06/06/2021 - 18:59

وثائق: كيف تعاملت الحكومة الإسرائيلية مع حرب 1973 وأين برز "الإخفاق"؟

*فيما تداولت الحكومة الإسرائيلية المعلومات الاستخباراتية حول الموعد المتوقع للحرب، اقتحم شخص الجلسة، وأعلن: "بدأ الهجوم" *الوزراء طرحوا خلال الاجتماعات الأولى فرضية "الإخفاق" في جمع المعلومات أو تقييمها *الكوابيس لاحقت غولدا مئير و"لم تعد تشعر بالوقت"

وثائق: كيف تعاملت الحكومة الإسرائيلية مع حرب 1973 وأين برز

غولدا مئير في العام 1973 (أرشيف وزارة الأمن)

خلال جلسة للحكومة الإسرائيلية عقدت في مكتب رئيسة الحكومة، غولدا مئير، في تل أبيب صباح السادس من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1973، قال وزير الأمن، موشيه ديّان، إن المعلومات التي تلقاها تفيد بأن هجوما واسع النطاق سيبدأ مساء اليوم مع حلول الظلام أو بعد ذلك بوقت قصير على الجبهتين (السورية والمصرية)".

وفيما تداول وزراء الحكومة الإسرائيلية المعلومات التي أوردها رئيس الموساد حينها، تسفي زامير، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، إيلي زاعيرا، واستعرضها وزير الأمن، ديّان، ورئيس أركان الجيش، دافيد إلعزار، وقادة الأجهزة الأمنية، دوت صافرات الإنذار واقتحم السكرتير لرئيس الحكومة الجلسة، وأعلن: "الهجوم قد بدأ".

مساعد رئيس الأركان الإسرائيلي، رحفعام زئيفي، حلال الحرب عام 1973

جاء ذلك بحسب ما كشف برتوكول جلسة الحكومة الإسرائيلية، الذي حفظ بأرشيفات الجيش الإسرائيلي في وزارة الأمن، وسمح بنشره اليوم، الأحد، بالإضافة إلى مئات الصفحات الأخرى من محاضر الاجتماعات الحكومية التي عُقدت قبل الحرب وأثناءها، ورغم مرور نحو نصف قرن على الحرب، لا تزال مقتطفات من هذه الوثائق تخضع للرقابة ويمنع الكشف عنها.

وبعد اقتحامه جلسة الحكومة، قال السكرتير العسكري، يسرائيل ليئور: "أرسل السوريون قواتهم وفتحوا النار، وتخلى المصريون عن تمويه سلاح المدفعية وبدأ السوريون في استدعاء الطائرات". في هذه المرحلة، سحبت غولدا مئير جملتها السابقة التي وردت في محضر الاجتماع ("لا أحد منا يعرف ما إذا كانوا سيفتحون النار ومتى. لا أعرف متى سيبدأون (في الهجوم)" ، وأخبرت الوزراء أن الجلسة ستتواصل: "نحن باقون هنا".

من أرشيف الجيش الإسرائيلي (وزارة الأمن)

انطلق اجتماع الحكومة الإسرائيلية قبل ساعتين من بدء الهجوم المصري - السوري في الساعة الثانية بعد الظهر يوم 6 تشرين الأول/ أكتوبر. وافتتح وزير الأمن الإسرائيلي الجلسة بنقل المعلومة التي تلقاها رئيس الموساد، زامير، من الجاسوس المصري أشرف مروان، وقال ديّان: "أعتقد أن الجميع يعرف الأخبار التي وصلت منذ بعض الوقت. الفرضية تقوله إنه في مساء اليوم، مع حلول الظلام، أو قبل ذلك بوقت قصير، سيبدأ هجوم كامل على الجبهتين".

