عن التفاعلات الرغبية لـ"خيبة الأمل" الأميركية/ أنطوان شلحت

عن التفاعلات الرغبية لـ
كرّرت سيما كدمون، مراسلة الشؤون الحزبية في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يوم الاثنين (7/8/2006)، التقديرات التي أذيعت هنا وهناك بأن هناك "خيبة أمل" أميركية من أداء الجيش الإسرائيلي في الحرب على لبنان، التي بات المعلقون الإسرائيليون يجمعون على الدور الأميركي الفاعل والمباشر في إطالة أمدها، دون أن يقروا بهذا الدور، الفاعل والمباشر بالقدر نفسه، في شنّها.

وكتبت "كدمون" في هذا الصدد تقول: "الوعود شبه الوحيدة التي تتحقق منذ بدء الحرب هي الوعود بالمزيد من الدم والدموع والألم، التي وردت أيضًا ضمن خطاب رئيس الحكومة إيهود أولمرت قبل أسبوع. أمس (الأحد- 6/8/2006) كان أحد أيام الحرب الأكثر صعوبة، بسبب موت عدد كبير من الجنود والمسّ الشديد الإضافي بعشرات المدنيين. وربما أيضًا بسبب الاعتراف الآخذ في التجذّر بأنه لن يترتب على هذه الحرب منتصرون ومهزومون. الأميركيون ينظرون إلى نتائج القتال المستمر منذ حوالي شهر. وقد قرروا أن الوقت لا يعمل لصالح أي طرف، ولذا من الأفضل التوقف الآن. لن تكون هنا مفاوضات. وكوندوليسا رايس لن تمكّك بين بيروت والقدس. خلال عدة أيام سيصدر عن الأمم المتحدة قرار بإنهاء الحرب. الآن لم نعد نحن وإنما الولايات المتحدة هي التي تقول: إلى هنا".

وشدّدت "كدمون"، داخل ذلك، على أن "الموقف الذي تعرضه الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة لا يقبل التأويل. ومؤداه أن واشنطن يئست منا. وهي باتت تفهم أننا لن ننجز أكثر مما حققنا إلى الآن. بكلمات أخرى فإن نافذة الفرص العسكرية قد طرقت في وجهنا. لقد أراد الأميركيون إثباتات على قدراتنا: إذا لم يكن (اغتيال حسن) نصر الله، فعلى الأقل (السيطرة على) تحصين منيع، سفينة سلاح، شيء ما يظهر أننا بحاجة إلى مزيد من الوقت. لكن حتى هذا الأمر لم يكن في مقدورنا أن نمنحهم إياه".
السؤال الآن: ما هي التفاعلات الرغبية التي يمكن أن تترتب على "خيبة أمل" السيّد الأبيض فيما وراء المحيط؟. هنا بعض الإشارات:

(*) يرى أمير أورن، معلق الشؤون الأمنية في "هآرتس"، أنه سوية مع استمرار العمليات العسكرية في لبنان على نحو ما هي عليه إلى الآن، انتقل "مركز النشاط" إلى مزرعة الرئيس جورج بوش في تكساس، حيث يمضي إجازته الصيفية ("هآرتس"، 6/8/2006). وأضاف: الناطق بلسان بوش، طوني سنو، أكد في 4/8 أن بوش استدعى مستشارين وخبراء خارجيين لقضايا الشرق الأوسط.
وما يمكن أن يتمخّض عن ذلك، برأي "أورن"، هو أن يعلن بوش في نهاية المطاف عن "خطة طريق لتسوية علاقات لبنان مع جيرانها"، كبنية أساسية للهدنة، وبقصد بلوغ غاية (قصوى) تتمثل في أن تقف في مواجهة إيران "جبهة عربية معتدلة تشمل العراق والسعودية والأردن ولبنان (بدون "الجناح العسكري لحزب الله") وسوريا". وتابع: "عزل دمشق عن طهران سيكون الجهد الرئيس لعملية كهذه، كما سيتم استكمال المس العسكري بحزب الله الذي يرى قائد هيئة الأركان، دان حالوتس، في زعيمه "قائد المنطقة العسكرية لغرب إيران". وفي السياق الإسرائيلي فإن معنى خطة كهذه هو التجديد السريع للمساومة حول السلام مقابل هضبة الجولان، بما في ذلك ملحق مزارع شبعا. وكما في العام 2000 فإن كثيرين من مسؤولي جهاز الأمن سيؤيدون خطة التسوية هذه، ذلك أن أكثر من ثلاثة أسابيع متواصلة من هطول الكاتيوشا أكدت مخاوفهم بشأن تقليص أهمية الأرض في عصر السلاح المتعرّج المسار والبعيد المدى".

