كتاب إسرائيلي جديد عن تلاقي المحرقة والنكبة

"ليبدأ الانتقام الكبير... من تحلل جثث الفلسطينيين ستزدهر الحقول.. وجهنا البنادق إلى العرب وقتلنا نازيين.. يهود نفذوا أعمالا نازية في اللد والرملة.. متحف ياد فاشيم أقيم قبالة خرائب دير ياسين"...

كتاب إسرائيلي جديد عن تلاقي المحرقة والنكبة

"ليبدأ الانتقام الكبير... من تحلل جثث الفلسطينيين ستزدهر الحقول.. وجهنا البنادق إلى العرب وقتلنا نازيين.. يهود نفذوا أعمالا نازية في اللد والرملة.. متحف ياد فاشيم أقيم قبالة خرائب دير ياسين"...

تناول البروفيسور يشاي روزين تسفي، رئيس مساق "التلمود والأدب العبري القديم" في كلية "الثقافة العبرية" في جامعة تل أبيب، كتابا جديدا للمؤلف الإسرائيلي يائير أورون، بعنوان "المحرقة/ الكارثة والنهضة والنكبة"، من إصدار "ريسلنج"، مشيرا إلى أن الكاتب "تجرأ" على تناول " التلاقي بين المحرقة والنكبة منذ العام 1948 وحتى اليوم"، بدافع الوصول إلى اعتراف متبادل بمأساة الشعبين باعتبار أن ذلك وحدة سيؤدي إلى المصالحة، بيد أن الكاتب ينفي أن يكون قد نفذت "عملية إبادة شعب" عام النكبة، وإنما "عملية تطهير عرقي".

ويقتبس الكاتب مقتطفات من مقولات مما وصفه بـ"الأوراق القتالية" التي كتبها آبا كوفنر، وهو ضابط الثقافة في لواء "غفعاتي"، خلال معارك عام 1948 في الجنوب، فيقول: "أرواح ستة ملايين تصرخ من التراب: ليبدأ الانتقام الكبير". وتحرض أوراق أخرى مرة ثانية على الانتقام والذبح والقتل فيكتب بتاريخ 12 تموز/يوليو من العام 1948: "من تحلل جثث الغزاة (الفلسطينيون – عــ48ـرب) سوف تزهر حقولنا". وبعد يومين يكتب "كلاب القتل – حكمهم القتل.. وكلما دستم الكلاب الدموية ستتعمق في داخلكم محبة الجميل والجيد والحرية".

ويكتب أورون في كتابه "المحرقة، النهضة والنكبة" أن هذه "الأوراق بمنتهى القسوة ومثيرة للاشمئزاز، لدرجة أنه من الصعب تصديق أن عناصر "هشومير هتسعير" هم الذين كتبوها". ويضيف "لا أستطيع أن أقترح تفسيرا سوى التفسير المرتبط بالمحرقة والخشية من محرقة أخرى والحاجة إلى الانتقام في أعقابها".

ويشير البروفيسور تسفي إلى أن الكاتبة نتيفا بن يهودا حاولت تفسير ذلك بشكل مبسط في كتابها "1948"، فكتبت: "وجهنا البنادق إلى العرب، وضغطنا على الزناد وقتلنا نازيين". ويتابع أن الكاتب أورون حاول أن يعقد الصورة قليلا فكتب أن "لم يكن ذلك خيالا صاخبا، وإنما أسهم في ذلك وجود بضع عشرات من الجنود النازيين الذين قدموا للقتال إلى جانب العرب". على حد ادعائه.

وبحسب تسفي فإن الكتاب الجديد يتناول أحد المفاصل المشحونة والأكثر تكتما عليها في التاريخ الإسرائيلي القصير، وهو "التقارب بين المحرقة والنكبة". بدءا من حضور المحرقة في الحرب ذاتها – لاجئو القتال من أوروبا مقابل اللاجئين الجدد من فلسطين-، وفي الشكل الذي تصوع فيها المحرقة والنكبة، سوية وبشكل منفرد، الوعي للطرفين وتسدان مجال الرؤية. وبين السطور تبرز صورة قاسية لدور ذكر المحرقة سواء في حوادث النكبة أو في التكتم عليها لاحقا.

ويتابع تسفي أن الكاتب من جهة أخرى يظهر كيف تحولت النكبة في الوعي الفلسطيني والعربي إلى "نظير" المحرقة.