وعلق ديّان ومئير على توصيات هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي بشن هجوم أو ضربة استباقية لمنع الهجوم المصري - السوري، وقال ديّان إن هيئة الأركان العامة "تود أن ننفذ حربا استباقية. ضربة استباقية أو هجوم استباقي. قبل أن يفتحوا علينا النار، نبادر نحن إلى ذلك". وأوضح ديان أنه يعارض هذه الفكرة وكشف أنه لم يوص رئيسة الحكومة بذلك، وقال: "لن نكون أول من يبدأ الحرب".

رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ووزير الأمن عام 1973

وفي هذا السياق، قالت مئير إن "رئيس الأركان والجميع توسلوا ‘أعطونا نصف ساعة من العمل الاستباقي، سندمر مطاراتهم وقدراتهم الصاروخية، وننهي الأمر‘. أعترف وأقر، قلبي ميال جدًا إلى ذلك، لكني أعرف العالم الذي نعيش فيه. خسارة كبيرة. لكن ذلك لن ينجح". واستعرض ديّان خلال الاجتماع تحذيرات أميركية نقلتها واشنطن إلى تل أبيب "قبل أيام قليلة"، على حد تعبيره، قال: "لديهم معلومات موثوقة أننا سنتعرض للهجوم"، وأضاف: "قلنا لهم إن ذلك غير صحيح. إنها مجرد خدعة".

ثاني أيام الحرب

وفي اليوم التالي، أطلع رئيس الأركان الإسرائيلي الوزراء في الحكومة على الوضع الميداني، وقال: "نحن نخوض أصعب حرب في أصعب الظروف - أن نكون في موقف دفاعي ضد عدو يهاجم وله أفضلية قصوى - في ظل استعداداتنا المحدودة. استعداداتنا شملت القوات النظامية وليس قوات الاحتياط. لم نبادر إلى ضربة استباقية أو إجراءات وقائية. هذه المعركة الأصعب على الإطلاق". وأضاف: "لقد دخلنا الحرب بسرعة كبيرة. علي أن أذكركم أنه في عام 1967 تم تجنيد وإعداد الجيش بأكمله قبل أسبوعين من بدء الحرب. هذه المرة دخلت قوات الاحتياط إلى المعركة بعد أقل من 24 ساعة من لحظة استدعائهم".

وفي جلسة أخرى عقدت في التاسعة مساءً يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، اعترف ديّان بفشله في "تقييم قدرات العدو". وقال: "أريد أن أعترف بأن تقديري قبل هذه الحرب كان متدنيا في ما يتعلق بالطريقة التي سيقاتل بها العرب وكان تقديري لقدرتنا أعلى بكثير مقارنة بعلاقات القوة القائمة". وأضاف أن "النتائج التي تنعكس الآن في ساحة المعركة، في الوقت الحالي، هي أن القدرة القتالية للعرب أعلى بكثير مما كنا نتوقعه، وقدرتنا على المواجهة وتوازن القوى السيئ لا يعطي النتائج الجيدة التي كنا نتوقعها".

من أرشيف الجيش الإسرائيلي (وزارة الأمن)

وفي هذه الجلسة، ولأول مرة، طرحت فكرة "الإخفاق" في التعامل مع الحرب خلال الجلسات الرسمية للحكومة الإسرائيلية، ووردت على لسان وزير الاستيعاب في الحكومة الإسرائيلية، نيتان بيليد، وقال: "الناس في الشارع يسألونني لماذا بدأنا تجنيد قوات الاحتياط في وقت متأخر جدًا؟ إما أن معلوماتنا الاستخباراتية غير كافية - إذا كان الأمر كذلك، فهذا يعبر عن إخفاق، أو أننا لم نقم بتحليل المعلومات التي قدمتها لنا المخابرات بشكل صحيح".

