محرقة دوما: 150 قتيلًا مدنيا بهجوم كيميائي للنظام

قتل 150 مدنيًا على الأقل، ليل السبت، جراء هجوم كيميائي للنظام السوري على مدينة دوما الخاضعة لسيطرة المعارضة بالغوطة الشرقية. وقال الدفاع المدني (الخوذ البيضاء) عبر حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي، إن قوات النظام وداعميه استهدفت دوما بأسلحة كيميائية

محرقة دوما: 150 قتيلًا مدنيا بهجوم كيميائي للنظام

قتل أكثر من 150 مدنيًا، وأصيب أكثر من ألف آخرين، بينهم نساء وأطفال، بحالات اختناق بالغازات السامة، مساء السبت، نتيجة قصف قوات النظام مدينة دوما المحاصرة، في غوطة العاصمة دمشق الشرقية.

وقال الدفاع المدني في ريف دمشق، إن قوات النظام استهدفت مدينة دوما ببرميل متفجر، يحوي غازات سامة، ما أدى إلى مقتل 40 مدنيًا وإصابة آخرين بحالات اختناق، قبل أن يعود ويعلن ارتفاع عدد القتلى نتيجة الهجمة الكيميائية إلى أكثر من 150، مضيفا على حساباته الرسمية في مواقع التواصل الاجتماعي أن فرقه لم تتمكن من إحصاء عدد القتلى بسبب القصف المتواصل.

وتضاربت المعطيات حول أسباب عودة الحملة العسكرية بعد توقفها لنحو عشرة أيام، لتصبح المفاوضات قائمة تحت ضغط ناري من النظام وموسكو على "جيش الإسلام" وتهديدات بحسم عسكري، لدفع "الجيش" للقبول بالعرض المقدّم له.

وأدت عمليات القصف على دوما، إلى مقتل عشرة مدنيين على الأقل أمس، بحسب "تنسيقية دوما" التي يديرها ناشطون من داخل المدينة، وذلك بعد يومٍ دامٍ الجمعة، شهد مقتل 40 من سكان المدينة. وأفاد الدفاع المدني في ريف دمشق، بأن النظام قصف دومابالغازات السامة، مسجلاً حتى ظهر أمس، أكثر من 100 غارة وبرميل متفجر على المدينة بالتزامن مع قصف صاروخي ومدفعي، ما أخرج مركز الهلال الأحمر السوري عن الخدمة. ونشر الدفاع المدني مشاهد مصورة لعمليات إسعاف الجرحى وسحب جثث القتلى من تحت أنقاض المباني التي دمرها القصف الكثيف.

وتزامنت عودة القصف، مع محاولات تقدّم على الأرض من قِبل قوات النظام من محور بساتين الريحان ومسرابا، وزعمت مصادر النظام بتحقيق بعض التقدّم على الأرض. غير أن المتحدث باسم "جيش الإسلام" حمزة بيرقدار نفى في تغريدة له على "تويتر" ذلك، وقال إن مقاتلي "الجيش" قتلوا 17 من قوات النظام مع إعطاب جرافة وعربة عسكرية "بعد إفشال محاولة تقدّم لمليشيات الأسد على جبهة حرستا من جهة مزارع دوما محور كازية الكيلاني".

في المقابل كانت وسائل إعلامية تابعة للنظام تعلن مقتل 5 أشخاص وإصابة أكثر من 20 آخرين جراء سقوط قذائف صاروخية على حي المزة 86 ومحيط ساحة الأمويين والشعلان وأبو رمانة ومناطق أخرى في العاصمة دمشق، متهمة "جيش الإسلام" بتنفيذ الهجمات. لكن المتحدث باسم "جيش الإسلام" حمزة بيرقدار نفى عبر "تويتر" أن يكون "الجيش" هو مصدر القصف على الأحياء السكنية في دمشق، وأضاف "إنّ استهداف قوات النظام لأحياء دمشق يندرج في إطار تبرير الهجمة الوحشية على مدينة دوما وخرقها لوقف إطلاق النار المتفق عليه في المفاوضات القائمة".

