رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في مقابلة شاملة حول إيران وسورية وحزب الله وحماس والسلطة الفلسطينية..

"في حال عدم التوصل إلى اتفاق فإن السلطة الفلسطينية ستضعف وتتفكك وتختفي القيادة الحالية، ولا يستثنى من ذلك إمكانية أن يغادر أبو مازن الأراضي الفلسطينية"..

رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في مقابلة شاملة حول  إيران وسورية وحزب الله وحماس والسلطة الفلسطينية..
في لقاء مطول أجرته صحيفة "هآرتس" مع عاموس يدلين رئيس الاستخبارات العسكرية (أمان)، قال إن تقديرات الأستخبارات، التي يدعي أنها أحد أفضل أجهزة الاستخبارات في العالم، تشير إلى احتمالات ضئيلة جدا بأن يبادر "أعداء إسرائيل" إلى شن حرب خلال العام الحالي 2008. إلا أن التقديرات تشير إلى أن "العدو" يستعد للحرب بسبب المخاوف من قيام إسرائيل بمهاجمته، ومن هنا فمن المحتمل أن تؤدي الحسابات الخاطئة إلى نشوب الحرب في ظل الوضع المتفجر واستعداد الطرفين لذلك.

وأضاف أن المخاوف من الحسابات الخاطئة، والتي كانت قائمة خلال الصيف الماضي فيما يتصل بالتوتر مع سورية، ستظل قائمة خلال الصيف الحالي.

وردا على سؤال حول سبب كون احتمالات شن حرب ضد إسرائيل منخفضة، قال إن "العدو" لا يرى العام الحالي 2008 لصالحه على مستوى توازن القوى بسبب كون إسرائيل أقوى مما كانت عليه قبل الحرب. وقال إن "العدو" لديه أمل بأن تكون الظروف في العام 2009 أو 2010 أفضل بالنسبة له؛ حيث لن يكون الرئيس الأمريكي جورج بوش في الرئاسة، كما أنه يستكمل بناء قوته حتى ذلك الحين.

أما لماذا يستعد "العدو" للحرب، فقال يدلين إن "العدو" يعتقد أن الأجواء مريحة أكثر لإسرائيل والإدارة الأمريكية الحالية، وأن إسرائيل تريد الانتقام لحرب لبنان. كما أن "العدو" يأخذ بالحسبان أن الإدارة الأمريكية تريد أن تلقنه درسا بناء على معالجتها لدول تحاول أن تتحول إلى دولة نووية (الإشارة إلى إيران). ومن هنا فإنهم يستعدون للحرب ليس بدوافع هجومية، وإنما دفاعية، على حد قوله.

وعن الخشية من "الحسابات الخاطئة" التي قد تؤدي إلى الحرب، قال يدلين إن الوضع القابل للانفجار ينبع من وجود خطوط حمراء لدى الطرفين، وأن التقديرات تشير إلى ضرورة الرد على عمليات معينة يقوم بها الطرف الثاني. ونظرا لأن كل طرف ليس معنيا بالحرب، فإنه سيحاول اختيار الرد الذي يعتقد أنه لا يؤدي إلى الحرب، ومن هنا فإن احتمالات الحسابات الخاطئة تظل قائمة وتزيد من احتمال تدهور الوضع إلى حالة الحرب.

وأضاف يدلين أن الطرف الثاني لديه حسابات في مسألتين؛ الأولى قصف المنشأة السورية في دير الزور في أيلول/ سبتمبر الماضي، والثانية اغتيال القياد العسكري في حزب الله عماد مغنية في شباط / فبراير الماضي. وهذا الوضع الذي يستعد فيه الطرف الثاني إلى الحرب قد يؤدي إلى الحرب، رغم أنه لا يعتقد أنه سوف يبادر إليها.

وقالت "هآرتس" إن يدلين، ومنذ أن أشغل منصبه في شباط /فبراير 2006، يتجنب الظهور في وسائل الإعلام، وذلك نظرا لعدم ثقته بالإعلام الإسرائيلي، إلا أنه وافق على إجراء المقابلة بعد إلحاح شديد وذلك لعرض أهم التقديرات السنوية للاستخبارات العسكرية على الجمهور، والتي عرضت على الحكومة قبل شهرين.

يذكر أن يدلين، وهو من مواليد العام 1951، هو طيار سابق، قاد طائرات من نوع أورغان وسكايهوك وميراج وكفير وأف15، وأف 16. وشارك في حرب 1973، وفي قصف المفاعل النووي العراقي في العام 1981. وأشغل عدم مناصب، أهمها الملحق العسكري في واشنطن ومنصبه الحالي، الذي يعتبره الأهم.