وسبق لـ"أورن" أن أشار أيضًا إلى خيبة الأمل الأميركية من الأداء العسكري الإسرائيلي، بل ربما كان "طليعيًا" في ذلك، حيث كتب يقول ("هآرتس"، الفاتح من آب 2006): صحيح أن هناك تقاربًا بين الحكومتين الأميركية والإسرائيلية، لكن نسيج العلاقة بينهما غير متساوٍ. ثمة من يطلب إذناً، وثمة من يصادق. ثمة من يثير توقعات وثمة من يخيّب الأمل. والمشكلة الأميركية في الوقت الراهن هي أن القتال يمكن أن يتوقف بصورة مفاجئة قبل الأوان، وبالتالي فإن التهديد سيتجدد بسرعة.
وتابع: الرئيس بوش خائب الأمل. لم يصوّر لنفسه أن الجيش الإسرائيلي على هذا النحو، وهو الجيش الشديد القوة والعزم والأحابيل، والطافح بالسلاح الأميركي. لقد استدعوا كلبًا من نوع "بولدوغ" فجاءهم كلب من نوع "بودل". وربما مع كل ذلك هو مجرّد كلب صيد. الجيش الإسرائيلي آمن بأنه مستعد جيدًا للاختبار، لكنه أخطأ الحساب أو نسي المادة. وها هو ذا الآن يتلقى موعدًا ثانيًا حتى من قبل انتهاء الموعد الأول... إلى أن يتم الحصول على موافقة حزب الله وإيران وسوريا على الاتفاق، ستستمر بل وستتصاعد العملية البرية للجيش الإسرائيلي في لبنان لإضعاف حزب الله.
ويؤكد "أورن" أن ما حصل للجيش الإسرائيلي في هذه الحرب "هو واحدة من القصص الغامضة الكبرى والحزينة في تاريخ دولة إسرائيل. إنه أحجية. على الورق، وخلال التدريبات، يبدو كل شيء واعدًا. لكن في الميدان الوعد يتلاشى، مثلما حصل مع منتخب البرازيل في المونديال. وفي مستويات الجنرالات والسياسيين، من المشكوك فيه أن نجد مسؤولاً إسرائيليًا واحدًا لن يخرج من هذه المعركة بندوب وجراح ومعاناة من جراء نزف سمعته".

(*) في الشأن ذاته قال يورام أتينغر، القنصل الإسرائيلي العام السابق في يوستون (ولاية تكساس الأميركية) والذي عمل أيضًا ملحقا في السفارة الإسرائيلية في واشنطن، إن إسرائيل "خيبت أمل الولايات المتحدة في هذه الحرب".

وأضاف "أتينغر"، الذي يعتبر أيضًا خبيرًا في شؤون الشرق الأوسط والولايات المتحدة، في مقالة نشرها في الموقع الإلكتروني لصحيفة "يديعوت أحرونوت" مؤخرًا، أن واشنطن حثّت إسرائيل على السير بالسرعة القصوى (بسرعة 150 كم في الساعة) في الطريق إلى القضاء على قدرات "حزب الله" العسكرية، لكونه الذراع السوري - الإيراني الذي أجهز سنة 1983 على 300 أميركي (في لبنان)، ولضلوعه في الأنشطة "الإرهابية" المعادية لأميركا في العراق.
لكن إسرائيل مترددة في الضغط على دواسة السرعة مكتفية بالسير بسرعة 80 كم في الساعة. وخيبة الأمل (الأميركية) من هذا التردّد عبرت عنها مؤخرا صحيفة "وول ستريت جورنال" المؤيدة لإسرائيل، وهي الصحيفة اليومية الأوسع انتشارا في الولايات المتحدة، والتي تعكس بصورة عامة موقف الرئيس (جورج) بوش ونائبه (ديك) تشيني، حيث كتبت الصحيفة: "تداعيات أي فشل إسرائيلي ستكون مروّعة... لقد تعهدت إسرائيل بعدم التوقف إلى أن يتم نزع سلاح حزب الله... إن إنهاء الحرب، في ظل بقاء حزب الله محتفظا بقدرة عسكرية، سيضرّ بشدّة برؤية بوش للشرق الأوسط...".

