"العمليات ضد الجنود تزعزع الوعي الاسرائيلي بالامن الجماعي"

يرى المحلل العسكري عوفِر شيلاح ان المشكلة في الصراع الحالي بين اسرائيل والفلسطينيين هي لدى اسرائيل، "فهي دولة مستقلة ولديها مؤسسات تتخذ القرار، بينما في الجانب الفلسطيني، وبالرغم من ان هناك الكثير من الاسرائيليين الذين يعتقدون ان لديهم مؤسسات منظمة، فانني اعتقد انه لا وجود لهذه المؤسسات لدى الفلسطينيين. والمشكلة الاساسية التي تواجهها اسرائيل في السنوات الاخيرة تكمن في عدم وجود هدف او غاية تسعى لتحقيقها، باستثناء هدف واحد هو تنفيذ عمليات عسكرية. وعندما لا يتم تحديد غاية سياسية، فان كل عملية او حملة عسكرية لا تأتي ضمن سياق ما وتكون غير مهمة، فهي لا تقود الامور من نقطة الى اخرى. وعندما يدخل الجيش الى رفح، فقط من اجل ان ينتقم لجنود قتلوا في عمليتي تفجير المجنزرتين، وتنفذ عددا كبيرا من العمليات العسكرية، فانه في نهاية المطاف تحدث امور مثل اطلاق النار باتجاه متظاهرين. ووفق هذا المفهوم فان ما حصل في مظاهرة رفح لم يفاجئني".

ولكن شيلاح اشار الى ان "الاسرائيليين عامة، وفي الجيش خاصة، ينظرون الى هذه الحرب على انها دفاع عن وجود اسرائيل. والرجل المركزي في هذه الرؤية ليس شارون وانما ايهود براك. وفي الجيش يستخدمون كثيرا مصطلح "حرب دفاعا عن البيت". وانا اعلم جيدا ان الغالبية الساحقة من الفلسطينيين يعتقدون ان الانتفاضة هي حرب استقلال وهي حرب دفاعا عن الحياة وعن البيت. واعتقد ان ما ينظر اليه العرب، وخصوصا الفلسطينيون، على ان اسرائيل هي قوة عظمى مع جيش عصري وقوة عسكرية عظمى تحارب جمهورا لا يملك حتى جيشا نظاميا، يرون ذلك في الجانب الاسرائيلي على انه صراع على البقاء وما عرّفه موشيه يعلون، عندما كان نائبا لقائد هيئة الاركان، على انها المرحلة الثانية من حرب الاستقلال الاسرائيلية. وما يحصل انه عندما تكون رؤيتك للامور بهذا الشكل فان كل عملية تكون مبررة. فانت تحارب للدفاع عن حياتك وعلى وجودك. وعندما تستوعب الجانب الاخر بانه غير مكترث بحياته وانه مصر على قتلنا حتى لو دفع حياته ثمنا لذلك، عندها تكون كل عملية عسكرية مبررة. وعندها يحصل قتل لمتظاهرين. ليس في الامر مؤامرة، فلم يجتمع شارون وموفاز ويعلون يجلسون في غرفة ويحيكون مؤامرة. وهذه الاحداث تقع نتيجة سياق الفكرة الموجودة لدى الاسرائيليين، وخصوصا الجيش، عن الفلسطينيين".
