسة الفصل الأسري، مع كل من العدالة الجنائية وقوات الهجرة والجمارك، إلى جانب جون باش الذي عُين محاميًا للمنطقة الغربية من تكساس في ديسمبر 2017، وكان متورطًا في سياسة اللاتسامح التي فصلت الآباء ممن يُحاكمون في محاكم غرب تكساس عن أطفالهم.

طلبت وزارة العدل من جون باش تقديم ملخص عن البرنامج التجريبي للفصل في إل باسو، ليقدم ملاحظات حول محاور البرنامج، وعلى الرغم من تحذيرهم من الأزمات التي قد تترب على توسيع المشروع التجريبي على الصعيد القومي، إلا أن السياسة طبُقت وشتت العديد من الأسر، ولم يجمع شمل بعضها لفترة طويلة جدًا.

على صعيد آخر، رفع المدافعون عن المهاجرين دعوى ضد الحكومة وقاد ملف حقوق المهاجرين الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية، في ظل نفي الحكومة وجود سياسة فصل أو برنامج تجريبي من أصله، مع العلم أن أعداد الأطفال كانت بالمئات وقتها، لكن بدون أية إحصاءات رسمية في ظل حالة تخبط بيروقراطية كبيرة. رافعت الحكومة ضد الاتحاد في قضية فصل أم عن ابنتها، موضحة عدم تأكدهما مما إذا كانتا مرتبطين حقًا، ليثبت اختبار الحمض النووي أنهم بالفعل كذلك، ليُجمع شملهما بعد نجاح الدعوة القضائية.

في ربيع عام 2018، قام مكتب إعادة توطين اللاجئين بتجميع قائمة بالأطفال المنفصلين عن ذويهم؛ لتتبع العائلات ولم شملها، لكن ظلت فكرة وجود قائمة أصلاً تحت الطاولة والكثير أشار إلى أن الأرقام التي فيها أقل بكثير من الواقع. استمرت الحكومة في إنكار سياسة الفصل وحثت المسؤولين على إنكارها في تصريحاتهم للصحافة، وعلى الرغم من نفيهم، ظلت حالات الفصل تتزايد والقمع على أشده.

وفقًا لتقرير المفتش العام لوزارة العدل، لم يتم إبلاغ المحامين الأمريكيين بأن سياسة اللاتسامح ستغير معاملة الوزارة للأسر المهاجرة، أي التنفيذ كان في وادٍ هو الفصل الأسري، والسياسة كانت في وادِ آخر تمامًا. تجاهل جين هاملتون، المسؤول عن سياسة اللاتسامح، التبعات الأخلاقية أو القانونية أو اللوجستية لتنفيذ القانون، لكنها كانت موجودة وكارثية على مختلف الصعد. يُزعم أن ستِفن مِلر، مستشار البيت الأبيض، كان العقل المُدبر وراء السياسة وأن هاملتون نفذها دون تفكير شامل بالعواقب.

كان تنفيذ سياسة اللاتسامح في مايو ويونيو 2018 كارثة كبرى على وجه الخصوص؛ متسببًا في فوضى وتخبط رهيبين لدى دوريات الحدود، ليبلغ عدد الأطفال المفصولين حينها حوالي 4335 طفلًا، خاصة في ظل عجز المسؤولين عن تتبع الأطفال المُبعدين عن ذويهم، وما خلفه هذا من ذعر إداري عام من المشرفين المباشرين.

عقد المحامون الأمريكيون المتمركزون على الحدود الجنوبية الغربية اجتماعًا مع جين هاملتون على إثر التقارير الأولية التي وصلتهم وما تابعوه في المحاكم، لكنه لم يتمكن من الحضور وتم إبلاغهم بأنه سيتم لم شمل الأطفال والآباء بسرعة بعد أن يأخذ القانون مجراه. ومع ذلك، تكشف رسائل البريد الإلكتروني الداخلية أن بعض المحامين الأمريكيين المساعدين ممن قاوموا مقاضاة الآباء بموجب قانون اللاتسامح أعيد تعيينهم لمناصب أخرى. أجرى جين هاملتون عدة محاولات في أوائل مايو للتنسيق بين وزارات الصحة والخدمات الإنسانية والعدل والأمن الداخلي، ولكن بعد فوات الأوان.