وبحسب يدلين فإن إسرائيل تواجه خمسة تهديدات؛ إيران وسورية وحزب الله وحماس والجهاد العالمي. وفي هذا السياق قال إن الصورة الاستخبارية لدى إسرائيل متفاوتة من جبهة لأخرى، إلا أنها بالمجمل أفضل بكثير مما كانت عليه قبل سنتين أو ثلاث سنوات، على حد قوله.

رفض يدلين الحديث عن أبعاد تحول إيران إلى دولة نووية على إسرائيل والمنطقة، مشيرا إلى أنه يفضل الحديث عن الطرق لمنع تحولها إلى دولة نووية، مدعيا أنها لا تشكل خطرا على إسرائيل فحسب، وإنما على عدة دول في الشرق الأوسط، وربما تتحول إلى تهديد عالمي، مشيرا إلى أن إيران تعمل على تطوير صواريخ بعيدة المدى وقادرة على حمل رؤوس نووية إلى أوروبا، وربما في المستقبل ستعبر المحيط الأطلسي، وبناء عليه فإن إيران هي مشكلة عالمية، على حد قوله.

كما ادعى أن إيران تقود معسكرا كاملا قيم المجتمع الغربي التي تكونت في القرن الأخير، وفي حال امتلكت أسلحة نووية فإن هذا التهديد سيكون أشد، وأن المواجهة الثقافية الأيديولوجية سينضاف إليها رافعة عسكرية استراتيجية تؤثر على "المعركة".

ويضيف يدلين أن دراسته لعملية تطوير الصواريخ في إيران توصله إلى نتيجة أنها ستشكل تهديدا لإسرائيل وأوروبا والولايات المتحدة. وبحسبه فإن الصواريخ البالستية التي تطورها إيران ليست مهمة إلا إذا كانت قادرة على حمل رؤوس نووية، وأن كل من لديه الخبرة في تطوير الصورايخ بإمكانة رفع مداها من ألف كيلومتر إلى آلاف الكيلومترات.

وقال إنه كان لدى إيران في البداية صاروخ "شهاب 3" الذي يصل مداه إلى 1300 كيلومتر، والآن تعمل على تطوير صاروخ "عاشوراء" ودراسة نماذج صاروخية حصلت عليها من كورية الشمالية بحيث يصل مداها إلى 2500-3500 كيلومتر، والقفزة ليست كبيرة من هذا المدى إلى مدى أبعد عابر للقارات.

وقال إن مفاعل "نتنز" يعمل فيه منذ شهور 3000 جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم، وأضاف أنه لا يعتقد أن إيران باتت قادرة على تفعيل 6000 جهاز طرد مركزي وفقما صرح الرئيس الإيراني. وبحسبه فإنه على المستوى النظري فإن 3000 جهاز طرد مركزي بإمكانها تخصيب يورانيوم بكميات تكفي لإنتاج قنبلة نووية خلال سنة، إلا أن إيران لم تصل بعد إلى هذه المرحلة، لكون أجهزة الطرد المركزية قديمة، ومن هنا فإن إيران تطمح إلى تفعيل عشرات آلاف أجهزة الطرد المركزي، بيد أنها تواجه مشاكل تكنولوجية لم تتغلب عليها بعد.

وتابع أن الموضوع النووي الإيراني مركب جدا، وأن التقديرات الزمنية لتحول إيران إلى نووية مركبة أيضا، تتأثر بثلاثة عوامل، العامل التكنولوجي والضغط الدولي والاستراتجية النووية الإيرانية. وتساءل إذا ما كان طموح إيران هو الوصول إلى مستوى اليابان وألمانيا، بمعنى على قاب قوسين أو أدنى من إنتاج القنبلة النووية. وبحسبه فإن التقديرات الواقعية تشير إلى أن إيران ستصل هذه المرحلة في منتصف العقد القادم، وربما قبل ذلك (2010-2015).

أما بالنسبة لاحتمالات وقف البرنامج النووي الإيراني سياسيا، فقال إن ذلك يتعلق بالكشف عن إيران. وبحسبه فإنها تستخف بالعالم ولم يتم الكشف عن حقيقة الوضع. وفي حال تكشف الوضع في السنوات القادمة وتبين أن إيران قد خدعت العالم بشأن برنامجها النووي فمن الممكن أن تثور المعركة السياسية ضدها.

