حقائق وآراء حول الدستور المقترح في اسرائيل

-

حقائق وآراء حول الدستور المقترح في اسرائيل
تشهد الفترة الأخيرة إجراءات مكثفة وحثيثة لصياغة دستور لدولة اسرائيل. تشارك في هذه الجهود جهات حكومية ممثلة بلجنة "القانون والدستور والقضاء" بالتعاون مع جهات مدنية يقف على رأسها المعهد الاسرائيلي للديموقراطية.

تثمر هذه الجهود عن وليد أطلقوا عليه اسم "دستور بالوفاق" إلاأنه يصعب تماماً الإشارة إلى أي وفاق أواتفاق بين المجموعات المختلفة والممثلة بالدستور. وأولها الجمهور العربي الفلسطيني الذي يظهر في الدستور كأقلية لها بعض الحقوق بدون التطرق إلى النزاع الاسرائيلي الفلسطيني وآثاره الممتدة .فالدستور يثير العديد من الأسئلة مثلاً:

1) هل الدستور الاسرائيلي هو نتاج عملية دمقرطة أم نتاج إرهاصات أيدولوجية صهيونية؟

2) هل يتوقع صائغو الدستور من شخص أن يوافق على تعريفه على أنه غير متساوٍ مع الآخرين بإطار دستور أي بشكل نهائي ( وهذا ما يتوقعه ألمعهد الاسرائيلي للديموقراطيةمن العرب وهذا ما سنوضحه لاحِقاً)؟

3) هل هي محاولة لإبطال محكمة العدل العليا والحد من صلاحياتها بحيث تصول وتجول الكنيست والحكومة بقرارات غير ديموقراطية دون حسيب أو رقيب؟

4) والسؤال الأكبر الذي سيواجهه النظام الدستوري هو ما معنى يهودية الدولة وإلى أي مدى ستذهب الدولة بعيداً لتدافع عن يهوديتها؟ وهل ستسمح مثلاً بسن قوانين لتحديد النسل تحت غطاء تأمين يهودية الدولة؟
في إطار الجهود التي يبذلها المجتمع المدني الفلسطيني في اسرائيل وتحديداً "مركز مدى للدراسات الاجتماعية التطبيقية" لمناقشة محاولات الدسترة القائمة والمشتملة على دراسات وندوات وأيام دراسية تمت الإشارة إلى عدة عقبات ومعوقات لا بد من اجتيازها وتذليلها قبل الإقدام على اية عملية دسترة لإسرائيل وهي:

1. الحاجة الى مصالحة تاريخية مبنية على اساس مواجهة الغبن التاريخي الذي لحق بالفلسطينيين نتيجة إقامة وطن لليهود ونتائجه.(بما في ذلك المطالبة بالإعتراف بالقرى غير المعترف بها، ومسألة المهجرين، وقضية الأوقاف الاسلامية، وقضية ارجاع الأراضي المصادرة، ومسألة حقنا في هوية وثقافة مساوية في قيمتها الأنسانية ومردودها السياسي لهوية الأكثرية)

2. الفصل بين الدين والدولة لما في ذلك من اهمية مترتبة على المساواة كقيمة عليا لا تتضارب مع القيمة اليهودية للدولة مثلا..

3. الإعداد والتخطيط لرسم المجال المدني وخلق ثقافة مشتركة يتمتع بها المواطنون على اختلاف أطيافهم(وبالتالي الغاء الإقصاء والتهميش الذي يعاني منه المواطنون العرب منذ قيام الدولة بما في ذلك ايجاد الرموز والمؤسسات العامة والمشتركة).

طبعا هذه المواضيع المذكورة اعلاه هي بمثابة بقرات مقدسة . فالبروفسور مردخاي كرمنتسر من المعهد الأسرائيلي للديمقراطية يؤكد عدم قبول فكرة إسقاط تعريف يهودية الدولة من الدستور حتى في صفوف المفكرين الليبراليين اليهود طبعا، خصوصا وان الأمر يعكس رغبة الرأي العام الإسرائيلي.

