التدخل الإسرائيلي في السودان

تبحث هذه الدراسة التدخل الإسرائيلي في السودان والعلاقات الوثقى التي أقامتها إسرائيل مع نخب وشرائح سودانية مهمة في شمال السودان وفي جنوبه أيضاً، خلال ثلاث مراحل محددة من تاريخ السودان بداية بمرحلة الاستقلال (1954 - 1958)، ثم مرحلة التمرد في جنوب السودان منذ أواسط ستينيات القرن الماضي وحتى العام 1972، وأخيرا مرحلة تطوير العلاقات بين إسرائيل ونظام الرئيس السوداني جعفر النميري منذ أواخر السبعينيات وحتى سقوطه في العام 1985

التدخل الإسرائيلي في السودان

أولت إسرائيل طيلة القرن الماضي أهمية قصوى إلى إقامة علاقات مع قادة وأنظمة دول عربية مختلفة. وتعمل حكومة بنيامين نتنياهو في الفترة الأخيرة ليس فقط إلى ترقية علاقاتها مع العديد مما تطلق عليها إسرائيل "الدول العربية المعتدلة"، وإنما تبذل جهدًا ملحوظًا للكشف عن هذه العلاقات والحديث عنها علنًا، سيما بعد نشر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مؤخرًا مشروعه لتصفية القضية الفلسطينية. فالحكومة الإسرائيلية تعتقد أن كشفها عن هذه العلاقات وعقد اجتماعات علنية بين نتنياهو وقادة من الدول العربية، بعد إعلان نتنياهو عن عزمه ضم مناطق واسعة من الضفة الفلسطينية المحتلة إلى إسرائيل، يعني أن سعي إسرائيل والإدارة الأميركية إلى تصفية القضية الفلسطينية لا يؤثر سلبًا في موقف هذه الدول من إسرائيل، بل يعني ضمنيًا قبول أو تأييد السياسة الإسرائيلية لتصفية القضية الفلسطينية.

في سياق سعيها إلى تحقيق أهدافها، عملت إسرائيل في القرن المنصرم على تأسيس ثلاثة أحلاف في المنطقة هي: "حلف المعتدلين" و"حلف الأقليات" و"حلف المحيط". ومن الملاحظ أن السودان احتل مكانة خاصة في هذه الأحلاف كما سنرى لاحقًا. فقد بلورت إسرائيل بقيادة دافيد بن غوريون في خمسينيات القرن الماضي فكرة "حلف المحيط"، بغية مواجهة مصر وإفشال مشروعها النهضوي الوحدوي بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر. فقد عملت إسرائيل على تشكيل حلف إقليمي غير رسمي يضم فضلا عنها وعن دورها المحوري فيه، كلا من الدول المحيطة بالوطن العربي وهي تركيا وإيران وإثيوبيا والسودان ضد مصر ومشروعها النهضوي العربي الوحدوي. وكانت إسرائيل قد عملت على إقامة "حلف الأقليات" بينها وبين الأقليات الطائفية والإثنية في الوطن العربي، لضرب العمل العربي المشترك والوحدة العربية فكرة ومشروعا. وكذلك سعت إسرائيل مبكرًا، إلى إقامة حلف مع ما أطلقت عليه "الأنظمة العربية المعتدلة".

ومحورت إسرائيل إستراتيجيتها في العقود الأخيرة على تحقيق التحالف مع "الأنظمة العربية المعتدلة"، وادعت وجود مصالح بينها وبين هذه "الأنظمة العربية المعتدلة" ضد ما يطلق عليه "الخطر الإيراني"، و"الحركات الإسلامية المتطرفة"، و"الإرهاب". وهدفت إسرائيل من وراء ذلك إلى طمس التناقض الأساس القائم في المنطقة بينها وبين الشعوب العربية المتمثل في احتلال كل فلسطين وأراض من سورية ولبنان، ورفضها الانسحاب منها ومضيها في تهويد مناطق واسعة من الضفة الفلسطينية المحتلة، وإعلانها عن عزمها ضمها إليها عمليًا ورسمياً.

وتعتقد إسرائيل أنها تمتلك فائضًا من القوة ومن الأوراق التي تمكنها من إخضاع "الأنظمة العربية المعتدلة" إلى رؤيتها. ويأتي في مقدمة هذه الأوراق ليس فقط علاقتها مع الولايات المتحدة، سيما إدارة ترامب، وإنما أيضا قوتها وخبرتها في القمع والتجسس وجمع المعلومات بالوسائل الأكثر تطورا. ومن الملاحظ أن إسرائيل تؤسس علاقاتها مع العديد من الدول العربية، سيما دولة الإمارات والبحرين وعُمان والسعودية، على فرضية أنها، أي إسرائيل، لديها القدرة في المساهمة في حماية هذه الأنظمة سواءً من "الأخطار" الداخلية أو من من "الخطر الإيراني". وفي هذا السياق باعت إسرائيل إلى هذه الدول ودول عربية أخرى منظومات تجسس وجمع المعلومات، التي تستغلها هذه الأنظمة أساسا ضد شعوبها. وقامت إسرائيل بإرسال خبرائها إلى هذه الدول لتدريب أجهزتها الأمنية على استيعاب واستعمال هذه المنظومات. وأفادت عدة مصادر إسرائيلية أن العشرات من الخبراء الإسرائيليين ذوي العلاقة الوطيدة مع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، يعملون في الإمارات العربية المتحدة في تطوير منظومات التجسس وجمع المعلومات، ويقومون بتدريب الإماراتيين على استعمالها. إلى جانب ذلك، باعت إسرائيل أسلحة متنوعة للسعودية لاستعمالها في حرب اليمن. وقد أرسلت خبراء إسرائيليين إلى السعودية لتدريب السعوديين في استعمال هذه الأسلحة. وأكدت مصادر في إسرائيل أن الطائرة السعودية التي شوهدت في مطار تل أبيب قبل أشهر، أعادت خبراء إسرائيليين الذين كانوا في السعودية لتدريب العسكريين السعوديين على استعمال منظومات عسكرية إسرائيلية باعتها إسرائيل للسعودية لاستخدامها في حرب اليمن.

وقد جاء اجتماع رئيس الحكومة الإسرائيلية، نتنياهو، برئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان في أوغندا، في الثالث من شباط/ فبراير الجاري، في سياق التنسيق المتين بين إسرائيل والعديد من "الأنظمة العربية المعتدلة"، وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية، من أجل جذب السودان إلى خانة الدول العربية التي تقيم علاقات علنية مع إسرائيل. وقد جاء هذا الاجتماع تتويجا لجهود سابقة بذلتها دولة الإمارات العربية من أجل عقد اجتماع علني بين نظام البشير البائد وإسرائيل، اعتقادا أن ذلك قد ينقذ نظام البشير من السقوط.

لقد اهتمت إسرائيل منذ عقود طويلة بالسودان واستغلت الصراعات الداخلية فيه من أجل اختراقه وتجزئته، وإقامة علاقات مع الفئات المتناحرة فيه. ولإلقاء ضوء على سياسة إسرائيل تجاه السودان نعيد نشر دراسة "التدخل الإسرائيلي في السودان"، التي نشرها في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في سنة 2011.


تبحث هذه الدراسة التدخل الإسرائيلي في السودان والعلاقات الوثقى التي أقامتها إسرائيل مع نخب وشرائح سودانية مهمة في شمال السودان وفي جنوبه أيضًا، خلال ثلاث مراحل محددة من تاريخ السودان بداية بمرحلة الاستقلال (1954 - 1958)، ثم مرحلة التمرد في جنوب السودان منذ أواسط ستينيات القرن الماضي وحتى العام 1972، وأخيرًا مرحلة تطوير العلاقات بين إسرائيل ونظام الرئيس السوداني جعفر النميري منذ أواخر السبعينيات وحتى سقوطه في العام 1985.

