أين من كتبوا على جدران سورية عام 2011؟

رغم أنه شاهد ما يكفي من المشاهد المستفزة في مخيم اليرموك المحاصر، إلا أن سامر، الناشط في المجال الإغاثي، يقول إن أكثر ما أغضبه في مخيمه، كان حين شاهد رسمًا على أحد جدران المخيم يدعو المرأة إلى الحشمة بدلا من دعوات الحرية

أين من كتبوا على جدران سورية عام 2011؟

جدران الحريّة المنقوشة بالأمل (ناشطون)

رغم أنه شاهد ما يكفي من المشاهد المستفزة في مخيم اليرموك المحاصر، جنوبيّ دمشق، إلا أن سامر، ابن الرابعة والعشرين عامًا، والناشط في المجال الإغاثي، يقول إن أكثر ما أغضبه في مخيمه، كان حين شاهد رسمًا على أحد جدران المخيم، يدعو المرأة إلى الحشمة عبر تشبيه 'السيدة حاسرة الرأس بقطعة الحلوى التي يكثُر حولها الذباب'، وفقًا لما قاله سامر لموقع عرب 48، من محل إقامته الجديد، في برلين، والذي يفضل أن يدعوه بالمنفى.


سامر هو أحد شباب الحراك المدني الأول في جنوب العاصمة، دمشق، كان من أوائل الشبان الذي تلثموا وساروا ليلًا في أزقة العاصمة 'الميدان، الزاهرة، مخيم اليرموك'، ليكتب الجملة الأكثر شهرة عام 2011 'الشعب يريد إسقاط النظام'، يقول سامر 'كنت أكتبها ليلًا لتختفي بعد ساعات، أكثرها عمرًا عاش حتى ساعات الصباح الأولى، كانت سيارات الدفع الرباعي التابعة لمخابرات النظام، سريعة في المسح والشطب، وكنا في منافسة حادة معها'.

بالقرب من منزله، كتب سامر ذات العبارة، وبالقرب من مدرسته الابتدائية ومن ملعب كرة القدم في المخيم، استخدم اللون والشعر والأدب والسياسية على كل جدار تمكن من أن يكون وحيدًا أمامه طوال أشهر، قبل أن تتحول جدران مخيمه، لاحقًا، إلى نشرات دينية دعويّة، ورغم أنه من الممكن اعتباره شاب ملتزم دينيًا، إلا أن ما كتب على جدران المخيم، لاحقًا، أشعل الرفض في قلبه ونفسه.

غادر سامر المخيم، نهائيًا، بعد نيسان/أبريل 2015 'تاريخ اجتياح تنظيم داعش لمخيم اليرموك'، فيما يتمنى اليوم لو أنه يستطيع أن يكتب جملة واحدة جديدة على جدران المخيم: 'يا يرموك، لا تصدق حتى ظلك'.

من الثورة إلى الدعوة

في سراقب، اعتاد سومر كنجو على أن يكون جزءًا من مجموعة شبان كتبوا أشعار محمود درويش على جدران البلدة، منذ أن قررت البلدة أن تكون إحدى بلدات الثورة السورية، يذكر  كنجو كيف تفاعل الناس مع أشعار محمود درويش، حتى غير السياسية منها، كتب سومر مع عدد من شبان سراقب حتى أبيات الغزل الخاصة بدرويش، وغيرها من العبارات السياسية التي راجت في سورية منذ آذار/مارس 2011.

لكن جدران سراقب، التي ظهرت في فيلم سينمائي، تغيّرت، فقد فرضت القوى العسكريّة التي تبادلت السيطرة على البلدة، لاحقًا، عبارات جديدة باتجاهات جديدة، تلاشت أشعار محمود درويش حتى اختفت نهائيًا، وحلت المواعظ والدعوات والإعلانات الدينية محل تلك التي كانت أقرب إلى العلمانية، واختفى حتى علم الثورة أو ظل في شوارع ضيقة وخلفية.

يترك كل هذا أثرًا بالغًا في نفس كنجو، المقيم في فرنسا، منتظرًا يومًا يعود فيه إلى بلدته، متمنيًا لو أنه يعود إلى سراقب ويكتب من جديد على جدرانها جزءًا من جداريّة درويش.