وتضاربت المعلومات حول أسباب عودة التصعيد وحول تعثّر المفاوضات حول مصير مدينة دوما بين روسيا و"جيش الإسلام"، فقال القيادي في الهيئة السياسية لـ"جيش الإسلام" محمد علوش في تغريدة على "تويتر" إن فصيله لم يفاجأ "بالعدوان السافر المستمر على دوما"، موضحاً أن "المفاوضات (مع الروس كانت) تسير بمنحى إيجابي، لكن على ما يبدو فإن الصراعات الدولية بين دول الحلفاء المعتدية وأزلامهم داخل النظام تناقضت كثيراً، ولم تتقاطع مصالحهم إلا على دماء المدنيين". في المقابل، كانت مصادر النظام تهدد بـ"التوجه إلى الحسم العسكري" في حال رفض "جيش الإسلام" الإفراج عما وصفته بـ"المختطفين لديه". وذكر التلفزيون الرسمي التابع للنظام أن "القرار بات واضحاً لدى قيادة العمليات العسكرية في الغوطة، إما إخراج المختطفين بالكامل أو الحسم بشكل كامل وسحق مقار الإرهابيين في دوما". كما روّجت شبكات موالية للنظام لعمل عسكري على دوما، وأطلقت تهديدات تحت مسمى "القصاص المضاعف". وقالت شبكة "دمشق الآن" الموالية للنظام إن "قرار الحسم العسكري حول دوما قد اتُخذ".

وفي ظل سياسة الغموض التي يعتمدها "جيش الإسلام" حول مسار مفاوضاته مع الروس، انتشرت أنباء عن خلافات داخل "الجيش" أدت إلى تعثّر المفاوضات. وذكرت وزارة الدفاع الروسية أن "مسلحي جيش الإسلام في دوما أطاحوا قادتهم الذين شاركوا في المفاوضات حول خروج التنظيم منها وأقدموا على انتهاك الاتفاقات التي تم التوصل إليها." وقالت الوزارة، في بيان لها أمس السبت: "منذ 5 مارس/آذار الماضي ونتيجة للاتفاقات التي تم التوصل إليها مع زعيم تنظيم جيش الإسلام، أبو همام، عمل مركز حميميم الروسي لمصالحة الأطراف المتناحرة في سورية على إخراج المدنيين والمسلحين وأفراد عائلاتهم من مدينة دوما إلى شمال محافظة حلب". وأشارت إلى أن "هذه الفترة شهدت مغادرة 33345 شخصاً من المدينة، من بينهم 29217 مدنياً، و738 مسلحاً و3390 من أفراد عائلاتهم". وشددت الوزارة على أن عملية خروج المسلحين وأفراد عائلاتهم من دوما توقفت، موضحة: "تقول معلومات المساعدين المقربين من أبو همام، إنه تمت، نتيجة الخلافات الحادة بين المسلحين المتشددين والفصيل، الذي كان مستعداً للمشاركة في العملية التفاوضية، تصفية الزعماء السابقين للتنظيم، أبو همام، أبو عمر، أبو علي".

وفي السياق نفسه، قال ناشطون إنه تم استبعاد أبو عمار دلوان، الذي كان يتولى التفاوض مع الروس باسم "جيش الإسلام". وأوضحت الصحافية والناشطة سعاد خبية المنحدرة من الغوطة، عبر صفحتها على "فيسبوك"، أن المسؤول الأمني في "جيش الإسلام" أبو قصي الديراني قام بما يشبه الانقلاب داخل هذا الفصيل، واستبعد دلوان، كما حجّم قائد الفصيل عصام بويضاني وحدّ من تدخّله في المفاوضات مع الروس، وتولى بنفسه عملية التفاوض، ما قاد إلى التصادم مع الروس.

ونقل "العربي الجديد" عن قال ثائر حجازي، من مركز توثيق الانتهاكات في سورية، وهو عضو سابق في لجنة المفاوضات في دوما، قوله، إن الوفد المفاوض الجديد في "جيش الإسلام" برئاسة أبو قصي الديراني تراجع عن الاتفاق الذي توصل إليه قائد "الجيش" عصام بويضاني سابقاً مع الروس، ورفض تسليم السلاح الثقيل حتى التوصل إلى حل سياسي، وهو ما أدى إلى التصعيد الروسي الحالي. ولفت إلى أنه كان شخصياً شاهد عيان على محاولة "جيش الإسلام" استبعاد الشخصيات المعارضة له، ومنهم هو شخصياً، من لجنة التفاوض، ولجأ إلى إقصاء المعارضين تباعاً من هذه اللجنة، وحصرها بالمتوافقين معه، كما هو حاصل اليوم.

