جنون اللاجئين.. سوري يسبح من تركيا إلى اليونان

ضنك العيش جعله يتخذ قراراً بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، أسوة بباقي السوريين، وتحديداً إلى بلجيكا حيث تقيم أمه وشقيقه الأكبر، لكن فقر الحال جعله يفكر في طريقة للوصول بأقل سعر ممكن.

جنون اللاجئين.. سوري يسبح من تركيا إلى اليونان

من منطقة تدعى باللغة التركية 'تشيشمه' والتي تتبع لمدنية إزمير على البحر المتوسط، انطلق فراس أبو خليل ابن السابعة والثلاثين عاماً، نحو الجزر اليونانية مهاجراً بطريقة غبر شرعية، لكن ليس عبر قوارب المهربين، بل عبر السباحة في المتوسط، يرافقه سوري آخر، بعد أن جهزا نفسيهما للرحلة الطويلة لمسافة تقدر بـ 8 كم، فيما لا ينصح أبو خليل اليوم أي أحد بتكرار التجربة، بعد أن وصل لبروكسل، العاصمة البلجيكية، حيث يقيم كلاجئ سوري جديد.

لماذا تهاجر؟

كان فراس يقيم في الأردن مع زوجته وولديه كواحد من عشرات آلاف اللاجئين السوريين، ضنك العيش كما يسميه وغياب المستقبل، جعله يتخذ قراراً بالهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، أسوة بباقي السوريين، وتحديداً إلى بلجيكا حيث تقيم أمه وشقيقه الأكبر، لكن فقر الحال جعله يفكر في طريقة للوصول بأقل سعر ممكن.

يقول أبو خليل إنه 'قررت أن أسبح. فتحت الخريطة على هاتفي النقال، وشاهدت المسافة بين تركيا واليونان، كنت سمعت من الذين سبقوني أن الرحلة تكلف أكثر من 2000 دولار فقط لعبور البحر باتجاه اليونان، كان علي أن أجد حلا فلا مال يكفي معي'.

أبو خليل هو ابن مدينة اللاذقية على الساحل السوري، وكغيره من أبناء الساحل اعتاد السباحة في البحر، لكن ليس لمسافات طويلة.
يتابع: 'كانت المسافة التي شاهدتها في الخريطة طويلة للغاية، عرفت أني إن وصلت إلى إزمير سأتمكن من دراسة الموقع أكثر وهذا ما فعلته'.

الخطة

وصل أبو خليل إلى إسطنبول في رحلة جوية، ومنها توجه إلى إزمير على ساحل المتوسط. وكان قد تعرف على هشام، الشاب السوري ابن العشرين عاماً في إسطنبول، ووجد أنه يخطط أيضاً للهجرة ولا مال معه، سرعان ما اتفقنا على السباحة سوية.

في إزمير بدأ أبو خليل بدراسة خط الرحلة 'كنت أستطيع مشاهدة جزر يونانية من شاطئ إزمير، لكني كنت أريد أقرب نقطة، فوصلت إلى 'تشيشمه' ومنها بدأت رحلتي مع هشام'.

توجه أبو خليل إلى السوق، واشترى سترة نجاة وملابس سباحة للمحترفين، جمع كل ما يملك من أوراق ثبوتية ووضعها مع هاتفه النقال في كيس بلاستيكي كتيم، ونزل إلى الماء.

جزر الصخر

'بدأت السباحة نحو اليونان، كنت أرى جزيرتين يونانيتين. انطلقت عند التاسعة والنصف مساء. كانت الساعة الأولى سهلة ولا تيارات في الماء، فيما الأنوار من اليونان تبدو قريبة. بعد الساعة الثانية، لم أشعر أني اقتربت أبداً، وأدركت أن التيار يجرفنا أو لا يجعلنا نتقدم. بعد ثلاث ساعات وصلنا إلى الجزيرة الأولى، لكنها لم تكن تصلح كمحطة لنا أبداً'

كانت الجزيرة الأولى التي وصل إليها أبو خليل صخرية ولا شطآن لها، ومن المستحيل بحسب ما يقول تسلقها. كانت قوته لا تزال كما هي، ولا يزال قادراً على متابعة السباحة، فقرر مع هشام الاستمرار.

'بعد الجزيرة الأولى مر بالقرب منا مركب لا أعرف إن كان لخفر السواحل أو لسياح أو حتى مركب تجاري، واتفقت مع هشام على أن نستمر في السباحة حتى الجزيرة الثانية وألا نطلب المساعدة من المركب، لكن حين وصلنا إلى الجزيرة الثانية، أدركنا من جديد أنها صخرية ولا يمكن تسلقها'.

بعد الجزيرة الثانية، أصيب هشام بالتعب. قرر أبو خليل أن يجد حلاً فالشاطئ لا يزال بعيداً عنها، وهو يقصد هنا شاطئ جزيرة كوريس اليونانية الشهيرة التي يصل إليها ركاب قوارب التهريب.

'مر بجانبنا مركب آخر، فأخرج هشام ضوء ليزرياً من بين أغراضه، ووجه للمركب، الذي تلقى الإشارة وأشعل الكشافات الضوئية باتجاهنا، وسحبنا من المياه. كان مركب يقل ركاباً وليس خفر سواحل، مع هذا لم يكونوا يصدقون إننا اثنين فقط. قالوا لنا إنه من المفترض أن يكون هناك ثلاثون شخصاً على الأقل'.

على المركب لم يجرؤ أبو خليل على قول الحقيقة للركاب. لم يقل إنه مع هشام وصلا إلى هنا عبر السباحة. كان يخشى أن يعيده طاقم السفينة إلى المياه. قال إن مركبا ألقى بهما هنا، وأنهما يقصدان اليونان، فتم نقلهما إلى أثينا، ومن هناك تابع رحلته عبر البر إلى بلجيكا.

على الظهر

اعتمد أبو خليل على ظهره في السباحة بين القارتين والبلدين في الساعات الأولى لرحلته، مارس بعض التمارين الرياضية قبل يوم من الانطلاق كي يحافظ على لياقة جيدة، ثم قلب بين سباحة الظهر والفراشة كي يريح العضلات ويعتمد عليها جميعاُ. يقول إن الكثير من الأفكار السوداء راودته وهو في عرض البحر، لكن لم يكن أمامه أي أمل سوى في المتابعة.

لولا الكرامة

لم يكن أبو خليل ليهاجر نحو أوروبا لو أنه وجد عملا كريماً في أي بلد عربي. 'لو أني وجدت حياة كريمة في أي بلد عربي، لما كنت غادرت أبداً ولا خاطرت بحياتي في رحلة بحرية مثل التي خضتها، لكني كنت مضطراً جداً وانقطعت بي السبل تماماً'.

بعد اليونان عبر أبو خليل مع هشام عدة بلدان أوروبية إلى أن وصل لبلجيكا التي كانت غايته الأولى لأن الحصول على لم شمل الخاص بعائلته لا يحتاج لكثير من الوقت والانتظار.

التعليقات