واعتبر يدلين هذه الفترة، التي يشغل فيها منصبه، مصيرية بوجه خاص، مشيرا إلى أنه "في العام 1981 واجهت إسرائيل دولة بحجم مماثل، وعلى بعد مماثل، وبعدائية مماثلة وتهدد بإنتاج أسلحة نووية".

أما بالنسبة لمدى جاهزية الغرب لاستخدام الحل العسكري مع إيران، فقال إن التناقض يكمن في أنه في حال عدم وجود خيارات القوة على الطاولة، فإن الخيارات الأخرى تكون أقل نفعا. وفي أوروبا فإن استخدام القوة العسكرية هو خارج الخيارات الاستراتيجية، وحتى في الولايات المتحدة، وبعد الحرب على العراق، هناك تردد في الهجوم الاستباقي. وأضاف أن الغرب ليس كتلة واحدة، وأن هناك فوارق ثقافية بين جانبي الأطلسي. ففي الولايات المتحدة هناك مرشح واحد (جون ماكين) يقول إن "استخدام القوة ضد إيران هو إمكانية سيئة بيد أن تحول إيران إلى نووية هو إمكانية أسوأ".

وردا على سؤال عن وضع إسرائيل في حال عدم نجاح الضغوط السياسية على إيران وعدم تحرك الغرب ضدها، قال إن "إسرائيل قوية جدا، وتستطيع أن تواجه أي تهديد في الشرق الأوسط، بما في ذلك التهديد المشار إليه".

وفي الشأن السوري، وحول مدى تعاظم سورية عسكريا في السنوات الأخيرة، قال يدلين إن السوريين يدركون الفارق في القوة العسكرية في المجال الجوي بالإضافة إلى التفوق التكنولوجي وأنظمة الأسلحة الموجودة لدى إسرائيل، ولذلك فهم يعملون على تطوير قدرات عسكرية لحرب أخرى، ليس في مجال الطائرات والدبابات، وإنما في الصواريخ المضادة للطائرات، والصواريخ المضادة للدروع والدبابات، والصواريخ البعيدة المدى.

وقال إن ذلك جزءا من خطة تمتد على عدة سنوات، وتأتي في إطار استخلاص الدروس، بنظر سورية، من نجاح حزب الله في الحرب في تموز/ يوليو 2006. وأضاف أن سورية تعزز من قوتها في مجال حرب العصابات والتزود بالأسلحة المضادة للدبابات وحتى الصواريخ البسيطة. وأنه يتم تحويل سلاح المدرعات إلى سلاح مشاة، وسلاح الجو إلى صواريخ أرض أرض. وأن سورية تعزز من قدراتها الدفاعية من جهة، ومن جهة أخرى تعزز من قدرتها على ضرب الجبهة الداخلية الإسرائيلية.

وردا على سؤال حول قدرة سورية على ضرب أهداف في تل أبيب أو قواعد سلاح الجو، قال يدلين إن سورية لديها هذه القدرة منذ سنوات. وأضاف أن سورية تعمل على زيادة الكتلة والدقة في الصواريخ القادرة على ضرب الجبهة الداخلية. كما أشار إلى الفارق بين سورية وحزب الله يكمن في أن الأولى دولة ولديها منشآتها الاستراتجية.

وقال إن السوريين تابعوا إعلام حزب الله خلال الحرب الثانية على لبنان. وبعد الحرب تبين لهم أن ما يمكن لمقاتلي حزب الله أن يقوموا به، يستطيع أن يقوم به السوريون أيضا. إلا أن التفكير الاستراتيجي السوري، والمثير على حد قوله، يدرك الفارق بين وضع سورية وبين وضع حزب الله، من جهة الجيش وسلاح الجو والاسطول وبنية الدولة التحتية، ومن هنا فإن سورية لا تسعى إلى حرب شاملة وصدام شامل على الجبهة، على حد قوله.

وأضاف أنه يمنع على إسرائيل أن تفكر تفكيرا متجانسا في هذا السياق، لكون الأهداف السورية في الحرب ليست أهدافا كلاسيكية لحرب. فسورية لا تسعى إلى احتلال منطقة أو إلى حسم عسكري مطلق، وبالمنظار السوري فإن الصدام الذي لا تنتصر فيه إسرائيل ولا تنتصر فيه سورية، يعتبر انتصارا بالنسبة لها. وسورية لا تعتقد أنها في حالة توازن استراتيجي مع إسرائيل، إلا أنها تشعر بأنها قادرة على جعل إسرائيل تدفع ثمنا. و"تسعى إلى إجبار إسرائيل إلى الوصول إلى المكان المطلوب من الناحية السياسية بدون الوصول إلى حرب شاملة بالمعنى الكلاسيكي".