وأشار هذا الدبلوماسي السابق إلى أن تراجع إسرائيل عن الأهداف الأصلية للحرب، من شأنه أن يفقدها من مكانتها كمنتج للأمن القومي، يطوّر ويقوّي الذراع الطولى للولايات المتحدة، كما أنها يمكن أن تظهر كمستهلك لأمن قومي، يحتاج لمد يد المساعدة الأميركية.

كذلك فإنه كلما بدت إسرائيل غير راغبة، أو غير قادرة، على إلحاق الهزيمة بحزب الله، ارتفع شأن هذه المنظمة، "الأمر الذي سيؤدي بالتالي إلى تشجيع الأنظمة الداعمة للإرهاب في الشرق الأوسط، وإضعاف الأنظمة العربية الموالية لأميركا، وزعزعة الاستقرار الإقليمي، فضلا عن المس بقدرة الردع الإسرائيلية والأميركية على حد سواء، وتراجع المصلحة الأميركية في التعاون مع إسرائيل".

كما أكد أن ابتعاد إسرائيل عما يسميه "تراث التحدي السياسي والعسكري" الذي تشكل في "إعلان (وحرب) الاستقلال" (في ضوء الحظر العسكري الأميركي في حينه) وحرب "الأيام الستة" (رغم الضغط الأميركي والحظر الفرنسي) وقصف المفاعل النووي في العراق (رغم معارضة الغرب)، سيضعف تعاطف مؤيدين معروفين لإسرائيل في الكونغرس والإدارة الأميركية والمجتمع المسيحي في الولايات المتحدة. "فكلما طال أمد الحرب سيكون من الصعب على الرئيس بوش المضي قدما في دعمه لإسرائيل في ظل ما يمكن أن يتعرض له من ضغوط من جانب جهات ومحافل انتقادية مثل بوش الأب ومحافل وزارة الخارجية ووكالة المخابرات المركزية وشركات النفط والهندسة المتعددة الجنسيات، إضافة إلى دول مثل السعودية والاتحاد الأوروبي وإلى الأمم المتحدة".

ومضى يقول: إذا ما رهنت إسرائيل عملياتها العسكرية بالتحركات السياسية والرأي العام العالمي، وبالحرص على الحد من إلحاق الأذى بمواطني العدو، فإن ذلك سيضر بالنجاعة التنفيذية ويفاقم من الخسائر الإسرائيلية، وستتساءل المؤسسة الأمنية الأميركية: أما زالت إسرائيل غارقة في "عقدة لبنان 1982"؟.
وهو يعتقد أن انجرار إسرائيل وراء عملية سياسية، قبل القضاء على قدرات "حزب الله" العسكرية، "سيضطر واشنطن أيضا للانجرار إلى هذه العملية، وسيزداد تأثير الأمم المتحدة وأوروبا ووزارة الخارجية الأميركية (التي تدعو إسرائيل للانسحاب إلى خطوط العام 1949). كما سيزداد وزن الولايات المتحدة كوسيط محايد على حساب مكانتها كحليف خاص لإسرائيل، وسيتصاعد الضغط على الأخيرة لتقدم تنازلات واسعة".

أخيرا يرى هذا الخبير أن استمرار هذه الحرب لأمد طويل سيساعد في نقل وتطبيق عبرها ودروسها (من جانب الفلسطينيين) في المناطق الفلسطينية في "يهودا والسامرة" (الضفة الغربية) وغزة التي أخذت تتحول تدريجيا إلى "حزب الله ستان"، وفي صبّ الزيت على موقد "الإرهاب الإسلامي" المناوئ لأميركا.