وأضاف بيليد: "لا يمكن أن نتجاهل أننا بدأنا حشد القوات في وقت متأخر، وهذا من الأمور التي تترك بصمتها على هذه المعركة". دافع ديان عن نفسه وقال: "ماذا يعني هذا؟ هل أرسل لنا المصريون رسالة قبل أن يبدأوا بالحرب؟"؛ وأضاف لاحقًا: "لم يتصلوا بنا ليخبرونا بذلك". وأجاب بيليد: "المصريون بدأوا بالهجوم يوم السبت الساعة الثانية بعد الظهر، ونحن نبدأ التجنيد مساء الجمعة أو صباح السبت. هذا يعني أننا أخطأنا في المعرفة أو التقدير".

رد ديّان: "لم نعتقد أن الحرب ستندلع"، وأصر على أن قرار تجنيد الاحتياط اتخذ بمجرد تقدير الأجهزة الاستخباراتية بأن المصريين والسوريين عازمون على الحرب. من جانبه أصر بيليد على أنه "رأينا تشكيلات الجيش السوري وتشكيلات الجيش المصري تستعد أمامنا ولم يكن لدينا تقييم مناسب لهذا الأمر". غضب ديّان، وبدأ بفقد أعصابه ورد على بيليد قائلا: "لم نكن نعرف مسبقا متى سيبدأ العرب الحرب. من يملك احتكار معرفة ما سيفعله الطرف الآخر ، فهنيئا له. أنا لا أخجل من قدراتنا الاستخباراتية".

وعن المعلومات التي تلقاها الموساد من أشرف مروان، أشارت رئيسة الحكومة الإسرائيلية إلى أنها كانت مفيدة ومكّنت الجيش الإسرائيلي من الاستعداد، حتى لو كان ذلك متأخرا، متفاخرة بقدرة أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية على تحصيل المعلومات، وعلقت قائلة: "بمعجزة، تلقينا المعلومات مسبقا. بعد مائة عام، سيكون بإمكاننا القول إننا كنا نعرف ويمكننا وصف مدى روعة أننا تلقينا هذا التحذير. صحيح أننا تلقيناه قبل الحرب بساعات قليلة فقط، ولكن هذه الساعات لعبت دورًا".

رفضت مئير الخوض بأسباب "الإخفاق" في معالجة المعلومات أو استقبالها التي أدت إلى "استعداد غير مكتمل للجيش" الإسرائيلي قبل بدء الحرب؛ كما شددت على أنها لا تشارك الوزراء في انتقاد سوء الإعداد. مضيفة بنبرة ساخرة: "إنه أمر خطير للغاية أننا فوجئنا ولم نكن نعرف من قبل (موعد بدء الحرب). بشكل عام، نحن مدللون. نحتاج أن نعرف متى يبدأ العرب شيئًا ما... لدينا جيش من ناقلي المعلومات تحت تصرفنا وكنا نحتاج إلى معرفة مثل هذا الشيء على وجه اليقين".

وبعد أسبوع ، في 14 تشرين الأول/ أكتوبر، عاد موضوع "الإخفاق" الإسرائيلي في معالجة المعلومات الاستخبارية إلى جدول أعمال الحكومة، وطلب الوزير يسرائيل غليلي أن تناقش الحكومة، عند الإمكان، "إلى أي مدى كنا مستعدين، إذا فوجئنا في الحرب، وما إذا كان هناك فشل استخباراتي".

وبحسب ما أظهرت الوثائق، قالت مئير خلال أحد الاجتماعات في 11 تشرين الأول/ أكتوبر: "الوقت الآن غير مناسب، ولكن عندما نكون في حالة مزاجية جيدة بعد الحرب، قد يكون هناك مجال للحديث عن الرعب والكوابيس، تلك التي مررت بها، ولكن ليس أنا فقط، بل الجميع في إسرائيل خلال هذا الأسبوع "؛ وعندما قيل لها إنه لم يمر أسبوع بعد على الحرب، قالت: "يبدو لي وكأنه دهر" ، ثم قالت مرة أخرى فيما بعد: "لا زلت أشعر أنني في كابوس".

التعليقات