مقدمة

ما زالت الأغلبية العظمى من الملفّات المتعلّقة بالعلاقات الإسرائيليّة - السّودانية في طيّ الكتمان ومغلقة في الأرشيفات الإسرائيلية، لأهميتها وخطورتها وعدم مرور الوقت الكافي للكشف عنها. وقد فُتح عددٌ قليل من الملفّات التي تطرّقت إلى هذه العلاقات في خمسينيات القرن الماضي. وتستند هذه الدراسة إلى هذه الملفّات التي فتحت لجمهور الباحثين والمحفوظة في أرشيف الدّولة في إسرائيل، وكذلك إلى عدد من الكتب التاريخيّة وكتب المذكّرات التي تناولت هذا الموضوع.

د. محمود محارب

عند قيام إسرائيل، كان دافيد بن غوريون الذي رسَم نظرية الأمن الإسرائيلي وبلورَها يخشى بشدّة ظهور "كمال أتاتورك" عربي يوحّد العرب في مواجهة إسرائيل. وفي أعقاب ثورة 23 تموز/يوليو 1952 في مصر، وتحوّل مطلب الوحدة العربية من فكرة نخبويّة إلى مشروع شامل يحظى بتأييد عارم من الشّعوب العربية، بدا لبن غوريون أنّ ما يخشاه قد ظهر فعلاً، فوجّه جلّ جهده لإفشال هذا المشروع وإسقاطه. واعتقد بن غوريون أنّ الخطر على إسرائيل يكمن في قلب الوطن العربي، أي في "دول الطوق" وخاصّةً مصر لضرب هذا المشروع العربي وحاضنته مصر، ورئيسها عبد الناصر قائد المشروع ورمزه، سعى بن غوريون للبحث عن "شقوق" في الجسد العربي وعن مصالحَ آنيّة وضيّقة مع نخب عربيّة، وعن "مصالح مشتركة" مع أقليّاتٍ عرقيّة أو طائفيّة في الوطن العربي. كما سعى لإقامة تحالف مع دول "الحزام" أو دول "الأطراف" أو "المحيط" الواقعة في أطراف الوطن العربي، ضدّ دول القلب المحاذية لفلسطين. وضمّت دول "الحزام" في الخمسينيات والستّينيات من القرن الماضي كلاً من تركيا وإيران وإثيوبيا وأيضاً السودان واليمن.

بداية الاتصالات بين حزب الأمة السوداني وإسرائيل

الصديق المهدي

في حزيران/ يونيو 1954 أرسل حزب الأمّة السوداني وفداً إلى لندن للحصول على الدّعم البريطاني لاستقلال السودان. وفي أثناء مكوثه في لندن، أوعزت المخابرات البريطانيّة (أم آي 6) إلى وفد حزب الأمّة ليطلب المساعدة من إسرائيل[1]. وفي 17 حزيران/ يونيو 1954 اجتمع هذا الوفد؛ الذي ضمّ سيد الصديق المهدي، الابن الأكبر للمهدي، ومحمد أحمد عمر نائب الأمين العام لحزب الأمّة في لندن إلى مسؤولين إسرائيليّين من السّفارة الإسرائيليّة في العاصمة البريطانية. واتّفق الطّرفان في ذلك الاجتماع على مواصلة اللقاءات والاجتماعات باستمرار، على أرضيّة المصالح المشتركة بينهما في العداء لمصر، واتّفقا أيضاً عل أن يكون محمد أحمد عمر رجل الاتّصال الدائم بين حزب الأمّة وإسرائيل[2]. وفي 21 أيلول/ سبتمبر 1955، ذكر موشيه شاريت في مذكّراته ما يفهم منه استمرار الاتّصالات بين حزب الأمّة وإسرائيل على مستويات رفيعة، فقد كتب الآتي: "جلست مع جوش بلمون الذي عاد من إسطنبول، للاستماع منه إلى تقرير عن استمرار المفاوضات مع زعيم حزب الأمّة السوداني وعن اجتماعه إلى [محافظ بنك إسرائيل] دافيد هوروفيتس الموجود الآن في المدينة نفسها في مناسبة عقد مؤتمر البنك الدولي. اتّضحت احتمالات إضافيّة لتطوير علاقات تجاريّة بيننا وبينهم. وهدفهم هو فصل السودان عن أيّ اعتماد اقتصادي على مصر..."[3].

خلال لقاءاته الكثيرة مع المسؤولين الإسرائيليّين، شرح محمد أحمد عمر نائب الأمين العام لحزب الأمّة، قلق السودان المتعاظم من "محاولات مصر زيادة نفوذها في السودان على الرغم من اعتراف مصر أمام الخارج باستقلال السودان". وأكّد أنّ "مصالح السودانيين الذين يتمسّكون باستقلال السودان تتماهى مع مصالح إسرائيل" ضدّ الخطر المشترك المتمثّل في مصر[4].

المفاوضات المالية بين حزب الأمة وإسرائيل

جرت بين حزب الأمّة وإسرائيل في الفترة الممتدّة بين سنة 1954 وسنة 1958 اتّصالات واجتماعات كثيرة ومفاوضات متشعّبة في شأن مسألتين أساسيّتين لمواجهة ما اعتبراه عدوّهما المشترك المتمثّل في مصر. تتعلّق المسألة الأولى بتقديم إسرائيل مساعدات ماليّة لحزب الأمّة على شكل قروض لتمكينه من مواجهة النّفوذ المصري في السودان، وكذلك مواجهة الأحزاب السودانية التي لم تكن تعتبر مصر عدوًا، والتي كانت تدعو إلى وحدة وادي النّيل والحفاظ على علاقات متطوّرة بين السودان ومصر. أمّا المسألة الثانية فتمحورت حول استثمار إسرائيل أموالاً في مشاريعَ اقتصادية في السودان، وخاصّةً في أراضي المهدي زعيم حزب الأمّة، وفي المشاريع التي تدرّ أرباحاً ماليّة على حزب الأمة[5].

وكان حزب الأمّة في حاجة ماسّة إلى سيولة نقدية لتمويل نشاطه السياسي في ظلّ احتدام المنافسة بين الأحزاب السودانيّة في شأن مصير السودان ومستقبل علاقاته مع مصر، وخاصّةً في فترة الحملات الانتخابيّة للبرلمان السوداني. وفي هذا السّياق، لتوفير السّيولة الماليّة لحزب الأمّة في صراعه مع الأحزاب السودانية الأخرى، اقترح محمد أحمد عمر على المسؤولين الإسرائيليّين أن تشتري إسرائيل القطن من المهدي زعيم حزب الأمّة، الذي ينتجه في مزارعه الواسعة في السودان، وأن تدفع مقدّماً ثمن القطن الذي سينتج في السّنوات الثّلاث التالية. وكانت القيمة السّنوية للقطن الذي تنتجه مزارع المهدي تقدّر، وفق ما ذكره محمد أحمد عمر للإسرائيليين، بمليون ونصف المليون جنيه إسترليني. وبما أنّ المبلغ المالي كان كبيراً جداً لإسرائيل، في مقاييس تلك الفترة، فقد توجّهت إسرائيل في بداية العام 1956 إلى رجل أعمال صهيوني بريطاني كان يعمل مديراً في شركة (Lewis and Peat) لفحص إمكان قيامه بشراء قطن المهدي ودفع ثمنه مقدماً.