وختم قائلاً: الرئيس بوش ونائبه تشيني لا ينظران إلى إسرائيل كدولة تابعة وإنما كحليف قيمي وإستراتيجي حميم يشكل موقعا أماميا في الحرب العالمية الثالثة بين الديمقراطيات الغربية وبين "الإرهاب الإسلامي" المتمركز في الشرق الأوسط. لذلك فإن بوش ونائبه لا يتصرفان كوسيط محايد، وإنما يحثان إسرائيل على إظهار الجرأة التي رفعت مكانتها من "البقية الباقية" في العام 1948 إلى حليف مركزي في العام 2006. وبالتالي فإن تصميم إسرائيل على هزيمة "حزب الله" يستوجب الانتقال إلى "غيار عال" والسير بالسرعة القصوى ( في الحرب على لبنان) وفقما تقتضي المصالح المشتركة لإسرائيل والولايات المتحدة.

بالاتساق مع ما يقوله أمير أورن، بشأن "خطة طريق" أميركية محتملة خاصة بلبنان، يرى إفرايم لافي، الباحث في "مركز موشيه ديان لدراسة الشرق الأوسط وإفريقيا" في جامعة تل أبيب، أن الأهداف التي يمكن لإسرائيل السعي الآن إلى تحقيقها- بعد إخفاقها الذريع في تحقيق الأهداف الأصلية للحرب- يمكن اختزالها في هدفين هما: أولاً نزع سلاح "حزب الله" في منطقة جنوب لبنان، وثانيًا الحيلولة دون تمكنه من إعادة بناء قوته في المستقبل.

في هذه الحالة- يضيف هذا الباحث- سيحتفظ "حزب الله" بجزء من قوته العسكرية ولكن دون قدرة عملية على المس بإسرائيل أو العودة ليكون عامل قوة يملي سياسة لبنان أمنيا أو خارجيا.

وتحقيق هذين الهدفين يستوجب (من إسرائيل)، في قراءته، النظر إلى حكومة لبنان كشريك في تسوية سياسية وأمنية. فالمفاوضات مع هذه الحكومة من شأنها أن تعزز مكانتها كجهة سيادية وحيدة قادرة على حل المشاكل القائمة مع إسرائيل، ولكن ما من فرصة في أن تؤدي هذه المفاوضات إلى موافقة لبنانية على نزع سلاح "حزب الله" في جنوب لبنان، إلاّ إذا تضمنت أيضا صفقة تبادل أسرى جديدة وتوفر استعداد سوري لتسوية قضية مزارع شبعا وإعادتها إلى لبنان. حل هذه المشاكل سيمكن حكومة لبنان من بسط سيادتها على الجنوب، حتى إذا تم ذلك بمساعدة قوة متعددة الجنسيات. إذا تحقق ذلك ستبطل أيضا الحجج الذي يتذرع بها "حزب الله" للعمل ضد إسرائيل.

أما تحقيق هدف منع إمكانية إعادة بناء قوة "حزب الله" في المستقبل فهو منوط بتحييد تدخل كل من سوريا وإيران في لبنان. "وفيما يتعلق بسوريا فإن من الجدير تفحّص إمكانية استغلال حقيقة أن لدمشق مصلحة في منع اتساع ساحة النزاع إلى الأراضي السورية، وكذلك إمكانية إشراكها في التحركات الرامية للتوصل إلى تسوية لإنهاء الحرب. هذا الأمر يمكن أن يؤدي إلى إنهاء العزلة السياسية لسوريا وبدء فصل جديد من الحوار العملي بين واشنطن ودمشق حول قضايا أمنية وسياسية بما يخدم لاحقا المصالح الإسرائيلية".

ويعتقد لافي أن السير في هذا الاتجاه "سيشكل استغلالا للحرب كنقطة تحوّل على المستوى الإقليمي تتعدى إبعاد حزب الله من جنوب لبنان".

وفي رأيه قد يتمخض هذا التوجّه عن تطورات يمكن إيجازها بما يلي:
• شطب سوريا من قائمة الدول المؤيدة للإرهاب مقابل توقفها عن دعم وتأييد "حزب الله" أو السماح بنقل السلاح والعتاد له عبر الأراضي السورية.

• إبعاد إيران عن ساحة المنطقة عن طريق منع إعادة بناء قوة "حزب الله" وإخراج سوريا من "محور الشر". عزل إيران بهذه الطريقة سيكون مفيدا للعالم الغربي تمهيدا للمجابهة المحتملة مع طهران في موضوع الذرة.

• تقوية مكانة أنظمة الحكم العربية المعتدلة في مواجهة إيران والحركات الإسلامية الراديكالية التي تشكل تهديدا لهذه الأنظمة.

التعليقات