ولدى سؤاله عن مدى اهتمام الرئيس السوري بشار الأسد بالسلام مع إسرائيل، ادعى يدلين أن سلم الأولويات يتألف من الاستقرار أولا، ولبنان ثانيا، واستعادة الجولان ثالثا. وفي حال كان السلام يخدم هذه الأهداف فعندها تكون سورية معنية به. وربما قد يوافق الرئيس السوري على نوع معين من السلام بحسب شروطه، على حد قول يدلين.

وردأ على سؤال حول إمكانية التوقيع على اتفاق سلام في حال انسحاب إسرائيل إلى خطوط الرابع من حزيران/يونيو 1967 بدون أن تطلب تغييرات استراتيجية في دمشق، قال يدلين إن هذه هي شروط الرئيس السوري. وأن السوريين يتركون ثغرة حول مسألة الترتيبات الأمنية والمياه وجوهر السلام، والتي لن تتم مناقشتها إلا في إطار مفاوضات.

وتابع أنه قد مرت 8 سنوات منذ فشل المفاوضات في شبردزتاون، ومنذ ذلك الحين حصلت تغيرات مهمة وملموسة، من جهة علاقة سورية بحزب الله، ومن جهة أخرى علاقتها مع إيران، حيث تعتبر الأخيرة بالنسبة لسورية سند استراتيجي يزودها بالسلاح والتدريب والمال، ومن هنا فإن إمكانية الفصل بين سورية من جهة، وبين حزب الله وإيران من جهة أخرى محدودة، وأن القضية معقدة جدا، على حد قوله.

وقال إنه بات التوصل إلى اتفاق سلام مع سورية في العام 2008 أصعب بكثير مما كان عليه في العام 2000، إلا أن ذلك لا يعني عدم المحاولة، بحسبه.

وحول المصاعب التي تواجه المفاوضات، عدا عن العلاقة مع إيران وحزب الله، قال يدلين إنه يجب إضافة تهديد صواريخ أرض أرض إلى الترتيبات الأمنية التي تم التطرق إليها في العام 2000 حين جرت المفاوضات برعاية أمريكية وبجاهزية أمريكية لتعوض الطرفين عن التنازلات المتبادلة، إلا أن الوضع يختلف الآن.

وردا على ايهود باراك في قوله للرئيس الأمريكي بيل كلينتون، في حينه، بأن سورية معنية بالسلام مع الولايات المتحدة، وليس مع إسرائيل، قال يدلين إن هذا القول لا يزال صحيحا. وبحسبه فإن السلام مع إسرائيل بالنسبة للسوريين هو شر لا بد منه، ووسيلة للوصول إلى أهداف أخرى. وأن هناك رغبة سورية لاختراق الحصار السياسي المفروض عليها، ولذلك فإن سورية تنتظر ذهاب الرئيس الأمريكي الحالي.

وبناء عليه، فإن يدلين يعتقد أن احتمالات السلام مع سورية ليست قائمة الآن، وربما تكون في العام القادم. أما بالنسبة لما نشر مؤخرا، فأشار إلى أن الرئيس السوري معني بالسلام مع إسرائيل ولكن بشروطه هو. وخلافا لدول أخرى التي تعتقد بالخيار العسكري لوحده في مواجهة إسرائيل، فإن الرئيس السوري يحافظ على الإمكانيتين.

وادعى يدلين أن الظروف الاستراتيجية هي التي جعلت سورية في "محور الشر" الراديكالي طهران- حزب الله- حماس. وبحسبه فإن "سورية العلمانية ليست عضوا طبيعيا في هذا المحور"، وأن "أسبابا استراتيجية ميكيافيلية تجعل مصالح سورية تفرض عليها الانتقال إلى محور السلام".

وردا على سؤال حول إمكانية موافقة الرئيس السوري على الانفصال عن إيران كشرط لاتفاق سلام، قال إنه من الممكن القول بشكل واضح أن الأسد لن ينفصل عن إيران وحزب لله قبل أي اتفاق سلام، أما ما بعد ذلك فمن الصعب الإجابة على هذا السؤال.

