"تجاهل المبادرة العربية سيعني نهاية الصهيونية"


يحذر متاي شتاينبرغ، وهو مستشار سابق لأربعة رؤساء لجهاز الأمن العام الإسرائيلي الشاباك من أن استمرار إسرائيل في تجاهل مبادرة السلام العربية «سيقود لنهاية المشروع الصهيوني»، ويرى أن عملية أوسلو هي «خطأ جسيم» لأن مرحليتها أتاحت الصدام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ويدعو إلى الانسحاب إلى حدود عام 1967 ومنح الفلسطينيين سيادة على الحوض المقدس في مدينة القدس مقابل تخليهم عن حق العودة. ويعتبر شتانبرغ أن مقولة «لا يوجد شريك» التي أطلقها إيهود باراك، ساهمت في تدمير السلطة الفلسطينية.

ويعترف شتاينبرغ في كتابه الذي صدر مؤخرا بعنوان «يقفون أمام مصيرهم» أن مواقف باراك في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 والتي اعتمدت على مبدأ الانسحاب إلى حدود عام 1967 شملت استثناءات وردت في مسودة التسوية تنسف هذا المبدأ من أساسه. ويقول إن عرفات كان أمام خيارين، إما الرضوخ للإملاءات الإسرائيلية أو تفجير المفاوضات.

شتانبرغ الذي شارك في احتلال غزة عام 1967 وكان عمره حينذاك 20 عاما، يقول إن احتلال قطاع غزة رغم أنه بدا «خلاصا من كافة المصائب وينبئ بمستقبل آمن يسوده السلام»،إلا أنني أدركت حينذاك «أن حقبة في الصراع العربي الإسرائيلي قد انتهت، وأن حقبة أخرى بدأت لن تكون أقل تقلبات واستحقاقات». وكان شطانبرغ قد بدأ العمل في جهاز الأمن العام الشاباك في عام 1991، حين جنده رئيس الشاباك يعكوف بيري، ثم عمل مع كرمي غيلون وعامي أيالون، واستقال في فترة أفي ديختر عام 2000.

وينطلق شتانبرغ في تأييده للانسحاب إلى حدود عام 1967 ومنح الفلسطينيين سيادة في القدس مقابل التنازل عن حق العودة، من أن الخيار الآخر هو أكثر خطورة وهو «مطالبة الفلسطينيين بحقوق مدنية»، الذي برأيه سيلقى تأييدا دوليا، وبذلك ينتهي المشروع الصهيوني. ويقول في الكتاب إنه: "منذ قبول المجلس الوطني الفلسطيني لقرار الأمم المتحدة 242 دأب على القول لكل من يريد أن يسمعه ولمن لا يريد، إن للسلام يوجد ثمن محدد واحد: حدود الرابع من حزيران عام 1967". معتبرا أن تسوية وفق الإملاءات الإسرائيلية لن تصمد وستكون أيامها قصيرة. ويعتقد أن «امتناع إسرائيل أو التهرب من دفع الثمن الذي تتطلبه التسوية، ينطوي على مخاطر على وجود إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية، أكثر بعدة مرات من التنازل عن مناطق».

ويعتبر شطانبرغ أن المبادرة العربية هي «أكثر مما حلمت به إسرائيل في العقود الماضية». ويحذر من أن تفويت فرصة حل الدولتين سيأخذ الصراع إلى منحى آخر وهو مطالبة الفلسطينيين بحقوق المواطنة. وهذا المطلب «سـيأخذ بالتنامي وسيجد دعما دوليا. وسيعني تحقيقه نهاية الصهيونية ودولة إسرائيل التي نعرفها».

ويقول: "لا عجب أن المعارضة الفلسطينية وعلى رأسها حماس، وحزب الله وإيران اعترضوا على المبادرة العربية. إذ أن ثمة مصلحة تناقضية لدى كبار المتطرفين الفلسطينيين والعرب في إبقاء المستوطنات، وسد الطريق أمام إمكانية التقسيم الإقليمي". ويردف قائلا: "والنتيجة، محو الفوارق بين سكان الضفة وغزة وبين عرب إسرائيل". وبذلك «يجد بوغي يعلون نفسه، من نقطة انطلاق متناقضة، في صف واحد مع عزمي بشارة».

بعد صدور الكتاب أجرت صحيفة هآرتس حوارا مع الكاتب، وسأله الصحفي عكيفا إلدار عن الجملة الشهيرة لرئيس الأركان السابق، بوغي يعلون: ينبغي «تشكيل(استخدم كلمة كي) الوعي العربي بحيث ييأسوا من العنف» والتي أطلقها عام 2002 في مقابلة مع ذات الصحيفة.

فيرد شتانبرغ قائلا: يجدر الذكر أن أقوال يعلون جاءت بعد نصف سنة من إطلاق مبادرة السلام العربية في القمة العربية التي عقدت في بيروت. وقد أعرب الإجماع العربي، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، عن رغبتهم الواضحة بإنهاء الصراع وإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل، وفقا لتسوية سياسية تشمل الانسحاب لحدود الرابع من حزيران عام 1967. إلا أن رفض إسرائيل للمبادرة العربية يثبت أنها هي التي بحاجة إلى «تشكيل وعي».

