مصر: سجالات داخلية محتدمة إثر ترسيم الحدود مع السعودية

أثارت اتّفاقيّة وقّعتها مصر والسّعودية لترسيم الحدود البحريّة بينهما جدلًا كبيرًا في مصر ما بين مؤيّد ومعارض، خاصّة بعدما أقرّت القاهرة بتبعيّة جزيرتين للمملكة بعدما كانتا تخضعان للسيطرة المصريّة منذ فترة طويلة.

مصر: سجالات داخلية محتدمة إثر ترسيم الحدود مع السعودية

جنود مصريّون بحراسة جزيرة تيران - 30 نوفمبر 1956

أثارت اتّفاقيّة وقّعتها مصر والسّعودية لترسيم الحدود البحريّة بينهما جدلًا كبيرًا في مصر ما بين مؤيّد ومعارض، خاصّة بعدما أقرّت القاهرة بتبعيّة جزيرتين للمملكة بعدما كانتا تخضعان للسيطرة المصريّة منذ فترة طويلة.

ووقّعت الدّولتان الاتّفاقيّة يوم الجمعة على هامش زيارة رسميّة يقوم بها العاهل السّعوديّ، الملك سلمان بن عبد العزيز، للقاهرة. وقالت مصر في بيان أصدره مجلس الوزراء أمس السبت، إنّ الرّسم الفنيّ لخطّ الحدود أسفر عن وقوع جزيرتي صنافير وتيران داخل المياه الإقليميّة للسعوديّة.

وعقب ذلك الإعلان سرعان ما اشتعلت السّجالات الحامية بين معارضي حكومة الرّئيس المصريّ، عبد الفتّاح السّيسي، ومؤيّديها على مواقع التّواصل الاجتماعيّ واستعان كلّ طرف بما يراه دليلًا على صحّة موقفه.

ودشّن منتقدو الاتّفاقيّة وسمًا على تويتر وفيسبوك يقول #عواد_باع_أرضه، وذلك في إشارة إلى أغنية شعبيّة مصريّة تندّد بكلّ من يفرّط في أرضه، وتشير معاني كلماتها إلى أنّ من يبيع أرضه لا يقلّ في الجرم عمّن يفرّط في عرضه.

ونشر المعارضون نسخًا لوثائق تاريخيّة وملفّات تدعم وجهة نظرهم، من بينها تسجيل صوتيّ للرئيس الرّاحل جمال عبد النّاصر يقول فيه إنّ 'مضايق تيران مياه إقليميّة مصريّة'.

وفي المقابل دافع مؤيّدو السّيسي عن الاتّفاقيّة وقالوا إنّ السّيسي لم يفرّط في أرض مصر ولم يبعها، مشيرين إلى أنّ الجزيرتين سعوديتان في الأساس وكانتا تخضعان فقط للحماية المصريّة وليس للسيادة المصريّة.

وانتقل الجدل من الإنترنت إلى شاشات التّلفزيون، منذ مساء أمس السبت.

وقالت المستشارة السّابقة برئاسة الجمهوريّة لقضايا الحدود الدّوليّة والثّروات العابرة للحدود، هايدي فاروق، في مداخلة هاتفيّة مع قناة 'أون.تي.في' الفضائيّة الخاصّة، صباح اليوم الأحد، إنّ 'الجزيرتين مصريّتان مئة في المئة'.

وأضافت المستشارة التي شاركت في لجنة لترسيم الحدود السّعوديّة اليمنيّة عام 1999، إنّها سلّمت وزوجها السّفير مدحت القاضي للحكومة المصريّة أكثر من 7 آلاف وثيقة من عام 2006 وحتى عام 2008، ومن بينها وثائق تثبت أحقيّة مصر في جزيرتي تيران وصنافير.

وقال رئيس هيئة عمليّات القوّات المسلّحة الأسبق، اللواء المتقاعد، عبد المنعم سعيد، في مقابلة مع محطة 'دريم' الفضائيّة الخاصّة مساء أمس السّبت أيضًا إنّ الجزيرتين 'مصريّتان مئة بالمئة'.