كما يشير إلى أن الكتاب لا يكشف وثائق جديدة، فهو يستند أساسا إلى أدبيات حرب 1948 لمؤرخين إسرائيليين من إيلان بابي وحتى يوآف غلبر. ويشير إلى قصة تهجير نحو 700 ألف فلسطيني وتدمير مئات القرى، أكثر من 400 قرية، استنادا إلى كتب بيني موريس. كما يشير إلى أن قوة الكتاب تكمن في التركيب، وبالجرأة أساسا على تناول الفصل الأكثر استبعادا في الحوار الإسرائيلي وهو " كيف وبأي سرعة تحول الضحايا إلى جناة/ موقعي ضحايا. (وهو ما قد يجعل الكتاب لا يباع بأعداد كبيرة ـ بحسب تسفي).

وتحت عنوان جانبي "الحق في أن تكون ضحية" يكتب تسفي أن الأمور لم تكن مسجلة في "الطابو"، مثل القرى المهجورة، التي كانت مكشوفة للعيان قبل أن يتم "تغطيتها" بأحراش "الكيرن كييميت"، ومثل عملية الطرد والتهجير التي سميت باسمها بداية (استنادا إلى مناقشة الكاتب في فصل "لجنة الترانسفير" لـ"مباي" خلال الحرب)، وكذلك العلاقة مع المحرقة التي كانت بداية جزءا من الخطاب القتالي. ويشير في هذا السياق إلى كتاب "خربة خزعة" (للمؤلف يزهار سيميلنسكي) حيث كان بإمكان الكاتب أن يفكر بمصطلحات "لجوء مقابل لجوء" حيث يقول "نحن اليهود نفذنا التهجير.. من أجل اللاجئين، اللاجئين خاصتنا، ولكن الذين نهجرهم ونجعلهم لاجئين فهذا أمر آخر تماما.. نحن الأسياد الآن".

كما يشير الكاتب إلى ما كتبه آفوت يشورون في العام 1969، حيث يقول في قصيدة "بكينا محرقتنا.. لم نبك محرقتهم؟ الآن حرب؟". ويشير أيضا إلى أنه بعد احتلال اللد والرملة، صرح أهارون تسيزلينج، من ناشطي "أحدوت هعفودا" في جلسة للحكومة: "نفذ يهود أعمالا نازية". ويشير في هذا السياق إلى ما اعتذر عنه لاحقا تومي لبيد في العام 2004 بعد قصف رفح، حيث قال إن صورة امرأة عجوز تنبش الركام تذكره بجدته.

في المقابل، يتحفظ الكاتب، بحسب تسفي، من كل المحرقة، فيقول لم يحصل قتل جماعي، ويجب نفي الادعاء أن إسرائيل نفذت "جينوسايد/ إبادة شعب" عام 1948، حيث لم يكن هناك خطة شاملة، والأرقام ليست كبيرة نسبيا، وبالمقارنة مع حروب أخرى فإن الفظائع تتقزم، ويكرر الادعاءات بأنه لم يكن هناك بد من تنفيذ ذلك. ويضيف أنه يجب استخدام مصطلح "تطهير عرقي" على ما حصل عام 1948 في المناطق التي عمل الجيش الإسرائيلي على إبقائها خالية من العرب، في الجنوب والساحل والطريق/الممر إلى القدس. ولكنه وبعد كل التحفظات يظهر أن ذكر المحرقة وأحداث 1948 مرتبطان ببعضهما البعض ولا يمكن فهم أحدهما بدون الثاني.

ويشير الكاتب أيضا إلى أن العلاقة بين المحرقة والنكبة تظهر أيضا من خلال تجنيد "مقاتلين يهود قدموا من معسكرات أوروبا مباشرة إلى الحرب، بدون أن يحملوا سلاحا في حياتهم"، وتظهر في توطين اليهود في القرى العربية المهجورة. ويشير إلى أن هذه الخطة كانت نتيجة حاسمة لقرار بن غوريون من أجل منع عودة اللاجئين الفلسطينيين رغم الضغوط الدولية، ورغم المعارضة الداخلية من قبل "مبام" بشكل خاص، بيد أنه يشير إلى أن عناصر "مبام" أنفسهم سارعوا إلى استغلال المساحات التي هجر منها العرب.

ويشير الكاتب أيضا إلى أن تقرير الكونت برنادوت، الوسيط الدولي من قبل الأمم المتحدة، الذي نشر بعد ثلاثة أيام من مقتله على يد عصابات "ليحي"، يستند إلى الجهود لحل "ضائقة" فئتين من اللاجئين، اليهود والعرب. وحتى في النقاشات في الأمم المتحدة على صياغة ميثاق لمنع جرائم إبادة شعوب، في أعقاب المحرقة، تكررت بالضبط عام 1948، وتردد ذكر قضية فلسطين مرة أخرى وأخرى. ويتناول الكاتب في هذا السياق علاقات خبيثة، بعضها يحمل تقارب الزمان والمكان، مثل إقامة متحف "ياد فاشيم" على تلة تطل على خرائب دير ياسين.

