05/06/2016 - 18:58

49 عامًا على النكسة: هكذا احتلت إسرائيل الجولان

أتاح الجيش الإسرائيليّ فتح أرشيفه في وزارة الأمن الإسرائيليّة، والعودة إلى عشية حرب الأيّام السّتّة/النّكسة، عام 1976، ليكشف عن شرخ عميق ساد العلاقات بين القيادة السّياسيّة الحاكمة ونظيرتها العسكريّة في ذلك الحين

49 عامًا على النكسة: هكذا احتلت إسرائيل الجولان

أتاح الجيش الإسرائيليّ فتح أرشيفه في وزارة الأمن الإسرائيليّة، والعودة إلى عشية حرب الأيّام السّتّة/النّكسة، عام 1976، ليكشف عن شرخ عميق ساد العلاقات بين القيادة السّياسيّة الحاكمة ونظيرتها العسكريّة في ذلك الحين، إذ بيّنت الوثائق التي نشرت لأوّل مرّة، الأحد، عبر شهادات ضبّاط مسؤولين وقادة عسكريّين وسياسيّين، مدى الشّرخ العميق الذي ساد بين الجانبين.

وتوثّق هذه الشّهادات التي كشفت اليوم، تزامنًا مع مرور 49 عامًا على وقوعها، شهادات كلّ من قائد هيئة أركان الجيش الإسرائيليّ في ذلك الحين، يتسحاق رابين، ومن قائد الجبهة الشّماليّة في ذلك الحين، دافيد إليعيزر، ومن قائد جبهة المركز، عوزي نركيس، ومن قائد جبهة الجنوب، يشعياهو غبيش، ومن قائد سلاح الجوّ الإسرائيليّ، موطي هود، وذلك ضمن تحقيق في أعقاب انتهاء حرب الأيّام السّتة.

ومن الشّهادات التي نشرها أرشيف الجيش، بعد 49 عامًا على وقوعها في إحدى الأحداث التّاريخيّة المفصليّة للعرب عمومًا وللفلسطينيّين على وجه الخصوص، ناهيك عن تأثيرها الكبير بعد الحرب، لتأتي الوثائق الأرشيفيّة فتوضح أنّ الشّرخ تواجد قبل الحرب عام 1967. فيقول ضابط جبهة المركز في الجيش الإسرائيليّ في حرب الأيّام السّتّة، عوزي نركيس 'لأوّل مرّة شعرت حينها بوجود خطر على الدّيمقراطيّة في إسرائيل'.

وحثّ كلّ من قائد هيئة أركان الجيش الإسرائيليّ في الجيش الإسرائيليّ، يتسحاق رابين، وزملاؤه في مقرّ قيادة الجيش، رئيس الحكومة الإسرائيليّة حينها، ليفي إشكول، ووزرائه بالشّروع في الحرب. إلّا أنّ القيادة السّياسيّة في ذلك الحين، أخذت بعين الاعتبار الإسقاطات السّياسيّة، ما حدا بها للتوجّه للولايات المتّحدة الأميركيّة، طلبًا للدعم في خطوة الحرب. لكن القيادة العسكريّة المسؤولة عن الجيش، رأت في خطوة القادة السّياسيّين مماطلة وتردّدًا، من شأنها أن تشكّل 'خطرًا وجوديًّا على إسرائيل'، وفق تحذيرات رابين في الثّاني من يونيو/حزيران في مقرّ قيادة الجيش الإسرائيليّ، وذلك في جلسة خاصّة للجنة الوزراء للشؤون الأمنيّة.

وبيّن نركيس المسبّبات وراء خوفه على الدّيمقراطيّة الإسرائيليّة، على حدّ تعبيره 'الجيش وصل إلى نقطة فقد ثقته بمنطق قرارات الحكومة، ويتوجّب التّغلّب على هذا الأمر'. إذ أشار نركيس في التّحقيق إلى أنّه أبدى تخوفّاته في جلسة ضبّاط الجيش التي عقدت في 28 من أيّار/مايو عام 1967، وذلك يومًا بعد قرار الحكومة الانتظار أسبوعًا حتّى اثنين، قبل الإقدام على عمليّة عسكريّة، مشيرًا في الجلسة إلى الشّرخ والأزمة العميقتين التي تشهدها العلاقة بين الجيش والحكومة. ويقول نركيس إنّ الأزمة لم تصل إلى هذا الحدّ، في أيّ وقت من الأوقات، ليقول في ذلك الوقت 'الأزمة، هذه المرّة، جادّة، ويمكن حلّها فقط عبر كسب الحكومة لثقة الجيش'.