كرمنتسر من ناحيته يقر ويعترف بوجود توتر بين المصطلحين يهودية وديمقراطية الا انه ينفي عنهما حالة التناقض الأمر الذي يؤهل التعريف، من وجهة نظره، ويكسبه الصلاحية اللازمة لإتمام المهمة!

في الواقع المزاوجة بين هذين المصطلحين المتناقضين(يهودية وديمقراطية) يعتبر ورطة حقيقية. والتعنت لا يراد منه إلا الابقاء على الوضع الحالي الذي ينصف الأكثرية اليهودية ويسبغ عليها الحماية الدستورية درءًا للأخطار الديموغرافية منها والديموقراطية. ولكن هل هذه هي وظيفة الدستور؟ أم أن الدستور هنا يتواطأ في مؤامرة جديدة مع الأغلبية ضد الأقلية؟

الدستور المقترح سبب خيبة امل كبيرة للكثيرين في الأوساط الأكاديمية على رأسهم أساتذة ومحاضرون في العلوم السياسية والاجتماعية وكذلك الحقوق. اذ ينتظر في الغالب من الدستور ان يسوي الأمور العالقة والتي تسبب معاناة وغبنا شديدين للواقعين تحت وطأتها، خصوصًا وإن المنطقة تعاني من نزاع شرس ودامٍ. إلا ان واضعي الدستور المقترح اختاروا ان يغفلوا هذه المهمة الرئيسة للدستور (ليس طوعا،على الأغلب، بل تيقنا من ان ذلك يعقد المهمة ويعرقلها –انجاز دستور لإسرائيل-) واختاروا التركيز على امور اخرى تنعم بخصلة القبول من الرأي العام الأسرائيلي( المعروف بتصدعاته وتقطبه الحاد) وعلى رأس هذه الأمور تثبيت وتوكيد يهودية الدولة ومن ثم ديمقراطيتها المرسومة بألوان وخطوط وحدود يهودية. ولا ضير في ذلك من ناحية الأغلبية في صفوف الرعية اليهودية وقادتها الفكرية والسياسية على السواء.

تغليب اليهودية قانونا وفضاء من خلال دسترة دولة هو نهش والغاء للفضاء الديمقراطي فيها، ناهيك عن الغاء شعب آخر يحمل نفس الاستحقاقات في المكان، ان لم نقل اكثر. اذن الدستور، بين قاصد او غير قاصد، يثبت امورا لم تقل الكلمة الأخيرة فيها بعد ولم يقفل عليها باب الجدال .
المحامي حسن جبارين/ مدير عام عدالة:
أين الدستور الاسرائيلي من خطاب حقوق الانسان؟

" اختار الدستور وثيقة استقلال اسرائيل بنصها الكامل لتشكل مقدمة/فاتحة للدستور، ومن المعروف ان فاتحة الدستور تحدد المنظومة العقائدية لمواطني الدولة الا ان المفارقة تقع هنا. فمقدمات الدساتير الجديدة التي وضعت في العقدين الأخيرين في الدول الديمقراطية ترتكز على خطاب حقوق الانسان، بينما في وثيقة الاستقلال فالاثنية تغلب على المضمون وبدلاً من ان تتحدث باسم جميع المواطنين فهي تتحدث باسم" ممثلي الشعب"، ممثلي الييشوف والحركة الصهيونية بأجسامها المختلفة كالكيرن كييمت والوكالة اليهودية التي تصرح علنًا وامام المحاكم بحقها في التمييز تجاه غير اليهود.

تعترف وثيقة الاستقلال بتاريخ الشعب اليهودي وحضارته وميراثه وذاكرته الجماعية بشكل حصري، معلنة بذلك تفريغ البلاد من سكانها العرب الحاضرين فيها، وتحويلهم الى غائبين من السياق الكامل لمبدأ المواطنة. ويعرض العرب كمهاجرين وليس كسكان اصليين. وبالتالي يستحقون حقوق مدنية ليس الا.وينبغي عليهم تقبل العبرية كلغة الدولة واهمال لغتهم – شأنهم كشأن سائر المهاجرين. وهكذا تقرر ان اللغة العربية ستتوقف عن كونها لغة رسمية في الدولة وستحظى بدل ذلك "بمكانة معترف بها". (بالمناسبة كان البروفسور كرمنتسر قد أبلغني بتراجعهم عن ذلك في اعقاب الإستياء والضغط الشديدين من قبل اكاديميين وحقوقيين عرب لتحتفظ اللغة العربية مجددا بمكانتها الرسمية).