وفي حال التوصل إلى اتفاق سلام مع سورية في العام 2009، قال يدلين إن السوري يريد اتفاقا أفضل من "اتفاق مصر" (كامب ديفيد) من جهة ما يحصل عليه، وأقل من اتفاق مصر من جهة ما يقدمه.

أما بالنسبة لكون الحرب البديل الذي قد يقع في العام 2010، في حال عدم التوقيع على اتفاق سلام، قال يدلين إنه لا يوافق على ذلك، لأنه من وجهة نظر السوري فإن الحرب ليست بالضرورة دبابات تتحرك باتجاه الجولان، والرئيس السوري حذر جدا ويدرك جيدا حجم القوى العسكرية.

وبالنسبة لمدى تعاظم قوة حزب الله العسكرية منذ الحرب الثانية على لبنان، قال يدلين إن حزب الله تضرر كثيرا في الحرب، وبعد الحرب بادر إلى خطة لإعادة بناء قوته العسكرية من جديد. وأضاف أن لهذه الخطة أبعادا كثيرة، من جهة الوسائل القتالية والقوى البشرية والتدريبات والقيادة. ولكل واحد من هذه الابعاد مقاييس خاصة متفاوتة. ولذلك فإن السؤال هو ليس عدد الصواريخ الموجودة بيد حزب الله ومدى هذه الصواريخ فقط، فمنظومة السلاح ليست مستقلة بحد ذاتها، وإنما هناك حاجة لتتدريب عناصر وبناء أطر. وقد وضع حزب الله لنفسه أهدافا، لم يصل إليها بعد في العام الحالي. بمعنى أن ما يقلص احتمالات نشوب الحرب الحرب الآن، يزيد من احتمالات نشوبها في العام 2010، حيث يصل حزب الله إلى أوج قوته العسكرية.

وأضاف أن حزب الله سوف يستكمل استعدادته وبناء قوته العسكرية في موعد قريب من الموعد الذي حدده لنفسه. ومن الممكن الافتراض عندها أنه سيكون على استعداد للمخاطرة. وتابع أن حزب الله، مثل سورية، يدرك أن المواجهة المباشرة مع إسرائيل ليست استراتيجية صحيحة بالنسبة له. فهو يريد أن يكون لديه القدرة التي تردع إسرائيل، بحيث يستطيع مواصلة ضرب إسرائيل بشكل موضعي بدون أن ترد الأخيرة بحرب شاملة.

وعن تطبيق القرار 1701 الذي أدى إلى وقف إطلاق النار، قال يدلين إن القرار لم يطبق بالكامل. وأن ما طبق منه هو وجود قوات الطوارئ الدولية (اليونفيل) في جنوب لبنان، وعدم وجود مقاتلي حزب الله بالزي العسكري في مواقع مقامة بالقرب من الحدود. أما ما لم يطبق من القرار فهو عدم إطلاق سراح الجنديين الإسرائيليين الأسيرين لدى حزب الله، بالإضافة إلى تواجد عسكري لحزب الله جنوب نهر الليطاني، في حين تتواصل عملية نقل الأسلحة من سورية وإيران إلى حزب الله.

كما قال إن حزب الله يتواجد بأعداد ضخمة جنوب نهر الليطاني، ولا يتحرك مقاتلو حزب الله بشكل مكشوف بالزي العسكري في وضح النهار. ورغم عدم وجود مواقع عسكرية لهم بالقرب من الحدود، كما كان في السابق، إلا أن التواجد العسكري قائم. ولدى حزب الله صواريخ وقوات مقاتلة جنوب نهر الليطاني، بالإضافة إلى نقاط رصد ومراقبة، واستخبارات في داخل القرى المنتشرة على طول الحدود.

كما قال يدلين إجابة على سؤال حول مدى قوة حزب الله في حال اندلاع الحرب، فقال إن إسرائيل ستواجه حزبا أقوى مما كان عليه في الحرب الأخيرة على لبنان، كما أن قدرات إسرائيل العسكرية ستكون أقوى أيضا.

وردا على سؤال حول مضاعفة حزب الله لقوته الصاروخية بثلاث مرات عما كانت عليه في الحرب الأخيرة، قال يدلين إن التهديد الصاروخي لحزب الله هو تهديد ملموس. وهو يشمل صواريخ متفاوتة المدى حتى الأسلحة التي يمكن تصنيفها كصواريخ أرض أرض، وبإمكانه ضرب مناطق واسعة من إسرائيل، بحيث بات من السهل جدا ضرب الجبهة الداخلية، الأمر الذي يقف في مركز اهتمامات الاستخبارات العسكرية.

