معضلة اسرائيل: "دولة احتلال" ام "ثنائية القومية" ام "يهودية" ام "لكل مواطنيها"؟

-

معضلة اسرائيل:
اثار اكاديمي اسرائيلي يدرس علم الاجتماع في جامعة جورج واشنطن في الولايات المتحدة المعضلة التي تواجه دولة اسرائيل في زمن باتت فيه جميع شعوب العالم رافضة للتمييز العنصري والديني واحتلال شعب لارض شعب آخر بالقوة وانكار حقوقه وتقاليده الدينية والثقافية. ويطرح البروفيسور اميتاي ايتزيوني في مقال نشرته صحيفة "ذي غارديان" البريطانية اليوم مسألة ماذا يعني ان تنهي اسرائيل احتلالها للضفة الغربية او ان تواصل ذلك الاحتلال، وماذا يعني تمسكها بـ "يهوديتها" او تخليها عنها وتحولها "دولة لكل مواطنيها"، حسب تعبير ومطلب المفكر والكاتب العربي الفلسطيني الدكتور عزمي بشارة.
كما يجادل بانه اذا "كان لليهود والعرب على حد سواء الحق في ممارسة ديانتيهم – او عدم ممارسة اي دين بالمرة – فان العنف والكراهية سيتوقفان". وهو يشرح ايضاً ما الذي يمكن ان يعنيه انهاء احتلال الضفة الغربية ايضاً بالنسبة الى اسرائيل والى الاقلية العربية داخلها المكونة من اكثر من مليون عربي فلسطيني بقوا في فلسطين في العام 1948 او ولدوا من نسلهم.
(
وفي ما يلي ابرز ما جاء في مقال البروفيسور ايتزيوني وهو مؤلف كتاب جديد عنوانه "القانون الذهبي الجديد" The New Golden Rule :

"ان طرح السؤال "هل يجب ان تكون اسرائيل دولة يهودية؟" هو شبيه بالتساؤل عما اذا كان البابا يجب ان يكون كاثوليكيا. ولكن انصار الحقوق الفردية يثيرون هذا السؤال، ويستخدمون مرارا حججا شبيهة بتلك التي يستخدمها نظراؤهم في بريطانيا ودول عديدة اخرى، الذين يقولون بأنه اذا تم اضعاف الهوية القومية، فان الاقليات لن تشعر بأنها في وطنها وستتحول الى بيئة خصبة للارهابيين. وهذه الحجج تتجاهل الرعاية التي يقدمها المجتمع القومي، الذي يوفرالقيم المحورية والهوية والتماسك التقليدي، والروابط الاعتيادية التي تحول دون تفكك الأمم.

وفي اسرائيل تتكون الحجة التي تستند اليها حقوق الاقليات من جزئين. الحجة السهلة الاولى تشير الى ان استمرار احتلال الضفة الغربية يرغم اسرائيل على اما ان تبقى قوة احتلال، أو ان تتخلى عن هويتها اليهودية بالتحول الى دولة ثنائية القومية. ويعتبر الانسحاب الى حدود عام 1967 وفقا لاعادة ترسيم معينة، امراً حيوياً ليس فقط لانهاء مساوىء الاحتلال وآثاره المفسدة للروح الاسرائيلية، وانما كذلك للمحافظة على اساس ديموغرافي مهم للغاية لدولة يهودية ديمقراطية.

اما التحدي الاكثر صعوبة فيمثله الجزء الثاني من اطروحة انصار الحقوق، التي تثير ايضا قضايا تواجهها دول اخرى. ويعتقد هؤلاء المناصرون ان اسرائيل، اذا توافر لها الأمن في حدودها لعام 1967 يجب ان تكون متعددة الثقافات، وان اسرائيل يجب ان تتخلى عن جوهر قيمها اليهودية وتصبح دولة محايدة ثقافيا لتجعل أكثر من مليون عربي اسرائيلي (حوالي خمس الاسرائيليين جميعا) يشعرون بأنهم في وطنهم. وبالاضافة الى ذلك، فان مثل هذه الحيادية في الدولة ستحرر اليهود العلمانيين من الحقوق التي يعتبرها المناصرون نظاماً توراتياً اضطهادياً. وفي الوقت الحاضر، لا يستطيع الانسان ان يتزوج، او يطلق او يدفن في اسرائيل من دون تدخل سلطة دينية يهودية او اسلامية او من دين آخر – والى حد ما وفقا للافكار التي اقترحها كبير اساقفة كانتربيري للمسلمين البريطانيين.

