إسرائيل لا تزال غير قادرة على حماية الجبهة الداخلية من الصواريخ../ كتب: هاشم حمدان

"في الحرب القادمة ستكون الجبهة الداخلية هي الهدف الأساسي، وستتعرض إلى عدد أكبر من الصورايخ ذات قدرة تدميرية أكبر، ودقة أكثر ومدى أبعد بكثير من تلك التي أطلقها حزب الله"

إسرائيل لا تزال غير قادرة على حماية الجبهة الداخلية من الصواريخ../ كتب: هاشم حمدان
تحت عنوان "إسرائيل ليست محمية من الهجمات الصاروخية على الجبهة الداخلية" تناول تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" مدى جاهزية الجبهة الداخلية في حال نشوب حرب جديدة، مشيرا إلى أنها لا تزال غير محمية من الهجمات الصاروخية، وأن ما حصل من تطورات في هذه الشأن يكاد يكون ثانويا وهامشيا. كما يشير التقرير إلى أن هذه المسألة قد تستغرق سنوات طويلة قبل أن يتم توفير وسائل الرد على الهجمات الصاروخية.

كما يركز التقرير على كون الجبهة الداخلية ستكون معرضة لصواريخ ذات مدى أبعد، وبكميات أكبر، وذات قدرة تدميرية أكبر بالمقارنة مع الصواريخ التي أطلقتها المقاومة اللبنانية في الحرب الأخيرة على لبنان.

ويبدأ التقرير بالإشارة إلى أن الغارة الجوية في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2007، على ما زعم أنه "منشأة نووية أقيمت، بمساعدة كورية الشمالية، شمال شرق سورية"، يدخل في إطار المغامرة، لولا أن الرئيس السوري، بشار الأسد، قد قرر عدم الرد على الهجوم الإسرائيلي بهجمة صاروخية وحرب جديدة في الشرق الأوسط.

ويتابع أن السرية التامة التي فرضتها الرقابة العسكرية على الإعلام الإسرائيلي (لا يزال بعض التعتيم قائما حتى اليوم) قد أدى إلى مرور أسابيع حتى بدأت تظهر التقارير في الصحافة الدولية بشأن طبيعة المنشأة التي تم قصفها في سورية. وكان هناك خطر حقيقي بأن تؤدي الغارة الجوية إلى إطلاق آلاف الصورايخ السورية باتجاه الجبهة الداخلية، وهو خطر لا يقارن بما أطلق على إسرائيل خلال الحرب الأخيرة على لبنان، وهو أمر لم يتم توضيحه للمواطنين.

ويتابع أنه غني عن البيان الحديث عن حجم القصور من قبل السلطات الإسرائيلية في معالجة الجبهة الداخلية خلال الحرب على لبنان، وقد تم توثيق هذا القصور مطولا وبشكل معمق في تقرير مراقب الدولة بشأن الجبهة الداخلية وفي الكتب والصحافة. ويعترف الوزراء الذين كانوا شركاء بالإجماع على الرد الإسرائيلي العنيف في أعقاب أسر الجنديين الإسرائيليين، بأنهم لم يكونوا يدركون أن مغزى القرار هو الخروج إلى حرب متواصلة، فحسب، وإنما لم يقدروا بشكل صحيح الأضرار المتوقعة لسكان الشمال. وحتى بعد سنة، عشية الغارة الجوية على سورية، لم يكن وضع الجبهة الداخلية أفضل.

وبحسبه فإن ما يثير القلق هو أنه بعد سنتين من الحرب فإن التطور في الجاهزية هو ثانوي، ويكاد يكون هامشيا. حيث يتبين من الحوار مع الوزراء وكبار الضباط والخبراء في حماية الجبهة الداخلية أن الصورة مقلقة، فما يسمى "بدلة الدفاع" التي تقوم الدولة بحياكتها للجبهة الداخلية ليست سوى "عملية ترقيع". فالهيئات المختصة، وخاصة قيادة الجبهة الداخلية، مع كونها منهمكة في العمل، إلا أن المسائل الأساسية لم تضح بعد، وأن الميزانيات تقدم بالتقطير، وعملية سد "الفجوات المصيرية" من الممكن أن تستغرق أكثر من 10 سنوات.