حسب بنود الدستور بالوفاق ان شأن اليهود في دولة اسرائيل كشأن اقلية قومية، اذ يجب، بغية المحافظة على استقلاليتهم الثقافية، ترسيخ بنود كثيرة تشمل حقوقا حصرية، تحافظ على البنية الثقافية ل"الأقلية اليهودية" في مواجهة الانصهار او التآكل!! الأقلية القومية لا الأغلبية المسيطرة هي التي تحتاج الى حقوق جماعية كي تضمن لأفرادها سياقا ثقافيا وتاريخيا. والمساس بالبنية الثقافية للأقلية سيؤدي الى تآكل في حريات الأفراد المنتمين اليها,والقانون الدولي يمنح حقوقا حصرية للأقلية لا للمجموعة المهيمنة، لذا اي تشريع اضافي يعتبر مساسًا بالمساواة.

عند صوغ الدساتير الحديثة عالميا حدث تحول تاريخي في الثقافة السياسية السائدة.وقامت هذه الدول بتوجيه انظارها الى الوراء لفحص ماضيها,والأعتراف بالمظالم التاريخية والوصول الى مصالحة تاريخية مع المجموعات التي عانت من التمييز والقمع خلال حقبة طويلة من الزمن."
البروفسور كرمنتسر هو احد معدي الوثيقة وقد دافع عن "وليده" بضراوة وقناعة واذا شئتم بهدوء لافت.

* كيف تفسرون الإصرار على متابعة العمل في الدستور رغم التوقيت البائس وغير الموفق حيث نشهد افرازًا جامحًا لقوانين عنصرية؟

** " انا اتوقع اشتداد وتعاظم جو التطرف السائد في الكنيست اليوم وبالتالي ما يمكن انجازه اليوم في الكنيست لن يكون ممكنا في المستقبل, ومن يعتقد أنه في المستقبل سيكون الوضع أفضل في الكنيست فإنه موهوم, وعليه سيكون صعباً انجاز دستور لاحِقا .

* الدستور المقترح لا يقدم حلولاً للمشاكل السياسية والاجتماعية العالقة حيث التزمتم أيضاً بعدم المس بها ولكن من ناحية أخرى قمتم بالمس بمكانة اللغة العربية في اسرائيل، إذن ما هي المنفعة ألتي يبتغيها المعهد الاسرائيلي للديموقراطية من وراء سن هذا الدستور؟

** هذا الأمرليس دقيقاً فالدستور لم يأتِ من الأساس ليحل هذه المشاكل جمعاء ومن هنا هو دستور بالاجماع وبرأيي تتجلى قيمته بالتأكيد على قيمة المساواة ألأمر ألّذي يغيب عن قانوني الأساس "كرامة الانسان وحريته" و"حرية العمل" .
ومن يصر على عدم رؤية ذلك فهو لا يقرأ المكتوب بامانة .
أما بالنسبة لمكانة اللغة العربية ففي أعقاب التحفظات ألّتي اوردهاحقوقيون عرب في اسرائيل بخصوص اعتبار اللغة العربية ذات مكانة خاصة تقرر إعادة اعتبارها لغة رسمية كما هو وارد في وثيقة الأستقلال الا اني انا شخصياً لا أجد أن التعريف الأول أفضل من الذي اقترحناه.

