إدلب: محطة مؤقتة وثقب الثورة الأسود

وفقًا للمعلومات التي جمعها "عرب 48" من مصادر عدة في إدلب وريف دمشق، فإن قسمًا هائلًا من مقاتلي المعارضة السورية الذين انتقلوا وفق اتفاقات جرت العام الماضي بين النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة، قد غادروا سورية بشكل نهائي باتجاه تركيا أو دول الاتحاد الأوربي

إدلب: محطة مؤقتة وثقب الثورة الأسود

الحافلات الخضراء تنقل المهجرين

يعرف العالم مدينة إدلب في شمال سورية على أنها وجهة نقل المقاتلين السوريين المعارضين، ونشطاء في الثورة ومدنيين كانوا عالقين في مناطق محاصرة من البلاد، لتكون المدينة التي خرجت بشكل كامل عن سيطرة النظام في الخامس عشر من آذار/ مارس عام 2015، المعقل الجديد لآلاف من المقاتلين وعاصمة المعارضة الجديدة، هذا في المظهر، لكن الأرض تقول إن إدلب ليست إلا معبرًا فقط لمعظم من وصلها خلال العام الماضي على الأقل، من شتى المناطق السورية.

وفقًا للمعلومات التي جمعها 'عرب 48' من مصادر عدة في إدلب وريف دمشق، فإن قسمًا هائلًا من مقاتلي المعارضة السورية الذين انتقلوا وفق اتفاقات جرت العام الماضي بين النظام السوري وفصائل المعارضة المسلحة، قد غادروا سورية بشكل نهائي باتجاه تركيا أو دول الاتحاد الأوربي على فترات مختلفة.

تتنوع الأسباب التي تدفع مقاتلين حملوا السلاح لسنوات في قراهم ومدنهم، إلى اعتزال العمل العسكري والتوجه إلى خارج البلاد، فمنهم من يُشهر بفقدان الأمل التام في أي حل عسكري، بعد أن غادر الجبهة التي قاتل ورابط فيها مرارًا، يقول و.س، وهو قائد فصيل قاتل في قدسيا بريف دمشق الغربي، لـ'عرب 48' اعتبرت أن معركتي انتهت منذ أن توجهت الحافلة بي إلى إدلب، فضلت الاحتفاظ بسلاح الشخصي كي أحمي نفسي على الطريق فقط، ما إن وصلت إلى الحدود التركية السورية حتى أهديته لمقاتل في حركة أحرار الشام'.

ذات المستبد بلون آخر

مقاتلو حلب، التي عرفت اتفاقًا قضى بنقل مقاتليها وعدد كبير من مدنيها باتجاه إدلب، هم ايضًا انتقلوا على دفعات باتجاه الأراضي التركية، المنفذ الأخير لكل الراغبين بمغادرة البلاد، فيما لا يزال في إدلب عدد من المدنيين المهجرين، الذين أجبرتهم ظروفهم المادية على البقاء في المدينة التي تسيطر عليها فصائل إسلامية يصنفها المجتمع الدولي على أنها إرهابية، فيما يقول ناشطون التقاهم 'عرب 48'، بعد أن مروا في إدلب، إنها فصائل لا تقل استبدادًا عن نظام الأسد ذاته.

منذ أن صعد الناشط السلمي، عبد الرحمن فتوح، في الحافة الخضراء التي أقلته إلى إدلب منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، مغادرًا بلدته الهامة في ريف دمشق، وهو يعرف أين يتجه، إلى تركيا، يقول فتوح لـ'عرب 48' إن أكثر ما لفت نظره حين وصل المدينة الشهيرة في البلاد، هو انخفاض أسعار المواد الغذائية فيها، مقارنة بالعاصمة دمشق، رويدًا رويدًا بدء فتوح يتلمس سطوة الجماعات الإسلامية التي تسيطر على المدنية بشكل كامل وعلى رأسها 'جبهة فتح الشام'.

لم يبقى فتوح في إدلب كثيرًا، غادرها باتجاه غازي عنتاب التركية، يقول إن أكثر ما يثير الدهشة في إدلب على المستوى العسكري، هو هدوء جبهتي بلدتي نبل والزهراء، اللتان لا تزالان مواليتان للنظام في دمشق حتى اليوم، فيما تشتعل جبهات ثانوية بين فصائل المعارضة السورية المنتشرة في إدلب وريفها، بشكل يومي تقريبًا.

ما أن تنصرف وسائل الأعلام التي تنقل وصول حافلات المهجرين باحتفاء كبير، حتى يجد من وصلوا المدينة أنفسهم متروكين بلا أي مساعدة أو إعالة أو حتى دليل، ما يضطرهم للبحث عن سبل الإيواء والطعام بأنفسهم.

جيوش وعقائد

المقاتلون بدورهم، يقفون وجهًا لوجه أمام اختلافهم فكريًا وعسكريًا مع فصائل الشمال، التي اعتادت القتال في أراض مفتوحة وبدعم عال المستوى.