شيلاح: "نعم. ولكن عليك ان تدرك انه بمفهوم الاسرائيليين لم يتم ارسال هؤلاء الجنود من اجل قتل مواطنين. ولكنهم يقولون لانفسم انه اذا قُتل مواطنون في اطار الحرب على الوجود فهذا ليس امرا كبيرا. وهناك جملة شهيرة قالتها غولدا مئير مرة: انني لن اسامح الفلسطينيين لانهم يرغموننا على قتلهم. هكذا يدرك الاسرائيليون المور وهذا الادراك لم يتغير حتى اليوم. وهذا المفهوم يقف وراء عملية تل السلطان".شيلاح: "ان هدف هذه العملية ردع الفلسطينيين واخافتهم، لكن ليس من خلال اطلاق النار على ابرياء. وبالمناسبة، بحسب قوانين دولة اسرائيل فان هذا امر غير قانوني ومن واجب الجندي ان يرفض تنفيذ هذا الامر. وهذا القانون معمول به منذ ان وقعت مجزرة كفر قاسم. ولكني لا اعلم التفاصيل. ولكني اعلم ان عدد المرات التي صدرت فيها اوامر للجنود بقتل مدنيين بشكل واضح مانت قليلة جدا. الا ان الامر الاخطر هنا هو انه عندما ندخل الى تل السلطان في عملية عسكرية فان جزءا من دوافع هذه العملية هي الانتقام والردع، بعد احداث الاسبوع الماضي (تفجير المجنزرتين). والجيش يعرف تماما انه يدخل الى منطقة مليئة بالمواطنين. وهم يعتقدون انه اذا قتل مدنيون، فلا يمكن عمل شيء لوقف ذلك لان هذا هو ثمن الحرب. اي ان ثمة شيء هنا كأنه "يبيض" الحقيقة المعروفة لنا جميعا. وهذا ليس بالامر الجديد. اذ ان نصف القتلى الذين سقطوا خلال الانتفاضة لم تتعدى اعمارهم سن الثامنة عشر. كذلك فان ثلثي القتلى من الجانب الاسرائيلي هم من المدنيين. وهذا يعني وجود بلادة حواس تامة في كل طرف تجاه ألم الجانب الاخر. ويعتقد الاسرائيليون ان المسلحين الفلسطينيين لم يتركوا للاسرائيليين خيارا اخر. وهذه مقارنة قاسية جدا بنظري لان لدى الجانب الاسرائيلي يوجد دولة ومؤسسات وقوة ولديه كافة المقومات ليكون مختلفا عما هو عليه".

شيلاح: "هذه قصة موت معلن. نعم. لكن هذا لم يكن مقصودا".شيلاح: "اعتقد ان شارون وبراك لا يتمتعان بصفات القائد السياسي. خصوصا شارون، الذي يرفض ان يقود عملية سياسية".شيلاح: "في الجيش يرون الامور بشكل جاف ولا مكان لاعتبارات مثل حدوث مأساة او ان هدم بيت هو امر غير اخلاقي. كذلك فان الجيش يحب رؤية الامور بوضوح. وعندما يقوم الجيش بهدم البيوت وتسوية الارض في منطقة معينة فانه يفعل ذلك للتيقن من ان احدا لا يختبئ في المنطقة المعينة هذه. هذه هي العقلية التي يعمل من خلالها الجيش..."شيلاح: "ان المأساة الاكبر في هذه المرحلة من الصراع هو جورج بوش. ونظرة الاسرائيليين الى بوش بانه يدعم اسرائيل كلفت وستكلف اسرائيل ثمنا باهظا. فانا اعتقد ان مبررات هذه الحملة العسكرية غير صحيحة ولا غاية لها وقد كتبت ذلك ايضا. وانا اشك بانه لو كانت هناك ادارة امريكية اخرى لم تكن ستسمح بقيام اسرائيل بمثل هذه الحملة في رفح أو على الاقل كانت ستفكر مليا بالامر وكانت ستنفذها بطرق اخرى. فالحكومة الاسرائيلية عندما اقرت القيام بهذه الحملة كانت تعلم ان الادارة الامريكية لن تعارضها.وباستثناء محاصرة المقاطعة في العام 2002 لا توجد قيود امريكية على النشاط العسكري الاسرائيلي في المناطق".وحذر شيلاح على اثر تفجير المجنزرتين الاسرائيليتين في قطاع غزة، الاسبوع الماضي، في مقال نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" وموقعها على الانترنيت، من القيام بحملة عسكرية انتقامية. وكتب ان "الحادث في حي الزيتون، ومثله تفجير المجنزرة عند محور فيلادلفيا، لم يكونا عمليات انتحارية (ويقصد كالتي وقعت في المدن الاسرائيلية). لقد كانت عمليتان نفذتها منظمات مقابل جيش العدو النظامي".