وأضاف أنّه حين تخرّج من الكليّة الحربيّة عام 1955، كانت للجيش المصري نقطتا حدود في جزيرة تيران فضلًا عن مهبط لطائرات الهليكوبتر.

وأشار سعيد الذي شغل أيضًا منصب محافظ جنوب سيناء في السّابق، إلى أنّ للجزيرتين أهميّة عسكريّة وإستراتيجيّة لمصر لأنّهما تقعان في مدخل خليج العقبة المؤدّي لميناء إيلات الإسرائيليّ.

وقال إنّ جزيرة تيران تقع على بعد ثمانية كيلومترات تقريبًا من منتجع شرم الشّيخ، وهو ما يشير إلى أنّها تقع في نطاق المياه الإقليميّة المصريّة.

جزر متنازع عليها

من جانبه دافع المتحدّث باسم مجلس الوزراء المصريّ، السّفير حسام قاويش، عن الاتّفاقيّة وقال في تصريحات تلفزيونيّة اليوم الأحد 'ليس هناك أيّ شكّ في أنّ الجانب المصريّ حريص على كلّ شبر في حدوده، سواء كانت في البرّ أو في البحر، ولا يمكن أبدًا التّفريط في هذه الجزر'.

وأضاف أنّ اللجنة القوميّة المعنيّة بترسيم الحدود البحريّة المصريّة تعمل في هذا الملفّ منذ ستّ سنوات وأنّها استخدمت 'أساليب علميّة دقيقة لتحديد هذه النّقاط وحساب المسافات'.

وتابع 'اللجنة بها خبرات كبيرة وانتهت إلى رسم خطّ المنتصف بين البلدين بدقّة'.

وجاء في البيان الذي أصدرته الحكومة أمس السّبت، أنّ الجزيرتين كانتا تخضعان فقط للحماية المصريّة منذ عام 1950 بناء على طلب من الملك عبد العزيز آل سعود، مؤسّس المملكة العربيّة السّعوديّة.

وأضاف البيان أنّ 'التّوقيع على اتّفاق تعيين الحدود البحريّة بين البلدين إنجاز هامّ من شأنه أن يمكّن الدّولتين من الاستفادة من المنطقة الاقتصاديّة الخالصة (المعينة) لكلّ منهما بما توفّره من ثروات وموارد تعود بالمنفعة الاقتصاديّة عليهما'.

ورغم معارضته الصّريحة لحكومة السّيسي، قال البرلمانيّ السّابق وأستاذ العلوم السّياسيّة، عمرو حمزاوي، على صفحته على فيسبوك 'في حدود قراءة سريعة لبعض الكتابات القانونيّة والأكاديميّة لم تدفع مصر أبدًا بسيادتها على صنافير وتيران، ولم أعثر على إشارة رسميّة واحدة لذلك'.

وأضاف 'وصفت الجزيرتان كمناطق متنازع عليها بين مصر والسّعودية لتأخّر تحديد الحدود البحريّة بين البلدين وبسبب الإدارة المصريّة للجزيرتين منذ 1950'.

لكن حمزاوي انتقد ما وصفة 'بغياب الشّفافيّة وتجهيل الرّأي العامّ' في تعامل الحكومة مع الاتّفاقيّة.

وقال المحامي والنّاشط الحقوقيّ خالد علي، إنّه أقام دعوى قضائيّة ضدّ الاتّفاقيّة معتبرًا أنّها تمثّل خرقًا للدستور.

وأضاف علي إنّ الاتّفاقيّة انتهكت المادّة الأولى والمادةّ 151 من الدّستور. وتنصّ المادّة الأولى على أنّ مصر 'موحدّة لا تقبل التّجزئة ولا يُنزل عن شيء منها'.