وأفاد ضابط الجبهة الشّماليّة في ذلك الحين، دافيد إليعيزر، عبر شهادته في جلسة الضّبّاط الكبار، التي بادر لها القادة العسكريّون، الذين آمنوا أنّه لا يجب الانتظار أكثر للشروع في الحرب، متخوّفين من أنّ انتظار أسبوعين إضافيّين سيزيد من احتمال انضمام الأردن للحرب، ما سيصعّب من الهجوم على مصر، وفق شهادته، كما وستصعّب من مواصلة إدارة وتشغيل منظومة جند الاحتياط، اقتصاديًّا، إذ صرّح في الجلسة الخاصّة 'فلنقل لأنفسنا الحقيقة، نحن نريد المهاجمة فورًا، ويتوجّب علينا أن نقول إنّه يتوجّب الهجوم على الفور. لم يعد يتواجد أيّ ضمان بعدم اندلاع حرب'.

وآمن قائد سلاح الجوّ الإسرائيليّ، موطي هود، أنّ من رجّح كفّة الميزان نحو الخروج إلى حرب كانت حكومة الوحدة الوطنيّة، أو كما سمّيت في ذلك الحين 'حكومة الاتّحاد الوطنيّ'، إذ انضّم في الأوّل من حزيران/تمّوز التي ضمّت كتل رافي (قائمة عمّال إسرائيل) برئاسة دافيد بن غوريون، و'جاحل' (كتلة حيروت-ليبراليّون) بقيادة مناحيم بيغين. وعيّن موشيه ديّان، وزيرًا للأمن الإسرائيليّ، تزامنًا مع دخول مناحيم بيغين إلى الحكومة. وصرّح هود أنّ 'الحكومة التي سبقت حكومة الليكود، لم تملك الجرأة على الخروج إلى حرب. فقط بعد حكومة الوحدة، امتلك القوّة النّفسيّة للخروج إلى حرب واتّخاذ قرارات'.

ومن شهادة نركيس يتّضح مدى الشّرخ بين السّياسيّين والعسكريّين عشيّة الحرب، إذ أنّه كشف قيامه بعمليّة 'لوبينج' (تسويق أفكار لدى البرلمانيّين) 'للحرب، لأنّني كنت قلقًا جدًا'. وتوجّه نركيس إلى وزراة التّربية، ليلتقي بنائب الوزير، أهرون يدلين، طالبًا منه التّحدّث مع الوزير، زلمان أران، والذي كان عضوًا في لجنة الخارجيّة والأمن. وشرح نركيس ليدلين كيف يمكن لسلاح الجوّ الإسرائيليّ 'في غضون ساعات، الإطاحة بكامل سلاح الجوّ المصريّ'. وفي شهادته للتحقيق الحكوميّ، قال نركيس 'لهذا الغرض شرحت له ما يعني المطار، كيف يعمل المطار، أين تتواجد الطّائرات، ما قيمة المسار، وأظهرت له ما هي قدرتنا. وحاولت أن أقنعه ألّا مشكلة، أنّه بإمكاننا تهشيمهم في غضون ساعات معدودات'. ولا يُعلم إذا ما قام يدلين بإيصال معلومات ورسائل نركيس لوزير التّربية في ذلك الحين، أران.

ولاحقًا، التقى نركيس بيوسف شارون، والذي شغل حينها منصب نائب مدير عام وزارة الأمن الإسرائيليّة، ومن امتلك، بناءً على شهادة نركيس 'بابًا مفتوحًا دائمًا لدى إشكول'. وطالب نركيس، بناءً على شهادته، شارون بالتّوجّه إلى زوجة رئيس الحكومة الإسرائيليّة، مريام إشكول، والتّحدّث معها في الموضوع، مصرّحًا 'وفق ما يجري هنا، إمّا أن يخسر (‘شكول) رئاسة الحكومة، أو على الأقلّ وزارة الأمن، في حال عدم اتّخاذه خطًّا فاعلًا أكثر وفي حال عدم إدارته للأمور'. ولم يتوقّف نركيس عند هذا الحدّ، ليواصل تسويقه لفكرة الحرب في زيارة أخرى لبيت يوسف شارون، برفقة نائب قائد هيئة الأركان العامّة، حاييم بار ليف، ليقول نركيس في هذا السّياق 'فور وصولنا تواجد هناك دافيد هكوهين، حماي، في البيت'. وكان هكوهين يشغل منصب لجنة الخارجيّة والأمن. وعن هذا اللقاء الثّلاثيّ أدلى نركيس بشهادته قائلًا 'منحناه درسًا كاملًا في أمن إسرائيل. وهنا لربّما النّقطة الأهمّ، لقد جلس صامتًا، واستمع إلى معنى المدرّعات، المظلّيين، سلاح الجوّ، ما معنى العرب، وكيف يمكننا (الانتصار) دون إشكال'.

لتقرّر الحكومة الخروج إلى الحرب في الخامس من حزيران/يونيو لنفس العام.

