تحقيق: روح ليبرمان تحوم فوق قضايا تربط السياسة بالفساد

التحقيقات مع مقربين منه، سيطروا على البنية التحتية، لم تظهر شبهة حقيقية ضده، واسمه لم يذكر في سياق المنافع الشخصية التي حصل عليها متهمون من الميزانيات العامة، لكن المشتبهين والمتهمين والمدانين مقربين منه وغالبا ما كانوا يذكرون اسمه

تحقيق: روح ليبرمان تحوم فوق قضايا تربط السياسة بالفساد

ليبرمان، الشهر الماضي (أ.ف.ب)

أدانت محاكم إسرائيلية في السنتين الأخيرتين عشرات الأعضاء والمقربين من حزب "يسرائيل بيتينو" وفي مقدمتهم نائبة وزير الداخلية السابقة، فاينة كيرشنباوم، بالحصول على أموال من خزينة الدولة عن طريق تحويل ميزانيات غير قانونية، وحكمت على بعضهم عقوبة السجن. ودخل وزير السياحة السابق عن هذا الحزب، ستاس ماسيجنيكوف، الأسبوع الماضي، السجن بعد إدانته بتهم فساد.

وفي التحقيقات التي أجرتها الشرطة في هذه القضية التي ارتبطت بحزب "يسرائيل بيتينو"، لم يتم استدعاء زعيم هذا الحزب ووزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، إلى التحقيق. وجاء في تحقيق صحافي نشرته صحيفة "هآرتس"، اليوم الأربعاء، أن التحقيقات لم تظهر شبهة حقيقية ضده، واسمه لم يذكر، ولو بالتلميح، في سياق المنافع الشخصية التي حصل عليها متهمون من الميزانيات العامة أو من قضية الفساد في دائرة الأشغال العامة (ماعتس). وقال مصدر مطلع على التحقيقات إنه "لم نخترق السقف الزجاجي لمقربيه". لكن روح ليبرمان ترفرف فوق التحقيقات في هاتين القضيتين، لأن العديد من المشتبهين والمتهمين فيهما ينتمون إلى الدائرة الداخلية المقربة منه وغالبا ما كانوا يذكرون اسمه، ولكن بكنية، مثل "المدير" و"الذقن"، كأنها "أسماء كود" تشير إليه.

أحد الأسماء البارزة في قضية "ماعتس" هو أليكس فيجنيتسر، "المهندس"، الذي تقول الصحيفة أنه بفضل علاقاته مع ليبرمان وقدراته الإدارية، تولى عدة مناصب، كان مسؤولا فيها عن مليارات الشواقل. رئيس مديرية المياه والصرف الصحي، مدير عام "ماعتس"، رئيس "مكوروت" (سلطة المياه) ورئيس "نِتاع"، وهي الشركة المسؤولة عن إنشاء القطار البلدي في منطقة وسط إسرائيل. وعلى خلفية علاقاته، حضر حفل زفاف ابنه ثمانية وزراء ورؤساء أحزاب ورجال أعمال. وتبين من فحص اتصالاته الهاتفية أنه كان على اتصال مع خمسة ضباط شرطة كبار، في القترة التي تولى فيها وزير من "يسرائيل بيتينو" منصب وزير الأمن الداخلي.

وقالت الصحيفة إنه في اليوم الذي ترددت فيها شائعات في صفوف نشطاء حزبيين وصحافيين عن تحقيق سري ضد قياديين في "يسرائيل بيتينو"، وعلى رأسهم كيرشنباوم، أبلغ أحد النشطين في هذا الحزب فيجنيتسر بالأمر، وسأل الأخير ما إذا كان "المدير"، أي ليبرمان، يعلم بذلك، وأضاف أنه "هذه ليست مفاجأة بالنسبة لي، وأنت تعلم كم مرة حذرت". وبعد ذلك قال لأحد أصدقائه: "لقد اعتقلوا البقرة" في إشارة إلى كيرشنباوم.

وفي موازاة التحقيقات مع القياديين في "يسرائيل بيتينو"، واصل فيجنيتسر أعماله، وطلب من شخص يعمل في مجال العلاقات العامة أن يستغل علاقاته مع "وزير كبير" كي يقنع هذا الوزير أو زوجته مسؤولين في حكومة رومانيا بأن تشتري شركة الكهرباء المحلية هناك "عقارات تابعة لشركتنا"، وألمح فيجنيتسر إلى أن "هذه صفقة جيدة، وبالإمكان الحصول على عمولة". وفي اليوم التالي اعتقلت الشرطة فيجنيتسر، لكنها لم تنجح بتقديم لائحة اتهام ضده.

السياسة والفساد

قبل ذلك بشهرين، اجتمع فيجنيتسر مع دافيد أمسالم، الذي كان في حينه ناشط في حزب الليكود واليوم هو عضو كنيست ورئيس الائتلاف. وتحدث الاثنان عن وزير المواصلات، يسرائيل كاتس، الذي عين فيجنيتسر، في العام 2013، رئيسا لـ"نتاع". رغم ذلك، ورغم المديح الذي كاله كاتس على فيجنيتسر، إلا أن الأخير احتفظ بلقب "زعيمي" لليبرمان، الذي كان يلقب بـ"الذقن" أيضا.