وتابع أن حزب الله قد درس نتائج الحرب، ونقاط الضعف التي أخفق فيها في الحرب. ويحاول تطويرها. ويستعد حزب الله لإمكانية وقوع مواجهات مستقبلية محتملة من خلال الصواريخ والراجمات التي تطلق باتجاه الجبهة الداخلية، وبشكل مواز يحاول إنشاء منظومة برية تستطيع مواجهة أية عملية برية بنجاح، الأمر الذي يعتبر بالنسبة لحزب الله درسا مركزيا من دروس الحرب الأخيرة.

ورفض الإجابة على سؤال حول إمكانية أن يقوم حزب الله بجر إسرائيل إلى داخل لبنان في المواجهات القادمة. وأضاف أن جزءا من التغييرات التي يمر بها حزب الله تلزمه بالتحول من "جيش إرهابي" (الإشارة إلى مقاتلين بطريقة حرب العصابات) إلى "جيش تقليدي"، سواء في الاستعدادات أو بالوسائل القتالية أو بالسيطرة والقيادة. وهذا التحول، برأيه، ليس تفوقا لحزب الله، وإنما يصادر منه إمكانية التهرب من المواجهة المباشرة.

أما بشأن الأحداث الأخيرة في لبنان، فقال إن ما حصل يؤكد على تقديرات الاستخبارات العسكرية السنوية. وبحسبه فإن الاستخبارات العسكرية كانت قد توقعت ضعف ائتلاف من أسماهم بـ"المعتدلين" في لبنان وتعزز قوة المعارضة التي يقف حزب الله في مركزها. وأضاف أن حزب الله لم يكن يريد السيطرة على لبنان، ولو كان يريد ذلك لفعل. وبإمكانه السيطرة على بيروت بأكملها خلال أيام، ولكن حزب الله لا يريد أن يكون "حماس"، على حد قوله. وأضاف أن ما فعله حزب الله هو أنه أثبت هذا الأسبوع أنه الأقوى في لبنان. وبحسبه يجب تذكر أن حزب الله أقوى من الجيش اللبناني.

وردا على سؤال إذا ما كان يقصد أن ذلك يعني أن حكومة السنيورة قصيرة الأجل، وأن الحراك التاريخي يشير إلى صعود حزب الله، قال إن حزب الله يعزز من قوته منذ العام 1982، وخاصة بعد الانسحاب الأحادي الجانب في العام 2000.

كما ادعى يدلين أن الفراغ الذي تركته سورية بعد خروجها من لبنان، بدأت إيران بملئه بالأيديولوجيا والتمويل والسلاح والمعرفة. ومع ذلك فإن إيران لا تستطيع أن تملي كل ما تريد في دولة مركبة ومعقدة مثل لبنان. وأنه على إسرائيل أن تواصل الانتباه إلى تعزز قوة حزب الله، وتشديد قبضته على لبنان.

وبالنسبة لحركة حماس قال يدلين إنه منذ "فك الارتباط" من قطاع غزة، وبالتأكيد بعد سيطرة حماس على قطاع غزة، فإنها تحاول تأسيس جيش. وهي تمر بعملية تغيير مماثلة لتلك التي تحصل لدى حزب الله، أي التحول من "منظمة إرهابية" إلى منظمة نصف عسكرية مع فرق وألوية وكتائب. وتحاول حماس إدخال "قدرات إرهابية بمميزات يتصف بها جيش له قدرات هجومية موضعية، وقدرات إطلاق معينة، وخاصة القدرة على مواجهة عملية برية هجومية إسرائيلية"، وذلك بدافع خلق ميزان ردع مقابل إسرائيل. وبحسبه فإن ميزان الردع هذا يعتمد على القدرة على إطلاق النار باتجاه سكان المستوطنات المحيطة بقطاع غزة، ولاحقا إلى مناطق أبعد، وهو نموذج مشابه لحزب الله، إلا أن حماس لا تزال بعيدة عن أن تكون حزب الله، على حد تعبيره.