قصيدة لمحمود درويش على أحد جدران الحريّة (ناشطون)

في القامشلي، لا تزال العبارات الأولى تقريبًا موجودة على جدران المدينة، التي تسيطر عليها قوّات كردية، فيقول الصحافي جوان تتر إن الجدران استعلمت في مدينته بفترة من الفترات لما يصفه بزرع الفتنة بين العرب والكرد في عموم المنطقة، لكنها دعوات لم تلقَ استجابة مباشرة من السكان، بل إن قوات الشرطة الكردية لاحقت من كتبها وعثرت عليهم.

كتب جوان القليل على جدران القامشلي، لكنه شاهد الكثير مما كتب من قبل آخرين خلال سنوات، الدعوات لإسقاط النظام والحرية والدفاع عن المعتقلين كلها عرفتها جدران القامشلي، قبل أن تتحول ذات الجدران للافتات تدعو لنشاطات مدنية محلية، كحملات النظافة والتعليم وحقوق الطفل والمرأ.

ويقول تتر إن القامشلي من المناطق القليلة في سورية، التي لم تتحول فيها الجدران إلى منشورات دينية، وهو لا يزال فيها حتى اليوم.

إن كتبتم، كتبنا

تجاور بلدة الهامة الواقعة إلى الغرب من دمشق، حيَّ جبل الورد، ذا الغالبية الموالية للنظام السوري، ومنذ منتصف العام 2011، اشتعلت حرب الجدران بين الجيران، ورغم أن أيًا من المشاركين في المنافسة لم يشاهد بأم عينه ما كان يكتب لدى الأخر، إلا أن الألسن كانت كفيلة في نقل الفعل ورد الفعل بين الطرفين.

'كانوا يكتبون الأسد أو نحرق البلد، كنا نعرف بذلك ونرد بالشعب يريد إسقاط النظام' يشرح سامر الشامي، من تنسيقية الهامّة للثورة السورية، ما كان يحدث بين الهامة وجبل الورد، ويتابع 'أحيانًا كانوا يرفعون العلم الأحمر فوق الأسطح، كنا نراه، لأن الهامة أقل ارتفاعًا من جبل الورد، فنرد على الجدران التي يستطيعون رؤيتها، نكتب الكلمة التي لم يكونوا قادرين على تحملها - حرية'.

بوح على جدران الحريّة (ناشطون)

يقول الشامي، إنه كتب عن المعتقلين كثيرًا في شوارع الهامة، وحتى أن آخر ما كتبه في البلدة المحاصرة كان عن المعتقلين، كذلك، في الذكرى الخامسة لانطلاقة الثورة، يقول 'لأنهم منسيون، هناك آلاف منهم يعذّبون كل يوم، وعشرات يقضون بصمت في معتقلات النظام، أكثر ما أريد أن أكتبه على الجدران هو قصصهم، وأحاول، دائمًا، التذكير بهم كلما سنحت الفرصة بذلك'، لا يزال سامر، حتى اليوم، يقيم في بلدة الهامة.

نافورة الدم

لم تكن الكتابة على الجدران بالأمر السهل في قلب العاصمة، دمشق، الحقوقي عبد الكريم ريحاوي، لجأ إلى فكرة أخرى في أول عام للثورة، كان في مكتب وكالة فرانس برس، المطل على ساحة السبع بحرات، التي تتوسطها نافورة مياه، عندما فكّر لو أن النافورة تضخ مياه حمراء، كدلالة على بحر الدم الذي كان النظام قد أطلقه في بعض مناطق البلاد آنذاك، وصباح اليوم التالي كانت مياه النافورة قد تلونت بالفعل.

يقول ريحاوي لعرب 48 إنه نفّذ الفكرة مع شاب أخر بكلفة وصلت إلى 35 ليرة سورية فقط، بعض اللون الترابي الأحمر، وضع في مناديل ورقية رميت في النافورة، خلال الليل 'كان الوضع خَطِرًا بالفعل، كنت في السيارة أرمي المناديل واحدًا تلو الأخر ونحن ندور في الساحة، حين وصلنا إلى نصف الكميّة تقريبًا، أخذنا استراحة وابتعدنا بالسيارة عن الساحة وعدنا لها بعد ساعة لنتابع رمي بقية المناديل، في الصباح، كان اللون الأحمر قد صبغ المياه، كانت رسالتنا واضحة'، يعيش ريحاوي في ألمانيا، اليوم، وينشط من هناك منتظرًا يوم عودته إلى دمشق.

اقرأ/ي أيضًا| حلب: التهجير أو الموت جوعا وقصفا

التعليقات