31/10/2010 - 11:02

حملة إعلامية وديبلوماسية إسرائيلية تهدف إلى «قبر» تقرير غولدستون؛ والفيتو الأمريكي هو طوق النجاة الأخير

نتنياهو يصف التقرير بأنه "محكمة تفتيش نتائجها كتبت مسبقا. يمنح جائزة للإرهاب ويجعل من الصعب على دولة ديمقراطية أن تكافحه وقال إن «الولايات المتحدة تعبر عن قلق ما من التقرير».

حملة إعلامية وديبلوماسية إسرائيلية تهدف إلى  «قبر» تقرير غولدستون؛ والفيتو  الأمريكي هو طوق النجاة الأخير
رفضت الحكومة الإسرائيلية نتائج تقرير لجنة "غولدستون" حال نشره وبدأت بدراسة نتائجه بهدف شن هجمة إعلامية ودبلوماسية مضادة تحول دون تقديم الضباط والسياسيين الإسرائيليين إلى المحكمة الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب. وبمعزل عن الواقع، لا يتوانى المسؤولون الإسرائيليون عن وصف جيش الاحتلال الذي قام على السلب والقتل والتهجير بأنه «الجيش الأكثر أخلاقية في العالم».

ويتركز الاهتمام الإسرائيلي بحسب مسؤولين إسرائيليين على محاولات «قبر» التقرير في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وعدم وصوله إلى مجلس الأمن الدولي أو محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
وتركز الحملة الإعلامية والدبلوماسية على نقطتين على نفس الدرجة من الأهمية: الحيلولة دون فرض عقوبات على إسرائيل ؛ وإحباط الدعاوى القضائية بتهمة ارتكاب جرائم حرب ضد ضباط وسياسيين إسرائيليين.

ولتحقيق هذه الأهداف بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي، والرئيس شمعون بريس، ووزير الخارجية ، أفيغدور ليبرمان، بإجراء اتصالات مكثفة وممارسة ضغوط على الدول الأوروبية والولايات المتحدة لاتخاذ مواقف متماشية مع الموقف الإسرائيلي، ومنع وصول التقرير إلى مجلس الأمن الدولي، الجهة الوحيدة التي تملك صلاحية تحويل الملف إلى المحكمة الدولية.

وعلى صعيد الدعاوى التي تقدم في محاكم أوروبية، تجري إسرائيل اتصالات مع عدد من الدول الأوروبية وتحثها لتعديل القوانين التي تسمح برفع دعاوى قضائية ضد ضباط وسياسيين إسرائيليين. ونجحت إسرائيل في السابق في إحباط عدد من الدعاوى في عدد من الدول الأوروبية.

ويتيح التقرير لإسرائيل مدة ستة شهور للقيام بتحقيقات حول ارتكاب جرائم حرب في غزة، إلا أن ذلك غير وارد في تفكير صناع القرار الإسرائيليين. ويبدو أن الإسرائيليون واثقون من قدرتهم على إحباط أي إجراء قضائي ضدهم، ويتسلحون بطوق نجاة أخير إذا ما فشلت في منع طرح التقرير على طاولة مجلس الأمن الدولي وهو "الفيتو الأمريكي".

وفي إطار الحملة الإسرائيلية لاحتواء نتائج التقرير وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو تقرير لجنة تقصي الحقائق بأنه «محكمة تفتيش نتائجها كتبت مسبقا». ونقلت الإذاعة الإسرائيلية العامة "ريشيت بيت" عن نتنياهو قوله إن التقرير «يمنح جائزة للإرهاب ويجعل من الصعب على دولة ديمقراطية أن تكافحه». وقال إن «الولايات المتحدة تعبر عن قلق ما من التقرير».

وفي أول تعليق للإدارة الأمريكية على التقرير نقلت الإذاعة عن المتحدث بلسان الخارجية الأمريكية قوله إن «قراءة أولية للتقرير تثير المخاوف حول بعض التوصيات التي تضمنها».

