باحث: "الإسرائيليون يعون أن اي تقدم في الجانب الفلسطيني مشروط باخلاء مستوطنات"

قراءة في النشرة الإستراتيجية - خطة الإنفصال: مفهوم سياسي وأمني

باحث:
تناول شلومو باروم في النشرة الاستراتيجية الصادرة عن مركز "يافيه للأبحاث الاستراتيجية"، التي يحررها شاي فلدمان (في المجلد السابع (عدد 2))، قضية المفهوم السياسي والأمني لخطة الإنفصال. ويقول الباحث ان المجتمع الإسرائيلي يقبل الفكرة القائلة أن كل تقدم من اجل حل النزاع مع الفلسطينيين في إطار اتفاقية أو بدون اتفاقية، مشروط باخلاء مستوطنات، ويؤكد ان خطة الإنفصال "لا تعطي جوابًا شافيًا "للتهديدات الأمنية" الناجمة عن "التنازل" عن غلاف ارضي خارجي، حيث يسود التخوف الرئيس من ان يتم استغلال هذا "التنازل" من أجل تهريب الأسلحة الى قطاع غزة".ويضيف باروم، إن على إسرائيل أن تفحص فيما إذا كان استمرار محاصرة الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، في المقاطعة سيؤثر على فرص صنع ديناميكية ايجابية لخطة الانفصال، ويشير إلى أن الايديولوجية من وراء خطة الانفصال هي، أيضًا، الفصل بين الاقتصاد الاسرائيلي والاقتصاد الفلسطيني، ولكن مثل هذا الفصل يحتاج إلى سنوات غير قليلة.

وينوه الباحث الإسرائيلي إلى انه في الحالة الناتجة فإن ايجابيات التدخل الدولي في تنفيذ خطة الإنفصال تفوق سلبياته، لأنه سبساعد في استنفاذ جميع الفرص الكامنة في هذه الخطة.

ويستعرض باروم في بداية مقاله خطة الإنفصال المصححة، حيث يقول إنه بالرغم من أن الحكومة صادقت في السادس من يونيو-حزيران على خطة الانفصال المصححة، إلا ان الفرق الأساسي بين هذه الخطة والخطة الأصلية انه لا توجد هنا أي مصادقة على إخلاء مستوطنات، وفقط بعد إنهاء جميع الإجراءات لتنفيذ المخطط، ستجتمع الحكومة لتقرر بشأن الانفصال، لكل واحدة من المجموعات على حدة. وقد غير ذلك في الخطة الجديدة كل مركبات الخطة الأصلية:

1. الخروج من قطاع غزة وشمال "السامرة" (منطقة نابلس وجنين شمال الضفة الغربية المحتلة)، بدون تواجد عسكري دائم، إلا على الحدود مع مصر.

2. الجيش الإسرائيلي سيواصل التواجد في محور فيلادلفي على حدود قطاع غزة-مصر.

3. المستوطنات المخطط إخلاؤها صنفت إلى أربع مجموعات:

مجموعة أ – المستوطنات المنفردة في قطاع غزة (موراغ، نتسريم وكفار داروم).
مجموعة ب – مستوطنات شمال "السامرة" (غانيم، كديم، شا-نور وحومش).
مجموعة ج – مستوطنات غوش قطيف.
مجموعة د – مستوطنات شمال قطاع غزة (الي-سيناي، دوغيت ونيسانيت) ما يرمز إلى أن الإخلاء سيكون على مراحل مكونة من مجموعات.

4. النية هي إنهاء خطة الانفصال حتى نهاية 2005.

5. دولة إسرائيل ستراقب وتحافظ على غطاء أرضي خارجي من اليابسة، وستسيطر بصورة تامة على الغطاء الجوي وستستمر في نشاطاتها العسكرية في منطقة المياه الاقليمية لقطاع غزة.

6. دولة إسرائيل ستواصل منح نفسها "حقها الأساسي" في الدفاع عن نفسها، وضمن ذلك القيام بخطوات مانعة وردود فعل واستعمال القوة ضد تهديدات قد تنتج في قطاع غزة.

7. دولة إسرائيل توافق على منح استشارة ومساعدة وارشاد لقوات الأمن الفلسطينية، بالتنسيق معها، وذلك لكي تحارب الأرهاب وتحافظ على الأمن العام، وكل ذلك من خلال خبراء امريكيين، بريطانيين، مصريين، اردنيين وآخرين. دولة اسرائيل مصرة على ان لا يكون تواجد أمني أجنبي في قطاع غزة أو "يهودا والسامرة" (الاسم المستعمل للضفة الغربية المحتلة – ي.ع.) بدون التنسيق معها وموافقتها.