* العديد من الحقوقيين ينتقدون بشدة اعتبار وثيقة الاستقلال فاتحة للدستور باعتبارها تكرس تفوق شعب ودونية آخر بالاضافة إلى إقصاء الآخر, فرموز الدولة الدينية لا تعني للعرب شيئاً، ما رأيك؟

** أود أن أشدد وأضيف أنه لا يمكن اعتبار كل شيء بالعالم حقاً وبضمن ذلك علم الدولة. وبالنسبة لوثيقة الاستقلال ما من شك أنها تعبير قومي مشدّد لإسرائيل كدولة يهودية إلا أنها تشمل التزاماً بالمساواة في الحقوق لغير اليهود، وأُُشدّد على أن الفاتحة أقل أهمية من الدستور ذاته، ومحاولة ادعاء غير ذلك هو تضليل للرأي العام. انا أرى من غير الممكن صياغة دستور يخلو من تعبير وتشديد واضحين يؤكدان على يهودية الدولة.

* ما جدوى الدستور قبل انهاء احتلال الدولة للمناطق والأراضي الفلسطينية على الأقل لتتضح الحدود النهائية للدولة؟

** لا يختلف اثنان على ان شارون لن يتمكن من طرح تسوية تكون مقبولة على الفلسطينيين وبالتالي لا ارى اي تسوية جدية تلوح بالأفق لذا من غير المجدي تأجيل موضوع الدستور والعكس صحيح خصوصا لأهمية حماية نظام الحكم الديمقراطي في اسرائيل من اخطار مستقبلية كامنة نتيجة توقع تصاعد الأزمة بين الفلسطينيين واسرائيل".
يمكن اذن استخلاص التالي: لا مناص بنظر الأغلبية الحاكمة وانعكاساتها الفكرية من تثبيت يهودية الدولة مهما كلف ذلك .ومن الأفضل لنا كعرب، من منطلق البراغماتية، ان نضيف مباركتنا للدستور لأنه يمنحنا اقصى ما يمكن الحصول عليه كعرب في دولة يهودية ثم ديموقراطية ,هذا ما يراه المعهد الاسرائيلي للديموقراطية.

الا ان البروفسور نديم روحانا – استاذ العلوم الاجتماعية في جامعة واشنطن وتل-ابيب يحذر من مخاطر الموافقة العربية الفلسطينية المحلية على الدستور بصيغته الحالية (تحديدا بند يهودية الدولة):" قد يبدو موقف المواطنين العرب غير ذي اهمية ، في ظل الاجماع اليهودي المؤيد لدسترة اسرائيل كَ"دولة يهودية وديموقراطية"، لكني احاجج بأن موافقة او عدم موافقة العرب على هذا المشروع هو مفتاح شرعيته الحقيقية.

ويبدو الآن واضحا، بشكل متزايد، ان صوغ دستور في اسرائيل سيتطلب قدرا معينا من الموافقة العربية لكي يحظى بشرعية دولية.ان الشرعية التي يمكن ان يمنحها المواطنون العرب للدستور لا تقدر بثمن لأنهم اذا وافقوا –وهم الذين يقوم هذا المشروع بتثبيت عدم مساواتهم-على هذا المشروع، فعندها لماذا سيقوم اي شخص آخر بأثارة الشكوك حوله؟ ولهذا السبب يستطيع المشترعون العرب تحصيل تنازلات جدية في نص الدستور (وفي توزيع الموارد) اذا ما لم يهبوا الأجماع اليهودي ختم موافقتهم."

الدكتور امل جمال استاذ العلوم السياسية في جامعة تل أبيب يسهب في مقالته بعنوان: "حول أخلاقيّة الحقوق الجماعيّة العربيّة في إسرائيل"، مبينا احقيتنا وفق ابرز تعريفات الهوية بالحقوق الجماعية لأقلية اصلانية تعيش على ارض الوطن لينتقل الى كشف عجز المساواة الليبرالية عن توفير حقوقنا الجماعية الأمر الذي يحتم الأعتراف بهذه الحقوق وعدم الأكتفاء بما تعرضه الدولة:

"لقد صقل الوعي الذاتي للفلسطينيين كمجموعة قومية عبر تجربتهم التاريخية ضمن حيز اقليمي محدد. معظم العرب لا يعرفون انفسهم كفلسطينيين فحسب، بل انهم يرون انفسهم "المالكين الأوائل" والأصليين لهذه الأرض.ومنذ النكبة، سعوا الى استراتيجية مشتركة لإعادة بناء جزء من مؤسساتهم الاجتماعية والثقافية, التي تعبر عن هويتهم القومية والتي كانت قد هدمت جراء نكبتهم في العام 1948.

