دولة المواطنين في كتاب دان شيفطان "الفلسطينيون في إسرائيل"

"المرحلة الاخيرة في الكفاح العربي ضد الدولة اليهودية تتمثل باعتراف العرب بأن الوسائل العنيفة والعمل السري فشلت. ولأن العرب في اسرائيل لا يملكون اصلا عوامل راديكالية وعنيفة قوية (دولية او عربية ) تساعدهم في ذلك لم يكن من الصعب لديهم تبني استراتيجية الهجوم من الداخل بمعنى ضرب المؤسسة الاسرائيلية من داخلها ،بالادوات الديمقراطية التي وضعتها الدولة نفسها،وليس من الخارج".

دولة المواطنين في كتاب دان شيفطان

"المرحلة الأخيرة في الكفاح العربي ضد الدولة اليهودية تتمثل باعتراف العرب بأن الوسائل العنيفة والعمل السري فشلت. ولأن العرب في إسرائيل لا يملكون أصلاً عوامل راديكالية وعنيفة قوية (دولية أو عربية) تساعدهم في ذلك، لم يكن من الصعب لديهم تبني إستراتيجية الهجوم من الداخل، بمعنى ضرب المؤسسة الإسرائيلية من داخلها ،بالأدوات الديمقراطية التي وضعتها الدولة نفسها،وليس من الخارج".

"الإستراتيجية المذكورة لا تستدعي الإقلاع عن نزع الشرعية عن إسرائيل وإلغاء الطابع اليهودي للدولة من أساسه، ولكن هذه المرة يرتبط ذلك بنضال داخلي يجري باسم الديمقراطية والتعددية وحقوق الإنسان وتحت شعارات عامة مثل دولة كل مواطنيها، علماً أن التمحيص في تصريحات القادة السياسيين وقادة المجتمع المدني للعرب في إسرائيل يرسم صورة مختلفة، بل محاولة لإقامة دولة ثنائية القومية على انقاض الدولة اليهودية، ومن ثم تحويلها إلى دولة عربية عبر الغاء قانون العودة وتغيير الميزان الديمغرافي".

بهذه الكلمات يلخص د. دان شيفطان في كتابه الذي صدر حديثاً، تحت عنوان "الفلسطينيون في إسرائيل –نضال الاقلية العربية في الدولة اليهودية"، يلخص المرحلة الحالية من نضال العرب في إسرائيل منذ تأسيسها على انقاض كيانهم الوطني عام 48، بعد استعراضه للمراحل السابقة وارتباطها بالكفاح الفلسطيني والعربي يصل إلى نتيجة تشخص الوضع الراهن بالقول إنّ الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر اتفقوا على عدم التسليم بيهودية الدولة، ويشير في السياق نفسه إلى أسباب تفجر إتفاقات كامب ديفيد التي وقف في مركزها حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهو بذلك يجد الخط الواصل بين نضال الفلسطينيين في الخارج وفي الداخل، وإن اختلفت أشكاله ويموضع إلغاء يهودية الدولة الذي يترجم فلسطينيًا ضمن التمسك بحق العودة، ولدى الفلسطينيين في إسرائيل بطرح شعار تحويل إسرائيل إلى دولة لكل مواطنيها.


طرح شعار دولة كل مواطنيها ترافق مع اتفاقات أوسلو، واندمج بشكل أو بآخر كجزء مكمل للمطالب الفلسطينية يجيب على حقوق جزء من الشعب الفلسطيني غيبته أوسلو عن مائدة المفاوضات.

ويعتقد المؤلف أن من طرح هذا الشعار اعتقد أن تراجع إسرائيل عن نزع شرعية م.ت.ف والتفاوض على دولة فلسطينية سيحلل أيضاً البقرة المقدسة تلك المتمثلة بالتمسك بيهودية الدولة، وعندما تبيّن للقيادة السياسية أن ذلك لن يمر، كان الشعار قد دخل إلى الوعي الشعبي، وخصوصاً لدى الجيل "منتصب القامة"، بل وتحول إلى أساس بنيت عليه تلك الهوية لدى هذا الجيل الشاب والمثقف، والتراجع عنه يتطلب ايجاد أساس آخر سيكون أقلّ جاذبية وأقلّ كبرياء، بل من شأنه أن يعيد العرب في إسرائيل إلى وضعية مستسلمة.

رغم أن د. شيفطان لا يعطي في الفصول العامة لكتابه وحتى عندما يتحدث عن دولة كل مواطنيها والغاء الطابع اليهودي للدولة أي افضلية للدكتور عزمي بشارة وحزبه التجمع الوطني الديمقراطي على هذا الشعار وهذا البرنامج، الذي وحسب وصفه حول العرب في إسرائيل الى رأس حربة فلسطينية وعربية في مواجهة إسرائيل ونقل الصراع من حدود إسرائيل إلى داخلها، علما أن هذا الشعار وهذا البرنامج تحول إلى برنامج العرب في إسرائيل عامة،بالرغم من ذلك، فإنه في الفصل الذي يخصصه عن الدكتور عزمي بشارة يقول إن المعادلات التي وضعها بشارة وفي مقدمتها الغاء الدولة اليهودية باسم الديمقراطية ودولة كل مواطنيها تحولت إلى الرأي السائد في أوساط قيادة العرب في إسرائيل. ويضيف أن هذه المعادلات والشعارات عمقت وأبرزت شكوك التيار المركزي في أوساط الأغلبية اليهودية تجاه العرب في إسرائيل، منوهاً إلى أن من رأى في بشارة في سنوات التسعين حالة عرضية في الهامش الراديكالي، اضطر بعد عقد من الزمن أن يعترف بحقيقة أن افكاره بلورت بشكل كبير شخصية الشاب العربي المتعلم في إسرائيل، واضطر كذلك الى الاعتراف أن أفكاره تلك قلبت حالة الاستعداد بين العرب للاندماج في المجتمع الإسرائيلي إلى مواجهة شاملة مع أساسات دولة إسرائيل.