وقال إن "جيش الإسلام"، على غرار الفصائل الأخرى، كان لديه "خط ساخن" مع روسيا حتى قبل اتفاق "خفض التصعيد" العام الماضي. وأشار إلى أنه "كان لدى جيش الإسلام أوراق قوة في التفاوض، خصوصاً ورقة الأسرى الموجودين لديه، إضافة إلى وجود قوات له في منطقة القلمون الشرقي"، موضحاً أن "جيش الإسلام" حاول احتكار المفاوضات مع الروس، وحتى منع تسرب أخبارها إلى الرأي العام، لكن بسبب ضغط الناشطين والقوى المدنية في دوما، قبِل بإشراك بعض تلك القوى في المفاوضات حتى لا يخسر الحاضنة الشعبية وسط تململ الأهالي وقلقهم على مستقبلهم في ظل تهديدات النظام باجتياح منطقتهم.

وكانت ورقة نشرها ناشطون أفادت بأن الروس قدّموا عرضاً لـ"جيش الإسلام" يقضي بأن يسلّم سلاحه الثقيل خلال ثلاثة أيام، في المقابل تُبعد قوات النظام سلاحها الثقيل عن الغوطة، وتضمن روسيا عدم استخدام سلاح الطيران. ويلي ذلك تسليم السلاح الخفيف، فيما يسحب النظام قواته من محيط الغوطة. ومن يسلم سلاحه، تتم تسوية وضعه ويتقدّم بطلب للتطوع في الشرطة التي سيتم تشكيلها، ومن بينها كتيبة شرطة من "جيش الإسلام"، على أن تكون روسيا هي الضامن وتقدّم الأسلحة لهذه القوات من "أجل قتال داعش والنصرة".
كما يقضي الاقتراح الروسي بأن تقف "الشرطة العسكرية الروسية على الحواجز في المدينة التي ستكون حركة السكان فيها حرة" ثم "تأتي لجنة من محافظة ريف دمشق لحل كل مشاكل المدينة". وتنص الخطة الروسية أيضاً على أن "المدنيين يستطيعون تسوية أوضاعهم، وتأجيل التحاق من هم في سن خدمة العلم، وعودة الجميع إلى منازلهم، وعدم دخول الجيش والمخابرات إلى المدينة، وتحرير المخطوفين".

أما الورقة التي قدّمها "جيش الإسلام" للروس، فطالب فيها باستئناف نقل من يرغب من المقاتلين والناشطين والمدنيين إلى شمال سورية، وتثبيت وقف إطلاق النار، على أن يتم تشكيل لجنة مشتركة من هذا الفصيل والشرطة الروسية لإجراء عملية جرد للسلاح الثقيل، ثم الخفيف دون تسليمهما، على أن يتم ربط عملية تسليم السلاح، بالحل السياسي الشامل في سورية. ويوافق "جيش الإسلام" على دخول المؤسسات المدنية التابعة للنظام إلى دوما، ووجود ضمانات دولية بعدم دخول قوات النظام وأجهزة أمنه إلى المدينة، على أن يُحفظ أيضاً حق هذا الفصيل بالعمل السياسي، وحرية الحركة داخل البلاد وخارجها في المرحلة المقبلة.

وحسب هذه التسريبات، فقد رفض الطرف الروسي مقترح "جيش الإسلام"، معتبراً أن بقاء السلاح بأيدي مقاتليه، يعني استمرار الحرب. وأمهل الروس "جيش الإسلام" حتى الساعة الثامنة من مساء الجمعة الماضي لقبول مبادرته أو مواجهة العواقب. وفيما لم يصدر تعليق رسمي من "جيش الإسلام"، أو من القيادة العسكرية الروسية في سورية حول مدى صحة هذه المعلومات، فقد ذكر رئيس "مركز المصالحة الروسي في سورية"، اللواء يوري يفتوشينكو، أن المفاوضات مستمرة حول وضع دوما، على الرغم من التصعيد العسكري الحاصل.

التعليقات