بعد 35 عاما: إزاحة اللثام عن بعض خبايا تقرير "أغرانات" عن حرب أكتوبر 73.. تراشق تهم واعتراف بالفشل والمخفي أعظم..

-

بعد 35 عاما: إزاحة اللثام عن بعض خبايا تقرير
قرّرت المؤسّسة الرسميّة، وبعد انقضاء 35 عاما على حرب أكتوبر العام 1973، والتي أطلقت عليها إسرائيل إسم "حرب الغفران"، أن تكشف بعضا ممّا ورد في تقرير اللجنة الرسمية للتحقيق في أسباب فشل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، والمخابرات والمخابرات العسكرية،في استشعار الهجوم العربي الوشيك، ممّا أدى إلى وقوع خسائر جسيمة في الجانب الإسرائيلي.

يذكر أن الجيشين العربي السوري والعربي المصري شنّا هجوما كاسحا في التوقيت ذاته، الساعة الثانية من بعد ظهر السادس من أكتوبر العام 1973، على الجبهتين الشمالية والجنوبية لإسرائيل، تبيّن فيما بعد أن الجيش الإسرائيلي لم يكن مستعدّا له، وبالتالي فقد أذهلت المفاجأة الجهات العسكرية والسياسية الإسرائيلية التي وقفت حائرة أمام كثافة النيران وإقدام العرب الذين أذلّهم الإسرائيلي قبل ستّة أعوام فقط، ما أشعل عند سكوت النار موجات وعواصف من الإتهامات المتبادلة في صفوف المسؤولين..

ولقد بلغت "الهزّة العسكرية" مبلغا، أن تعالت أصوات لتشكيل لجنة تحقيق رسمية لتقدير ما حصل ولتبيان من هم المسؤولون عن التقصير الفظيع.

عليه، تشكّلت لجنة "أغرانات"، على إسم رئيسها، وتحت ضغط شعبي كبير، لبحث حقيقة ما حصل وكيف تفاجأت إسرائيل بالحرب، وكيف فشلت مخابراتها وأعوانها في تقدير وجهة الجيشين العربيّين برغم أنهما، ألجيش السوري والجيش المصري، قاما بتغيير مواقع وبتمارين هجومية وتحرّكات تشي بنوايا الحرب.

ولقد كادت لجنة "أغرانات" أن تقول بصريح العبارة إنّ العنجهية الإسرائيلية، والتعالي والبطر، والإستهانة بقدرات العرب، قد أدّت إلى نوع من الإسترخاء على انتصار الحرب السابقة، حرب الـ 67 التي نكس فيها العرب، غير أنها اكتفت بالتلميح لمن يقرأ ما بين السطور.
ومّما تمّ الكشف عنه، شهادة من كان وزيرا لـ "الدفاع"، آنذاك، موشي ديان، ورئيس الأركان، دافيد اليعيزر (دودو)، وقائد المنطقة الجنوبية، أريئيل شارون، والجنرالات يتسحاك حوفي ويسرائيل طال وأفراهام عيدن، وغيرهم.

وجاء في شهادة موشي ديان، انه عشية الحرب لم ير أن هنالك ضرورة لاستدعاء الإحتياط، وأبرز مستندا استخباريا حرّر خمسة شهور قبل ذلك يقول " إننا واثقون من أنفسنا من حيث القدرة على صدّ الضربة الأولى.. ويكفي سلاح الطيران لذلك".

ويمضي موشي ديان في شهادته إذ يقول "هذا هو الشعور العام، ولقد جئت بوثائق من الجنرال حاييم بار ليف والجنرال أريئيل شارون كقائد الجبهة الجنوبية اللذين يدعمان ما أقول. لا يمكنني القول إنه كان لدي عشيّة الخامس من الشهر (أكتوبر 73 و.أ) شعور آخر فيما يتعلّق بالجبهة الجنوبية، فالتحصينات وقناة السويس وسلاح الطيران و300 دبابة، إذا حاول المصريون العبور".. كانت بانتظارهم، " وكنا على يقين اننا سنكتشف الأمر مسبقا، ولكن حتى لو لم نكتشف الأمر مسبقا، فإن ما ذكرت كاف للتصدّي ولصدّ المصريين إلى حين انضمام الإحتياط"..

وزعم ديان أنه طلب إلى رئيس الأركان فحص حركة السوريين. وقال إنّه جاء في التقديرات "إننا لا نعرف بالضبط نوايا السوريين، لكن، أضاف ديان، لم نلمح إشارات إضافية كافية يمكنها أن تشي بأن للجيش السوري نوايا هجومية".
وكانت اللجنة شهدت تراشق اتهامات فيما بين المستوى السياسي والعسكري. إلا أن من كان نائبا لرئيس الأركان، الجنرال يسرائيل طال قد أكد أن العنجهية التي أصابت الجندي الإسرائيلي بعد الإنتصار الساحق في حرب العام 1967، وأن التعالي والإسترخاء على أمجاد تلك الحرب كانت سببا رئيسا في الفشل الذريع في استكشاف أمر الهجوم الثنائي المصري السوري، وكذلك في الإستهانة بـ "العدو" إلى درجة الإعتقاد بعدم الحاجة إلى استدعاء الإحتياط.