أمّا شهادة قائد الجبهة الشّماليّة في ذلك الحين، دافيد إليعيزر، فتلقي بضوء على وقائع احتلال هضبة الجولان السّوريّ. إذ أنّه أفاد في التّحقيق أنّه اضطرّ مرارًا وتكرارًا أن يدفع باهتمام قائد هيئة أركان الجيش، صوب الجبهة الشّماليّة، التي تواجدت في خطر، وفق إفاداته 'إذا اندلعت حرب مع مصر، فأنا على قناعة أنّه ستندلع حرب مع سورية. وفي اللحظة التي سيكتشفون الحرب مع مصر، سيعملون بفعّاليّة'. وأوضح دافيد إليعيزر أنّ هدف الهجوم، وفق شهادته، هو الدّفاع 'أنا لا أؤمن أنّ الحرب يجب أن تنتهي باحتلال وليس على الخطّ الأخضر'.

وقام دافيد إليعيزر مع قيادة الجبهة الشّماليّة بإعداد خطّة تفصيليّة لاحتلال هضبة الجولان، إلّا  أنّه وخلال جولة قام بها إليعيزر مع وزير الأمن الإسرائيليّ، موشيه ديّان، ليعرض له ثكنة قرية عزيزات، شارحًا له الحاجة باحتلاله، وحينها أجابه ديّان 'اعتد على فكرة أنّ الحرب هي ضدّ مصر. ما يجب عمله هنا هو التموضع والصّمود'.

وفي 8 حزيران/يونيو كانت القوّات الإسرائيليّة مستعدّة للهجوم، إلّا أنّ قائد هيئة اركان الجيش، رابي، اتّصل بإليعيزر وأخبره ألّا مصادقة لديه بالهجوم حتّى قرية زعورة، كما خطّط، قائلًا 'بإمكاننا الهجوم فقط حتّى الخطّ الأخضر. يعني، يمكنك مهاجمة واحتلال قرية عزيزات، لربّما احتلال مكان بجانبه. ما رأيك؟'.

ورفض دافيد إليعيزر خطّة مهاجمة قرية عزيزات فقط، لأنّه قال إنّ هذه الخطوة لا مكسب فيها 'مهاجمة قرية عزيزات تعني دفع كلّ الثّمن دون تلّقي أيّ شيء'. وفي هذه الأثناء، سأل إليعيزر رابين 'ما هي احتمالاتنا بكلّ هذه القصّة؟'، ليجيه رابين 'في هذه الأثناء، لا احتمالات لدينا، لكن تعال إلى هنا وسنحاول أن نقوم بشيء ما، معًا'. وفي شهادة إليعيزر في التّحقيق، قال إنّه في اللحظة التي طلب منه رابين أن يتوجّه إلى مقرّ قيادة الجيش الإسرائيليّ في تل-ابيب، قام إليعيزر بإعطاء أمر في غرفة العمليّات الحربيّة، حيث تواجد في الشّمال 'توقّفوا عن الهجوم، على الجميع العودة أدراجكم باتّجاه التّجمّع'، لينطلق على الفور في مروحيّة كانت تنتظره إلى مقرّ القيادة في تل أبيب للاجتماع برابين.

وحينما وصل إليعيزر لتل أبيب والتقى رابين، قال الأخير 'ما هو حاصل، غير مجد'. وبادر رابين إلى لقاء بين رئيس الحكومة الإسرائيليّ آنذاك، ليفي إشكول، مع إليعيزر، حيث طالب الأخير رئيس الحكومة بالإقدام على احتلال شماليّ هضبة الجولان 'إشكول، أنا لا أحتاج إلى زيادة في القوّة، أنا لا أحتاج شيئًا. أنا على استعداد لأن أصعد، أن أحتلّ وأن أعود'، ليضع على الطّاولة خارطة ويباشر الشّرح لإشكول عن خطّته لاحتلال شماليّ هضبة الجولان، خالصًا إلى أنّه 'باستطاعتنا القيام بهذا الأمر'.

اقرأ/ي أيضًا | 49 عامًا على 'النكسة'

وسأل إشكول رابين حول رأيه بخطّة إليعيزر، ليخبره أنّه يوافق عليها. فسأل إشكول عن عدم مصادقة ديان على هذه الخطوة. ومع خروج إليعيزر من مكتب رئيس الحكومة، 'لم تجلس أي موظّفة هناك، فقط مريام (زوجة رئيس الحكومة) التي جلسا لجانب الهواتف. فقالت لي: اسمع، لديّ عيد ميلاد في القريب، وأريد البانياس. فأجبتها، سأبذل قصارى جهدي أن تحصلي على البانياس. لكن ابذلي أنت قصارى جهدك أيضًا'، في إشارة لإقناع زوجها بالمصادقة على احتلال الجولان.

التعليقات