شهر على معارك طرابلس ولا حسم يلوح في الأفق

رغم مرور شهر على إطلاق اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي يقود الجيش في الشرق الليبي، عملية عسكرية للسيطرة على العاصمة طرابلس، مازالت قواته عاجزة عن اختراق الطوق العسكري الذي فرضته قوات حكومة "الوفاق"

شهر على معارك طرابلس ولا حسم يلوح في الأفق

مظاهرة في طرابلس رفاضة للدعم الأجنبي لحفتر، الأسبوع الماضي (أ ب)

رغم مرور شهر على إطلاق اللواء المتقاعد خليفة حفتر، الذي يقود الجيش في الشرق الليبي، عملية عسكرية للسيطرة على العاصمة طرابلس، مازالت قواته عاجزة عن اختراق الطوق العسكري الذي فرضته قوات حكومة "الوفاق" المعترف بها دوليا، رغم تقدمها السريع في بداية الهجوم.

في 4 نيسان/ أبريل الماضي، هاجمت قوات حفتر، مدن غلاف العاصمة من محورين رئيسيين، الأول انطلق من قاعدة الوطية الجوية (140 كيلومترا جنوب شرق طرابلس)، وبلدة العجيلات (80 كيلومترا غرب طرابلس)، ومنهما دخلت إلى مدينتي صبراتة (70 كيلومترا غرب طرابلس) وصرمان (60 كيلومترا غرب طرابلس) دون قتال بعد اختراقات سابقة للمدينتين.

لكن قوات حفتر تعرضت لانتكاسة كبيرة عندما اصطدمت بكتائب مدينة الزاوية (45 كيلومترا غرب طرابلس)، التي ألحقت بها هزيمة قاسية، أوقفت بعدها قوات حفتر الهجوم عبر الطريق الساحلي، خاصة وأن هذا المحور تلقى هزيمة أقسى عندما سقط 128 عنصرًا مواليًا لحفتر أسرى لدى قوات الوفاق، بعد ساعات فقط من سيطرتهم على حاجز أمني يسمى "كوبري 27" (يبعد 27 كيلومترا عن طرابلس).

المحور الثاني، ويمثل القوات الرئيسية لحفتر القادمة من الشرق، عبر طريق طويل من بنغازي جوا إلى قاعدة الجفرة الجوية (وسط) ثم الانتقال برا إلى تخوم العاصمة، والاحتشاد بمنطقة الأصابعة، قبل دخول مدينة غريان (مركز بلدات جبل نفوسة) دون قتال بعد تفاهمات مع مسلحين من المدينة.

وتقدمت قوات حفتر، عبر هذا المحور نحو مدن منطقة ورشفانة، المعروفة بولائها لنظام القذافي السابق، ورغم المقاومة الضارية لقوات المنطقة الغربية التابعة للوفاق، بقيادة أسامة الجويلي (أغلب قواته من مدينة الزنتان)، إلا أن مدن العزيزية والساعدية والزهراء سقطت الوحدة تلو الأخرى في يد حفتر.

ترهونة تطعن "الوفاق" في الظهر

وفي الوقت الذي كانت قوات الوفاق تحاول صد التقدم السريع لقوات حفتر من الغرب والجنوب، عاجلها اللواء التاسع (المشكل من دمج اللواءين السابع و22 ترهونة) بهجوم عنيف على جناحها الجنوبي الشرقي، رغم أن اللواء السابع الذي هاجم العاصمة في صائفة 2018، أعلن أكثر من مرة تبعيته لحكومة الوفاق، رغم قرارها بحله في نفس العام.

سيطر اللواء التاسع بشكل سريع على بلدتي سوق الخميس وأسبيعة الإستراتيجيتين (45 كيلومترا جنوب طرابلس)، ودون سابق إنذار توغل في غفلة من الجميع وسيطر على ضاحية قصر بن غشير (25 كيلومترا جنوبي طرابلس)، بل واصل اختراقه منطقة عين زارة، الواقعة على تخوم وسط العاصمة، وسيطرة على أجزاء واسعة من منطقة وادي الربيع جنوب تاجوراء (الضحية الشرقية لطرابلس).

وقبل أن تلتقط قوات حكومة الوفاق أنفاسها، اقتحمت إحدى الخلايا النائمة بمنطقة السواني (30 كيلومترا جنوب شرقي العاصمة) مطار طرابلس الدولي (خرج من الخدمة في 2014).

كما التحمت قوات حفتر، في محوري غريان وترهونة، في قصر بن غشير، التي أصبحت مركز احتشاد متقدم في خاصرة طرابلس، وتم فتح محور جديد في خلة الفرجان، وسيطرت هذه القوات على معسكر اليرموك، أكبر ثكنة في العاصمة.

وكانت حكومة الوفاق تخوض معركة البقاء، بعد أن اجتاحت قوات حفتر خلال أسبوعها الأول مناطق واسعة من مدن غلاف طرابلس، ومناطقها الرخوة في ورشفانة وضواحيها الجنوبية في قصر بن غشير وعين زارة ووادي الربيع، حتى لم يعد يفصلها عن وسط العاصمة سوى نحو 17 كيلومترا أو أقل من ذلك.

"الوفاق" تستعيد توازنها وتقلب المعادلة

بعد وصول التعزيزات من مدينة مصراتة (200 كيلومتر شرق طرابلس)، ومن الزنتان (170 كيلومترا جنوب غرب طرابلس)، وعلى رأسها الكتيبة 166 (من أقوى كتائب مصراتة)، وحتى من قوات حكومة الإنقاذ السابقة (طردت من طرابلس في معارك 2017)، تمكنت هذه القوات في البداية من وقف تقدم رأس حربة قوات حفتر في عين زارة وفي خلة الفرجان، وخاضت معارك كر وفر لاستعادة المطار القديم ومعسكر اليرموك.