اسرائيل ترى نفسها " دولة امة معينة ومن اجل امة معينة-هذه الميزة المؤممة لدولة اسرائيل تخلق سلسلة من الأعباء والحواجز والأستثناءات الموجهة ضد الأقلية العربية الأصلانية لكونها فلسطينية.لذلك فالحمايات التي تنص عليها الدساتير الليبرالية مطلوبة من اجل ضمان وحدتهم الثقافية والوطنية، وبالتالي الحقوق الجماعية ضرورية لتأمين المساواة الحقيقية بين اليهود والعرب. وذلك عبر أشكال الحكم الذاتي المستقل عن الدولة".

وبشأن التناقضات في المساواة الليبرالية في الدول الاثنية يسهب الدكتور جمال:"تظهر عيوب الليبرالية الأسرائيلية على احسن وجه، في قرارات محكمة العدل العليا. ويبين قراران حديثان صادران عن محكمة العدل العليا (قعدان وآخرون ضد دائرة اراضي اسرائيل وآخرين، وعدالة وآخرون ضد بلدية تل ابيب- يافا وآخرين) الأبعاد السلبية للمساواة الليبرالية ضمن سياق القومية الاثنية. قرارا محكمة العدل العليا عززا، من ناحية، المساواة الليبرالية، ولكنهما وفرا في الوقت ذاته القواعد الأخلاقية والفلسفية والقانونية لحرمان المجتمع العربي من اي اعتراف بهويته الجماعية كأقلية قومية يحق لها حقوق جماعية. من هنا ان معالجة المطالب العربية بالمساواة من منظور ليبرالي هي امر غير مناسب بل مضلل. وبكلمات اخرى الانحياز القومي في فهم اسرائيل للمساواة الليبرالية يجعل الحقوق الجماعية اساسية بالنسبة للمجتمع العربي".

المحامية سونيا بولس من جمعية حقوق المواطن:
:" ان ترسيخ دونية الأقلية الفلسطينية عبر الدستور المقترح يؤثر بشكل سلبي على تطوير الخطاب النسوي الفلسطيني في الداخل. في هذه الاجواء(مواصلة الغبن والاقصاء والتمييز) التي يخلقها الدستور تفقد الدولة مصداقيتها كعنوان وكمقصد للنساء الفلسطينيات. ما يميز التعامل مع قضايا النساء هو كسر الحاجز التقليدي بين الحيز العام والحيز الخاص حيث تطالب النسويات الدولة بأن تحيد عن الخط الليبرالي التقليدي (الذي يحظر على الدولة بأن تتدخل بالحيز الخاص) ويدعينها للتدخل لان الحيز الخاص يشكل بؤرة أساسية للتمييز ضد المرأة. عندما يشرعن الدستور تعامل الدولة مع الاقلية الفلسطينية بنظرة دونية تفقد الدولة أية شرعية تخولها التدخل بالحيز الخاص.

يشكل نظام الأحوال الشخصية المعمول به اليوم في اسرائيل انتهاكا لحق الفرد في حرية العقيدة حيث تبنت الدولة قوانين أحوال شخصية دينية. بموجب القانون الإسرائيلي يحق لكل مجموعة دينية أن تطبق قوانينها الدينية على الافراد الذين ينتمون اليها.

المحاكم الدينية وحدها مخولة بالبت بقضايا الزواج والطلاق أما في باقي قضايا الاحوال الشخصية (النفقة، الحضانة النسب والخ) يحق للمتنازعين الإختيار بين المحاكم الشرعية أو محاكم شؤون العائلة.