وأرسلت الشّركة المذكورة في شباط/ فبراير 1956 أحد كبار موظّفيها ويدعى "وردن" إلى السودان للاطّلاع على الأوضاع، وإجراء مفاوضات مع المهدي لشراء إنتاج مزارعه من القطن للسّنوات الثلاث التالية ودفع ثمنه مقدّماً. وقد مكث مبعوث الشّركة "وردن" عشرة أيام في السودان، رافقه في أثنائها محمد أحمد عمر الذي رتّب له اجتماعاتٍ مع المهدي زعيم حزب الأمّة ومع قيادات أخرى من حزب الأمّة ومع وزراء في الحكومة السّودانية، كان بينهم عبد الله خليل وزير الدّفاع السوداني حينئذٍ، والذي أصبح في تموز/ يوليو 1956 رئيساً للحكومة السّودانية. وعبّر عبد الله خليل لمبعوث الشّركة البريطانية عن أسفه لعدم وجود قنوات اتّصال مع إسرائيل وعن رغبته في تجديد العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل[6].

بعد انتهاء زيارته السودان قدّم "وردن" تقريراً شاملاً عن زيارته تلك، وأوصى بتقديم قرض إلى المهدي زعيم حزب الأمّة (من نوع ريفولفينغ كريديت) قدره مليون ونصف المليون جنيه إسترليني، لقاء إمّا نسبة من الأرباح أو عمولة على بيع القطن. وعلاوةً على ذلك، أفاد "وردن" في تقريره أنّ الجانب السوداني اقترح عليه تطوير أراضٍ جديدة لزراعة القطن في السودان والتي ستلحق مستقبلاً بأراضي المهدي. ولأنّ هذه المبالغ كانت كبيرة بالنسبة إلى إسرائيل في تلك الفترة، اتّصل محافظ بنك إسرائيل بالعديد من المصارف السويسرية للحصول منها على قروض لتمويل هذه المشاريع. وتبيّن من هذه الاتّصالات أنّ المشكلة لم تكن في الحصول على القروض وإنما في ارتفاع قيمة الكفالة على المخاطر المرتبطة باستثمار هذه المبالغ المرتفعة في السودان، لعلاقة هذه المشاريع بإسرائيل. وجرّاء هذه المصاعب تداولت إسرائيل وحزب الأمّة إنشاء بنك زراعي في السودان ليتمّ من خلاله تمويل المشاريع الإسرائيليّة. ولأنّ إنجاز هذه المشاريع كان يستغرق وقتًا طويلاً، وفي ضوء اقتراب الانتخابات البرلمانية السودانيّة وحاجة حزب الأمّة الملحّة للمال، طلب محمد أحمد عمر، نائب الأمين العام لحزب الأمة، من الطرف الإسرائيلي قرضا فوريًّا للمهدي قيمته 150 ألف جنيه إسترليني لاستعماله في الانتخابات الوشيكة[7].

مسؤول سوداني رفيع المستوى في إسرائيل

استدعت حاجة المهدي للقرض، علاوة على سعْي حزب الأمّة لتطوير علاقاته بإسرائيل ضدّ مصر، أن يزور مسؤول سوداني رفيع المستوى إسرائيل سرًا. وتمهيدًا واستعدادًا لهذه الزيارة، للبتّ في طلب القرض وفي المشاريع الإسرائيلية في السودان، دعتْ وزيرةُ خارجية إسرائيل غولدا مئير، كلاً من وزير الماليّة ووزير التجارة ومحافظ بنك إسرائيل والمدير العام لمكتب رئيس الحكومة والمدير العام لوزارة الخارجيّة وعددًا آخرَ من المسؤولين والخبراء الإسرائيليّين، إلى عقد اجتماع موسّع في 20 آب/ أغسطس 1956[8].

لا تزال الملفات التي عالجت المحادثات التي أجراها المسؤول السوداني رفيع المستوى في أثناء زيارته إسرائيل في الثّلث الأخير من شهر آب/ أغسطس، في طيّ الكتمان. لكن هناك العديد من التقارير التي تطرّقت إلى زيارة هذا المسؤول السوداني بصورة غير مباشرة، والتي عالجت مقدرة إسرائيل على توفير الدّعم المالي لحزب الأمّة ومسألة إشراك دول عظمى في دعم حزب الأمّة ضدّ مصر عبد الناصر، لأنّ ذلك كان فوق طاقة إسرائيل الماليّة. فقد جاء في وثيقة صدرت عن مكتب وزارة الخارجيّة الإسرائيليّة في القدس إلى سفير إسرائيل في باريس، في 28 آب/ أغسطس 1956، أي بعيد أيّام معدودة من زيارة المسؤول السوداني رفيع المستوى إلى إسرائيل، أن تطوّر علاقات إسرائيل "مع حزب الأمة السوداني يعِد باحتمالات مشجّعة. تعتمد قدرة هذا الحزب، في داخل السودان وباسم السودان، في كبح تعاظم قوّة المصريّين وشركائهم، على حجم المساعدات السياسيّة والاقتصاديّة التي توضع تحت تصرّفهم. وفي سبيل هذا الأمر، نحن بحاجة إلى شركاء. من ناحيتنا، نرى أنّ الفرنسيين ملائمون، كما أنّ الرجل السوداني الذي نحن في اتّصال معه لا يخشى من هذه الشراكة"[9].

يوضّح الصورة أكثر تقريرٌ مهم للغاية صاغه مدير مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية تيدي كوليك ورفعه إلى دافيد بن غوريون رئيس الحكومة، في 2 أيلول/ سبتمبر 1956[10]. عالج هذا التقرير جملةً من الموضوعات كان أبرزها تدبير المال الكافي لدعم حزب الأمّة السوداني، والبحث عن شركاء لتحقيق الأهداف الإسرائيليّة في السودان. ويتّضح من هذا التقرير أنّ التدخّل الإسرائيلي في السودان في تلك الفترة وتقديم الدّعم الإسرائيلي إلى حزب الأمّة السوداني كان جزءاً من استراتيجيّة إسرائيليّة شاملة بقيادة بن غوريون ضدّ مصر بزعامة عبد الناصر.

ويتبيّن من التقرير أنّ دافيد بن غوريون، في سياق رسمه لهذه الإستراتيجية، عقد اجتماعين موسّعين طويلين مع نخبة "خبراء الشؤون العربية" في آب/ أغسطس 1956. وتلا هذين الاجتماعين اجتماعات عدّة عقدها خبراء الشّؤون العربية لدراسة أوضاع الوطن العربي وكيفيّة اختراقه وإمكانات ذلك. و" توصّل المشاركون في هذه الاجتماعات إلى أن العالم العربي ينبغي اختراقه من خلال الشّقوق الموجودة فيه"، وأنهم "يؤمنون بأنّ في إمكاننا إقامة علاقات بدوائرَ واسعة في العالم العربي تخشى وتخاف من صعود عبد الناصر"[11]. وذكر تيدي كوليك في تقريره أنّ عدداً من هؤلاء "الخبراء في الشّؤون العربية" قد سافر إلى أوروبا وباشر الاتّصال بفئات في الدول العربية، و" أنّ بعض هذه الاتصالات يعِد باحتمالات جيّدة". ثم أشار تيدي كوليك إلى المسؤول السوداني رفيع المستوى الذي زار إسرائيل، فذكر أنّ هذا المسؤول "اقتنع بأنّ لدينا قدرةً أكثر ممّا كان يعتقد قبل مجيئه إلى إسرائيل. وعلى الرغم من ذلك أخشى ألاّ نقدّم الكثير، وعندها تكون خيبة الأمل أكثر ممّا لو لم نقم بدعوته إطلاقاً، لأنه سيعتقد أنّ عدم فعلنا ينبع من عدم رغبتنا وليس من عدم قدرتنا[المالية]"[12].