8. في المستقبل ستفحص الحكومة إخلاء محور فيلادلفي ومحيطه وفقًا للواقع الأمني ولحجم التعاون المصري خلق ترتيب موثوق آخر. دولة إسرائيل مستعدة لفحص إمكانية بناء ميناء بحري ومطار في قطاع غزة طبقًا لترتيبات يتم تحديدها مع دولة اسرائيل.

9. لن تبقى بيوت سكنية للمستوطنين ومبان حساسة بما في ذلك كنس يهودية. وتطمح دولة اسرائيل لنقل مبان أخرى، بما في ذلك صناعية وتجارية وزراعية الى طرف دولي، يستخدمها لمصلحة السكان الفلسطينيين.

10. الترتيبات التي أقرت في مرحلة المفاوضات المرحلية، والقائمة اليوم بين دولة اسرائيل والفلسطينيين ستبقى سارية المفعول، بضمنها وجود السلطة الفلسطينية والترتيبات المدنية وما يتعلق بالبنى التحتية الضرورية (ماء، كهرباء وغيره) والترتيبات الاقتصادية.

11. دولة اسرائيل تنظر بايجابية كبيرة الى مواصلة نشاط المنظمات الانسانية الدولية والجهات الاخرى التي تنشط في مجال التطور المدني، وتساعد الجمهور الفلسطيني. دولة اسرائيل ستنسق مع المنظمات الدولية الترتيبات التي تسهل عملها هذا.

ويضيف باروم: "إن خطة الانفصال هذه تنتج واقعًا من الانفصال التام تقريبًا بين إسرائيل والفلسطينيين في قطاع غزة، ولكنها تولد واقعا مرحليا في الضفة الغربية، تبقى فيه مستوطنات شرقي الجدار حتى بعد الإنتهاء من بنائه، وسنجد مجتمعًا فلسطينيًا كثيرًا في الجانب الإسرائيلي من الجدار. هذا الواقع غير ثابت.

ويهدف المقال – حسب باروم – إلى عرض تأثير مثل هذا الواقع والإجابة على السؤال: هل بالإمكان أن تكون خطة الانفصال مرحلة أولى في عملية واسعة النطاق من الانفصال التام بين إسرائيل والفلسطينيين؟


ويردف باروم قائلاً: "بعد أربع سنوات من المواجهات تقريبًا وانقطاع العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين، تولد خطة الانفصال فرصة لانتاج ديناميكية ايجابية في العلاقات الاسرائيلية الفلسطينية. إنها ستقلل من الاحتكاك بين إسرائيل والفلسطينيين في قطاع غزة، وفي الخطة هناك رسالة للفلسطينيين بأن رئيس الحكومة، شارون، جدي في رغبته بقبول حل دولتين لشعبين، كما يستدل من تصريحاته انه يرغب بإقامة دولة فلسطينية بثمن باهظ هو إخلاء المستوطنات. لقد أصر شارون على وضع قضية إخلاء شمال "السامرة" في الخطة المصححة، وذلك كونه اراد نقل رسالة للفلسطينيين والمجتمع الدولي، بالرغم من ان إلغاء هذا الجزء كان سيمنحه المصادقة عليها.. إن امكانية تحويل خطة الانفصال إلى مرحلة أولى في عملية إنهاء النزاع مع الفلسطينيين مرتبط بنجاحها، وهو من خلال الوضع الأمني والواقع الذي سيكون في قطاع غزة وشمال الضفة الغربية… إن انتاج "الشريك" سيحدث إذا استغل الفلسطينيون، بالتعاون مع المجتمع الدولي، هذه الفرصة ويثبتوا جدية في تنفيذ المرحلة الأولى من خارطة الطريق، وهو خفض نسبة العنف وعودة الحياة الطبيعية للمجتمعين. وهناك سيتم فتح الطريق أمام الحوار وتجديد العملية السياسية من خلال بناء الثقة المتبادلة… مسار ممكن آخر، فيما إذا لم يتم ذلك، ستستمر إسرائيل في نشاطها أحادي الجانب والذي سيؤدي إلى انفصال تام حتى في الضفة الغربية. وفي الحالتين، خفض نسبة العنف هي التي تؤدي إلى خلق دفعة جماهيرية إسرائيلية من خلال الضغط على القادة لمواصلة احد المسارين.."