ويتابع أنه بالنسبة للدول العربية فإن الحرب على لبنان كانت ناجحة نسبيا، وتؤشر على اتجاه التطور المطلوب لاحقا. فحزب الله عرض تطورا ملموسا في مجالين (القذائف الصاروخية المضادة للدبابات والصواريخ) أظهرت ضعفا إسرائيليا في نقاط جوهرية (قدرة القوات البرية على المناورة والدفاع عن الجبهة الداخلية). أما سورية التي تركزت في مجالات مماثلة، فقد سارعت منذ ذلك الحين من جهودها بهذا الاتجاه، وكذلك حركة حماس في قطاع غزة. وهذا "الفهم للمقاومة والاستنزاف، الذي لا يهدف إلى الانتصار على العدو الإسرائيلي، وإنما إلى الندية من أجل إحداث تآكل في قوة الجيش وروحه القتالية مع مرور الزمن".

ويعرض التقرير بثقة أنه ليس هناك حاجة إلى القدرة غير العادية على التنبؤ من أجل إدراك أنه في الحرب القادمة ستكون الجبهة الداخلية هي الهدف الأساسي، وأنها ستتعرض إلى عدد أكبر من الصورايخ ذات قدرة تدميرية أكبر، ودقة أكثر ومدى أبعد بكثير من تلك الصواريخ التي أطلقها حزب الله قبل سنتين. ومن هذه الناحية فإن الحرب على لبنان كانت ستبدو "ترفا": ففي جبهة واحدة فقط (بدون أي صدام مع سورية وبدون أي تهديد حقيقي من غزة)، وبدون صواريخ على مركز البلاد، وقعت إصابات كثيرة في الجبهة الداخلية. وفي هذا السياق يشير إلى أن الجنرال احتياط إيتان بن إلياهو، يقدر بأنه في الحرب القادمة سوف يطلق على إسرائيل ما يقارب 300 صاروخ بعيد المدى، و 5000 صاروخ كاتيوشا خلال 20 يوما فقط.

ويتابع التقرير أن مسؤولا واحدا فقط دفع ثمن الفشل في الجبهة الداخلية قبل سنتين، قائد الجبهة الداخلية، يتسحاك غرشون، الذي استقال من منصبه بعد شهور قليلة من "التقرير القاتل" لمراقب الدولة بدون أن يعترف بدوره في الإخفاق. ويعتبر التقرير أن الأخطاء المركزية للجيش، بشأن الجبهة الداخلية، كانت القرار بعدم تجنيد الاحتياط من قبل القيادة على نطاق واسع. وهذا التوجه قاده رئيس هيئة أركان الجيش خلال الحرب، دان حالوتس، الذي استخف بشدة القصف المتوقع على الجبهة الداخلية.

ويضيف أن غرشون كان يشاطر حالوتس هذا الموقف، وفضل التركيز على مهمات الإنقاذ، خلافا لوجهة النظر التي كان يحملها سابقوه في المنصب، الجنرالان يوسف مشلب ويائير نافيه. إلا أن يائير غولان، الذي احتل منصب غرشون، أعاد الأمور إلى سابق عهدها، حيث يعتمد على قوات كبيرة من أجل تقديم المساعدة للسكان الذين يتعرضون للقصف، وسيكون هناك اعتماد كبير على منظمات المتطوعين والهيئات غير الحكومية، بالإضافة إلى محاولة اعتماد "حياة طوارئ" في المناطق التي تتعرض للقصف، مثلما يحصل في سديروت.

وبحسب التقرير فإن هذه الأفكار لا تزال غير ناضجة، ولم يبدأ سريان مفعولها في إطار خطة شاملة أو من خلال فهم متبلور، تتم صياغته والمصادقة عليه من قبل المستوى السياسي.

ويقول مصدر أمني إسرائيلي على اطلاع بما يجري في الجبهة الداخلية إن "الأفكار جميلة، ولكن يجب أن يشارك في تطبيقها عشرات الهيئات المختلفة، ونجاحها ليس متعلقا بمدى امتثال الضباط في هيئة القيادة فقط، وإنما حتى بلجنة العمال في خدمات المطافئ، على سبيل المثال. وإلى حين تبلور الحكومة هذا الفهم، سيكون غولان قد شاخ وهرم. كما أن بعض الإجراءات تتطلب تغييرا في التشريع، وهي مسألة بحاجة إلى 60-70 عاما"، على حد قوله.