واستغلت قوات الوفاق نقطة ضعف قوات حفتر، المتمثلة في طول خطوط الإمداد على امتداد أكثر من ألف كيلومتر، وقامت بقصف جوي لنقاط الإمداد في قاعدة الجفرة الجوية (نحو 600 كيلومتر جنوب شرق طرابلس)، وفي الشويرف (نحو 450 كيلومترا جنوب شرق طرابلس)، وفي مزدة (نحو 200 كيلومتر جنوب طرابلس)، وفي غريان والعزيزية وسوق الخميس.

وكانت قوات حفتر، في الأسبوع الثاني من الهجوم، أقل فاعلية من الأسبوع الأول، وانكسرت أغلب هجماتها أمام الطوق العسكري الذي فرضته قوات الوفاق من تاجوراء شرقا إلى جنزورا غربا مرورا بمحور صلاح الدين جنوبا، مع دفع القوات المهاجمة جنوب عين زارة ووادي الربيع ومعسكر اليرموك.

لكن أكبر انتصار حققته قوات الوفاق، عندما تمكنت من السيطرة على حي السواني، بعد أن قطعت عليه خط الإمداد من مدينة الزهراء، التي سقطت بسرعة في يد كتائب مصراتة وجنزور والزاوية، التي اتجهت جنوبا والتحمت مع قوات الجويلي، في العزيزية (مركز ورشفانة)، بعد أن سيطرت على الساعدية.

ولم يحل الأسبوع الثالث حتى كانت قوات الوفاق على تخوم غريان، مركز القيادة والإمداد المتقدم لقوات حفتر، بعد أن تقدموا لأكثر من 60 كيلومترا جنوبا، بل إن مسلحين من داخل المدينة ثاروا عليهم، قبل أن تخمد انتفاضتهم سريعا.

وفي محوري عين زارة ووادي الربيع، القريبين من قلب العاصمة، تمكنت قوات الوفاق من وضع قوات حفتر بين كفي كماشة، قبل أن يلتحم المحوران وتضطر قوات حفتر للتراجع جنوبا نحو قصر بن غشير، بينما بقيت مجموعتين من قواته شبه محاصرتين في وادي الربيع.

كما سيطرت قوات الوفاق على معسكر اليرموك في محور خلة الفرجان، ودفعت قوات حفتر جنوبا، وبعد أن كان لا يفصلها عن وسط العاصمة سوى نحو 11 كيلومترا أصبحت قوات حتفر أبعد بنحو 20 كيلومترا جنوبا، كما سيطرت على معظم أجزاء المطار القديم.

وأصبح واضحا أن قوات الوفاق امتصت الموجة الأولى من هجوم قوات حفتر، وقامت بتثبيت تمركزاتها كطوق متين حول قلب طرابلس، كما سيطرت على مدن ورشفانة، وإن لم تتمكن من تثبيتها لعدم امتلاكها حاضنة شعبية قوية في المنطقة.

توازن القوة

خلال الأسبوعين الأخيرين، تمكنت قوات حفتر المترنحة، من الوقوف على رجليها مجددا، بعد أن كادت تنهار على مستوى القوس الغربي (الزاوية، الزهراء السواني الساعدية العزيزية الهيرة غريان)، وفقدت زخمها على مستوى القوس الشرقي (عين زارة، خلة الفرجان، وادي الربيع، المطار القديم، قصر بن غشير، السبيعة، سوق الخميس، سوق الأحد، ترهونة).

ولعبت طائرات دون طيار، تقول حكومة الوفاق إنها أجنبية، دورا في تحقيق هذا التوازن، حيث تمكنت قوات حفتر، من دفع قوات الوفاق بعيدا عن غريان، الواقعة على سفج جبل نفوسة، والوصول إليها لا يتم إلا عبر طرق متعرجة وصعبة.

كما أعادت قوات حفتر، فتح محاور العزيزية والسواني، والساعدية، وقامت بهجوم مفاجئ وقوي في المحور الأوسط في خلة الفرجان، وتمكنت لأول مرة منذ نحو أسبوعين من إعادة السيطرة على معسكر اليرموك ولو لساعات، قبل أن تتراجع في ظل معارك كر وفر غير حاسمة، كما توغلت مجددا في عين زارة.

من جهتها، ركزت قوات الوفاق في الأسبوعين الأخيرين على قطع طرق الإمداد الرئيسية لقوات حفتر، وسيطرت على منطقة الهيرة القريبة من غريان، التي تنطلق منها إمدادات السلاح والذخيرة والرجال والغذاء والوقود نحو بلدات ورشفانة والضواحي الجنوبية للعاصمة.

وهاجمت أيضا "السبيعة"، التي تعتبر نقطة تقاطع محورين رئيسيين للإمدادات من غريان وترهونة، وسيطرت عليها، وكذلك على أجزاء من سوق السبت، وسوق الخميس، على خط إمدادات ترهونة، لكنها تخوض معارك كر وفر في هذا المناطق، خلف جبهات القتال الرئيسية في الضواحي الجنوبية للعاصمة.

وتتجه المعارك بين قوات الوفاق وحفتر، نحو الاستنزاف، بعد عجز الأخير عن الوصول إلى "السراي الحمراء" (قلعة تاريخية كانت مركزا للحكم في طرابلس)، وعدم تمكن قوات الوفاق من طرد القوة المهاجمة.

التعليقات