ونفى رئيس لجنة التحقيق القاضي غولدستون الاتهامات الإسرائيلية وقال إن «إسرائيل سارعت لرفض نتائج التقرير قبل قراءته». وأضاف في مقابلة مع القناة الإسرائيلية الأولى أن اللجنة برئاسته «عملت بشكل مستقل ولم يملي عليها أحد نتائج التقرير». وأعرب عن أسفه لرفض إسرائيل التعاون مع اللجنة.
وقال القاضي غولدستون: " إذا قامت إسرائيل بالتحقيق في الأعمال التي وردت في التقرير، وكان التحقيق شفافا ويتوافق مع المعايير الدولية، فإنه من شبه المؤكد أن لا تتدخل المحكمة الدولية في الأمر".

وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان كان أكثر حدة من سابقيه في توجيه الاتهامات، وقال إن «اللجنة أقيمت لتحدد ضمنا أن إسرائيل مذنبة بارتكاب جرائم محددة مسبقا أيضا، ولم يسمح أعضاء اللجنة للحقائق بأن تشوش عليهم». وأضاف ليبرمان: " هدف التقرير هو تقويض صورة إسرائيل لخدمة أهداف دول لا ترِد في قاموسها اصطلاحات كحقوق الإنسان وقيم الحرب". وتابع: "الجيش الإسرائيلي هو الأكثر أخلاقية في العالم ويضطر لمواجهة إرهابيين خسيسين". ويخلص ليبرمان إلى أن تقرير غولدستون «لا يملك أي صلاحية قانونية».

وقال مسؤولون في الخارجية الإسرائيلية إن «إسرائيل سلمت قبل شهور للقاضي غولدستون كراسا يتضمن شهادات عن أعمال حماس والجرائم الخطيرة التي ارتكبتها. إلا أن القاضي غولدستون قررر لسبب ما تجاهلها حينما بلور استنتاجاته».

وأعرب مسؤولون سياسيون عن خشيتهم من أن تؤدي نتائج تقرير بعثة تقصي الحقائق برئاسة القاضي "غولدستون" إلى فتح تحقيقات بتهم ارتكاب جرائم حرب في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي. وقررت وزارة الخارجية شن حملة إعلامية وديبلوماسية ضد التقرير الذي اتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ترقى لأن تكون جرائم ضد الإنسانية.

وذكرت إذاعة "الجيش الإسرائيلي("غالي-تساهال") أنه في حال فتحت تحقيقات من هذا النوع فإن عددا كبيرا من المسؤولين السياسيين والعسكريين سيكونون معرضين لأوامر اعتقال دولية. وأضافت أن خطوة من هذا النوع ستضع إسرائيل «في سلة واحدة مع صربيا والسودان والكونغو ودول أخرى بعيدة جدا عن أن تكون دول ديمقراطية».

وللتصدي لمثل هذه السيناريوهات ذكرت الإذاعة أن الخارجية الإسرائيلية تسعى لتجنيد واستمالة قادة أوروبا والولايات المتحدة من أجل تقويض استنتاجات التقرير. وترى الخارجية الإسرائيلية أن «خطوة من هذا النوع يجب أن تكون سريعة من أجل وقف كرة الثلج التي بدأت تتحرج يوم أمس».

وأضافت الإذاعة أن إسرائيل بدأت ببحث انعكاسات التقرير القانونية. وأشارت إلى أن طاقما قضائيا مختصا شرع منذ يوم أمس في دراسة التقرير والسيناريوهات المحتملة للإجراءات القانونية المتوقعة، وانعكاسات استنتاجات التقرير على إسرائيل. وحال انتهائها من عملها سترفع توصياتها إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.

ونقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن «إحدى المشاكل الأساسية التي جاءت في التقرير هي كونه يستخف بالنظام القضائي الإسرائيلي ويتعامل مع جهاز القضاء المتردي في غزة بجدية أكبر».

وعاد مسؤولو وزارة الخارجية إلى تكرار ما جاء على لسان كبار المسؤولين الإسرائيليين بأن «الجيش الإسرائيلي هو من أكثر الجيوش أخلاقية». وقالوا إن «جيوشا أخرى ارتكبت خلال المعارك أعمالا أكثر خطورة بكثير ولم يطلب منهم أحد المثول أمام القضاء».

وقال المتحدث باسم الخارجية الاسرائيلية ايغال بالمور لوكالة فرانس برس "سنبذل جهودا دبلوماسية وسياسية كبيرة على الساحة الدولية لوقف واحتواء الآثار الضارة والسلبية لتقرير لجنة غولدستون". واضاف بالمور "نخشى أن يضر هذا (التقرير) بصورتنا .. لكن توصيات هذا التقرير متطرفة للغاية لدرجة ان فرص تطبيقها قليلة".