أدى تطبيق سياسة اللاتسامح للفوضى والارتباك في صفوف المارشالات كذلك، الذين أرسلوا مكالمات عاجلة من موظفي المأوى العاملين في مكتب إعادة توطين اللاجئين في محاولة لتعقب آباء الأطفال المنفصلين عن ذويهم، لتلبية متطلبات منح الأطفال في الحضانة الفيدرالية فرصة التحدث مع أفراد أسرهم أو كفلائهم مرتين في الأسبوع.

(Getty)

ووردت تقارير عن غياب الأمان وصراخ الأطفال المستمر، وعراك الآباء مع موظفي الهجرة، ووصف مسؤولون من القنصلية السلفادورية ممن شهدوا عمليات الفصل ذلك بأنه «فظيع» و«ظلم»، وأفادوا أنه تم إغلاق المنشأة التي أوت الأطفال المفصولين أمام العامة في خضم تطبيق السياسة، ولم يُسمح لأي شخص تقريبًا خارج حرس الحدود بالدخول، هذا فضلاً عن الضيق العاطفي للآباء والأطفال والضغوط والصدمات النفسية الهائلة. وبحسب ما ورد من تقارير، سخر العملاء الفدراليون من الآباء وهددوا بعضهم، وخدعوا آخرين للانفصال عن أطفالهم.

أما مرافق رعاية الأطفال فأمست مكتظة واضطرت للتكيف بسرعة مع تدفق الأطفال المنفصلين عن ذويهم، مما أدى إلى إيوائهم في مؤسسات كبيرة خارج نظام رعاية الطفل الأمريكي بسبب مخاوف الصدمة والسلامة والتحرش الجنسي، وقد واجهت هذه المرافق كذلك ادعاءات ضخمة بالاعتداء الجسدي والجنسي، ولم يستوفِ بعضها متطلبات التحقق من الخلفية الفيدرالية المعتادة

كما يوضح التقرير النتائج الأخلاقية لهذه السياسات على العاملين الاجتماعيين الأمريكيين، ممن استقالوا من وظائفهم احتجاجًا على هذه السياسات وخوفًا من العواقب المستقبلية لها. حتى كبار المسؤولين في إدارة ترامب شعروا بالارتباك الشديد بسبب السياسة، إذ طلب فريق الاتصالات في البيت الأبيض من وزارة العدل تعيين محامين يمكنهم شرح السياسة لوسائل الإعلام، لكن لم يرغب أحد بذلك. يتناول التقرير كذلك حادثة 100 طفل علقوا في زنزانات احتجاز لدى الحرس الحدود، ومن دون أية حلول مجدية للحكومة لفترة طويلة.

في الوقت نفسه، امتلأ مكتب وزارة الأمن القومي للحقوق المدنية والحريات المدنية بنداءات الاستغاثة من الآباء المنفصلين ممن يبحثون عن أطفالهم، بعض هذه الطلبات تولاها موظفين مبتدئين لم يؤهلوا بالكامل لمثل هذه القضايا، وبعضهم أنهار أمام المشاهد التي وصلتهم من زنازين حرس الحدود، لأطفال معتقلين ومبعدين عن أولياء أمورهم.

يؤكد التقرير على محورية الافتقار إلى الشفافية والمساءلة للمسؤولين الحكوميين المشاركين في سياسة اللاتسامح، التي أدت إلى فصل العائلات على الحدود، والخوف من إمكانية استئناف هذه الممارسة في ظل إدارة أخرى، كما يؤكد القائمين على التقرير بأن العديد من المشاركين في السياسة لا يزالون على رأس عملهم في وزارة الأمن الداخلي، ووكالاتها الفرعية، وأن تحقيق الحكومة في السياسة أعاقه عدم تعاون وزارة الأمن القومي، كما يشار إلى أن الحكومة لم تحسب بعد عدد الأطفال المنفصلين عن ذويهم اعتبارًا من يناير 2021، أو لم تنشر إحصائية رسمية بذلك.

بعد دخوله البيت الأبيض، وقع الرئيس جو بايدن أمرًا تنفيذيًا بتشكيل فريق عمل إعادة لم شمل الأسر، برئاسة ميشيل براني، لمواصلة تعقب ولم شمل 1500 عائلة ظلت منفصلة عندما تولت إدارته الرئاسة، لكن ما زالت العديد من التقارير والإحصاءات مخفية عن العامة والصحافة، ومكاتب الحكومة المعنية تتجنب نشرها أو الإشارة لوجودها، كما آن الآثار المترتبة سواء الاجتماعية أو النفسية أو غيرها على سياسة الفصل الأسري على عائلات المهاجرين لم تدرس كليًا بعد لأسباب عديدة.

التعليقات