ومن جهته يقول رئيس المجلس للأمن القومي سابقا، غيورا آيلاند، إن "قصة الجبهة الداخلية مركبة بشكل مفزع، فلم يتمكن أحد من احتضان هذا الفيل الضخم". وأما إقامة ما يسمى بـ"سلطة الطوارئ الوطنية"، قبل عدة شهور فهي تعرض من قبل الحكومة كإنجاز كبير، ولكن آيلاند يعتقد أنها قد عقدت الأمور، ولم تجعلها أكثر بساطة. حيث أنه لا يوجد ميزانيات للسلطة، ومن الصعب التنسيق وتحريك كافة الهيئات ذات الصلة.

ويقول أحد جنرالات قيادة الجبهة الداخلية السابقين إن الجيش لم يذوّت بعد مسؤوليته عن الدفاع عن الجبهة الداخلية، وأنه يعتبر أن مثل هذه المشكلة تخص نائب وزير الأمن أو وزير الأمن. ويضيف أن معظم ميزانية الجبهة الداخلية، بما في ذلك الفعاليات الجارية للقيادة والرواتب، ليست ضمن ميزانية الأمن. وفي حال إجراء تقليصات فإن وزارة المالية تقترح أولا إلغاء برنامج الكمامات الواقية من الغازات، مثلما فعلت في آب/ أغسطس الماضي، وحتى الآن لم يتم تجنيد ميزانيات لتمويل ذلك. ويتابع أنه يوجد وعي أكبر لدى كافة الهيئات، وهناك تدريبات أكثر، إلا أنه لا يوجد أي تحسن ملموس في جاهزية الجبهة الداخلية منذ الحرب الأخيرة على لبنان، خاصة وأن التهديدات تتعاظم بشكل ملحوظ في السنتين الأخيرتين.

ويتابع التقرير أنه بشأن أداء البلديات، فإن الدروس التي تعلمتها السلطات المحلية في سديروت وحيفا ليست بالضرورة مفهومة ضمنا في مناطق الشمال، وبالتأكيد ليس في مركز البلاد. فمستوى الملاجئ، في الأماكن الموجودة بها أساسا، سيئ جدا. كما أنه لا يوجد خطة منظمة تحمي المواقع الاستراتيجية من مثل منشآت المياه والكهرباء والحواسيب وشبكات الاتصال من الصواريخ.

إلى ذلك فإن الكثير من القواعد العسكرية مكشوفة. ويأخذ الجيش بعين الاعتبار أن تجنيد الاحتياط في مركز البلاد سوف يتم تحت الهجمات الصاروخية، إلا أنه من المتوقع حصول مصاعب في حركة السير من مركز البلاد إلى الشمال. كما أن عدد القواعد في المجالات الحيوية (الاستخبارات وسلاح الجو) هو قليل، ومع كونها مركزة في مناطق مكتظة إلا أن غالبيتها ليست محمية كما يجب.

وبحسبه فإن المشاكل التي من الممكن أن تطل على نطاق واسع، في حال نشوب الحرب في الشمال، هو حصول تصعيد على الحدود مع قطاع غزة. ورغم أنه تم رفع مستوى الجاهزية في سديروت، إلا أن عدد الصواريخ التي تراكمها حركة حماس بالإضافة إلى زيادة مدى هذه الصواريخ من الممكن أن يضع عسقلان وربما "كريات غات" وأشدود في مرمى هذه الصواريخ. وعملية توفير الحماية لهذه المدن تستغرق سنوات طويلة وبتكلفة تصل إلى ملياردات الشواقل.

ويضيف التقرير أن وزارة الأمن لا تزال مصممة على تطوير مشروع "القبة الحديدية" لاعتراض الصواريخ القصيرة المدى بعد تفضيلها على منظومة الاعتراض بواسطة الليزر (ناوتيلوس). وتشير التوقعات المتفائلة إلى أن نشر "القبة الحديدية" في النقب سيكون بعد سنتين، في حين يعتقد خبراء أن التنفيذ الفعلي لذلك ستكون تكلفته أكبر، ولن ينتهي العمل فيه قبل الموعد المحدد، وسيوفر الرد بشكل جزئي فقط على الصواريخ.