وحول الحملة العسكرية على رفح قال شيلاح ان "الجيش، وقد صرح يعلون بذلك، يعتبر ان الحديث عن انسحاب اسرائيلي من قطاع غزة هو امر هامشي. كذلك فان الجيش يعارض خطة الانسحاب التي عرضها شارون. ويشعر بان الحكومة تحاول فرض عليه الخسارة. ويتوجب الاشارة هنا الى ان الجيش يعتقد ان الانتفاضة بدأت بتأثير من الانسحاب من لبنان وان الفلسطينيين يريد تقليد حزب الله وانهم تعلموا الدرس من الانسحاب من لبنان. من جهة اخرى، يشعر الجيش انه قوي وانه موجود في الميدان ولذلك قام بهذه الحملة واخذ يقوم باعمال هدم البيوت. وبحسب عقلية الجيش فان هذا الوضع سيستمر حتى يتخذ المستوى السياسي قرارا بوقف الحملة. وهذه الحملة هدفها اظهار من الذي يسيطر على الوضع".
شيلاح: "ينظر الاسرائيلييون الى المس بالجنود على انه امر يزعزع الوعي الاسرائيلي أكثر من المس بالمدنيين بانفجار حافلة. لان المس بالمدنيين يعزز الفكرة السائدة لدى الاسرائيليين بان عدوهم متوحش ويقتل الناس في الحافلة، في المطعم والاطفال. ومقابل هذا العدو يتكتل الاسرائيليون ويقاتلونه. لكن المس بالجنود ينتج عنه تحسب من المس بالامن الجماعي. وعلينا ان نذكر هنا ان اسرائيل هي دولة تشعر طوال الوقت بان وجودها مهدد. وعندما يقتل جنود يتجدد الشعور بان ثمة تهديد للامن الجماعي، لان الامن الجماعي اصيب. وردة فعل الاسرائيليين على ذلك تكون بخوف كبير اكثر من عمليات ارهابية ضد مدنيين. وهناك امر اخر، وهو ان العمليتين في الاسبوع الماضي كانت عمليتان غير نظاميتين كلاسيكيتين، بمعنى ان مسلحين نفذوا عملية ضد جيش مسلح وهذا الاخير دخل الى مناطقهم. وبنظري انه عندما يتعامل الجيش الاسرائيلي مع هاتين العمليتين على انهما عمليتين ارهابيتين فانه يظهر بذلك ضعفه. والجيش الذي يتعامل مع نفسه بجدية ومع عدوه بجدية عليه ان ينظر اليهما على انهما نشاط لمنظمات مسلحة. ولا يجوز ان يستخدم في هذه الحالة كلمة ارهاب وعدم اظهارها على انها ارهابية. خفض الارهاب الى مستوى يمكن احتماله هي عبارة يستخدمونها في الجيش الاسرائيلي ليقولوا، عمليا، انه يتوجب نسيان امكانية غياب الارهاب بشكل مطلق، لكن مهمتنا تكمن في خفض الارهاب الى مستوى لا يؤثر على الاقتصاد الاسرائيلي والمزاج الاسرائيلي. لكن ان ينعكس هذا على الحملة العسكرية على رفح فهو امر خطير جدا من الناحية الاسرائيلية الداخلية ويشير الى ضعف، اكاد اقول انه يشير الى ضعف اخلاقي، تثير قلقي كإسرائيلي".شيلاح: " يتوجب ان نفهم ان تصرفات شارون الان هي بانتظار ما سيقرره المستشار القضائي للحكومة، ميني مزوز. وفي حال قرر عدم تقديم لائحة اتهام ضد شارون فان شارون سيشعر قويا وعلى ما يبدو فانه سيبدأ بتنفيذ خطة فك الارتباط مع تغليفها ليتمكن من التغلب على العراقيل التي وضع نفسه فيها، بما يتعلق باستفتاء الليكود. واذا اصر على تنفيذ فك الارتباط فان الجيش لن يزعجه. رغم ذلك، من الصعب علي ان اتنبأ كيف سيحصل هذا. فقبل ايام حاولوا اخلاء بؤرة استيطانية فحضر الى المكان مجموعات كبيرة من المستوطنين لمنع الاخلاء. بالمقابل، اذا قرر مزوز تقديم لائحة اتهام فان شارون سوف يستقيل".