ذكر تيدي كوليك في تقريره إلى بن غوريون أمراً آخر مهماً يتعلّق بالنشاط الاستخباري الإسرائيلي في مصر، فأشار إلى أنّ "خبراء الشؤون العربية" الإسرائيليين "اتّصلوا برجلين جدّيين في مصر، وتحدّثوا إلى أحدهما عن خطّة دعائيّة متشعّبة. إنّ تنفيذ هذه الخطّة يتطلّب مالاً كثيراً". ثم انتقل تيدي كوليك إلى موضوع ضرورة إشراك فرنسا والولايات المتّحدة الأميركيّة في النشاط الإسرائيلي في السودان والدّول العربية الأخرى، لأنّ "من الواضح أنّ الإمكانات الملائمة لتنفيذ هذا النّشاط بشكل جيّد غير متوافر لدينا. ومن ناحية أخرى، هناك خشية من أن لو أشركنا قوى أجنبية في القضية، احتمالاً بأن تنتقل العلاقات التي أقمناها، من أيدينا إلى أيادٍ أخرى، في ما أعتقد، حتى وإنْ كان مثل هذا الخطر قائماً (في اعتقادي أن في الإمكان منع ذلك) فمن الأفضل أن ينفّذ الآخرون نشاطاً ضدّ عبد الناصر من عدم تنفيذ عمليات ضدّه قطّ، بسبب النّقص في إمكاناتنا. ففي اعتقادي علينا ألاّ نتصرّف مثل كلب بلا أسنان يجلس إلى جانب عظمة جيدة أُلقيت له ولا يستطيع الاستمتاع بأكلها، ولكنه ينبح باستمرار ولا يسمح لزملائه بالوصول إلى العظمة".

وفي ختام تقريره أوصى تيدي كوليك بتخصيص مبلغ مالي يرصد سلفاً ويوضع تحت تصرّف المسؤولين الإسرائيليّين عن هذا النشاط، وإشراك أجهزة المخابرات الفرنسية والأميركية به [13].

تكثيف الاتصالات بين حزب الأمة وإسرائيل عشية العدوان الثلاثي

تكثّفت الاتصالات بين إسرائيل وحزب الأمّة السوداني عشيّة العدوان الثلاثي (الإسرائيلي - الفرنسي - البريطاني) على مصر، وانخرطت فرنسا وبريطانيا أيضاً في تقديم الدعم لحزب الأمّة ضدّ مصر وضدّ الأحزاب السودانية التي كانت تنادي بالتّحالف مع مصر وتطوّر العلاقات معها. وذكر تقرير أرسله ي. بلمون إلى غولدا مئير وزيرة خارجية إسرائيل، أنّ محمد أحمد عمر نائب الأمين العام لحزب الأمّة، أخبر الإسرائيليّين أنّ المهدي وحزب الأمّة ومؤيّديه من طائفة الأنصار يعتبرون المصريّين أعداء لهم، وأنهم سيكونون سعداء إذا تضعضعت قوّة المصريّين وتراجع نفوذهم[14]. وأضاف التقرير أنّ هناك قوى سودانية تنافس حزب الأمّة، أهمّها طائفة الختمية وجناحها السياسي - حزب الشعب المؤيّد جداً للمصريّين، ومجموعة الأزهري والجنوبيّون. وذكر التقرير أنّ كلاً من مجموعة الأزهري والجنوبيّين انتهازيون، وقد ينضمّون إلى المعسكر المؤيّد لمصر. وأضاف التقرير: مع اقتراب موعد الانتخابات للبرلمان السوداني، فإنّ أمام حزب الأمّة أحد خيارين: الأوّل أن يتهرّب من اتّخاذ موقف في جميع القضايا المتعلّقة بمصر لتجنّب قيام مصر باتّخاذ موقف معادٍ للحزب بشكل واضح، وهذا قد يؤدّي إلى حصول حزب الأمّة على مساعدة ماليّة قليلة من مصر، وبذلك تزيد مصر نفوذها في السودان، والثاني، اتّخاذه موقفاً واضحاً متحفّظاً من مصر وجامعة الدول العربية، وهذا يقود إلى زيادة الضّغوط عليه من مصر وحلفائها من الدّول العربية والاتّحاد السوفياتي. وأشار التقرير إلى أنّ مصر تقدّم دعمًا مالياً سخياً للأحزاب السودانية المناوئة لحزب الأمّة. واقترح بلمون على غولدا مئير أن تقدّم إسرائيل قرضاً لحزب الأمّة السوداني قيمته 100 ألف دولار من غير ضمانات، وقرضاً آخر للمهدي قيمته 300 ألف دولار، لقاء ضمانات على شكل إيصالات (كمبيالات). وأضاف بلمون أنّ فرنسا قد تقدّم دعماً مالياً لحزب الأمّة السوداني جراء العلاقات التي أقامها محمد أحمد عمر مع فرنسا بمبادرة إسرائيل ودعمها. وفي ختام تقريره طلب بلمون من وزيرة الخارجية الإسرائيليّة غولدا مئير جوابا خلال أسبوع لكي يوصل هذا الجواب إلى محمد أحمد عمر[15].

في 17 أيلول/ سبتمبر 1956، أرسل أوري لوبراني من القدس رسالة إلى إلياهو ساسون سفير إسرائيل في روما حينئذ، أخبره فيها عن القرارات التي اتّخذتها إسرائيل في شأن السودان[16] وهي:

1. تقرّر الطلب من آفيا ومن كونيكوف أن يفحصا في جنيف إمكان إقامة بنك زراعي في السودان لوضعه في تصرّف مشاريعنا هناك.

2. تقرّر البحث في أوروبا والولايات المتّحدة عن طرق لجمع الأموال لاستعمالها في مشاريع اقتصادية في السودان.

3. تقرّر الاتّصال بفرنسا لإشراكها في المشاريع والنّشاطات في السودان. وقد تمّ الحديث مع جلبير الذي أظهر حماسة للأمر، وسيسافر زيامه ديبون إلى باريس لترتيب اجتماع بين محمد أحمد عمر وجلبير.

4. تمّ الاتّفاق مع آفيا وكونيكوف على تقديم قرض للمهدي قيمته 300 ألف دولار، على أن يوقّع المهدي إيصالات (كمبيالات) لضمان سداد المبلغ. وسيتم دفع 50 ألف دولار من هذا المبلغ إلى المهدي فورا.

5. اقترح رئيس الحكومة دافيد بن غوريون أن يسافر ح. جفاتي المدير العام لوزارة الزراعة الإسرائيليّة، وإيهود أفريئيل إلى السودان، للوقوف عن كثب على النّشاط الإسرائيلي في السودان. ولكن من غير الواضح حتى الآن مَن سيسافر إلى السودان. والهدف الإسرائيلي هو إرسال مبعوثين رفيعي المستوى إلى السودان لإضفاء الجديّة الملائمة على التّعاون بين إسرائيل والسودان ، وتطويره إلى مستوى عالٍ.

وأضاف أوري لوبراني في تقريره أنّ رئيس وزراء فرنسا ووزير خارجيّته أبْديا اهتماماً بموضوع السودان، وكلّفا كبار الموظّفين في وزارة الخارجيّة الفرنسية بتقديم اقتراحات ملموسة لمساعدة حزب الأمّة السوداني. وبناءً على ذلك، قدّمت وزارة الخارجية الفرنسية الاقتراحاتِ التالية:

1. تقديم قرض للسودان بمبلغ قيمته مليونا جنيه إسترليني.

2. تقديم مساعدات مباشرة لحزب الأمّة في الانتخابات البرلمانيّة المقبلة بوساطة تزويده بماكينات طباعة وسفريات... إلخ.

3. إرسال مبعوث فرنسي خاصّ إلى الخرطوم غايته السّعي لشراء محصول القطن من المهدي، ودفع ثمن القطن مقدّمًا.

4. وافق الفرنسيّون، من حيث المبدأ، على مساعدة السّودان في إقامة سلاح جوّ بشرط أن تجري الاتّصالات في هذا الشّأن رسمياً بين الحكومتين الفرنسيّة والسّودانية.

وأضاف أوري لوبراني في تقريره أنّ محمد أحمد عمر بعد أن ينهي مهمّته في باريس سيسافر إلى جنيف كي ينجز مع موشيه ساسون الاتّفاقية مع آفيا وكونيكوف[17].