ويضيف شيفطان أن وثائق الرؤى (التصور) نهلت من أفكار بشارة التي تغلغلت في اوساط النخب المثقفة العربية في إسرائيل، أكثر من أي أفكار أخرى.

ويشير المؤلف إلى أن أهمية بشارة الخاصة تكمن في كونه حاول إعطاء بديل منهجي للواقع الإسرائيلي عموماً وللعلاقات اليهودية - العربية بشكل خاص، وذلك بعكس القادة السياسيين الآخرين، الذين لم يطرح أي منهم منظومة شاملة ومرتبة تستوعب الجمهور الفلسطيني في إسرائيل كافراد وكجماعة قومية. ويقول المؤلف إنه لم يضع أحد عدا بشارة تحديًا ألزم يهوداً من التيار المركزي كانوا يتخبطون بين ماهية الدولة اليهودية وبين نظامها الديمقراطي على مواجهة فكرة أخرى تندرج في إطار السياق الديمقراطي الليبرالي الذي يرون به نموذجاً تستحقه دولتهم.


الكاتب الذي لا يدخر مفردة لتمييز بشارة عن أعضاء الكنيست الآخرين الذين تناولهم في كتابه، ويقول إن المميزات الخاصة للتحدي الذي طرحه بشارة الادعاء المركب ومحاولته نزع الشعب اليهودي ودولته من الأسس الديمقراطية العامة وحقوق الإنسان، تستدعي معالجة تختلف لادعاءاته عن سائر ادعاءات أعضاء الكنيست العرب الآخرين، لأن الأمر يتطلب على حد قوله، إلى جانب نقل اقتباسات واسعة من أقوال بشارة، الإشارة أيضا إلى التناقضات الداخلية بين المركبات المختلفة التي يحاول تبنيها بشكل انتقائي من التسويات القائمة في النظم الديمقراطية، بشكل يمنح العرب الأفضليات المطلوبة لهم في الصراع مع اليهود...

في الوقت ذاته، فإن الكاتب المعروف بآرائه العنصرية لا يدخر مفردات في التهجم على بشارة وعلى غيره من القيادات العربية.

الكتاب يفرد كما أسلفنا ما يقارب الـ40 صفحة للحديث عن أفكار وممارسات عزمي بشارة السياسية محاولاً ومستنجداً بالآخرين من النخبة الإسرائيلية ممن دخلوا في سجال مع أفكار عزمي بشارة المتعلقة بدولة المواطنين مثل بروفيسور شلومو افنيري وبروفيسور روت غابيزون، وهذا ما يميز الفصل الذي يتحدث عن عزمي بشارة دون غيره، وهو ما أشار إليه الكاتب نفسه الذي يأخذ "الموضوع جد" عندما يتعلق بعزمي بشارة ويظهر أنه قام بعمل كبير في كل ما يتعلق بجمع المعلومات والمعطيات، حيث يورد اقتباسات من عشرات المقالات والخطابات واللقاءات التي كتبت أو أجريت مع بشارة في وسائل إعلام عبرية وعربية على طول الوطن العربي الكبير، وطبعاً فإن جهده لم يقتصر على التجميع والتمحيص، بل تبعته ترجمة هذه المواد إلى اللغة العبرية واستخراج ما له صلة ببحثه وتوظيفه في خدمة ادعاءاته والاستنتاجات التي يريد أن يصل إليها خاصة وأنها معروفة سلفاً.

ولغرض الوصول إلى ذلك، يضع ثلا ث فرضيات ويقوم بـ"إثباتها"، الأولى نزع شرعية دولة إسرائيل والثانية التماثل مع حزب الله والثالثة التماثل مع سوريا في صراعها ضد إسرائيل، وهو بذلك يفعل ما فعله جهاز الشاباك، الذي يستعين بالتهم الأمنية، وهو الباحث، لمواجهة التحدي السياسي الذي وضعه عزمي بشارة أمامه وغيره من النخب الإسرائيلية التي تتشدق بالديمقراطية وحقوق الإنسان وتفاخر بليبرالية دولتها ونظامها السياسي، وهو تحد استخرج من قلب السياق اللبرالي ذاته.

وينهي الكاتب بما انتهى إليه الشاباك، بمعنى توجيه التهم الأمنية ضد بشارة ومغادرته القسرية للبلاد، ليس قبل أن يعرج على خطاب القرداحة وتهم توجيه صواريخ حزب الله من قبل عزمي بشارة ليعود إلى الفكر السياسي الذي جلب على بشارة التهم الأمنية حين يكتشف أن بشارة، وبعد تحرره من القيود التي كانت مفروضة عليه في إسرائيل بات يستطيع تشبيه إسرائيل بالمملكة الصليبية ويدعو لدولة واحدة على كل أرض فلسطين التاريخية وإلى تفكيك الصهيونية، ليختم بالقول إنه حتى لو تم التوصل إلى تسوية بين حكومات فإن شعوب المنطقة ستتعامل مع إسرائيل كمملكة صليبية لا بد أن تختفي عاجلاً أم اجلاً، والأقوال لبشارة .

التعليقات