ويضيف: منطق «تشكيل الوعي» و«لا يوجد شريك» أفرغا المركز السياسي الفلسطيني من قوته وبالتالي ملأت حماس ورافضون آخرون الفراغ. وقد استثنى فك الارتباط أحادي الجانب، بطريقة فظة، الجهات التي يمكن التوصل معها إلى تسوية تنهي الصراع. وبالنتيجة: "النهاية يمكن أن تكون توقف دولة إسرائيل عن كونها دولة يهودية وديمقراطية والانزلاق إلى واقع الدولة ثنائية القومية الحبلى بالمصائب".

وينتقد شطانبرغ مقولة «لا يوجد شريك» التي أطلقها إيهود باراك والتي جاءت مباشرة بعد إقرار مبادرة السلام العربية . ويقول إنها جاءت لتغطي على حقيقة أننا لسنا شركاء. معتبرا أن هذا الادعاء سخيف وكلام فارغ من ناحية عملية.

ويقول عن مسودة باراك للتسوية التي عرضها على عرفات في كامب ديفيد عام 2000، : "قبل أيام من قمة كامب ديفيد في يوليو/ حزيران عام 2000، سلمني باراك مسودة تسوية الوضع الدائم. وطلب مني تسجيل ملاحظات بشكل عاجل. فصغت وثيقة حملت تاريخ 17 يونيو/ حزيران 2000، وأكدت أن الفلسطينيين سيرون في اعتماده مبدأ حدود الرابع من حزيران عام 1967 تجديدا سيلقى الرضى، إلا أنهم سيتخوفون من لاستثناءات التي سميت في المسودة "ترتيبات خاصة" والتي جاءت لإفراغ هذا التجديد من مضمونه. وأشرت إلى أنه كان ينبغي أخذ رأي الفلسطينيين في هذا الموضوع.
ويضيف: مسودة باراك كان فيها فجوات خطيرة جدا، في موضوع القدس القديمة والحوض المقدس بشكل خاص. لقد كتبت في الوثيقة أن عرفات لن يتنازل عن سيادة فعلية على الحوض، ويرفض وجود علم إسرائيلي. فقد خشي عرفات من تحويل القدس إلى موديل الخليل حيث قامت إسرائيل بتقسيم الحرم الإبراهيمي، وبالتالي سيطرت على كل شيء. وحذرتُ من أن هذه الفجوات قد تفجر المفاوضات، وحذرت من وضع عرفات أمام خيارين أما قبول الإملاءات الإسرائيلية أو تفجر المفاوضات.

ويتابع: " باراك ومتعهدو التنفيذ في مقولة «لا يوجد شريك»، أرئيل شارون وشاؤول موفاز، سببوا أضرارا لا يمكن تصورها. فمقولة «لا يوجد شريك» على لسان رئيس الحكومة تعتبر كإصدار تعليمات للمستوى التنفيذي بالعمل دون تمييز بين من ينشد التسوية وبين من يرفضها. وبذلك يحدد أنه لا يوجد فرق بين جبريل الرجوب الذي عمل بين أعوام 1997-2000 دون هوادة ضد حماس، بتوجيه من عرفات، وقدم مساهمة هامة لأمن إسرائيل، وبين ياسين وشحادة من حماس. وبذلك أصبحت الطريق ممهدة وسالكة لتدمير السلطة الفلسطينية وتعزيز الدور الإيراني ولفكرة فك الارتباط أحادي الجانب.

ويضيف: الفلسطينيون خسروا 78% من فلسطين(عام 1948)، وما تبقى 22%(الضفة الغربية وقطاع غزة) هي بالنسبة لهم «أغلى ما تبقى لهم» والتي يرون أنه ينبغي أن يحافظوا عليها بكل طريقة. فكم بالحري إذا كان ذلك مدعوما بقرار مجلس الأمن 242، والذي طبق على الأراضي المصرية، وبدا أنه مقبول في المفاوضات مع سوريا حول الجولان.

وبالنسبة لحق العودة يقترح شتاينبرغ معادلة «هات وخذ» أي عرض الحوض المقدس على الفلسطينيين مقابل حق العودة. ويقول: اقترحت على باراك اعتماد استراتيجية «هات وخذ»، قبل مباحثات كامب ديفيد، ولكنني لم أتصور أن عرفات سيطالب بالسيادة على كل الحوض المقدس، مما أدى إلى انهيار المفاوضات وانهيار معادلة «هات وخذ».

ويعتبر شتانبرغ أن عملية أوسلو كانت خطأ جسيما. ويقول إن منذ أوسلو «نحن ندور في حلقة مفرغة». ويضيف شارحا كيف بدأت أوسلو: رأى رابين التهديد الذي يلوح في الأفق من حركة حماس. وهذا كان العامل الرئيسي، حسبما فهمت، الذي أحدث التغيير لديه بالنسبة لموقفه من منظمة التحرير. وأدرك أنه إذا لم يتوصل إلى تسوية مع منظمة التحرير، سنكون مقابل حماس. ويضيف: "لقد ذهب ربين لأوسلو كراهية في هامان وليس رغبة بمردخاي(من التوراة وتعني ذهب مكرها )، وذلك يفسر المفارقات في التعامل مع عرفات. ويرى شتانبرغ أن استمرار عملية أوسلو يؤدي إلى صدام مع الفلسطينيين، وأنه كان قد اقترح على رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يتسحاك رابين تجاوز المراحل والبدء ببحث تسوية الوضع الدائم. ويقول إن مجزرة الخليل كانت شاهدا على هذا الصدام. والتي تبعها ارتفاع الأصوات التي تدعو لتنفيذ عمليات داخل الخط الأخضر كرد فعل على المجزرة. والذي أدى بالتالي إلى صعود نجم حماس.

التعليقات