"القاهرة الخديوية": عراقة قد تتحول لعشوائيات بسبب عاصمة السيسي الجديدة

يحاول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، منذ تسلمه السلطة بعد انقلابه على الحكومة المنتخبة ديمقراطيا، تقويض جميع الإمكانيات لموجة أخرى من الثورة المصرية التي انطلقت عام 2011، ضد جرائمه ضد المتظاهرين وقمعه لحرية الرأي وتدميره لاقتصاد البلاد

(أرشيفية- أ ف ب)

يحاول الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، منذ تسلمه السلطة بعد انقلابه على الحكومة المنتخبة ديمقراطيا، تقويض جميع الإمكانيات لموجة أخرى من الثورة المصرية التي انطلقت عام 2011، ضد جرائمه ضد المتظاهرين وقمعه لحرية الرأي وتدميره لاقتصاد البلاد.

وشملت محاولاته عقوبات قضائية قاسية وغير مبررة ضد المعارضين، وزيادة وجود عناصر الأمن في الشوارع، وإغلاق الأماكن التي ترمز للثورة في العاصمة المصرية أمام الراغبين بالتجمهر فيها، كما منع التظاهر، فضلا عن ممارسات استبدادية لا حصر لها، إلا أن الحلقة الأخيرة من صراعه ضد الشعب، قد تكون القاهرة ذاتها، كمدينة وكمركز حضري.

ويعمل السيسي على بناء عاصمة إدارية جديدة ممولة بمعظمها من الصين، سوف تهدد "القاهرة الخديوية" الشاهدة على تاريخ مصر منذ أكثر من قرن، والتي باتت تصارع اليوم من أجل البقاء في وقت نمو في الصحراء المدينة المصطنعة في الصحراء، والتي تهدد ما تبقى للعاصمة "الأم" من تراث معماري ثري ومتنوع ودور سينما ومسارح ومصارف ومحلات تجارية كبرى، وحياة مدنية كاملة يقطنها نحو 20 مليون شخص.

(أ ف ب)

ويطلق اسم "القاهرة الخديوية" على وسط العاصمة المصرية نسبة إلى مؤسسها الخديوي إسماعيل الذي شيد فيها أول دار أوبرا في الشرق الأوسط لتستضيف حفل افتتاح قناة السويس عام 1869.

وتعاني "القاهرة الخديوية" مثل غيرها من أحياء العاصمة المصرية التي تتوسع كل يوم في كل الاتجاهات، من الإهمال الحكومي منذ عقود. ولكنها تظل قبلة المصريين الذين يقصدونها حتى عندما يطالبون بتغيير سياسي، كما فعلوا في 2011 حين مكثوا 18 يوما في ميدان التحرير ولم يغادروه إلا عقب خلع الرئيس الأسبق حسني مبارك بعد ثلاثين عاما من رئاسته للسلطة.

(أ ف ب)

وينقسم وسط القاهرة إلى ميادين (أو ساحات) تتفرع منها شوارع على شكل نجمة، إذ تمّ تخطيطها على الطراز "الهوسماني"، نسبة إلى جورج أوجين هوسمان، المهندس والسياسي الفرنسي الذي وضع مخطط باريس في القرن التاسع عشر.

وعلى الرغم من بعض الاهتمام الذي يحظى به وسط العاصمة من السلطات منذ سنوات، إلا أن هناك مخاوف من أن تمتد إليها العشوائية خصوصا مع انتقال المؤسسات الكبرى إلى العاصمة الإدارية الجديدة، ما سيجعل إهمال النظام لها شبه كامل.

وقال المؤرخ المعماري أحمد البنداري، إن وسط القاهرة يتضمن "تراثا معماريا شاهدا على تاريخ مصر المعاصر"، مشيرا الى أن "الوزارات مثل وزارة الزراعة والصحة والتربية والتعليم موجودة في مبان تاريخية وقصور".

ويتساءل "ماذا سيكون مصير هذه القصور والمباني؟" بعد انتقال الحكومة ومؤسساتها إلى العاصمة الجديدة.

ويضيف المؤرخ أن هناك علامة استفهام أخرى عن مصير تراث معماري آخر يتمثل في "القصور التي تستخدم حاليا كسفارات في أحياء الزمالك وجاردن سيتي والمعادي".