وعن القدرة الصاروخية لحركة حماس، قال إن حماس تمكنت من تطويرها من صواريخ بدائية يصل مداها إلى كيلومترات معدودة إلى صواريخ يصل مداها إلى 9-13 كيلومترا. وتعمل حماس على محاولة تهريب صواريخ بمواصفات عالية إلى قطاع غزة، وهي كاتيوشا بقطر 122 ميللمترا، ويصل مداها إلى 20 كيلومترا. وبحسبه فإن حماس لن تكتف بذلك، فهي تريد الحصول على صواريخ ذات مدى أبعد من ذلك. وذكر في هذا السياق أن حزب الله تمكن من تطوير صواريخ من هذا الطراز يصل مداها إلى 40 كيلومترا، ما يعني أنه في حال عدم معالجة هذه المسألة فإن حماس سوف تدخل مدنا إسرائيلية أخرى في مرمى صورايخها. وأضاف أنه في العام 2010 سوف يصل مدى هذه الصواريخ إلى كل بلدة تبعد 40 كيلومترا عن غزة، مثل أشدود وكريات غات وبئر السبع.

وردا على سؤال بشأن تعايش إسرائيل مع هذا الوضع، قال إن السؤال ليس استخباريا وإنما سياسيا. ومن الناحية الاستخبارية فإن هذا الوضع الحالي يجب ألا يستمر لمدة طويلة. ومن الممكن معالجته عن طريق معالجة قدرات من يطلق النار أو معالجة أهدافه. وقال إنه من الممكن معالجة الأهداف عن طريق التسوية أو الردع بجعل حماس تدرك أنها ستدفع ثمنا كبيرا جدا.

وحول التشابه بين المنظومة الدفاعية التي تقوم حماس ببنائها وبين نموذج حزب الله، قال إن المنظومة البرية لحماس مبنية على أساس التحصن تحت الارض، والعبوات الناسفة والقناصة. فحماس تستعد لإمكانية أن تقرر إسرائيل مواجهتها في حرب برية على شاكلة "السور الواقي 2". وقامت حماس ببناء عدد من الألوية العسكرية، علاوة على سيطرتها على الشرطة وبناء أجهزة أمنية بإمكانها تقديم مساندة قتالية.

وعن إمكانية التوصل إلى سلام مع حماس، قال يدلين إنه يجب التمييز بين 3 مصطلحات؛ السلام والهدنة والتهدئة. فالسلام مع إسرائيل غير قائم في مصطلحات حماس. فحماس كانت قادرة على إزالة الحصار لو كانت على استعداد للحديث عن السلام وعن الاعتراف بإسرائيل، ولكنها لم تفعل. وعندما تكون حماس تحت الضغط العسكري توافق على ما تسميه "هدنة"، وهي وقف لإطلاق النار وتطالب حماس مقابلها أكثر مما طلب عرفات مقابل اتفاق سلام مع إسرائيل. حماس تعطي أقل بكثير من عرفات وتطالب بأكثر بكثير مما طالب به؛ العودة إلى حدود 67 حتى الشبر الأخير، وعودة القدس وعودة اللاجئين. ويضيف في هذا السياق أن الهدنة مع حماس تبدو غير ممكنة طالما بقيت هذه الشروط.

أما التهدئة فهي "مصطلح أضعف معناه الهدوء. حماس تريد التهدئة، وهي تعرف أن الوضع في غزة صعب سياسيا واقتصاديا وشعبيا. ولذلك تبحت عن تهدئة. وحتى الجمهور في غزة يطلب ذلك. ويفترض أن تزيل التهدئة التوتر الذي تعيشه حماس بين كونها منظمة إرهابية، وبين كونها حكومة مسؤولة عن المواطنين ومعنية بالبقاء في السلطة".

وعن إمكانية أن تستغل التهدئة لمواصلة حماس تعزيز قوتها وتعريض إسرائيل للخطر مستقبلا، قال يدلين إنه إذا لم يكن وقف تهريب الأسلحة جزءا من التهدئة، وإذا تواصل إنتاج الأسلحة في غزة، فإن حماس ستواصل تعزيز قوتها خلال التهدئة.

وردا على سؤال إذا ما كانت التهدئة تحل مشكلة أم تخلق مشكلة، قال إن التهدئة بحسب الاتفاق بين رئيس المخابرات المصرية عمر سليمان وبين حماس ربما تحل مشكلة الإرهاب من غزة على المدى القصير، إلا أنه على المدى البعيد فهي لا توفر الرد على تواصل التهريب وتعاظم قوة حماس. كما أنه من الصعب فصلها عن إطلاق سراح الجندي الأسير غلعاد شاليط.