وتنصّ المادّة 151 على أنّه 'يجب دعوة النّاخبين للاستفتاء على معاهدات الصّلح والتّحالف وما يتعلّق بحقوق السّيادة. ولا يتمّ التّصديق عليها، إلّا بعد إعلان نتيجة الاستفتاء بالموافقة وفي جميع الأحوال لا يجوز إبرام أيّ معاهدة تخالف أحكام الدّستور أو يترتّب عليها التّنازل عن أيّ جزء من إقليم الدّولة'.

وقال علي 'كان يجب عرض الأمر على القضاء ليقول كلمته'.

معارضة داخل البرلمان

وقالت الحكومة إنّ الاتّفاقيّة ستعرض على مجلس النّوّاب لمناقشتها وطرحها للتصديق عليها طبقًا للإجراءات القانونيّة والدّستوريّة.

لكن وبرغم هيمنة مؤيّدي السّيسي على البرلمان، خرجت أصوات تعارض الاتّفاقيّة من تحت قبّة مجلس النّوّاب.

وقال النّائب سمير غطّاس إنّ 'الاتّفاقية مرفوضة شكلًا وموضوعًا. ما حدث ليس في صالح العلاقات المصريّة السّعوديّة. تلك الاتّفاقيّة ستخلق شرخًا كبيًرا لا يمكن ترميمه في المستقبل'.

وأضاف أنّه يتواصل مع عدد من النّوّاب لرفض الاتّفاقيّة عند عرضها على المجلس.

وقال رئيس حزب الإصلاح والتّنمية، النّائب محمّد أنور السّادات إنّه 'لا بدّ من تشكيل لجنة من الخبراء تضمّ أساتذة متخصّصين في التّاريخ والجغرافيا حتى يوضحوا حقيقة ملكيّة الجزيرتين للسعوديّة'.

في المقابل قال النّائب مصطفى كمال الدّين حسين إنّ ضمّ الجزيرتين للسعودية 'لا يستدعي تلك الضّجّة خاصّة أنّه سيتمّ استغلالهما في إقامة جسر يربط بين البلدين'. وكان يشير إلى اتّفاق أبرمته مصر والسّعودية يوم الجمعة لإقامة جسر بريّ يربط بين البلدين.

وأضاف 'أنا لواء سابق وعضو بلجنة الأمن القوميّ بالبرلمان وأعي المصلحة الوطنيّة جيدًا، وكلّ ما يتردّد حول تأثّر مصر لا أساس له من الصّحّة'.

والسّعوديّة من أكبر داعمي حكومة السّيسي وتمثّل الزّيارة الخارجيّة النّادرة للعاهل السّعوديّ ردًّا على تعليقات في وسائل الإعلام بالبلدين عن خلافات بينهما، وترمي لإظهار أنّ الرّياض ما زالت تدعم السيسي.

وقالت مصادر بالمخابرات المصريّة إنّ السّيسي يريد أن تسهم الزّيارة في تخفيف التّوتّرات وجذب المزيد من الاستثمارات السّعوديّة وطمأنة الرّياض بشأن دعم القاهرة لموقفها إزاء اتّساع نفوذ إيران في المنطقة.

وحاول بعض المنتقدين لاتّفاقيّة ترسيم الحدود البحريّة بين البلدين، نقل غضبهم من مواقع التّواصل الاجتماعيّ إلى الشّارع، لكن محاولتهم باءت بالفشل.

وقالت مصادر أمنيّة إنّ الشّرطة ألقت القبض على 11 شخصًا حاولوا الاحتجاج على الاتّفاقيّة، وسط القاهرة، اليوم الأحد تزامنًا مع إلقاء الملك سلمان كلمة في البرلمان.

اقرأ/ي أيضًا| خلال 10 أيام: تفاهمات مصرية سعودية بقيمة 45.65 مليار دولار

وأضافت المصادر أنّهم كانوا يحملون لافتة مكتوب عليها عبارة 'عوّاد باع أرضه'. وتابعت أنّ الشّرطة أفرجت عن ستّة منهم لصغر سنّهم وستعرض الخمسة الباقين على النّيابة في وقت لاحق من مساء اليوم لاتّخاذ قرار بشأنهم.

التعليقات