سورية: 3 آلاف عام من الحضارة دمرت بعين دارة

منحوتات حجرية كانت تزين الجدران الخارجية لمعبد عين دارة الأثري شمالي سورية تحولت إلى ركام ولم يبق من أحد الأسود البازلتية إلا مخالبه

سورية: 3 آلاف عام من الحضارة دمرت بعين دارة

(أ ف ب)

تحولت منحوتات حجرية كانت تزين الجدران الخارجية لمعبد عين دارة الأثري شمالي سورية إلى ركام ولم يبق من أحد الأسود البازلتية إلا مخالبه، جراء قصف تركي يطال منطقة عفرين منذ نحو أسبوعين.

ومنذ اندلاع النزاع في العام 2011، لم تسلم المواقع الأثرية التي تعرف بها سورية وتعود لحقبات تاريخية متنوعة، من الدمار والتخريب حينا والنهب والسرقة حينا آخر.

وعلى تلة جنوب شرق قرية عين دارة التي تتميز بمنازلها الحجرية، تربع معبد يحمل اسم القرية، يعود تاريخ بنائه إلى الحقبة الآرامية، ولطالما اشتهر بضمه أسودا بازلتية ضخمة ولوحات حجرية عليها منحوتات، وفق خبراء آثار سوريين.

وتعرض هذا الموقع القريب من مدينة عفرين والبعيد نسبيا عن نقاط المعارك التي تشنها القوات التركية وحلفاؤها من الفصائل السورية المعارضة ضد المقاتلين الأكراد، الجمعة، لقصف اتهم قياديون أكراد والمرصد السوري لحقوق الإنسان ودمشق تركيا بشنه، الأمر الذي تنفيه أنقرة.

وبدت في الموقع حجارة من مختلف الأحجام متناثرة على درج المعبد المزخرف، بالإضافة إلى حجارة بازلتية سوداء تعود للحيوانات المجنحة، فيما نجا الجزء الخلفي من المعبد حيث لا يزال أسد ضخم في مكانه.

وتبلغ المساحة الاجمالية للموقع الذي بني في الفترة الممتدة بين العامين 700 و1300 قبل الميلاد نحو خمسين هكتارا (500 دونم) ويشرف على هضاب عفرين الخضراء.

ويروي أحد سكان قرية عين دارة، أحمد صالح، وهو رجل في السبعينات من العمر، وهو يقف أمام منزله المواجه للموقع الأثري لحظة استهدافه الجمعة. ويقول لوكالة فرانس برس "كنت جالساً هنا. اهتززنا بقوة من شدة القصف وبعدها بدأ الدخان يتصاعد من التلة".

ويقدر خبير الآثار، صلاح الدين سينو، في مقر هيئة الآثار التابعة للإدارة الذاتية الكردية في مدينة عفرين، أن الموقع تضرر بنسبة تتراوح بين 40 و50 في المئة بعد الكشف الأولي عليه.

وبحسبه، ومقارنة بصورة سابقة للمعبد، فإن الضرر يمتد من مدخل المعبد إلى أجزائه الداخلية، حيث تطايرت هياكل المعبد والتماثيل المنحوتة الممثلة للحيوانات الأسطورية الحارسة للمعبد ومنحوتات اخرى تمثل الآلهة. كما "تطايرت حجارة الأرضية إلى مسافة 100 متر.

وقالت مسؤولة في منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونيسكو) لفرانس برس إن "أضرارا جسيمة" لحقت بالأقسام الوسطى وتلك الواقعة جنوب شرقي المبنى.

ودانت المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية في بيان الأحد "الهجمات التركية على المواقع الأثرية في منطقة عفرين السورية، والتي أدى آخرها إلى تدمير معبد عين دارة".

في المقابل، تنفي تركيا أن تكون قد استهدفت أيا من المواقع الأثرية في المنطقة.

وأعلن الجيش التركي في بيان الثلاثاء أن "الأبنية الدينية والثقافية، المعالم التاريخية والبقايا الأثرية لا تشكل بالتأكيد جزءا من الأهداف التي تستهدفها القوات التركية المسلحة" في عفرين.

ويعد المعبد "مثالا مهما عن العمارة الدينية الحثية السورية" وفق المسؤولة في منظمة يونسكو التي تشير إلى غناه بحجارة مزخرفة برسوماتها وأشكالها الهندسية، كانت تشكل قاعدة لجدرانه قبل أن يدمرها القصف.

وتضم عفرين والمناطق المجاورة لها العديد من المواقع الأثرية التي يخشى سينو أن تكون قد تضررت أيضا جراء القصف. ويناشد "المنظمات الدولية وبينها منظمة يونسكو ممارسة الضغط من أجل تحييد هذه الأماكن والمواقع الأثرية".

وتقدم منظمة يونسكو، وفق المسؤولة فيها، إلى "تركيا وكافة الأطراف المعنية إحداثيات المواقع التراثية بهدف تجنب الضربات الجوية عليها".

ويقول المدير السابق للمديرية العامة للآثار والمتاحف في سورية، مأمون عبد الكريم، إن "تدمير معبد عين دارة يشبه هول وفداحة تدمير معبد بل" في مدينة تدمر الأثرية المدرجة على قائمة التراث العالمي الإنساني.

ويبدي عبد الكريم قلقه حيال تداعيات القتال في منطقة عفرين على منطقة جبل سمعان المجاورة، حيث للقوات التركية نقاط تمركز عدة.

وأدرجت منظمة يونسكو عشرات القرى في هذه المنطقة على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر.

ووفقاً لموقع المنظمة الدولية "تتميز هذه القرى التي بُنيت بين القرنين الأول والسابع بمناظر حافظت على الكثير من خصائصها على مدى السنين، وتشمل معالم أثرية لعدد من المساكن والمعابد الوثنية والكنائس والأحواض والحمامات العمومية، وما إلى ذلك".

ويصف عبد الكريم ما تتعرض له آثار سورية بـ"كارثة بكل ما للكلمة من معنى" معتبراً أن "ثلاثة آلاف سنة من الحضارة تدمرت بضربة" في عين دارة.

التعليقات