التجسّس على عبد الناصر لمصلحة إسرائيل عشية العدوان الثلاثي

في منتصف أيلول/ سبتمبر 1956 زار المهدي زعيم حزب الأمّة السوداني مصر، وأجرى سلسلة من المحادثات مع القيادة المصريّة، واجتمع في خلالها إلى الرئيس جمال عبد الناصر. ورافق المهدي في زيارته هذه رئيس البرلمان السوداني محمد صالح الشنقيطي، الصديق الشخصي للمهدي والمقرّب منه بحسب الوثائق الإسرائيلية. وقد شارك الشنقيطي المهدي في المرحلة الأولى من المحادثات التي أجراها مع الرئيس جمال عبد الناصر. ولم تكد تمرّ عشرة أيام على اجتماعه هو وزعيم حزب الأمّة إلى الرئيس جمال عبد الناصر، حتى كان الشنقيطي يقدّم إلى مسؤول إسرائيلي في جنيف، في 27 أيلول/ سبتمبر 1956، تقريراً مفصّلاً وشاملاً عن المحادثات التي أجراها المهدي مع الرئيس جمال عبد الناصر. وأخبر الشنقيطي المسؤول الإسرائيلي بالآتي[18]:

1. يعتبر السودان أنّ تعاظم قوّة مصر العسكرية يشكّل خطرًا مباشرًا على استقلال السودان. ويخشى السودان من أنّ الحرب المقبلة التي ستشنّها مصر ستوجّه ضدّه وليس ضدّ إسرائيل.

2. هناك مصلحة للسودان في إضعاف النظام المصري وفي تعزيز الصّداقة مع المعارضين لعبد الناصر. ولكن حاجة السودان إلى قناة السويس وإلى حلّ مشكلات المياه مع مصر، وإلى سداد ديونه الخارجيّة واقتراب موعد الانتخابات البرلمانية السودانية، ترْغم حزب الأمّة على مهادنة مصر في المستقبل القريب.

رسالة م. يسرائيل من جنيف إلى وزيرة الخارجية غولدا مئير وبلمون في 28 سبتمبر 1956 (من إرشيف الدولة في إسرائيل). وتضمن التقرير الذي قدمه محمد صالح الشنقيطي عن المحادثات التي أجراها المهدي مع الرئيس عبد الناصر في القاهرة في منتصف شهر سبتمبر 1956.

3. رغب عبد الناصر في زيارة المهدي مصر كي يظهر للعالم دعم السودان لمصر في شأن السويس. وعلى الرغم من أنّ عبد الناصر ألمح إلى أنّ زيارة المهدي لمصر مرغوب فيها كي يقوم المهدي بالوساطة بين مصر وبريطانيا، إلاّ أنّ عبد الناصر لم يطلب من المهدي أيّ نوع من الوساطة إطلاقًا.

4. زار المهدي مصر كي يبلّغ إلى عبد الناصر موقفه من أزمة السويس، وكي يظهر أمام مواطني السودان أنّ علاقاته بعبد الناصر جيّدة أيضاً، ما يساعده في الانتخابات البرلمانيّة السودانية.

5. قال المهدي لعبد الناصر إنّ السودان يعترف بملكيّة مصر لقناة السويس، لكنه أكّد أنّ قيمة قناة السويس تنبع من استعمال الغرب لها، ولذلك هناك ضرورة لتقديم ضمانات دوليّة في شأن حريّة الملاحة فيها.

6. وصف المهدي في لقائه عبد الناصر، الكارثة التي ستلحق بالعرب في حال قيام الدول الغربية بالتدخّل عسكريًا، والأزمة التي سيعانيها السودان إذا قاطع الغرب قناة السويس.

7. كان تقدير عبد الناصر أنّ الغرب لن يستعمل القوّة وأنّ الدّول الغربية ستضطرّ في نهاية الأمر إلى حلّ وسط مع مصر يضمن الكرامة الوطنيّة المصرية.

8. الموضوع الوحيد الذي اتّفق المهدي مع عبد الناصر عليه هو التزام مصر دفع ثمانية ملايين جنيه إسترليني من حسابات مصر المجمّدة في لندن، والباقي من المال المستحقّ، يتم سداده خلال خمسة أعوام.

9. اعتقد الشنقيطي أنّ فرض حصار اقتصادي على مصر مدّة ثلاثين يومًا فقط كفيل بإسقاط نظام عبد الناصر.

الزعيم جمال عبد الناصر والرئيس السوداني، الفريق إبراهيم عبود

وبعث المسؤول الإسرائيلي رسالة إلى وزيرة الخارجية غولدا مئير وإلى بلمون يخبرهما فيها بفحوى تقرير الشنقيطي. واختتمها بالقول إنّه علِم قبل فترة وجيزة أنّ بريطانيا أوعزت إلى فرع بنك باركليز في الخرطوم دفْع مبلغ مليون جنيه إسترليني للمهدي كسلفة على حساب محصول القطن في السنة المقبلة[19].

استمرّت العلاقات الودّية بين حكومة السودان وحزب الأمّة من ناحية، وحزب الأمّة وإسرائيل من ناحية أخرى، إلى ما بعد العدوان الثّلاثي على مصر في العام 1956. وشملت هذه العلاقات تعاونًا محدوداً في بعض المجالات العسكريّة. ووصلت العلاقات بين الجانبيْن إلى إحدى ذراها عندما عقدت وزيرة الخارجيّة الإسرائيلية غولدا مئير اجتماعاً سرياً ورسمياً مع رئيس الوزراء السوداني عبد الله خليل في صيف 1957 في أحد فنادق باريس[20]. بعد هذا الاجتماع بأقلّ من عام، أطاح انقلاب عسكري في الخرطوم حكومة عبد الله خليل، وتسلّم السّلطة في السودان إبراهيم عبود الذي غيّر سياسة السودان من مصر، وأخذ يتقرّب منها ومن نهجها السياسي، وأدّى ذلك بطبيعة الحال إلى قطع علاقات السودان بإسرائيل.

التدخل الإسرائيلي في جنوب السودان

بدأت الاتّصالات بين إسرائيل وحركة التمرّد في جنوب السودان في العام 1963. فمذ ذاك العام وحتى العام 1972، اجتمع كثير من القادة والناشطين السودانيّين الجنوبيّين إلى مسؤولين إسرائيليين في السفارات الإسرائيلية في أوغندا وإثيوبيا وتشاد والكونغو وكينيا[21]. وقد تعزّزت هذه الاتّصالات والعلاقات وتعمّقت خلال حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل.

لا تزال الملفات المتعلّقة بالتدخّل الإسرائيلي في جنوب السودان في تلك المرحلة محكمة الإغلاق في الأرشيف الإسرائيلي، ولكن جوزيف لاغو، قائد حركة "أنيانيا" التي قادت حركة التمرّد في جنوب السودان في تلك الفترة، كشف في مقابلة له مع صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، النّقاب عن خلفيات التدخّل الإسرائيلي وبداياته وأبعاده في دعم التمرّد في جنوب السودان في تلك الفترة[22]. ويتّضح من هذه المقابلة أنّ جوزيف لاغو اجتمع في بداية العام 1969 إلى سفير إسرائيل في كمبالا وسلّمه رسالة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية حينئذ ليفي أشكول. وشدّد جوزيف لاغو في رسالته على المصالح المشتركة بين إسرائيل وحركة التمرّد في جنوب السودان وفي مقدّمتها "الحرب ضدّ العرب". وعلى أرضيّة المصالح المشتركة، طلب جوزيف لاغو في رسالته مساعدة عسكرية من إسرائيل إلى حركة "أنيانيا". وأشار إلى أنه إذا أمدّت إسرائيل حركة "أنيانيا" بالسّلاح فإنها ستشنّ الحرب ضدّ الجيش السوداني وستعمل على مشاغلته وإزعاجه، الأمر الذي يؤدّي إلى منعه من دعم مصر والدول العربية الأخرى في حربها ضدّ إسرائيل. ولكن رئيس الحكومة الإسرائيليّة ليفي أشكول توفّي في شباط/ فبراير 1969 قبل أن يستلم رسالة جوزيف لاغو؛ وحلّت محلّه غولدا مئير التي قامت بدورها بدعوة جوزيف لاغو إلى زيارة إسرائيل. لبّى جوزيف لاغو الدعوة، وخلال زيارته إسرائيل اجتمع إلى غولدا مئير في مكتبها في القدس، وإلى مسؤولين إسرائيليين آخرين، وزار عدداً من القواعد العسكرية الإسرائيلية، واتّفق مع المسؤولين الإسرائيليين على صفقة تقوم إسرائيل بموجبها بتزويد حركة "أنيانيا" بالأسلحة وبتدريب مقاتلي الحركة عسكرياً في إسرائيل، كان أبرزهم جون غرنغ الذي أصبح لاحقاً قائداً للجبهة الشعبية لتحرير السودان.

