سفينة "دبور" إسرائيلية في ميناء جونيه في الأشهر الأولى من العام 1976..

-

سفينة
كتب عاموس غلبوع، رئيس قسم الأبحاث في شعبة الإستخبارات العسكرية سابقاً، في صحيفة "معاريف" أنه في الأشهر الأولى من عام 1976، وبينما كانت الحرب الأهلية في لبنان في أوجها، وصل للمرة الأولى إلى البلاد بشكل مفاجئ، عن طريق البحر، البعثة الأولى من عناصر الكتائب.

ويتابع أن عناصر المجموعة توسلوا إسرائيل لمساعدتهم من خلال تزويدهم بالسلاح. بعد ذلك بعدة أيام، وفي ساعات بعد الظهر، أبحرت سفينة "دبور" من ميناء حيفا، وكانت وجهتها ميناء جونيه..

وكان على متن السفينة، إلى جانب طاقم سلاح البحرية، أحد كبار المسؤولين في الموساد في حينه، وبمعيته بنيامين بن إليعيزر، وكان الهدف مقابلة قائد الكتائب في حينه بشير الجميل.

ويستحضر غلبوع هذه التفاصيل مع اغتيال الوزير بيار الجميل، الذي اغتيل في سن 34 عاماً، مع الإشارة إلى أن عمه بشير الجميل قد اغتيل في سن 35 عاماً في العام 1982، بعد أيام من إعلانه رئيساً للبنان. وترأس لبنان بعده شقيقه أمين الجميل في الأعوام 1982-1989.

ويضيف أن الاسم الجميل لا يعنى الكثير للأجيال الناشئة، حيث أن الأسماء التي تظهر اليوم على شاشات التلفاز هي قائد حزب الله حسن نصر الله، وفؤاد سنيورة رئيس الحكومة، وسعد الحريري، ووليد جنبلاط وسمير جعجع.

"في سنوات السبعينيات والثمانينيات، سنوات الحرب الأهلية، ودخول الجيش السوري إلى لبنان في أعقابها، وحرب لبنان الأولى (1982)، واتفاق السلام البائس في أيار/مايو 1983، كانت عائلة الجميل من العائلات المعروفة في لبنان، وشكلت الركيزة الأساسية للمعسكر المسيحي، الذي يقف في وسطه الطائفة المارونية. أما والد العائلة، بيار الجميل فهو الذي أسس حزب الكتائب".

ويتابع أنه لم تتح له الفرصة لمقابلة بيار الجميل، الجد. فمنذ بداية سنوات السبعينيات ترك الحياة السياسية في لبنان، وانغلق على نفسه في بيته ببلدة بكفيا في جبل لبنان. ويقول:" أتيح لي التعرف على ولديه، بشير وأمين، وخاصة الأول..

ويعود إلى السفينة، التي أبحرت باتجاه الشمال. فيقول إنها مرت على بيروت المشتعلة وتوقفت في ميناء جونية. وفي الظلام الدامس اقتربت سفينة صغيرة من الدبور، ونزل منها إثنان وتسلقا سلم السفينة. حيث جلسوا جميعاً في غرفة الطعام الصغيرة بشكل مزدحم. دخل الإثنان، وكان أحدهم يرتدي البزة العسكرية، وصافحنا وسط مفاجأتنا، حيث كنا نتوقع أن تلتقي بشير الجميل.

وبادر أحدهم إلى القول "أنا أمين الجميل، عضو البرلمان" باللغة الإنجليزية. وكانت خيبة أمل طاقم دبور كبيرة جداً. وأدركنا أنه النجل البكر لبيار الجميل، وهو لا يشغل أي منصب في حزب الكتائب، وليس من ضمن المقاتلين في الحزب. وبالنتيجة لم تتطور لغة مشتركة، وكان من الصعب فهم مواقفه.

"بعكس أمين الجميل، تماماً كان بشير الأصغر. رجل حميمي وقاسي القلب في الوقت نفسه، وذو شخصية كاريزماتية بشكل غير عادي. وقد قابلته في مطبخ سفينة الصواريخ قبالة شواطئ جونيه، بعد فترة قصيرة من لقاء شقيقه أمين".

كانوا أربعة لبنانيين، بشير وحارسه الشخصي وأمين سره، وداني شمعون، نجل كميل شمعون، قائد ميليشيات الكتائب مع حارسه الشخصي أيضاً.

ومنذ ذلك الحين التقينا مرات كثيرة على متن السفينة في ميناء جونية، وفي باريس وتل أبيب أيضاً. وفي إحدى المرات، وبعد اجتماع مع عيزر فايتسمان، وزير الأمن في حينه، جلسنا نتناول الغداء في أحد مطاعم هرتسليا، بعد ذلك سافرنا إلى حيفا، ومن هناك على متن سفينة الصواريخ توجهنا شمالاً نحو لبنان.

"وقفنا لوحدنا على متن السفينة، ومع هبوط المساء، بدأت تبتعد جبال الكرمل عن أعيننا رويداً رويداً. وعندها بادر بشير إلى الحديث، بلهجة تختلف عما سمعتها منه في عدد لا يحصى من المرات. وقال إن الفلسطينيين هم الكارثة الكبرى التي حلت بلبنان، وأنه يخشى السوريين كثيراً، وأنه يجب على إسرائيل "معالجتهم".

وتوجه بشير إلى غلبوع بالقول:" أنت خبير بالتاريخ اللبناني، ما رأيك بالعودة إلى لبنان الصغير، لبنان ما قبل 1920، إلى لبنان ذي الغالبية المسيحية والأقلية الدرزية؟ ما رأيك بالتنازل عن البقاع، وعن جنوب لبنان وعن طرابلس؟

ويقول غلبوع:" لقد فوجئت.. لبنان هذه الأيام، لبنان الكبير، أنشأه الفرنسيون في العام 1920 وضموا إليه شمال لبنان والبقاع وجنوب لبنان"..

"في هذه الأثناء كان الظلام قد هبط، وتجاوزنا مدينة صور، بينما كان بشير يفكر بالإمكانيات المختلفة لمستقبل لبنان.. في حين كنت ألتزم الصمت.."..

التعليقات