عدم وجود بدائل علمانية ليس المشكلة المبدئية الوحيدة في السياق الإسرائيلي. فالدولة لا تكتفي بإتباع نظام أحوال شخصية ديني إنما هي لا تحاول التوفيق بين القوانين الدينية وحقوق الإنسان الأساسية. على سبيل المثال، يضمن قانون مساواة حقوق المرأة حق المرأة في المساواة في جميع مناحي الحياة. الا أن هذا القانون يقر بشكل واضح انه غير قابل للتطبيق في مجال الأحوال الشخصية. أي أن الدولة توافق مبدئيا على تطبيق قوانين أحوال شخصية تميز على أساس الجنس.

في الوضع القانوني الحالي, إذا حاولت الكنيست تعديل قوانين أحوال شخصية قائمة أو سن قوانين جديدة ذات مضاميين تتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان الاساسية يمكن التوجه للمحكمة العليا ومطالبتها بإلغاء التعديل أو القانون الجديد. وبالإضافة، يمكن الإلتماس الى المحكمة العليا بصفتها محكمة عدل عليا ضد قرارات المحاكم الدينية في حالة تجاوزها لصلاحيتها القضائية.

في المقابل الدستور المقترح يحد الى مدى كبير من قدرة المحكمة العليا التدخل في كلا الحالتين. فالدستور يقر بشكل واضح أن الأمور المتعلقة بالأحوال الشخصية غير قابلة للمقاضاة الدستورية.

قوانين الأحوال الشخصية قليلاً ما تطرح للنقاش في الحيز العام خاصة في المجتمعات المحافظة. فنقل السلطة يكون للنخبة التي تقرر كيف تريد ممارسة السلطة المنقولة اليها بشكل يتلائم مع مصالحها. النخبة تكون عادة مكونة من رجال، وفي السياق الإسرائلي هذه النخبة تتكون من رجال دين فقط. صوت النساء مغيب تماما لسبب بسيط جدا فجميع المحاكم الدينية في إسرائيل ترفض بشكل قاطع, بدعم من مؤسسات الدولة، تعيين نساء كقاضيات في المحاكم الدينية".
في الواقع الى جانب الأصطفاف حول الدستور المقترح من قبل رجال الفكر والأكاديميا اليهود الا انه تتعالى بعض الأصوات المعارضة له الأمر الذي يدعونا كطرف مغبون الى الأنضمام الى معسكرها لأستغلال منبرها . وهاكم نماذج:
"الدستور المقترح بأحسن حالاته يعيد استنساخ وتثبيت الوضع القائم.بل ينقض الوضع القائم باتجاه التمحور الاثني. في المسودة الي عرضت بتاريخ:24-11-2004 حدد ان:" الجميع متساوون امام القانون: لايتم التمييز بين فرد وآخر بسبب العرق او الدين او القومية او الجنس او الملة او بلد المولد او لأي سبب آخر، اذا لم يمت هذا السبب للموضوع بصلة". لكن المسودة تشمل الكثير من البنود التي تناقض هذا البند. فقانون العودة يمنح اليهودي ما لا يمنحه لغيره ويتميز عن قانون العودة المعمول به حاليا لما يحمله من طابع اقصائي. ولقطع الشك باليقين حدد في بند "المواطنة" ان "المواطنة الاسرائيلية تمنح لمن ولد لمن كان ابوه وامه مواطنين اسرائيليين ومن سكان الدولة، ولمن قدم في الماضي استنادا الى قانون العودة". ما يعنيه هذا الأمر من الناحية الفعلية هو حرمان كل من ليس يهوديا من المواطنة مستقبلاً. هذا الدستور يعجز ايضا لأسباب مفهومة تحديد حدود جيو-سياسية للدولة، ولا يمكن اعتباره دستورا ليبراليا.