ويكتب تسفي أن أساس العلاقة بين المحرقة والنكبة هو في الوعي. فالمحرقة، بحسب الكاتب، كانت آلية التحرك والشرعية الأساسية للاستيطان عام 1948، وفي المقابل فإن الفلسطينيين اعتبروا أنفسهم ضحايا ثانويين للمحرقة. ويشير الكاتب أورون في هذا السياق إلى أن نفي المحرقة حصل في الدول العربية بعد 1948 بالذات، وكنتيجة مباشرة للنكبة، وهو ما اعتبره على أنه "نضال على الحق في أن تكون ضحية، الضحية الوحيدة".

ويضيف الكاتب أن حقيقة "كون خطاب الضحوية (أن تكون ضحية) هو أهم مفتاح لفهم الروح الإسرائيلية" معروفة لكل خريج في جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي، لدرجة أن التقويم السنوي يعج بمثل هذه الأحداث، مثل "الحانوكا" و"البوريم/ المساخر" و"الفصح" و"المحرقة"، ولم يعد بالإمكان التمييز بين فرعون وهتلر وهامان وأنطيوخوس والحاج أمين الحسيني. ويضيف الكاتب أن "جهازا كاملا يعمل على حفظ مكان للضحية".

ويشير تسفي إلى أن صياغات الكاتب أورون، في هذا السياق، "تتجاهل الهيكلية والجهازية، حيث أن عدم الاعتراف بالنكبة من قبل مرتكبيها يبقي المأساة قائمة ولا يتيح معالجتها، بل يغذيها مرارا وتكرارا".

وبينما يشير تسفي إلى أن الكاتب لا يذكر جمعية "زوخروت/ذاكرات" إلا في سياق حديثه عن عدد القرى المدمرة، فهو، الكاتب، يشير إلى الضغط المتزايد في وزارة المعارف وفي الكنيست لمنع أي ذكر للنكبة، وهو ما يدل بالتأكيد على "اليقظة". ويضيف أنه في "عهد فقدان الخجل، حيث لم تعد تتغطى العنصرية تحت الستائر، وحتى ناشطو حركة "إم ترتسو" يسمحون لأنفسم بأن يهتفوا بالمظاهرات ضد فعاليات النكبة بـ"جلبنا النكبة عليكم"، فإننا نقترب من عصر "ما بعد القمع".

وبحسب تسفي، فإن الكتاب له هدف واحد، يتلخص في تساؤل الكاتب: "ممّ نخاف؟ لماذا نشعر بالحاجة إلى إخفاء ذلك بعد 65 عاما؟ أن نكذب على أنفسنا وعلى أولادنا".

ويعرف تسفي الكاتب على أنه صهيوني ملتزم ومتزن، ولا يريد أن يؤسس عالمه الهوياتي على الكذب، وأنه يريد أن يعيش في دولة قادرة على محاسبة نفسها على ماضيها،  والاعتراف بما اقترفته، ولكنه يعمل ضد اتجاه الزمن، حيث أن الكذب الذي يحيطه يتفاقم.

ويختتم تسفي معالجته للكتاب بقوله إنه بعد مناقشة الكاتب لعلاقة الفلسطينيين بالمحرقة، وتطور فكرة كونهم "ضحايا الضحايا" في وعيهم، فإن أورون يختتم الكتاب بالقول: "أنا أوافق على الاختلاف الجوهري والأساسي بين المحرقة والنكبة، ولكن يجب أن نتذكر أن المحرقة ارتكبت من قبل الألمان ومساعديهم، في حين أن النكبة ارتكبت من قبل الإسرائيليين. وبرأيي، فإنه بدون الاعتراف المتبادل بمأساة الشعبين مع خلال تقبل الاختلاف بينهما لن تحصل المصالحة المأمولة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. يجب خلق إطار تربوي ومعمق يتعلم فيه الأولاد عن المحرقة والنكبة ويجرون حوارات فيما بينهم".

ويعقب تسفي على ذلك بالقول إنه "من الصعب التفكير برسالة أبعد من هذه عن الأجواء العامة في إسرائيل اليوم. فالعدو على الأبواب، ومن سيصغي؟".

التعليقات