من جانبها اعتبرت حركة حماس تقرير لجنة تقصِّي الحقائق التابع الأمم المتحدة، للتحقيق في انتهاكات الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين خلال العدوان الأخير نهاية العام الماضي؛ دليلاً إضافيًّا وقاطعًا على ارتكاب الاحتلال جرائمَ حرب في غزة، مطالبةً المجتمع الدولي بمحاكمة المجرمين.

وقال فوزي برهوم المتحدث باسم الحركة في تصريحٍ صحفي "إن تقرير الأمم المتحدة دليلٌ إضافيٌّ وقاطعٌ على ارتكاب الاحتلال جرائمَ حرب ضد الإنسانية في قطاع غزة, مضيفاً "بعد هذا التقرير الواضح والصريح يُفرض على المجتمع الدولي محاكمة قيادات العدو كمجرمي حرب في محاكم الجنايات الدولية.

وأكد برهوم علي مشروعية حق الشعب الفلسطيني في المقاومة للدفاع عن النفس، وأنها تأتي نتيجةً للعدوان، وأنَّ كافة الشرائع والقوانين الدولية قد كفلتها له.

وكان تقرير لجنة تقصِّي الحقائق التي شكَّلتها الأمم المتحدة للتحقيق في انتهاكات الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين خلال العدوان الأخير عل قطاع غزة؛ قد أكَّد ارتكاب الاحتلال جرائمَ حرب ربما تصل إلى جرائم ضد الإنسانية.

وقال رئيس لجنة التحقيق "ريتشارد غولدستون" في تصريحاتٍ صحفيةٍ له أمس الثلاثاء: "خلصت البعثة إلى أن الجيش "الإسرائيلي" ارتكب أفعالاً تصل إلى جرائم حرب، وربما بشكلٍ أو بآخر جرائم ضد الإنسانية"

هذا وانبرى الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيرس، للدفاع عن الحرب العدوانية على قطاع غزة ومهاجمة تقرير لجنة تقصي الحقائق، ووصف تقرير لجنة "غولدستون" بأنه «يسخر من التاريخ ولا يفرق بين مهاجم ومدافع».

ويصف بيرس العدوان على غزة بأنه حرب دفاعية ويقول: " لو كان معد التقرير، غولدستون، يسكن في سديروت، ولو كان أبناؤه معرضين لإرهاب الصواريخ، لما كان كتب هذا التقرير. المجرم هو المهاجم العدواني والمدافع لا خيار أمامه إلا الدفاع عن نفسه".

ولا يتوانى عن تزييف التاريخ وتجاهل واقع الاحتلال والحصار وأعمال القتل اليومية التي سبقت العدوان والجرائم التي ارتكبت خلال العدوان، ويتجاهل السياقات التاريخية منذ نكبة عام 1948، ويقول إن «حماس هي من بدأت الحرب وقامت بجرائم مروعة». وتابع: "طوال سنين أطلق التنظيم آلاف الصواريخ على الأطفال في المدن الإسرائيلية وقتل مواطنين، ولكن التقرير يمنحه الشرعية ويتجاهل واجب الدولة بالدفاع عن نفسها".

وعاد بيرس إلى تكرار جملته المعهودة والتي مفادها أن إسرائيل خرجت من غزة فلاحقتها حماس بالصواريخ: "إسرائيل أخلت جنودها وسكانها من غزة وساهمت في إصلاحها. وجود إسرائيل هناك انتهى ولكن غزة وقعت تحت سيطرة تنظيم إرهابي إجرامي".

ورغم نفي تقرير غولدستون للرواية الإسرائيلية التي بررت فيها عدد الضحايا المرتفع والدمار الواسع باستخدام حماس للسكان كدروع بشرية، قال بيرس: " إسرائيل فعلت كل ما ينبغي لوقف إطلاق الصواريخ بطرق ديبلوماسية، ولكن حماس واصلت الإطلاق واستخدمت الأطفال والنساء كدروع بشرية، وأطلقت النار من حضانات أطفال والمدارس ولغّمت أحياء سكنية بالمتفجرات".


التعليقات