وكانت خلفية الحديث بين فيجنيتسر وأمسالم خلافا بين فيجنيتسر وكاتس، بعد محاولة الأول دفع تعيين صديقه ميخائيل كوبيلوفسكي مديرات عاما لـ"ماعتس". وساد الاعتقاد أن فيجنيتسر يريد من هذا التعيين السيطرة على "ماعتس" وتحويل أموال من ميزانية الدائرة إلى جيبه الخاص. ولذلك، قال له كاتس "هل تريد بناء مافيا روسيا؟".

في حينه، كان أمسالم يرأس مجموعة من أعضاء الليكود الذي كان بمقدورهم التأثير على تدريج المرشحين في قائمة هذا الحزب للكنيست. وأبلغ أمسالم فيجنيتسر بأنه "اجتمعت بالأمس مع السمين (أي كاتس)... وكررت الحديث عن موذوع ذاك الشخص من ماعتس. وهو أخذ يتحصن بموقفه. سيطلب منفعة شخصية، وهذا ممتاز".

وطالب فيجنيتسر بالضغط على كاتس بقوله إنه "يوجد يوم قبل الانتخابات وآخر بعد الانتخابات"، ورد أمسالم أنه "لقد بنيت ضده ميزان رعب قوي جديا. وهو لا يسارع إلى مواجهتي، وأقول لك هذا بكل مسؤولية. لقد أرعبته. وقلت له إنه إذا عرقلت ما نريد...".

في المقابل، أراد فيجنيتسر أن يصنع معروفا مع كاتس، في سياق خلافه مع مدير سلطة الشركات في حينه، أوري يوغف، وأن يمرر لكاتس رسالة تهدئة عن طريق أمسالم، وقال إنه "لدي لقاء هام مع الذقن (ليبرمان) غدا، والموضوع الأول هو كيف سنخرج أوري يوغف ابن... فأنا لا أنسى الأعمال الحسنة".

800 مليون شيكل بدون مناقصة

في شتاء العام 2014، سعى فيجنيتسر إلى استئجار خدمات شركة الاستشارات الدولية PB من دون مناقصة، من أجل إدارة مشروع القطار البلدي الخفيف بوسط إسرائيل، بتكلفة 800 مليون شيكل. لكن المحاسبة العامة في وزارة المالية، ميخال عبادي بويانجو، عارضت ذلك، تحسبا من محاولة للالتفاف على الأنظمة وأن يتم اختلاس أموال. ووفقا للصحيفة، فإن هذه المخاوف كانت حقيقية بعد تفجر قضايا الفساد في "يسرائيل بيتينو" و"ماعتس". وقد اشترطت عبادي بويانجو الموافقة على طلب فيجنيتسر بعد مصادقة وزير المواصلات ووزير المالية، يائير لبيد، ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، والمستشار القضائي للحكومة.

وقال فيجنيتسر لأمسالم إن "كاتس معنا مئة بالمئة"، وأنه من أجل إقناع لبيد سيجتمع مع مدير مكتبه، داني فسلي، وأنه في موازاة ذلك "سأجتمع مع زعيمي (ليبرمان). وفي نيتي أن أدفعه للعمل... أن يقول لها ’اجلسي بهدوء’. فكر إذا كنت سأفعّل المدفعية الثقيلة". وأضاف أن "فسلي توجه إليها" وأنه وجه أشخاصا آخرين للضغط عليها. وبعد عدة أيام، عُقد اجتماع، وجدت المحاسبة العامة نفسها خلاله وحيدة تواجه موظفين في وزارة المالية وسلطة الشركات، الذين طالبوا بإعفاء "نتاع" من مناقصة. وبعد شهرين، وبعد أن غاب فيجنيتسر عن الحياة العامة، صادقت المحاسبة العامة على الارتباط مع PB من دون مناقصة.

يشار إلى أن الشرطة عثرت في بيت فيجنيتسر على مئات آلاف الشواقل نقدا، وهو المشتبه باختلاسها هذه المبالغ من أموال الميزانيات التي أدين قياديون في "يسرائيل بيتينو" باختلاسها. لكنه عزا اعتقاله إلى علاقته القوية مع ليبرمان، حيث قال "إنني أعرف ليبرمان منذ 30 عاما. سكنّا في يافا معا، وبطبيعة الحال، لأنني صديقه". والتزم فيجنيتسر الصمت خلال التحقيق معه، في حين أدلى ضالعون في القضية بإفادات حول تمويل أموال طائلة إليه وإلى كيرشنباوم. لكن الملف ضد فيجنيتسر في قضية "يسرائيل بيتينو" أغلق.

وقالت الصحيفة إن التحقيق كشف عن اختلاس مقاولي أصوات وقياديين في "يسرائيل بيتينو" مبالغا طائلة طوال سنين من خزينة "ماعتس"، بواسطة رشاوى وأساليب احتيال.

وتبين أيضا من التحقيقات في قضية "ماعتس" أن هناك مجموعتين تتنافسان على اختلاس هذه الأموال، الأولى تسمى "الروس" من حزب "يسرائيل بيتينو" والثانية تسمى "المغاربة" (أي اليهود المغاربة) من حزبي الليكود وكديما.

وأظهرت التحقيقات، وفقا لمحقق في الشرطة، أنه خلال العدوان على غزة، في العام 2014، تفرغ ليبرمان، وكان وزيرا للخارجية حينذاك، من مهامه كي يمنع من مسؤول في شركة، يدعى شيمي بن دافيد، من وضع عراقيل أمام شركة "د.ن"، التي يملكها ميخائيل غورلوفسكي، وهو عضو كنيتس سابق عن "يسرائيل بيتينو" اضطر إلى الاستقالة بعد اتهامه بتلقي رشاوى.

 

التعليقات