وبعد هذه الزيارة بفترة وجيزة، شرعت إسرائيل في تزويد حركة "أنيانيا" بأنواع مختلفة من الأسلحة على متن طائرات نقل إسرائيليّة، قامت بإيصالها إلى مدينة جوبا في جنوب السودان من طريق أوغندا. وشملت هذه الشّحنات أسلحة كثيرة ومتنوّعة من بينها المدفعيّة والصواريخ المضادّة للدّبابات وأسلحة رشاشة وأسلحة خفيفة، وهي أسلحة كانت إسرائيل قد غنمتها من الجيوش العربيّة في حرب 1967. وأشار جوزيف لاغو في مقابلة مع صحيفة "هآرتس" إلى أنّ إسرائيل لم تزوّد حركة "أنيانيا" بأسلحة مصنوعة في إسرائيل أو أسلحة غربيّة حديثة، كي لا يتمّ كشف مساعدتها لتمرّد جنوب السودان. ومع بداية وصول شحنات الأسلحة الإسرائيلية إلى جنوب السودان، وصل أيضاً مستشارون عسكريّون إسرائيليون وانضمّوا إلى قواعد المتمرّدين. وذكر جوزيف لاغو أنّ السّلاح الذي حصلت عليه حركة "أنيانيا" من إسرائيل غيّر موازين القوى وعزّز مكانة الحركة، وبات يحسب حسابها في الصّراع.

استمرّت إسرائيل في تزويد حركة أنيانيا بالسلاح، برحلات جوية من أوغندا إلى جنوب السودان حتى العام 1972. وفي ذلك العام، غيّر رئيس أوغندا عيدي أمين سياسته المساندة لإسرائيل وقطع علاقات بلاده معها وأغلق سفارتها في كمبالا وطرد جميع الإسرائيليين من أوغندا، بمن فيهم كثير من المستشارين العسكريين. وأدّى ذلك إلى وقف إسرائيل استعمال أوغندا طريقاً لتزويد حركة التمرّد في جنوب السودان بالسّلاح. وكانت هناك طريق أخرى أمام إسرائيل، وهي نقْل الأسلحة جواً بطائرات تمرّ في الأجواء الإثيوبية ومن ثمّ إلى كينيا ومنها إلى جنوب السودان، بيْد أنّ هذه الطريق كانت أكثر تكلفة وخطراً. وجاء توقيع الحكومة السودانية في سنة 1972 مع حركة التمرّد في جنوب السودان اتفاقيّة أديس أبابا ليوقف بموجبها التمرّد في جنوب السودان. وفي أعقاب هذه الاتّفاقية أسرع جوزيف لاغو إلى العاصمة الكينية نيروبي لشرح الوضع الجديد للإسرائيليين الذين أزعجتهم اتّفاقية السلام ووقف التمرد[23].

إسرائيل وجعفر النميري وعدنان خاشقجي

يشير يعقوب نمرودي، الذي شغل مراتبَ عليا في جهاز المخابرات الإسرائيلية (الموساد)، في مذكّراته إلى أنّ رجل الأعمال السعودي عدنان خاشقجي كان "عنواناً لكلّ إسرائيلي أو يهودي يبحث عن طرق للعالم العربي"[24]. ويتّضح من هذه المذكّرات أنّ عدنان خاشقجي كان له شأنٌ أساسي في إقامة العلاقات بين إسرائيل والرئيس السوداني جعفر النميري. ومن المفيد إلقاء الضّوء، ولو باقتضاب، على طبيعة علاقات عدنان خاشقجي بإسرائيل. ويكشف يعقوب نمرودي في مذكّراته النّقاب عن أنّ عدنان خاشقجي أقام علاقاتٍ كثيرة ومتشعّبة مع كثير من الإسرائيليّين واليهود الأميركيين. وكان من بين الإسرائيليين الذين أقام عدنان خاشقجي علاقات متينة بهم دافيد كيمحي خلال الفترة التي شغل فيها كيمحي منصب رئيس مركز جهاز الموساد في باريس، و "تطوّرت العلاقات بين الاثنين وتوطّدت وسادت بينهما صداقة حقيقية"[25].

جعفر النميري

في منتصف عقد السّبعينيات من القرن الماضي توجّه يعقوب نمرودي إلى الجنرال الإسرائيلي (المتقاعد) رحبعام زئيفي، الذي كان قد أنهى لتوّه مهماته كمستشار في شؤون "الإرهاب" لرئيس الحكومة الإسرائيلية يتسحاق رابين، للعمل مع عدنان خاشقجي في مهمات أمنيّة وحراسة. استجاب رحبعام زئيفي لطلب يعقوب نمرودي وتمكّن خلال فترة وجيزة من كسب ثقة عدنان خاشقجي. وقام رحبعام زئيفي بإدارة مزرعة عدنان خاشقجي المترامية الأطراف في كينيا، ووظّف أكثر من أربعين إسرائيلياً في تشغيل المزرعة وحراستها. وعهد عدنان خاشقجي إلى رحبعام زئيفي أيضاً بمهمة الحفاظ على أمْن يخته الفاخر، وكلّفه بوضع أجهزة رقابة وتنصّت في اليخت كي يكون في إمكان عدنان خاشقجي مراقبة ضيوفه رفيعي المستوى من العرب وغير العرب، بشكل مباشر[26]. وبطبيعة الحال كانت إسرائيل تشاركه في أشرطة الرقابة والتنصّت هذه.