وقال يدلين إن الهدف الاستراتيجي البعيد المدى لحماس هو أن تختفي دولة إسرائيل، وأن تكون الدولة الفلسطينية التي ستقوم مكانها دولة شريعة إسلامية. إلا أنه يوجد لحماس أهداف آنية مثل تثبيت سلطتها في غزة، وفك الحصار، والسيطرة على الخطاب السياسي الفلسطيني، وخلق ردع مقابل إسرائيل، ومواصلة الحرب ضدها.

وأضاف أن "حقيقة كون منظمة إرهابية حكومة أيضا يجعل الحالة في قطاع غزة خاصة ومهمة. والحاجة إلى المحاسبة وتحمل المسؤولية في صراع عنيف مع التوجه الجهادي. غزة هي الحالة الثانية في التاريخ، بعد السودان، والتي تسيطر فيها حركة الإخوان المسلمين على دولة عربية. وعملية إثبات أن دولة كهذه ممكنة تعتبر هدفا استراتيجا مهما جدا لحماس".

وردا على سؤال إذا ما كانت السلطة الفلسطينية قادرة على التوصل إلى اتفاق ملزم بشأن حل الدولتين في هذا العام، قال يدلين إن حيز المرونة الذي يبديه الفلسطينيون حتى الآن ضيق نسبيا.

وحول إذا ما كان أبو مازن قادرا على القيام بتسويات مؤلمة رفضها عرفات في كامب ديفيد، قال يدلين إن هناك 3 مواضيع جوهرية ثقيلة يسقط بسببها أو يكون بسببها اتفاق؛ الحدود واللاجئين والقدس. وفي مسألة الحدود فهو يعتقد أنه حصل تقدم منذ العام 2000، وهناك جاهزية لدى الطرف الفلسطيني لتبادل مناطق. وهناك أسئلة حول مساحة هذه المناطق، ولكن يوجد اعتراف بأن كتلا استيطانية معنية ستبقى مقابل مساحات بديلة تحصل عليها من إسرائيل. وبحسبه فمن الممكن جسر الهوة في هذا الشأن. أما قضية القدس فهي متعلقة بترتيبات خلاقة وبترتيبات تتيح للطرفين أن يعيشا معها. وفي مسألة اللاجئين فالوضع أصعب، حيث أن هناك مطالبة فلسطينية بأن تعترف إسرائيل بمسؤوليتها، علاوة على الرغبة بإعادة عدد ملموس من اللاجئين إلى إسرائيل فعليا. ولم يتخل الفلسطينيون حتى الآن عن هذه المطالبة، ولذلك فإن موضوع اللاجئين هو الأصعب، على حد قوله.

وعن أبعاد عدم التوصل إلى اتفاق، قال إن السؤال هو كيف سيعرض عدم النجاح. وإذا كان ذلك يعني أن المطلوب هو وقت إضافي، لسياق آخر ولبلورة أفكار جديدة، فإن الوضع سيكون أسهل. أما إذا حصلت مواجهات حادة وتبادل تهم، فإن قيادة السلطة الفلسطينية سوف تضعف جدا، لدرجة ترك كبار المسؤولين للسلطة.

وردا على سؤال إذا ما كان أبو مازن سيغادر الأراضي الفلسطينية في حال فشل "أنابولس"، قال يدلين إنه لا يستثني هذه الإمكانية.

وعن إمكانية اندلاع انتفاضة ثالثة، قال إن الاحتمالات منخفضة، إلا أن المعسكر الفلسطيني المؤيد للتسوية سوف يضعف ومن الممكن أن تختفي القيادة الحالية. ومن الممكن أن تحصل عملية تفكك في الجهاز الفلسطيني وفوضى، وثم سيطرة حماس، وهي أمور ليست جيدة لإسرائيل.

وعن إمكانية التوصل إلى اتفاق ومدى الدعم الشعبي الفلسطيني له، قال إنه "في حال نظر الفلسطينيون إلى الاتفاق كعادل ومنصف فمن الممكن أن يتمكن أبو مازن من المصادقة عليه في استفتاء عام. وفي المقابل فإن القدرة على تطبيق الاتفاق ستكون ضعيفة. فوضع السلطة ووضع أجهزتها الأمنية يصعب عليها السيطرة على عناصر الإرهاب، ويؤدي إلى عدم قدرتها على تطبيق التسوية في المستقبل المنظور. أبو مازن يريد تسوية، ولكن يجب أن نشير إلى أن ابو مازن لا يبذل ما فيه الكفاية لبناء بنية تحتية لدولة، بالإضافة إلى إعداد الفلسطينيين للسلام".

التعليقات