11/05/2019 - 18:37

أسرلة الديانة اليهوديّة: الصراع المتواصل ضرورة

يستنتج رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة تل أبيب، بروفيسور يوسي شاين، في كتابه "القرن الإسرائيلي"، الذي يستعرض التاريخ اليهود منذ عهد "الهيكل الأول" وحتى اليوم، أنّ الصراع المتواصل لليهود في أرض فلسطين كان ضروريًا من أجل "أسرلة اليهوديّة".

أسرلة الديانة اليهوديّة: الصراع المتواصل ضرورة

من تظاهرة حريدية في نيويورك رافضة لإسرائيل (أ ب)

يستنتج رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة تل أبيب، بروفيسور يوسي شاين، في الطبقة الثانية من كتابه "القرن الإسرائيلي"، الذي يستعرض التاريخ اليهودي، ببعده السياسي، منذ عهد "الهيكل الأول" وحتى اليوم، أنّ الصراع المتواصل لليهود في أرض فلسطين كان ضروريًا من أجل "أسرلة اليهوديّة".

كما يرى أنّ اليهود يعيشون القرن الأكثر نجاحًا منذ نشأتهم، حيث "تدوي عظمة السيادة اليهودية في أرجاء العالم كله وتعطي للإسرائيليّين بعدًا هامًا كلاعبين دوليين مؤثرين"، كما يقول.

ويرى الباحث آفي شيلون، الذي أجرى قراءة في الكتاب نشرت في ملحق "هآرتس" الأسبوعي، أمس، الجمعة، أن الكتاب الذي شارك في تأليفه الباحثان إيرز كسيف وميخال شفارتس، "والذي سيترك صدى خارج الدوائر الأكاديمية أيضًا"، يقدم إيجازًا لتاريخ "الشعب اليهودي" ليخلص منه إلى الحالة الإسرائيلية العينية.

ويسعى شين من خلال هذا الاستعراض التاريخي إلى تقديم بديل واضح لسلسلة كتب شلومو زاند، الذي شكك بوجود "الشعب اليهودي" وبحقيقة وجود "أرض إسرائيل" كمصطلح جغرافي سياسي واضح، حيث تشكل مراحل تطور"الشعب اليهودي"، وفق الكتاب الذي يتناولها في السياق السياسي السيادي، كما يقرأه شيلون، رواية مترابطة ومتواصلة لجالية دينية- قومية لم تفقد عامودها الفقري أبدًا، وتمكّنت من النجاة لأنها حافظت على الرباط القائم بين الدين والدولة، وهو رباط قاد اليهود في النهاية، إلى ترجمة حقهم السيادي في وطنهم، كما يزعم.

أما الطبقة الثانية من الكتاب، فيتناول فيها العهد الحالي الذي يقترح قراءته كظاهرة تاريخية "أصيلة"، يسمّيها "أسرلة اليهودية"،  تنبع أولًا من الوضع العيني الراهن، حيث يوجد في إسرائيل اليوم تجمع اليهود الأكبر عددًا، وهي المكان الذي يدور فيه الصراع الأهم حول الوجود والهوية اليهودية، كما يقول.

ويرى الكتاب بأن حقيقة كون المركز اليهودي في إسرائيل يتمحور حول قضايا سياسية - أمنية، هي التي ساعدت في ازدهاره، لأن ما أعتبر "صراع وجود" متواصلًا كان ضرورة لبلورة هوية يهودية واضحة، ففي القرن الـحادي والعشرين، "تبدو دولة إسرائيل راسخة، تسمح ثقة مواطنيها باستمرارية وجودها، ما يتيح الاختلاف بينهم حول الهوية والأهداف".  

ويرى الكتاب أن مركزية إسرائيل في العالم اليهودي تنبع من كونها في بؤرة الاهتمام العالمية، وأن الموقف منها، سواء إن كان مؤيدًا أو ناقدًا، يساهم في تعريف معنى أن يكون الإنسان يهوديًا خارج حدود إسرائيل، أيضًا، فمثلا الكنس اليهودية الأرثوذكسية والإصلاحية في الولايات المتحدة تنشغل بإسرائيل، أكثر مما تنشغل بحياة اليهود في أميركا.

ويعتبر الكتاب إقامة الفاتيكان علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بمثابة الإثبات التاريخي الأكبر لنجاح "الإسرائيلية"، حيث يمثل اعترافا من قبل الكنيسة الكاثوليكية بصحة توجه اليهود وعودتهم إلى التاريخ بعد آلاف السنين من "المهجر"، كانت خلالها علاقاتهم متوترة مع العالم المسيحي، وبذلك أغلقت الدائرة على معتقدات مسيحية رأت بـ"المهجر" وضياع السيادة اليهودية منذ أيام الهيكل الثاني بمثابة تخلي من قبل الله عن "شعب إسرائيل الأصلي" وهي معتقدات سمحت بالمس باليهود بصورة معتدلة أو متطرفة بناء على ذلك.

الشرعية "الإلهية" للنجاح الإسرائيلي، وفق الكاتب، لم تأت من المسيحية فقط، بل من قبل التيارين اليهوديين المركزيين، الإصلاحي والأرثوذكسي. كما يرى شين أنّ التيار الحريدي، الذي عارض الصهيونية، قد انحنى في النهاية أمام "الإسرائيلية"، وهو يشير إلى حقيقة أنّ حفيد الحاخام موشيه تايتلبويم مساطمر قد تجند في الجيش الإسرائيلي، وكذلك إلى أنّ انخراط الحريديين في السياسة الصهيونية وعمليات التحديث الجارية في مجتمعهم ستؤدي إلى اندماجهم، أيضًا، في الرواية الصهيونية- الإسرائيلية.

كما يروي الكاتب كيف تتغلب "الإسرائيلية" على البعد اليهودي في المؤسسة الأرثوذكسية، في ما يسمى "التهويد السوسيولوجي" الذي يجري في إسرائيل، في أعقاب العقبات التي راكمتها الحاخامية أمام الاعتراف ييهودية المهاجرين من دول الاتحاد السوفياتي السابق، وهو تهويد يشترط تبنيهم للغة العبرية وتجندهم في الجيش لتحولهم إلى إسرائيليين، ولأن الإسرائيلية هي التي تعرف اليهودية، فإنّ أبناءها وبناتها يصبحون يهودًا دون الحاجة لشهادة "حلال" من الحاخامية.

وفي ختام قراءته، يقول شيلون "صحيح أنّ نظرية أسرلة اليهودية تدّعي أن ما يجري في المجتمع الإسرائيلي هو ما يبلور اليهودية كلها، في حين أنّ ما يحدث في المجتمع الإسرائيلي هو حالة من التفكك، فلا توجد تقاليد إسرائيلية واضحة المعالم، وهناك مسالك كثيرة للتطور، ’شرق أوسطية’، ’حوض البحر المتوسط’، ’إثنية- دينية- شوفينية’، بما يشبه ما يحدث في شرق أوروبا التي نشأت فيها الصهيونية".

ويتساءل إن كان يمكن الحديث عن إسرائيل دون تحديد حدودها، وهل يكون من الصحيح التقرير بأن الإسرائيلية سيطرت على اليهودية دون الالتفات إلى أنّ الإسرائيليين عادوا ليكونوا يهودًا منغلقين في نقطة البداية بما يتعلق بتوجههم للصراع مع العرب ومغزى وجودهم هنا.

التعليقات