عدنان خاشقجي

أقام عدنان خاشقجي علاقاتٍ وطيدةً برئيس السودان جعفر النميري منذ سبعينيات القرن الماضي. وفي أواخر السبعينيات أخبر خاشقجي صديقه وشريكه في كثير من المشاريع الاقتصادية والصفقات التجارية يعقوب نمرودي، أنّ وضع الرئيس السوداني جعفر النميري في داخل السودان خطير ويثير القلق، وأنّ "الأميركيين لا يقدّمون له المساعدة المرجوّة، والسعوديون يصدّونه. وكان كل ما تمكّن الأميركيون من استخلاصه من السعوديّين هو تمويلهم شراء طائرات أف-5 التي كانت حاجة النميري إليها أقلّ من جميع الأمور الأخرى؛ جميع خطط التنمية الاقتصاديّة الكبيرة لا تنفذ. وعلاوة على ذلك، ينبغي الاهتمام فوراً بحصول النميري على فريق أمْني أميركي يستقرّ في الخرطوم، لحفظ أمنه الشّخصي، مثلما أرسلت الولايات المتّحدة اثنين وأربعين شخصاً إلى القاهرة لحراسة أنور السادات ونظامه"[27]. وذكر يعقوب نمرودي أنّ عدنان خاشقجي من أجل مساعدة جعفر النميري والسودان، نظم في العام 1979 "زيارة لأصدقائه وشركائه الإسرائيليين إلى الخرطوم". فقد دعا عدنان خاشقجي خمسة إسرائيليّين من مخضرمي الأجهزة الأمنيّة الإسرائيلية إلى الخرطوم للقاء جعفر النميري هم: يعقوب نمرودي ودافيد كيمحي وآل شفايمر ورحافيه فاردي وهانك غرينسبان. وفوْر وصولهم إلى الخرطوم من نيروبي، اجتمعوا إلى الرئيس السوداني جعفر النميري. وأشار يعقوب نمرودي في مذكّراته إلى أنّ الهدف من هذه الزيارة كان إقامة علاقات اقتصاديّة بين إسرائيل والسودان. ووصف يعقوب نمرودي شعوره هو وشعور زملائه عند اجتماعهم إلى النميري بقوله: "كنّا وكأننا في حلم. كان من الصعب أن نصدّق أننا في السودان، في قصر أحد الحكام العرب المعروفين الذي كان يكرّر ترحابه بنا ويقدّم لنا الطعام، ويحدّثنا ويحضّنا على القيام بمشاريعَ مشتركة معه". وأضاف أنّ جعفر النميري أخبر ضيوفه الإسرائيليين بحاجته إلى المساعدة لتطوير اقتصاد بلاده، وأنه طلب إقامة علاقات اقتصادية مع إسرائيل بشكل دائم[28].

اجتماع النميري ويغآل يدين

بعد عودة يعقوب نمرودي والوفد المرافق له إلى إسرائيل من الاجتماع إلى جعفر النميري، بادرت إسرائيل إلى عقد اجتماع رسمي وسرّي بين نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية يغآل يدين ورئيس السودان جعفر النميري. وفعلاً عقد هذا الاجتماع بين النميري ويدين في نيويورك، وجرى في جوّ ودّي، وتم فيه وضع الأسس للتعاون بين إسرائيل والسودان في المستقبل[29].

اجتماع النميري وشارون

منذ أن أصبح وزيراً للدفاع في إسرائيل، سعى أريئيل شارون إلى التأثير في السياسة الخارجية والأمن الإسرائيلية ونقلها نقلة نوعيّةً جديدة. واعتقد شارون أنّ منطقة النفوذ الإسرائيلية ومصالحها الحيوية تتعدّى دول المواجهة العربية، وتتّسع في الشرق لتصل إلى الباكستان، وتمتدّ في أفريقيا من شمالها إلى وسطها[30]. وفي سياق سعيه لتحقيق سياسته، وصل شارون إلى نيروبي في كينيا، ومنها أقلّته مباشرةً هو ومرافقيه طائرةٌ خاصّة يمتلكها عدنان خاشقجي إلى مزرعته في كينيا القريبة من الحدود التنزانية. وكان في انتظار شارون في المزرعة الرئيس السوداني جعفر النميري ورئيس المخابرات السودانية عمر محمد الطيب وكلّ من عدنان خاشقجي ويعقوب نمرودي وآل شفايمر. وفي الاجتماع الذي جرى بين شارون والرئيس السوداني جعفر النميري وافق النميري على غضّ الطرف عن هجرة اليهود الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل عبر السودان، لقاء مبالغَ مالية له ولرئيس مخابراته عمر محمد الطيب. ما وافق النميري على السّماح بتخزين سلاح إسرائيلي في السودان لمصلحة قوى إيرانية كانت تخطّط، بمساعدة إسرائيل وعدنان خاشقجي، للقيام بعمليات عسكرية ضدّ نظام الخميني في إيران. ووافق النميري أيضا على السماح لإسرائيل بتدريب هذه القوى الإيرانية على الأراضي السودانية. بيد أنّ مشروع شارون المشترك مع خاشقجي لم ينفّذ لخلافات إسرائيلية داخلية بين شارون وفئات مناوئة له في أجهزة الأمن الإسرائيلية والحكومة[31].

النميري وتهجير اليهود الفلاشا إلى إسرائيل

سعت إسرائيل في أواخر سبعينيات القرن الماضي لتهجير اليهود الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل. ومن أجل تحقيق ذلك، تفاوضت إسرائيل في البداية مع الحكومة الإثيوبية بخصوص تهجير مواطنيها الفلاشا إلى إسرائيل، بيْد أنّ هذه المفاوضات لم تسفر عن نتائجَ ملموسة ومرضية. وفي العام 1979، طلب رئيس الحكومة الإسرائيلية مناحيم بيغن من رئيس مصر أنور السادات السّعي لدى الرئيس السوداني جعفر النميري من أجل السّماح لليهود الفلاشا بالهجرة من إثيوبيا إلى إسرائيل عبر السودان. وقد استجاب السادات لهذا الطلب، وحصل على موافقة النميري المبدئية ، شريطة أن يجري ذلك بسرّية تامة[32].

في بداية العام 1980، وصل إلى الخرطوم مسؤولٌ في جهاز الموساد واجتمع إلى عمر محمد الطيب رئيس المخابرات السودانية ومسؤولين سودانيين آخرين. واتّفق المسؤول في الموساد مع المسؤولين السودانيّين على مرور الفلاشا من أراضي السودان إلى كينيا ومن ثمّ إلى إسرائيل. واستمرّ تهجير اليهود الفلاشا من طريق السودان إلى إسرائيل، إلى أن ذاع الخبر في وسائل الإعلام العالميّة، ما أدّى إلى وقف عمليّات الهجرة[33]. في العام 1981 أقام جهاز الموساد بالتعاون مع السي آي ايه "شركة سياحيّة" لاستعمالها غطاءً لتهريب اليهود الفلاشا الذين كانوا قد وصلوا إلى السودان من إثيوبيا. وقد استأجرت هذه الشّركة قطعة أرض سودانيّة تقع على البحر الأحمر، وسرعان ما أصبحت قطعة الأرض هذه قاعدة للموساد ووحدات من كوماندو البحريّة الإسرائيلية. وهرّب جهاز الموساد من خلال هذه "القاعدة" ألفين من اليهود الفلاشا إلى إسرائيل من طريق البحر الأحمر[34].

"عملية موشيه"

في إثر تزايد أعداد اليهود الفلاشا الذين وصلوا إلى السودان من إثيوبيا، طلبت الحكومة الإسرائيلية مباشرة من الرئيس السوداني جعفر النميري، وبوساطة الولايات المتحدة الأميركية أيضاً، نقل يهود الفلاشا بالطائرات من الخرطوم إلى إسرائيل. وقد قبل الرئيس السوداني جعفر النميري الاقتراح الإسرائيلي، بعد وضع جهاز الموساد في حسابه وحساب بعض المقرّبين إليه، من بينهم رئيس جهاز مخابراته عمر الطيب، 60 مليون دولار في عدد من بنوك أوروبا، وخاصّةً في سويسرا ولندن؛ وكذلك بعد أن التزمت الولايات المتّحدة الأميركية بتقديم 200 مليون دولار دعمًا للسودان[35]. وبناءً على هذا الاتّفاق أقلعت من الخرطوم منذ 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 1984 وحتّى الأسبوع الأوّل من كانون الثاني/ يناير 1985، خمسٌ وثلاثون طائرة كبيرة محمّلة باليهود الفلاشا إلى بروكسل، كانت تمكث فيها ساعتيْن للتزود بالوقود ثمّ تكمل رحلتها إلى إسرائيل. في الأسبوع الأوّل من كانون الثاني/ يناير 1985، كشف رئيس قسم الهجرة والاستيطان في الوكالة اليهودية، في مقابلة مع مجلة المستوطنين "نقوداه" تفصيلات "عملية موشيه" وهي التسمية التي أُطلقت على رحلات نقْل اليهود الفلاشا من السودان إلى إسرائيل مرورًا بجنيف. وفي إثر ذلك، تناقلت وكالات الأنباء العالمية هذا الخبر، ما حدا برئيس الحكومة الإسرائيلية شمعون بيرس إلى عقد مؤتمر صحافي ليتبنّى رسميا "عملية موشيه". وفي الخامس من كانون الثاني/ يناير 1985، أي بعد يومين من المؤتمر الصحافي لشمعون بيرس، أخبرت الحكومة السودانية الإدارة الأميركية أنّها قرّرت وقْف العملية لانفضاح أمرها. وبقي في السودان بعد وقف العملية ما يقارب ألف يهودي من الفلاشا. وفي آذار/ مارس 1985، وفي أعقاب ضغط الإدارة الأميركية، وافق الرئيس السوداني جعفر النميري على نقْل ما تبقّى من اليهود الفلاشا إلى إسرائيل بطائرات أميركية[36].