ويتساءل الكاتب هل سيمتلك شارون قوة سياسية لتنفيذ خطة الإنفصال، وإذا لم تكن لديه القوة فهل ستلغى الخطة، أم سيتم تنفيذ خطة مقلصة؟ رئيس الحكومة أظهر حتى الآن اصرارًا شديدًا ودفع ثمنًا سياسيًا غاليًا وصل حتى حل الائتلاف وربما حتى الإعلان عن انتخابات مبكرة إذا لم ينجح في اقناع حزب العمل بالإنضمام لحكومته. إنه على استعداد للاعتماد على مصر، بالرغم من إنه يشكك فيها. الحاجز الأساسي لتنفيذ خطته هو المعارضة داخل حزبه – حزب الليكود، والمعارضة هناك هي نصف أعضاء الكنيست في الحزب وغالبية أعضاء مؤتمر الليكود. هذه المعارضة لا تريد لشارون أن يضم حزب العمل لحزبه، وربما سيضطر للإعلان عن انتخابات مبكرة.

سؤال آخر، هل لرئيس الحكومة نية لحل النزاع بصورة شاملة مع الفلسطينيين تكون خطة الإنفصال الحالية هي مرحلة منها، أو انه ينوي الاكتفاء بهذه الخطة (Gaza first and last). لقد أكد شارون مرارًا وتكرارًا انه لا مجال للوصول إلى حل دائم مع القيادة الفلسطينية الحالية. من الواضح إنه يشكك في امكانية الوصول إلى حل دائم مع أي قيادة فلسطينية، وبالتالي فانه لا يريد الحل في الاتفاقية ويفضل خطوات أحادية الجانب.

بالإضافة إلى هذه الأسئلة الجوهرية، هناك أسئلة تتعلق بخطة الانفصال نفسها وبنتائجها، وهي:
1. الخطة هي احادية الجانب ولا توجد نية للتفاوض مع الجانب الفلسطيني حولها، والسؤال هنا هل ستنفذ بدون حوار ولن يكون اي تنسيق معهم في تنفيذها؟
2. ما هو حجم وعمق التدخل الدولي الذي ستكون إسرائيل مستعدة له؟
3. في أي شروط ستكون إسرائيل مستعدة لإخلاء منطقة حدود مصر وبناء ميناء بحري ومطار؟
4. اي واقع سيكون في قطاع غزة بعد الانسحاب؟ هل ستسيطر السلطة الفلسطينية في القطاع، أو حركة حماس او ستعم الفوضى؟
5. هل ستؤدي الخطة في نهاية المطاف الى خفض نسبة العنف وتحسين الوضع الامني كما يريد القائمون عليها؟


يقول الكاتب إن المصريين يفهمون جيدًا اهمية موقف الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، المحاصر داخل المقاطعة حاليًا، وان بامكانه افشال اي خطة، في حال تجاهلت الخطة مكانته ولم تؤدي إلى تحريره من المقاطعة في رام الله، ومن هنا فإن الصفقة التي يقومون بتحضيرها مع الامريكيين تشمل قضية مكانة عرفات.

وفي تلخيصه يؤكد الباحث الاستراتيجي، شلومو باروم، ان نجاح خطة الإنفصال متعلقة بالقدرة على دمجها في عملية شاملة من علاج الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، والقدرة على ايجاد حلول تمنع تواجد اسرائيلي دائم في الأراضي التي تنفصل عنها إسرائيل، وانتاج ديناميكية فلسطينية داخلية ايجابية وتدخل دولي ومصري كبير. ويؤكد الباحث إن لإسرائيل مصلحة كبيرة للقيام بكل ما بوسعها من أجل زيادة فرص نجاح هذه العملية.

ويردف الباحث قائلا، إنه بالرغم من سلبيات التواجد الأجنبي في قطاع غزة، الذي سيحد من حرية نشاط الجيش الإسرائيلي، وانتاج احتكاك بين إسرائيل والدول التي يوجد لها ممثلون، إلا أن مثل هذا التدخل، ليس الأمني بل في المراقبة، سيؤدي إلى استنفاذ جميع الفرص من هذه الخطة، وعلينا أن نعرف ان اسرائيل ستقوم بكل ما بوسعها من أجل أمنها حتى لو كان هناك تواجد دولي في المنطقة التي يتم الإنفصال منها.. ومن المفضل أن تستغل إسرائيل هذه الفرصة التي نرى فيها رغبة لدى المجتمع الدولي بدعم الفكرة والمساعدة في نجاحها.

التعليقات