معركة الرقة... نزوح للمدنيين وترقب للعسكريين

على الطريق إلى قرية الحرية، يقف رجلان باللباس العربي أمام منزل رفع على سطحه علم أبيض للإشارة لطائرات التحالف بوجود مدنيين، وليس ببعيد عنهما منازل أخرى دمرتها الغارات بالكامل.

معركة الرقة... نزوح للمدنيين وترقب للعسكريين

على سطح أحد المنازل في ريف الرقة الشمالي، يراقب عسكري من التحالف الدولي بمنظاره المعارك القريبة ويتلقى قادة أكراد عبر أجهزة اللاسلكي اتصالات من مقاتليهم على الأرض تتيح إبلاغ الطائرات بمواقع عناصر 'داعش'.

في قرية الحرية، التي تبعد أقل من كيلومترين عن قرية الهيشة، حيث تركزت الاشتباكات يوم الجمعة الماضي، يتخذ قادة أكراد من قوات سورية الديموقراطية وعسكريون من التحالف الدولي من أحد المنازل الإسمنتية مركزا للإشراف على سير المعارك.

وتختلط الأصوات على أجهزة اللاسلكي بين اتصالات المقاتلين على الأرض وأوامر القادة الموجهة إليهم، لتنسيق الهجوم على الهيشة، التي نجحت قوات سورية الديموقراطية في وقت لاحق من مساء الجمعة بالسيطرة عليها.

يراقب أحد عسكريي التحالف وإلى جانبه زميلان له، أعمدة الدخان التي ترتفع من القرية المحاطة بأرض خضراء.

وأمام المنزل يقف عنصران من التحالف بالقرب من عربتين عسكريتين، وآخرون يحملون سلاحهم في بهو المنزل حيث شجرة توت عتيقة، في حين لا تنفك الطائرات الحربية عن التحليق في الأجواء.

تتغير ملامح عسكريي التحالف فور رؤيتهم لفريق فرانس برس، فيطلبون عدم التقاط الصور ومغادرة المكان فورا.

وفي فناء منزل آخر تدار منه أيضا العمليات، يتحدث القيادي في قوات سورية الديموقراطية، أحمد عثمان، عن التنسيق الدقيق بين القوات على الأرض وطائرات التحالف الدولي في هذا الهجوم، الذي أطلق قبل عشرة أيام لطرد 'داعش' من الرقة أبرز معاقله في سورية.

ويقول عثمان بلحيته السوداء الخفيفة باللغة الكردية 'القوات التي تتقدم على الأرض تعطينا الإحداثيات كونها قريبة من الأهداف'، مضيفا 'يحسب المقاتلون المسافات بينهم وبين المرتزقة ويكشفون مصدر النيران، ثم يرسلون لنا الإحداثيات ونحن بدورنا نبلغ قوات التحالف بها ليتم ضربها'.

الطائرات تكشف المنطقة

الأمر ذاته ينطبق على سيارات 'داعش' المفخخة، إذ يقول عثمان 'أحيانا نتصدى لها بأسلحتنا وأحيانا نعلم بمكان سيارة مفخخة ويقصفها طيران التحالف بعد إبلاغه بإحداثيات الهدف'.

وليس بعيدا عنه، تحمل القيادية في وحدات حماية المرأة الكردية، روجدا فلات، حاسوبا لوحيا تظهر عليه خريطة المعركة الدائرة ويحيط بها قياديون آخرون.

وبعد تحديد الأهداف، تحمل فلات المنظار لتراقب ما يجري، وإلى جانبها يجلس مقاتل وضع على رأسه شالا كرديا تقليديا، أسود اللون عليه زهور ملونة يتحدث عبر جهاز لاسلكي.

ويشارك حوالي خمسين مستشارا وخبيرا عسكريا أميركيا في غرفة عمليات معركة الرقة، وفق قوات سورية الديموقراطية.

وردا على سؤال لفرانس برس، أوضح المكتب الإعلامي للتحالف أنه 'كجزء من التزام التحالف بتقديم الاستشارة والمؤازرة ومرافقة قوات سورية الديموقراطية، يُطلب منا تقديم المساعدة في تخطيط العمليات وتنسيق الغارات الجوية وتنظيم تحركات القوات فضلا عن التدريب وتأمين المعدات لقوات سورية الديموقراطية لعزل الرقة'.

تعبر عربات قوات سورية الديموقراطية الطرق الصحراوية مسرعة باتجاه الخطوط الأمامية.

وعلى سطح مدرسة في قرية الحرية، أشار القيادي في قوات سورية الديمقراطية، عكيد كوباني، إلى قرية الهيشة ليشرح كيف يتقدم زملاؤه على الأرض لاقتحام القرية، برغم قذائف الهاون التي يطلقها عناصر 'داعش'.

ويقول 'رفاقنا يتحضرون للهجوم والمرتزقة يقصفون قذائف الهاون، لكن الطائرات تكشف المنطقة الآن'.

ويوضح 'في معركة تحرير الرقة لا يتم استخدام الأسلحة الثقيلة، بل نعتمد بشكل كبير على الأسلحة الفردية وقصف طيران التحالف'.

العلم الأبيض

ويكمن 'الخطر الأكبر'، على حد قوله، في 'وجود مدنيين يستخدمهم داعش دروعا بشرية'.

وتسببت ضربة جوية للتحالف الدولي في التاسع من تشرين الثاني/نوفمبر بمقتل 20 مدنيا على الأقل في قرية الهيشة، وفق حصيلة للمرصد السوري لحقوق الإنسان. الامر الذي نفته قوات سورية الديموقراطية، فيما أكد التحالف أنه يحقق بالأمر.

على الطريق إلى قرية الحرية، يقف رجلان باللباس العربي أمام منزل رفع على سطحه علم أبيض للإشارة لطائرات التحالف بوجود مدنيين، وليس ببعيد عنهما منازل أخرى دمرتها الغارات بالكامل.

وفي مخيم مؤقت للمدنيين الفارين من المعارك عند أطراف بلدة عين عيسى، تروي عمشة (38 عاما) وهي تتكئ ولا تظهر سوى عينيها من خلف حجاب لفته على وجهها 'الضرب دائما على مكان يتواجد فيه داعش الذي يختبئ حتى بين الأطفال'.

وتضيف 'أطفالنا يخافون كثيراً من الطيران، لدينا طفلة صغيرة كل ما رأت طائرة تصرخ، طيارة طيارة، وتركض لتختبئ'.

وفي هذا المخيم الذي تجمع فيه آلاف النازحين في ظروف صعبة، أطفال يلعبون بعجلات سيارات قديمة ونساء يجلبن المياه وأخريات يحضرنّ الطعام.

وتروي غادة وهي في العشرينات من العمر وهي ترضع طفلتها 'كان داعش يضع السيارات المفخخة بين منازلنا كي لا يراها الطيران'.

اقرأ/ي أيضًا | التحالف يقصف الموصل جوا لدحر داعش برا

وتضيف 'كنا نخاف كثيرا حين يأتي الطيران'، أما عناصر 'داعش' فكانوا 'يقولون لنا إنهم يموتون فما المشكلة إذا مات المدنيون أيضا معهم'.

التعليقات