خاتمة

فتحت "الشقوق" والانقسامات الكثيرة في السودان والصراعات على السلطة التي احتدمت فيه، وفي شماله بالدرجة الأولى الباب أمام التدخّل الإسرائيلي في السودان ، من دون أن تتطوّر أو تتبلور فيه أرضيّة وطنية. وفي كلّ مرحلة من مراحل التدخّل الإسرائيلي في السودان، جيرت إسرائيل تدخّلها لخدمة أهدافها الاستراتيجيّة لقاء تقديمها المال أو الرّشى للنّخب السودانية الشّمالية التي تعاملت مع إسرائيل. ففي الخمسينيات من القرن العشرين، أسّست إسرائيل هذا التدخّل على أرضية العمل ضدّ مصر بقيادة عبد الناصر. وقد قطع قادة حزب الأمّة السوداني في تلك الفترة شوطاً طويلاً في هذا التّحالف مع إسرائيل ضدّ مصر، قبل العدوان الثلاثي على مصر في العام 1956وفي أثنائه وبعده. وفي أواخر السبعينيات والنصف الأول من الثمانينيات، أقامت إسرائيل علاقات قويّة بالرئيس السوداني جعفر النميري ونظامه، إلى درجة سماح النميري لإسرائيل ليس بتهجير عشرات آلاف اليهود الفلاشا من الأراضي السودانية إلى إسرائيل فحسب، وإنما سماحه بإقامة قاعدة لجهاز المخابرات الإسرائيليّة (الموساد) في الخرطوم أيضاً [37]. أمّا في شأن دعم إسرائيل لحركة التمرّد في جنوب السودان فإنّها أخضعت هذا الدعم لمصلحتها . فعندما كان دعم التمرّد يخدمها، كما كان الأمر عليه في أواخر الستّينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي، أو لاحقاً في التسعينيات، فإنّها دعمته؛ ولكن عندما كان هذا الأمر لا يخدمها، لوجود خادم لها في رأس السّلطة في السودان، كما كان الوضع عليه في أواخر السّبعينيات وحتى منتصف الثّمانينيات، فإنّ إسرائيل أبتْ أن تقدّم الدعم للتمرّد في جنوب السودان.


قائمة المصادر والمراجع

- المصادر:

ملفات في "أرشيف الدولة" في "إسرائيل"

- المراجع:

1. شاريت. موشيه، مذكرات شخصية (يومان إيشي)، المجلد الرابع، (تل أبيب: مكتبة معاريف، 1978).

2. ميلمان، يوسي ورفيف، دان، جواسيس غير كاملين: قصة المخابرات الإسرائيلية (مرجليم لو موشلميم: سيبورو شل هموديعين هيسرائيلي)، (تل أبيب: مكتبة معاريف، 1990).

3. نمرودي. يعقوب، رحلة حياتي (مساع حياي)، المجلد الثاني، (أور يهودا: مكتبة معاريف، 2003).

4. ينيف. أفنير، السياسة والاستراتيجية في إسرائيل (بوليطيكا فاستراتيجيه بيسرائيل)، (تل أبيب: سفريات بوعليم، 1994).

5. Mohamed Omer Beshir, The Southern Sudan: From Conflict to Peace, (London: C. Hurst and Company, 1975).

6. Tim Niblock, Class And Power In Sudan, (NY: Albany, 1987).

* * *

[1] أفنير ينيف، "السياسة والإستراتيجية في إسرائيل" (بوليطيكا فاستراتيجيه بيسرائيل)، (تل أبيب: سفريات بوعليم، 1994)، ص. 99.

[2] تقرير ش. يعري، 15/8/1956، ملف حيتس، 1/ 8624، أرشيف دولة إسرائيل. (يلخص هذا التقرير الاتصالات والعلاقات بين إسرائيل وحزب الأمة السوداني منذ بدايتها في 1954 حتى آب/أغسطس 1956).

[3] موشيه شاريت، مذكرات شخصية (يومان إيشي)، المجلد الرابع، تل أبيب: مكتبة معاريف، 1978، ص 1160.

[4] تقرير ش. يعري، مصدر سبق ذكره.

[5] المصدر السابق.

[6] المصدر السابق.

[7] المصدر نفسه.

[8] رسالة سرية للغاية من وزارة الخارجية الإسرائيلية، في 16 / 8 /1956، ملف حيتس 1/ 8624، أرشيف دولة إسرائيل.

[9] رسالة من ايتان من مكتب القدس إلى رئيس الحكومة، في 2 /9 / 1956، ملف حيتس 14/ 2454، أرشيف دولة إسرائيل.

[10] المصدر السابق.

[11] المصدر نفسه.

[12] المصدر نفسه.

[13] المصدر السابق.

[14] رسالة ي. بلمو ن إلى وزيرة الخارجية، في 10 / 9 / 1956، ملف حيتس 1/ 8624، أرشيف دولة إسرائيل.

[15] المصدر نفسه.

[16] تقرير أوري لوبراني إلى إلياهو ساسون، في 17 / 9 /1956، ملف حيتس 1/ 8624 ، أرشيف دولة إسرائيل.

[17] المصدر السابق.

[18] رسالة م. م. يسرائيل من جنيف إلى وزيرة الخارجية وبلمون، في 28 / 9 /1956، ملف حيتس 14/ 2454، أرشيف دولة إسرائيل.

[19] المصدر السابق.

[20] أفنير ينيف، مصدر سبق ذكره، ص. 177.

[21] - Mohamed Omer Beshir, The Southern Sudan: From Conflict to Peace, (London: C. Hurst and Company, 1975),pp. 91 - 92. See also: Tim Niblock, Class And Power In Sudan,( NY: Albany, 1987), pp. 274 - 277.

[22] دانا هرمان، "هكذا أقنع جنرال جنوب سوداني إسرائيل بمساعدة المتمردين"، هآرتس، 30/ 1 / 2011. http://www.haaretz.co.il/hasite/objects/pages/PrintArticle

[23] المصدر السابق.

[24] يعقوب نمرودي، رحلة حياتي، (مساع حياي)، المجلد الثاني، (اور يهودا: مكتبة معاريف، 2003)، ص. 521.

[25] المرجع نفسه، ص. 515.

[26] المرجع السابق، ص 515.

[27] المرجع نفسه، ص 515.

[28] المرجع السابق، ص 515.

[29] المرجع نفسه، ص 515.

[30] يوسي ميلمان ودان رفيف، جواسيس غير كاملين: قصة المخابرات الإسرائيلية (مرجليم لو موشلميم: سيبورو شل هموديعين هيسرائيلي)، (تل أبيب: مكتبة معاريف، 1990)، ص 218.

[31] المرجع نفسه، ص 218.

[32] المرجع السابق، ص 199.

[33] المرجع نفسه، ص 200.

[34] المرجع نفسه.

[35] المرجع السابق، ص 201.

[36] المرجع نفسه، ص.ص 201 - 202.

[37] يعقوب نمرودي، مرجع سبق ذكره، ص 527

التعليقات