يبدو كذلك، ان المسودة تشمل بنود تلغمها لابل تلغيها، مثل البند الذي ينص على"عدم المساس بالحقوق التي ينص عليها الدستور الا بقانون يتلاءم مع قيم دولة اسرائيل، والذي اعد من اجل هدف جدير، وبدرجة لاتفوق المطلوب، او حسب قانون يستوفي الشروط المذكورة اعلاه، ومن خلال تخويل واضح يتضمنه القانون "يبدو ان هذا البند يشكل منفذا للمساس بالحقوق باسم "قيم دولة اسرائيل".
د.اوري زيلبرشايد استاذ في فلسفة العلوم السياسية يسجل استياءه المرير من تصميم المعهد الاسرائيلي للديمقراطية على تقويض دولة نظام الرفاه الاجتماعي و تشجيع الدولة على التحرر من اعباء/حقوق المواطنين الاجتماعية. و يضيف ان عملية التقويض هذه كانت قد بدات منذ العام 1977 مع تبوؤ حزب الليكود مقاليد الحكم في اسرائيل لاول مرة. علما ان قانوني الاساس عام 1992 " كرامة الانسان و حريته " و قانون اساس : "حرية العمل" يشكلان تتويجا لفكرة تعزيز النظام الراسمالي وضرب نظام الرفاه المتمثل بخصخصة املاك الدولة.

زلبرشايد يرى ان الدستور بصيغته الحالية يكرس الفوارق الطبقية بل و يزيدها حدة و يحرر الدولة من واجبها اتجاه مواطنيها المتمثل يتوفير حياة كريمة و فرص متساوية.
د.أيال غروس/محاضر في القانون الدستوري والقانون الدولي:
"لا يقر الدستور ان لكل انسان الحق في التملك بصورة من شأنها ان تشمل حق كل انسان في التملك الذي يتيح له العيش بكرامة. وبدل ذلك انه يقر حق كل انسان في املاكه، اي الدفاع عن نظام توزيع الأملاك القائم. يمكن تفسير الأمر باعتباره يكرس الوضع الراهن لتوزيع الملك، بما في ذلك في مجال الأراضي، الذي يعتبر الوضع الراهن فيه نتيجة لتخصيص تمييزي من قبل الدولة على مدار سنوات. ونتيجة لذلك يمكن ان تحصل التسويات الملكية التي هي ثمرة مصادرات ومحاصصات من جانب الدولة، على حماية دستورية، بصورة تسدل الستار على امكانية توزيع جديد أكثر عدلا، يأخذ في الاعتبار التمييز الذي اتسمت به تسويات المصادرة والمحاصصة. مقابل ذلك فإن الدستور لايمنح الأنسان حقوقا في المجال الأجتماعي، باستثناء الحق الهام في ثلاثة عشر سنة تعليم مجانية".
هذا ما يؤكده المحامي نمر سلطاني مركز المشروع السياسي في مدى و كذلك مركز سلسلة الندوات التي تناولت موضوع مسودة اقتراح الدستور في حديثه معنا:

* ما رأيك في موقف الشارع العربي والأكاديميين العرب من الدستور؟

** اعتقد ان الاغلبية الساحقة ترفض يهودية الدولة وستعارض دستورا من هذا القبيل. هذا ما نراه في استطلاعات الرأي العام التي أجراها مركز مدى الكرمل. حاليا العملية الدستورية في بداياتها واتوقع ان يزداد النقاش في الشارع العربي حول الموضوع مع الوقت. يحاول المبادرون للدستور دعوة بعض العرب للمشاركة في جلساتهم من أجل أن يكونوا ورقة توت تغطي اقصاء العرب ولكن ذلك لن يتكلل بالنجاح.

* إلى أي مدى تتوقعون أنتم في "مدى" أن تُؤَثِر هذه الندوات في رفع الوعي تجاه موضوع الدستور من قبل العرب ؟ وهل تعتقدون أن هذه الندوات قادرة على التأثير على المعهد الإسرائيلي للديمقراطية الذي يرعى "دستور بالوفاق" ؟

** نحن نهدف من الندوات حول "الدستور والاقلية العربية" الى زيادة الوعي والمعرفة حول المحاولات الدستورية الحالية ومحاولة بلورة موقف عربي موحد مؤسس على هذه المعرفة. نرجو أيضا ان تقوم القيادات العربية وعلى رأسها لجنة المتابعة العليا ان تعبر عن موقف واضح ضد العملية الدستورية الحالية وعن اجماع عربي رافض ليهودية الدولة.

التعليقات