على صعيد الخارطة السياسية الداخلية في اسرائيل، يرى شيلاح ان اليسار الاسرائيلي و"منذ اليوم الذي تبنى فيه فكرة ان "ليس هناك مع من نتحدث في الجانب الفلسطيني"، اصبح بدون اجندة. فعتدما تقول انه ليس هناك احدا يمكن التفاوض معه فلا يبقى امامك من خيار سوى ان تقاتل. وفي هذه الناحية كان اليمين افضل دائما. وبهذا المفهوم فان ما شاهدناه في مظاهرة تل ابيب الاخيرة كان معسكرا ايد الخطة الوحيدة الموجودة بقوة على الساحة الاسرائيلية والتي تشبه طروحاته، هي خطة فك الارتباط، ولذلك فانه خرج الى الشارع للتظاهر من اجلها، وهو بذلك تظاهر تأييدا لشارون، لكنه لم يشكل بديلا لليمين لانه لا يملك خطة بديلة". شيلاح: "اليسار لم يتنازل عن هذه الطروحات. وبالمناسبة فان اغلبية الاسرائيليين يعتقدون ان هذا ما سيحدث في نهاية المطاف. ولكن المشكلة تكمن في تبنيه فكرة عدم وجود شريك للتفاوض معه، واغلبية اليسار لا يؤيد انسحابا احادي الجانب لحدود 1967، لان الاسرائيليين اعتادوا منذ 1967 على اعتبار الضفة والقطاع على انها اوراق للمساومة، كما ان حكومة اسرائيل اعلنت عن هذه المناطق بعد احتلالها بانها اوراق للمساومة. واذا كانت هذه الاراضي على هذا النحو فان التنازل عنها يكون فقط مقابل انتهاء الصراع وتسوية كافة القضايا العالقة. لكن لا يوجد في اسرائيل اليوم خطتين متناقضتين بل هناك خطة واحدة هي فك الارتباط، كما ان النقاش يدور في الليكود فقط اما في حزب العمل وفي اليسار الاسرائيلي فانهم غير ذي علاقة بما يحدث.

"وهناك نقطة اخرى هامة تتعلق بالمستوطنين، وهي ان ادعاءهم للاستيطان في المناطق نابع من الناحية الامنية، بالرغم من ان الحقيقة هي ان استيطانهم نابع من الناحية الايديولوجية لانهم يعتقدون ان هذه ارض الاباء والاجداد. والمثير في الامر ان الاداة التسويقية التي يستخدمها المستوطنون، اي الادعاء الامني، كسرها شارون عندما قال انه لن نتمكن في المستقبل من مواصلة اسيطرة على عدد كبير من البشر (اي الفلسطينيين). عندها فقد المستوطنون هذه الاداة التسويقية، لكن الاستفتاء على خطة فك الارتباط اعاد هذه الاداة الى المستوطنين لان معارضي الخطة داخل الليكود استخدموا الادعاء الامني. ولكن هذا مجرد ادعاء ولا ينوي المستوطنون الخروج من هناك مهما فعل الفلسطينيون. الا ان قوة المستوطنين تكمن في منع اتخاذ قرار بالانسحاب من المناطق وليس في اخلائهم من المستوطنات".
شيلاح: "من الصعب جدا ان ينهض اليسار في السنوات القريبة القادمة. فهو بالاساس يفتقر الى اجندة سياسية. وهناك عامل اخر وهو ان اليسار مقطوع عن القضايا الاقتصادية فهو لا يتصل مع الفقراء ولا مع الاقلية".شيلاح: "حتى الان لا ارى اي شخصية كهذه. ربما ايهود براك او عامي ايلون. لكن الجمهور في اسرائيل لا يمكنه ان يفرق اليوم بين عامي ايلون وشارون باستثناء ان الجمهور يعتقد ان ايلون هو شخص مستقيم. واذا عاد براك الى الحلبة السياسية فانه سيسطر بسهولة على حزب العمل ولكن من الصعب رؤيته يعود الى الحكم.

التعليقات