يصل المقاتلون إلى إدلب ليكتشفوا اقتتال الفصائل المعارضة فيما بينها، فبالتزامن مع مؤتمر أستانا الذي عقدته موسكو بين وفدي النظام والمعارضة المسلحة الشهر الماضي، تجدد القتال الدموي بين جبهة فتح الشام (النصرة سابقًا)، وكتائب المعارضة السورية المسلحة التي انضمت رويدًا رويدًا إلى القتال، يقول الصحافي السوري، ورد اليافي، لـ'عرب 48' إن مقاتلي ريف دمشق تحديدًا 'فوجئوا بنوعية السلاح التي يملكها مقاتلو إدلب، أسلحة ثقيلة ومعدات لم يسبق أن تواجدت في عموم الريف الدمشقي، ما ترك سؤالًا واحدًا في بالهم، ماذا كان يفعل مقاتلو الشمال طوال سنوات إذا كانوا يمتلكون هذا السلاح النوعي؟'.

يرى اليافي أن مقاتلي المعارضة الذين هجروا إلى إدلب، وصلوها أساسًا وهم مهزومون ويائسون 'كثيرون منهم عقدوا النية على مغادرة سورية نهائيًا، لا تنسى ما عاشوه طوال سنوات من حصار وجوع ومعارك، وهم أغلبهم شباب في أول العشرينات، لم يعرفوا من الحياة إلا الحرب'.

لا مكان للمستقلين

ميلاد شهابي، ناشط إعلامي غادر حلب مع الآلاف غيره في الشهر الأخير من العام الماضي، يؤكد لـ'عرب 48' أن 'أغلب نشطاء و ثوار مدينة حلب غادروا إما باتجاه تركيا أو باتجاه ريف حلب الشمالي'.

ويضيف شهابي 'بالطبع الوضع في مدينة إدلب أو المناطق الخاضعة لجيش الفتح لا يسمح بأي عمل ثوري بشكل علني وصريح، فعلى سبيل المثال، يمنع رفع علم الثورة السورية، وفي حال رفع العلم فقد تتعرض للاعتقال أو الخطف وهو الأمر المشابه لحكم نظام الأسد'.

يتفق فتوح مع شهابي على الأمر عينه، وكلاهما هُجرا من مناطقهما باتجاه إدلب، ويقول 'لا يمكنني أن أقوم بأي عمل دون موافقة أمنية من إدارة جيش الفتح، لذلك لم أستطع العيش أو العمل في محافظة إدلب'، وكلا الشابين وصلا إلى إسطنبول التركية منذ أسابيع قليلة.

أكبر من مدينة

في إدلب أصدر مجلس المحافظة التابعة للمعارضة، بيانًا أعلن فيه أنه لم يعد قادرًا على استقبال المزيد من المدنيين المهجرين من مناطق البلاد، قال عضو المكتب التنفيذي في مجلس محافظة إدلب، محمد سالم خضر، لـ'عرب 48'، إن 'المدينة لا تتلقى أي مساعدات غذائية تكفي لآلاف المدنيين الواصلين إليها'.

خضر لا يخفي خشيته مما يسميه 'حشر معارضي النظام في إدلب تمهيدًا لعملية عسكرية كبرى ضدها'، فيما يعتبر أن البيان الصادر في منتصف كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بمثابة نداء سياسي، كي يتحرك المجتمع الدولي لوقف علميات التهجير القسري التي يقوم بها النظام مع الحليف الروسي.

خضر أشار لنا بأن أكثر من نصف مليون سوري وصلوا إلى إدلب من ريف دمشق والساحل السوري وريف حماة وريف حمص إضافة إلى حلب.

الطريق مجانا للهرب

الحافلات الخضر التي تنقل مدنيين ومقاتلين وناشطين إثر اتفاقات التهجير، تعني أن الطريق مفتوح أولًا ولا توقفه قوات النظام وحواجزه العسكرية المتعددة ولا قوى المعارضة وفصائلها المتنوعة بدورها، ومجاني ثانيًا، في الوقت الذي قد يدفع فيه أي مدني يعيش في منطقة محاصرة ما يتجاوز مليون ليرة سوريا '2000 دولار' كي يصل إلى إدلب فقط.

الفكرة السابقة، أي استغلال الطريق لمن يودون مغادرة سورية بشكل نهائي ولا يمتلكون المال ولا العلاقات اللازمة، ظهرت جليًا في اتفاق خان الشيح غرب دمشق، إذ رصد 'عرب 48'، خروجًا غير متوقع لمئات من المدنيين الذي التحقوا في اللحظات الأخيرة بالحافلات الخضراء، نحو إدلب، ومنها دخلوا تركيا، معظم هؤلاء لاجئون فلسطينيون سوريون من مخيم خان الشيح.

التعليقات