ووصف طال الفساد الذي استشرى في صفوف الجيش وقال إن ذلك قد "انعكس بالمال وفي شروط الخدمة وفي الإمكانيات بحيث أن "جميع الموارد القومية قد تمّ تسخيرها لخدمة العسكر".

وكشف طال عن أن ضباطا في الجيش قد وقّعوا على وصولات مزيّفة لتناول الطعام في المطاعم المختلفة. وأكد أن التحضير للحرب كان ناقصا حيث " أننا تحضّرنا لحرب كانت لا لحرب قادمة، من حيث كثافة النيران وقوتها".. "كل شيء تمّ بشكل عفوي، ألوسائل القتالية كانت عفوية، وكذلك تنظيم الوحدات بحيث أن القوات دخلت إلى الجبهة رويدا رويدا".
هذا، وقد تعدّدت الإفادات والشهادات التي أدلى بها ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي.. وقال الجنرال احتياط يورام يئير، الذي قاد وحدة من المظليين أثناء الحرب، متحدّثا عن الإحساس بالنقص وبالتمييز بين وحدات الجيش المختلفة، "لقد أهمل موضوع الأسلحة. ففي وحدتي من المظليين في الجيش النظامي، لا نملك أي شيء ضد الدبابات. لقد مرّوا (ألسوريون) على مسافة 500 متر من استحكاماتنا بينما "البازوكا" تصل إلى مسافة 400 متر".

وأسهب دان شومرون، من شغل فيما بعد منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، في وصف الفوضى وقلة الحيلة التي سادت أثناء حرب أكتوبر.. وزعم أنه طالب بفتح مخازن الأسلحة، إلا أنّ القيادة لم تأذن له بذلك.
على المستوى السياسي، زعم يغئال يدين، رئيس أركان سابق، إن الوزير يسرائيل غليلي قد أكّد على وجوب منح صلاحية استدعاء الإحتياط إلى رئيس الأركان، لكن الأخير ادّعى "أن احتمالات نشوب حرب ليست كبيرة".. فيما زعم سكرتير الحكومة، أرنون، أن الحكومة لم تتّخذ قرارا باستدعاء الإحتياط، خشية أن تتّهم إسرائيل بالعدوانية وبأنها هي من بدأ الهجوم..

كما أن رئيسة الوزراء، غولدا مئير، تجنّبت استدعاء الإحتياط حتى لا يقال إنها فعلت ذلك بدون مبرّر عندما لا تنشب الحرب كما كان الترجيح فتضطر إلى تسريح الإحتياط. وعقب يعقوب حسدائي، من أوكلت إليه لجنة أغرنات مهمة التحقيق في التقصيرات التي حصلت في الحرب، فأكّد على أن ألمؤسّسة آنذاك كانت مريضة. وقال حسدائي "إن الجهاز مريض. وهو ما زال مريضا منذ حرب العام 73 وحتى اليوم"..

وزاد حسدائي " لم يتمّ استنتاج العبر من حرب (يوم الغفران) ولم يتمّ الإصلاح في حرب لبنان الثانية، فنحن نفضّل التدثّر بالتفاؤل والأوهام وتجاهل الأخطار التي يجدر بنا أن نتهيّأ لها".

وقارن حسدائي فيما بين إفادات القيادة العسكرية في لجنة أغرنات وبين الإفادات أمام لجنة فينوغراد التي حققت في فشل الجيش في الحرب العدوانية على لبنان قبل عامين والتي مني بها الإسرائيليون بهزيمة نكراء أمام مقاتلي حزب الله.. فأكّد حسدائي على أن شيئا لم يتغيّر وعلى أنه لم يتم استخلاص العبر منذها وحتى الراهن..

وأضاف إنه ليس متفاجئا من الشبه الكبير فيما بين الحالتين، "فخطط الحرب لم تكن محتلنة أو واضحة لا في العام 73 ولا اليوم".

أما أريئيل شارون، فقد أكد في شهادته على أن القادة الكبار لم ينزلوا إلى أرض المعارك، وأن الفوضى العارمة كانت سائدة في الجيش.

يذهب كثيرون من المحللين إلى تجنّب البحث والتحقيق فيما حصل في العام 1973، وفي فشل الجيش الذي "لا يقهر" في الإنتصار على جيشين عربيين كان سحقهما قبل ست سنوات..

وينادي هؤلاء إلى إيلاء السؤال بالغ الأهميّة عمّا إذا كان الفشل صدفة محضة أم أنه نتيجة لنواقص وتقصيرات حقيقية في صفوف العسكر ولدى القيادة العليا على وجه الخصوص.. فاليوم، يؤكّدون، وبعد مضي 35 عاما على حرب العام 73، وبعد حربي لبنان، ألأولى والثانية، يتّضح أن هذه التقصيرات وهذا الفشل إنما أساسه مشاكل أساسية حقيقية لم يتمّ إصلاحها أو معالجتها حتى الراهن.

التعليقات