نصف قرن على الطوارئ في مصر: النسخة المحدثة تشمل مواقع التواصل

عادت حالة الطوارئ بمصر، أمس الإثنين، مجددا، لتعمّ محافظات البلاد الـ27 لمدة 3 أشهر قابلة للتمديد، بعد نحو 42 شهرا من الاختفاء، ونصف قرن على تطبيقها بقانون في عهد الجمهورية المصرية.

نصف قرن على الطوارئ في مصر: النسخة المحدثة تشمل مواقع التواصل

طوق أمني لمنع المتظاهرين من الوصول إلى ميدان التحرير، العام الماضي (فيسبوك)

عادت حالة الطوارئ بمصر، أمس الإثنين، مجددا، لتعمّ محافظات البلاد الـ27 لمدة 3 أشهر قابلة للتمديد، بعد نحو 42 شهرا من الاختفاء، ونصف قرن على تطبيقها بقانون في عهد الجمهورية المصرية.

وإثر تفجيرين انتحاريين شمالي البلاد، عاودت الإجراءات الاستثنائية الظهور على كامل التراب المصري، لأول مرة في عهد عبد الفتاح السيسي، الذي وصل إلى السلطة في صيف 2014.

وتعددت الآراء بشأن تداعيات تطبيق حالة الطوارئ بين إيجابيات، بينها الأمن والاستقرار، وسلبيات الإجراءات الاستثنائية، وتقييد الحريات، وسط تأكيدات برلمانية بأنها ستشمل حاليا مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي.

وبحسب قانون الطوارئ الصادر في مصر عام 1958، الذي طبق للمرة الأولى عام 1967 عقب الهزيمة العسكرية أمام إسرائيل، ولا يزال معمولا بصورته تلك حتى الآن، يجوز إعلان حالة الطوارئ التي تبدأ وتنتهي بقرار رئاسي، كلما تعرض الأمن أو النظام العام في أراضي الجمهورية أو في منطقة منها للخطر سواء كان ذلك بسبب وقوع حرب أو قيام حالة تهدد بوقوعها أو حدوث اضطرابات في الداخل أو كوارث عامة أو انتشار وباء.

وفيما يلي استعراض لتاريخ الطوارئ في مصر ما بعد الملكية، التحول للنظام الجمهوري في 18 حزيران/ يونيو 1953، والإجراءات المترتبة على إعلان حالة الطوارئ وتداعياتها المحتملة:

1) التطبيق الكامل:

شهدت مصر منذ إعلان الجمهورية عام 1953، أربع مرات طبقت فيها حالة الطوارئ بشكل كامل على أنحاء البلاد منذ نحو نصف قرن؛ لأسباب تنوعت بين الحرب واغتيال رئيس وفض اعتصام لآنصار آخر، وتفجيرات إرهابية كالتالي:

1967 : نكسة تخرج الطوارئ من القمقم

أعلن الزعيم المصري الراحل، جمال عبد الناصر، (حكم البلاد من عام 1956 وحتى 1970)، تطبيق قانون الطوارئ الصادر في أيلول/ سبتمبر 1958، للمرة الأولى، وذلك عقب احتلال سيناء في ما يعرف باسم نكسة 1967.

واستمر خلفه الرئيس الراحل أنور السادات (حكم مصر من 1970 حتى 1981)، في العمل بالطوارئ، وألغاه مع ضغوط سياسية في أيار/مايو 1980.

1981: الظهور الثاني... مقتل الرجل الكبير

عقب اغتيال السادات في 6 تشرين الأول/ أكتوبر 1981، أعلنت السلطات المصرية للمرة الثانية عودة العمل بحالة الطوارئ، واستمرت في عهد خلفه الرئيس المخلوع حسني مبارك (1981 - 2011) تحت أسباب عديدة بينها مواجهة الإرهاب، في مقابل تحركات معارضة متواترة لإلغائه لم تفلح.

وبعد نحو عامين من إطاحة ثورة كانون الثاني/ يناير 2011 بمبارك، أوقف المجلس العسكري، الحاكم آنذاك، خلال الفترة الانتقالية بالبلاد، العمل بحالة الطوارئ بشكل نهائي يوم 31 أيار/ مايو 2012، قبيل تولي محمد مرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا (2013 - 2012) رئاسة البلاد وقتها.

2013: ثالثة الأثافي... رابعة والفض

عقب فض اعتصام رابعة العدوية والنهضة بالقاهرة الكبرى، في 14 آب/ أغسطس 2013، أعلن الرئيس المؤقت وقتها عدلي منصور، إعادة العمل بالطوارئ، لمدة شهر في أنحاء البلاد تم مدها لمرة واحدة لمدة شهرين، انتهت في تشرين الثاني/ نوفمبر من ذلك العام.

2017: آلام العودة... 50 عاما للخلف

الأول من أمس الأول، وقع تفجيران انتحاريان تبناهما تنظيم "داعش" الإرهابي، وطالا كنيستين بمصر شمالي البلاد، أحدهما المقر البابوي خلال احتفالات مسيحية بأسبوع الآلام، وأسفرا عن مقتل 45 شخصا، وإصابة 125 آخرين، حسب إحصائية رسمية أولية، وتلاهما إعلان السيسي حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، في ذكرى 50 عاما على استخدام القانون للمرة الأولى.

2) التطبيق الجزئي

طبقت حالة الطوارئ منذ خروج قانونها للنور عام 1958، جزئيا في نطاق جغرافي محدد لمرتين فقط.