ويقول "أخشى أن تُدَمر المناطق التي توجد بها هذه السفارات لأنه أحيانا تحت مسمى التطوير، يتمّ هدم أحياء بكاملها كما حدث مع منطقة بولاق أبو العلا ومثلث ماسبيرو" الواقعة بجوار مبنى التلفزيون الرسمي على النيل بالقرب من ميدان التحرير.

وأكدت رئيسة إدارة تطوير القاهرة التاريخية في محافظة القاهرة ريهام عرام، أنه لم يتم اتخاذ قرار بعد بشأن المباني الحكومية التي سيتم نقلها إلى العاصمة الجديدة.

وبغرض المساهمة في الحفاظ على القاهرة الخديوية، أسست مجموعة من رجال الأعمال في العام 2008 شركة "الإسماعيلية للاستثمار العقاري".

ويقول رئيس مجلس إدارة الشركة كريم الشافعي: "وجدنا أن افضل شيء للحفاظ على وسط القاهرة هو أن يكون هناك مردود اقتصادي، وتبين أن العقارات في وسط القاهرة أكثر من نصفها خال وأسعارها مناسبة ويمكن تطويرها وتحقيق عائد مادي من خلال إعادة استغلالها".

حواجز أمنية لمنع التظاهر والاحتشاد (أ ف ب)

واشترت الشركة، وفق الشافعي، 32 بناية في القاهرة الخديوية. واشترت مبنى سينما "راديو" وقامت بتأجيره إلى المذيع التلفزيوني الساخر باسم يوسف لتصوير برنامجه الشهير فيها قبل أن يتوقف بأمر من السلطات، ثم تمّ تأجيره لبرنامج ساخر آخر هو "أبلة فاهيتا"، غير أنه السلطات منعته أيضا في إطار حملته القمعية على حرية التعبير في شتى المجالات وليس السياسية فقط.

ولدى الشركة رؤية تبدو طموحة ولكنها تحتاج إلى الكثير من الإجراءات والموافقات الإدارية لتحقيقها.

ويقول الشافعي "لو ذهبت إلى وسط المدينة في معظم بلدان العالم، ستجد أنها تخدم جميع الفئات وستجد مطاعم بأسعار متدنية وأخرى تقدم وجبات مرتفعة الثمن. ستجد رئيس مجلس إدارة شركة يستقل المترو إلى جوار موظف بسيط.. ستجد محل 'لوي فويتون' جنبا إلى جنب مع 'إيتش أند أم'". ويضيف "لكن وسط البلد في القاهرة أصبح طاردا لفئات كثيرة".

ويأمل الشافعي أن تعود القاهرة لاجتذاب السياح وأن يجدوا فيها العلامات التجارية المصرية المتميزة التي لن يجدوها في مكان آخر وخصوصا في مجال الحلي والملابس.

ويشير إلى أن اللجنة تحتاج إلى تصاريح لفتح مطاعم "لم نحصل عليها بعد".

في الوقت الراهن، يتابع الشافعي، "نستثمر قدر الإمكان في الأنشطة الثقافية" من خلال الحفلات والمهرجانات و"من خلال الجولة التي تنظمها الشركة كل صباح يوم جمعة أسبوعيا لمن يريد من المصريين والأجانب التعرف على تاريخ مصر المعاصر من خلال تراثها المعماري".

وتقترح أستاذة الهندسة المعمارية بجامعة القاهرة سهير حواس من جانبها استغلال المباني الحكومية التي سيتم إخلاؤها كمتاحف ومراكز ثقافية.

وتعتبر حواس أن "حماية التراث هو حماية لكل تنمية عمرانية جديدة"، مشيرة إلى ضرورة الحفاظ على كل أحياء القاهرة لأنها "صفحات من تاريخ العمران المصري".

وتنتشر في الأحياء الأكثر اكتظاظا بالسكان في القاهرة، المباني الرديئة والطرق غير المُصانة التي تغمرها مياه الصرف الصحي في مشهد واضح يدل على سياسية الإفقار في هذه الأماكن والتي باتت تطال في عصر السيسي، العائلات متوسطة الدخل أيضا. 

وقد تشهد القاهرة قريبا، نزوح سكانها الأثرياء الذين سيذهبون مع موظفي الحكومة السفارات الأجنبية إلى العاصمة الإدارية الجديدة، تاركين ورائهم القاهرة القديمة في حالة من الإهمال والتدهور.

التعليقات