المعارضة المسلحة والجيش النظامي يعقدان أكثر من هدنة في عدة مناطق بسوريا

وتظل رغم ذلك الهدن المتزايدة حول دمشق وسيلة توفر الأرواح. ويرى فابريس بالانش في الأمثلة المدروسة بوادر ممكنة لجزء من الحل في هذه الأزمة. وإن كان مقتنعا بضرورة الدفع الدبلوماسي الدولي، فهو متأكد من أن الأزمة السورية ستحل على الصعيد المحلي.

المعارضة المسلحة والجيش النظامي يعقدان أكثر من هدنة في عدة مناطق بسوريا

 

 


في حين تؤشر المباحثات في مؤتمر جنيف 2 بين الوفد السوري الرسمي والمعارضة إلى صعوبات جمة، يبدو أن نوعا من الحوار انطلق على الميدان حيث عقدت أكثر من هدنة بين المعارضة المسلحة وجيش النظام.

يبدو الأمر صعب التصديق لكنه بدأ يزداد أهمية بعد أن عقدت هدنات حقيقية بين المعارضة المسلحة والجيش النظامي في عدة مدن سورية معظمها في ريف دمشق. كما أفادت لجان تنسيق محلية في محافظتي حمص وحماة، عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بعقد هدن مماثلة.

ويقول مصدر مطلع على ما يجري ميدانيا، وفضل التحفظ على هويته لفرانس 24 "نعم، توجد هدن في سوريا لكن الأمر لا يعجب الجميع داخل المعارضة وبعضهم يرفض الاعتراف بها". ويوضح المصدر "أغلب المدن التي حصلت فيها مثل هذه الاتفاقيات توجد على مقربة من دمشق وهي محاصرة ومعرضة للقصف منذ أشهر طويلة". وعقدت آخر هدنة في برزة قرب دمشق في منتصف يناير/كانون الثاني، ويتحدث المصدر العارف بالشؤون الميدانية عن هدن في معاقل المعارضة المسلحة في دوما وداريا ومناطق أخرى قريبة من دمشق وواقعة في الغوطة الشرقية.

وبالنسبة لمعضمية الشام، ثلاثة كيلومترات جنوب دمشق، عقدت هدنة في نهاية ديسمبر/كانون الأول لرفع الحصار الذي دام أكثر من سنة ووضع حد للقصف اليومي، فتم إمداد الأهالي بالأدوية والمواد الغذائية. ويضيف المصدر "منذ أن عقدت الهدنة لم تطلق رصاصة واحدة في معضمية الشام" مؤكدا أهمية الحدث في هذه المدينة التي كانت تأوي 15 ألف مواطن قبل أن يغادرها أكثر من الثلث هربا من جحيم النزاع. وتسمح مثل هذه الهدن كذلك لللاجئين بالعودة إلى بيوتهم.

رفع العلم السوري النظامي شرط استراتيجي من النظام

وتعقد الهدن لأسباب مختلفة عادة ما تكون إنسانية لكن ذلك لا يقلل من أهمية دلالاتها. فالمعارضون المسلحون مطالبون بتسليم أسلحتهم الثقيلة لقوات النظام ويحتفظون بالأسلحة الخفيفة. وفي المقابل، يتوقف الجيش النظامي عن القصف ويترك للمعارضين المسلحين مسؤولية الأمن في الحي.

وتسمح السلطات خلال الهدنة بإمداد المدينة بالمواد الغذائية وتعيد الكهرباء أو الماء. وللسلطات كذلك شرط هام لا نقاش حوله: أن يرفع المعارضون المسلحون العلم الرسمي السوري والذي رفضته المعارضة منذ بداية الاحتجاجات لأنها ترى فيه رمزا لنفوذ الرئيس بشار الأسد. واعتمدت المعارضة علما آخر صار علمها منذ صيف 2011.

ويؤكد المختص في شؤون سوريا ومدير مجموعة البحوث والدراسات حول المتوسط والشرق الأوسط، فابريس بالانش الأهمية الاستراتيجية لهذا الإجراء الأخير من إجراءات الهدنة فيقول "رفع العلم الرسمي الذي يعتبره المعارضون المسلحون علم النظام ليس فقط رمزا. فرؤية العلم المنبوذ تستفز مجموعات مسلحة أخرى وتستدرجها لمهاجمة المنطقة". ويضيف "يضعف المعارضون الذين قبلوا بالهدنة بعد تسليمهم سلاحهم فيضطرون للتقرب من الجيش النظامي. وفي الآخر الهدف هو تقريبهم من الجيش".

وهو بالضبط ما حصل في قرية خناصر شمال حماة. فبعد أشهر طويلة من القصف ورغم انقسامات داخلية حول هذا الموضوع، عقد مقاتلو المدينة في نهاية المطاف هدنة مع الجيش. لكن بعد رفع العلم الرسمي، هاجم أفراد من "جبهة النصرة" المدينة فاضطرت لطلب المساعدة من الجيش. وحسب فابريس بالانش فإن شرط رفع العلم الرسمي كدليل على حسن النية هو استراتيجية من استراتيجيات النظام الذي يستغل الهدن ليتقدم ميدانيا ويدخر جهوده ويستعيد السيطرة. واستقبل بعض الأهالي الذين عانوا من انقطاع الماء والكهرباء إضافة إلى القصف، بحرارة هذه الهدن التي مكنت من عودة أساسيات الحياة اليومية.

بين مطرقة النظام وسندان الجهاديين

وظهرت الهدن في الفترة الأخيرة، ومع صعود مجموعات جهادية إلى الواجهة، على غرار "الدولة الإسلامية في العراق والشام" و"جبهة النصرة"، يلاحظ فابريس بالانش أن "المعارضين الذين يمكن وصفهم بالمعتدلين أنهكتهم ثلاث سنوات من النزاع". ويذكر بالانش أن هؤلاء الذين كانوا مدعومين من الغرب لم يعودوا يحصلون على مساعدات، في حين يحظى الجهاديون بدعم السعوديين والقطريين. فيجد المعارضون "المعتدلون" أنفسهم بين مطرقة النظام الذي يسعى إلى كسب المعركة بالقوة وسندان الجهاديين، حليفهم السابق الذي يحاربونه منذ أشهر. فلم يعد لهؤلاء المعارضين "المعتدلين" ما يكفي من الوقت ومن السلاح لمحاربة النظام منذ أن توحدت عديد الفصائل في مواجهة الجهاديين معتبرين أنهم سرقوا ثورتهم وأنهم يضرون بها.

ولم يتخذ قرار تسليم الأسلحة الثقيلة دون نقاش أو جدال. ففي آخر ديسمبر/كانون الأول، قال أبو مالك وهو مسؤول في المجلس المحلي في معضمية الشام لوكالة فرانس برس أن الأهالي المتبقين، ويقدرون بالآلاف، منقسمون حول المسألة بين من يعتبر أن الأهم هو إطعام الناس ومن كان يريد مواصلة الصمود في وجه النظام حتى النصر.

وتظل رغم ذلك الهدن المتزايدة حول دمشق وسيلة توفر الأرواح. ويرى فابريس بالانش في الأمثلة المدروسة بوادر ممكنة لجزء من الحل في هذه الأزمة. وإن كان مقتنعا بضرورة الدفع الدبلوماسي الدولي، فهو متأكد من أن الأزمة السورية ستحل على الصعيد المحلي.

التعليقات