ويضيف أنه منذ الحرب يعمل سلاح الجو في البحث عن طرق هجومية لحل مشكلة الصواريخ، وأنه من الممكن التحدث بحذر عن تطور معين في القدرة على معالجة منصات الإطلاق المتحركة، إلا أنه لم يتم التوصل إلى معادلة تمكن من الضرب من الجو، بنجاعة، آلاف المنصات الثابتة الموزعة على "المحميات الطبيعية" أو في البيوت في القرى.

ويخلص إلى أنه مع قدرة دفاعية محدودة، وقدرة هجومية مشكلية، ومع "عدو" على الحدود الشمالية والجنوبية ويهدد الجبهة الداخلية بشكل مباشر، فإن إسرائيل سوف تتأرجح في الحرب القادمة بين بديلين يعيدان القوة العسكرية إلى المركبات الأساسية؛ المناورة تحت النار.

ويشير إلى أنه بينما عاد الجيش، بعد الحرب على لبنان، إلى ما أسماه "العمليات البرية على نطاق واسع"، بحيث أنه سيعقد بعد أسبوعين اجتماع يشارك في وزراء ورؤساء هيئة أركان سابقين للجيش لمناقشة ذلك، فإن النظرية المقابلة تتحدث عن تفعيل قوة كثيفة من النيران، وخاصة من الجو، لكسر الروح القتالية "للعدو". بيد أن المفتاح هو في نوعية الأهداف التي يتم المصادقة عليها لقصفها، وإذا ما كان بالإمكان قصف أهداف استراتيجية، وعندها من الممكن أن يؤدي الدمار الشامل إلى تحقيق عملية ردع. وفي المقابل لا يوجد أية ضمانة تضمن ألا تؤدي الإبادة الجماعية للمدنيين إلى ضغط دولي لوقف إطلاق النار في ظروف غير مريحة لإسرائيل.

وبحسب التقرير فإن لهذه المعادلة الإضافية يجب إضافة مدى قدرة الجبهة الداخلية على الصمود لمدة طويلة، وإلا فإن "العدو" يستطيع أن يدعي الانتصار، مثلما فعل حزب الله، في حال ظل قادرا على إطلاق الصواريخ حتى اليوم الأخير للحرب.

ويشير في هذا السياق إلى تصريحات أولمرت، قبل أسبوعين، بأنه في الحرب القادمة سوف تصل بيوت المواطنين في البلاد (كأنما لم تصل إلى ثلث السكان في الحرب الأخيرة)، كما تحدث عن ضرورة التوصل إلى الحسم بسرعة كبيرة في الحرب وعن "إزالة القيود" التي فرضتها إسرائيل على نفسها في الحرب الأخيرة.

وفي المقابل فإن وزير الأمن الداخلي آفي ديختر يصرح لصحيفة "هآرتس" إنه بعد إطلاق 4200 صاروخ من لبنان لم يكن لدى إسرائيل القدرة على توفير رد على ذلك، ولا يزال ذلك غير متوفر، فهو يتطور بشكل بطيء. ويضيف أنه كان يجب وضع قضية الجبهة الداخلية على رأس سلم الأولويات، مشيرا إلى أن الصواريخ هي الرد العربي على القوة العسكرية الإسرائيلية، وأن المعادلة الحالية لا يمكن أن توفر الردع المطلوب.

ومن جهته يقول نائب وزير الأمن، متان فلنائي، إن الفجوة الحقيقية فيما يتصل بالجبهة الداخلية ذات علاقة بالميزانيات. وبحسبه فإنه يجب وضع ميزانية خاصة للجبهة الداخلية، يتم توزيعها على وزارات الحكومة لأغراض تتصل بالجبهة الداخلية فقط، إلا أن ذلك لن يحصل قبل العام 2010. كما يقر بوجود فجوات ملموسة، مشيرا إلى أن قيادة الجبهة الداخلية ووزارة الأمن الداخلي تتهربان منذ سنوات من أي اتصال مع السلطات المحلية، بصفتها الأطراف الأكثر أهمية في الجبهة الداخلية.

التعليقات