كل ذلك يتجاهل حقيقة ان الامم، حتى تلك الكبيرة كالولايات المتحدة او الصين، تمتلك بعض خصائص المجتمعات: مثل صلات القرابة ومحور القيم المشتركة والتاريخ والهوية. واذا تحولت الى دول محايدة، فانها ستفقد ادوار الرعاية التي تقوم بها في حياة شعوبها. وهذه الادوار قد تكون مكثفة للغاية، كما في حالة الافراد المستعدين للموت من اجل اوطانهم او الذين يشعرون بالاهانة عندما يهمّشون، او اولئك الذين يشعرون بالاعتزاز عندما يفوز اعضاء فرقهم في مسابقة دولية للاغنية او في الالعاب الاولمبية. ويجادل انصار الحقوق بأن القيم الاسرائيلية اليهودية المشتركة قد ضعفت على اي حال، وان الشعوب الاخرى ليس لديها سوى افكار غامضة عن ثقافتها المشتركة. وفي بريطانيا، يتهكم الناقدون على فكرة الهوية البريطانية المشتركة ويقولون بسخرية انها تقتصر على الولع بالجعة الدافئة والكريكيت. والواقع ان الشعوب التي لديها قيم محورية ضعيفة تتعرض لضغوط انفصالية وتجد من الصعب عليها صياغة سياسات قومية تتطلب التضحيات من اجل الصالح العام.

وبالاضافة الى ذلك، فان اي دولة قابلة للحياة لديها سمة ثقافية مميزة. وبامكان المرء ان يسخر قدر ما يشاء من ادعاءات شيراك بأن اوروبا قارة مسيحية. لكن الواقع ان يوم الاحد ما يزال يتصف بحالة خصوصية مقارنة بالسبت اليهودي والجمعة الاسلامية، كما ان الاعياد المسيحية الدينية والقومية والقيم المسيحية تنقل الى كتب التاريخ والدراسات الاجتماعية في المدارس والى الطقوس الشعبية العديدة.

واذا الغيت هذه الثقافات القومية فسيؤدي ذلك الى خسارة فادحة. والواقع ان الخشية من خسارة كهذه هي التي تدفع بالناس فعليا نحو الاحزاب السياسية المعارضة للهجرة في اوروبا وتغذي العواطف المعادية للفلسطينيين في اسرائيل.

ان طريق الخروج من هذا الوضع هي مقاربة تسعى الى التنوع ضمن الوحدة، ترسم فيها كل امة ما ينبغي ان يتقاسمه الجميع وتحدد تلك المسائل التي يسمح فيها للمجتمعات والفئات المتنوعة باتباع التقاليد الخاصة بها. وفي بريطانيا/المملكة المتحدة، بدلاً من محاولة دمج جميع المجموعات العرقية في مزيج واحد كما اقترح في الآونة الاخيرة، سيتم قبول هذه المجموعات – ما دامت لا تثير احتجاجات ضد القيم الوطنية والمؤسسات المشتركة التي يتقاسمها الجميع.

وفي اسرائيل، ستعني هذه المقاربة ليس فقط احترام حقوق كل من اليهود والعرب في ممارسة ديانتيهم، وانما حقوقهم ايضاً في عدم ممارسة اي دين. وفي الوقت نفسه لن يجري التسامح تجاه تعليم الكراهية، وخصوصاً العنف، والتحريض عليهما. وسيعني هذا ان تكف اسرائيل عن التمييز ضد الاسرائيليين العرب واليهود العلمانيين عنما تخصص الدولة منافع وامتيازات متنوعة، كالاعانات للطلبة على سبيل المثال.

ان الملاحظة الاجتماعية الحاسمة الاهمية هي ان المجتمعات كيانات معقدة تخدم حاجات وقيماً متعددة ولا يمكن تصميمها بشكل يخدم الى الحد الاقصى اغراضاً معينة من دون تقويض غيرها تقويضاً خطيراً. وليس بوسع المرء ان يمضي الى آخر الشوط في خدمة حساسيات الاقليات المتنوعة من دون تقويض الشعور الوطني بالانتماء للمجتمع. وان محاولة اما استيعاب الاقليات تماماً باستئصال ثقافاتها المنفصلة، اوغسل الانتماء الوطني باستئصال الثقافة المشتركة، لن يكون من شأنها سوى اذكاء الصراعات والتوترات. وبدلاً من ذلك، سيستفيد الجميع اذا جرى تركيز الحوار بشكل مناسب على اين ينبغي رسم الخط الفاصل بين عناصر التنوع والقيم الاساسية التي ينتظر من الجميع اعتناقها.

التعليقات