ففي كانون الثاني/ يناير 2013، أعلن مرسي إعادة العمل بقانون الطوارئ مرة أخرى جزئيا لمدة شهر كامل، بسبب أحداث شغب في المحافظات الثلاثة المطلة على قناة السويس شمال شرقي البلاد، من الجنوب للشمال في السويس والإسماعيلية وبورسعيد.

وفي عهد السيسي، تم إعلان حالة الطوارئ جزئيا في تشرين الأول/ أكتوبر 2014، بمحافظة شمال سيناء، عقب هجوم إرهابي مزدوج خلّف مقتل أكثر من 30 جنديًا هناك، وتم مدّ الحالة منذ ذلك الحين كلّ 3 أشهر، وآخر قرار مد بهذا الشأن كان في كانون الثاني/ يناير الماضي.

3) إلى الطوارئ

ولتطبيق حالة الطوارئ، هناك إجراءات أولية دستورية ينبغي اتخاذها لإعلان الحالة التي تدوم لثلاثة أشهر قابلة للمد بطلب برئاسي للبرلمان، وفق الدستور المصري.

وفي إطار الإجراءات الدستورية، يصدر الرئيس المصري قرارا بتطبيق حالة الطوارئ ويوجهه إلى الحكومة للموافقة عليه وتعلن موعد سريان القرار، ويتم عرض القرار على البرلمان للموافقة عليه وبالتالي استمرار سريانه أو رفضه وإيقاف حالة الطوارئ.

وأمس الإثنين، أعلنت الحكومة بدء تطبيق حالة الطوارئ اعتبارًا من الساعة الواحدة ظهرا.

ويتجه البرلمان المصري ذو الأغلبية المؤيدة للسيسي للتصويت، عصر اليوم الثلاثاء، على القرار، وسط تأييد واسع داخل المجلس التشريعي لتمرير قرار تطبيق الإجراءات الاستثنائية.

ويستلزم إقرار هذه الاجراءات الاستثنائية في البرلمان، للمرة الأولى، موافقة الأغلبية البسيطة (50+1) من الأعضاء البالغ عددهم 596 نائبا، أما تمديدها لفترة أطول من الثلاثة أشهر الأولى فيستلزم موافقة ثلثي البرلمانيين، وفق الأكاديمي المصري المتخصص في القانون الدستوري، جمال جبريل.

4) أثناء الطوارئ

وأضاف جبريل أنه بسريان حالة الطوارئ تمنح السلطات صلاحيات استثنائية يسمح بها قانونا كان من ضمنها الاعتقال الإداري، توقيف بدون إذن قضائي واحتجاز مفتوح المدة، قبل أن يتم إلغاؤه بحكم من المحكمة الدستورية (أعلى محكمة بالبلاد)، في حزيران/ يونيو 2013.

وخلال الشهور الثلاثة، يسمح القانون وفق أبرز مواده العشرين، للسلطات المصرية بمراقبة الصحف ووسائل الاتصال والمصادرة، وتوسيع صلاحيات الجيش والشرطة في فرض الإجراءات التأمينية والتفتيش، والإحالة لمحاكم استثنائية وإخلاء مناطق وفرض حظر تجوال في مناطق أخرى، وسحب تراخيص الأسلحة وفرض الحراسة القضائية.

وقال رئيس مجلس النواب، علي عبد العال، أمس الاثنين، في كلمة بالبرلمان، إن الطوارئ تسمح بمراقبة "فيسبوك" و"يوتيوب"، موقعي التواصل الاجتماعي الشهيرين، وغيرهما من المواقع، التي لم يحددها، التي تبث أي أخبار للتواصل بين الإرهابيين.

وقال المتحدث باسم الحكومة المصرية، السفير أشرف سلطان، في تصريحات متلفزة أمس الإثنين، إن هناك إجراءات (لم يوضحها)، ستسري مرتبطة بتشديدات أمنية وفرض سيطرة وحماية المنشآت والممتلكات بالتنسيق بين الجيش والشرطة.

5) تداعيات الطوارئ

مستقرئا تداعيات حالة الطوارئ حقوقيا، قال مدير التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، عزت غنيم، إن "تداعيات الطوارئ ستمس حريات المواطنين ومؤسسات المجتمع المدني والإعلام، أما الإرهابيون الفعليون أو المحتملون هناك قوانين مصرية كفيلة إجرائيا بالتعامل معهم بدلا من ذلك".

وأضاف "كل ما ينص عليه قانون الطوارئ من إجراءات تنفذ فعليا في الواقع بالمخالفة للدستور والقوانين الحالية مثل الاحتجاز مفتوح المدة، والاختفاء القسري، فضلا عن تقييد الحريات"، وهي اتهامات تنفيها عادة مصر.

وربطت منظمة العفو الدولية، والشبكة العربية لحقوق الإنسان، في بيانيين منفصلين، أمس الإثنين، بين إعلان الطوارئ وانتهاكات حقوق الإنسان بمصر، وهي تقارير رفضت السلطات المصرية ما جاء بها مرارا، وتقول الحكومة إن كل الحقوق والحريات مكفولة للمواطنين رغم الإرهاب الذي تواجهه.

على الجانب الآخر، أكد رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب، علاء عابد، في تصريحات صحفية، أن حالة الطوارئ ستحفظ حقوق الإنسان واستقرار الأوضاع في البلاد ومواجهة الإرهاب لافتا إلى أن عدة دول غربية بينها فرنسا أعلنت الطوارئ بسبب الإرهاب.

 

التعليقات