عن تنشئة إسرائيلية صنعت صورة "العربي الخطـر"/ أنطـوان شلحــت

عن تنشئة إسرائيلية صنعت صورة
(*) من الصعب أن نحصي القصص الفلسطينية الإنسانية، التي تضمنتـها الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة [27/12/2008- 17/1/2009]. غير أن قصة واحدة منها فقط احتلت بكيفية ما صدارة المشهد الإعلامي الإسرائيلي في آخر أيام الحرب، وهي قصة الطبيب الفلسطيني عز الدين أبو العيش، والذي سبق له أن عمل في المشافي الإسرائيلية، وكان في عداد المناهضين لسلطة "حماس"، وتعرّض منزله في غزة يوم 16 كانون الثاني (يناير) 2009 إلى القصف الإسرائيلي، ما أسفر عن مصرع ثلاث من بناته وابنة أخيه، علاوة على إصابة ثلاث من بناته الأخريات بجراح بالغة. وفي واقع الأمر احتلت هذه القصة صدارة المشهد الإعلامي في إسرائيل بسبب العلاقات الوثيقة التي كانت تربط هذا الطبيب بمجموعة من الصحافيين الإسرائيليين.
وفي سياق ذلك اعتبر أحد هؤلاء الصحافيين، وهو بوعاز غاؤون، أن ما حلّ بعائلة أبو العيش يعتبر، من ناحيته، "صورة الخسارة"، التي منيت إسرائيل بها مع انتهاء "عملية الرصاص المسبوك" (صحيفة "معاريف"، 18/1/2009).
ورأى الكاتب الإسرائيلي إيال ميغد، الذي عادة ما كان يتبنى مواقف يمينية متطرفة في الآونة الأخيرة، أن محاولة امرأة إسرائيلية من مدينة هرتسيليا أن تتهم أبو العيش، في أثناء لقائها به في ردهة أحد المشافي الإسرائيلية حيث كانت بناته الثلاث يخضعن للمعالجة، بالمسؤولية عن المصيبة التي نزلت بعائلته "تثير الخزي والعار". وعلى الرغم من قيام إحدى قنوات التلفزة الإسرائيلية بتنظيم "لقاء مصالحة" بين الطرفين فقد أصرّت تلك المرأة الإسرائيلية على أن تبرّر فعلة الجيش الإسرائيلي. وكتب ميغـد في هذا الشأن يقول: "إن المأساة المروعة لهذا الطبيب الفلسطيني لا تهمها لا من قريب ولا من بعيد، فهي عمليـًا لا تراه بتاتًا... بكلمات أخرى في إمكاني القول إن هذه المرأة قد جسدت، في اللحظة الملائمة، ما لا نرغب في أن نقرّ به، وهو وجود جانب مخجل ومثير للقلق في سلوك المجتمع الإسرائيلي برمته، هو جانب الانغلاق، الذي يفضي به إلى فقدان حسّه الإنساني الأساسي" (صحيفة "معاريف"، 19/1/2009).
إن هذا الجانب لم يكن وليد الحرب الأخيرة على غزة، وإن كانت قد ساهمت في تفاقمـه، وإنما يشكل عنصرًا رئيسًا في الثقافة الإسرائيلية العامة. وسبق أن صادفنـا، عقب انتهاء "حرب لبنان الثانية" في صيف 2006، رؤى سياسية تنم عن هذه الخلاصـة. ومنها، مثلاً، دعوة المعلق السياسي دانيئيل بن سيمون، الذي أصبح عقب الانتخابات الإسرائيلية العامة عضوًا في الكنيست عن لائحة حزب العمل، إلى أن تخرج إسرائيل من شرنقة الأحادية وأن تلتفت إلى محيطها الإقليمي.
ومما كتبه في هذا الصدد:
"في السنوات الأخيرة تعززت نزعتنا القسرية للتحادث مع أنفسنا حول التسوية مع العرب، كما لو أن النزاع الحقيقي في الشرق الأوسط هو بين اليمين واليسار (في إسرائيل).
منذ ست سنوات توقفت السياسة الإسرائيلية عن التقدّم ولو خطوة واحدة إلى أمام. ومنذ أن دفع إيهود باراك ياسر عرفات إلى داخل الكوخ في كامب ديفيد في تموز (يوليو) 2000 لم يحصل أي تماس جدي بين زعيم إسرائيلي وبين زعيم عربي نخوض نزاعًا معه. النتيجة كانت مروّعة. فلقد أقفلت إسرائيل الأبواب أمام جيرانها وعقدت العزم على الوصول إلى تسويات سياسية وفقًا لما تفكر به وبسجال مع ذاتها عبر التغاضي عن جيرانها.
ربما يكمن مصدر العدوانية تجاهنا في طبيعتنا الأنانية وفي عدم تعاملنا مع جيراننا، في عدم استعدادنا لرؤيتهم عن بعد متر واحد... كما لو أن العرب هوام لا يليق التحادث معهم".
وتابع: "بدلا من الحديث مع أعدائنا فإننا نتحدث فقط مع أصدقائنا، حتى لا نقول الأوصياء علينا، في الولايات المتحدة... تبنينا الإنجليزية كلغة أم ونتعامل مع اللغة العربية كما لو أنها خطر وجودي. حتى الآن لم يثبت أن استعباد حياتنا وقيمنا ومستقبلنا لأميركا انطوى على أي فائدة. ولم نكن عديمي الأمان بتاتـًا كما نحن عليه الآن. وكجزء من يأسنا فإننا نحيط أنفسنا بسور ونحوّل شعار الانبعاث القومي إلى غيتو محض ومحكم الإغلاق من كل ناحية.
إذا تفشى اليأس من الجيران ومن السلام، فمن شأن الإسرائيليين تسليم مقود الدولة إلى أيدي مهووسين خطرين مثل أفيغدور ليبرمان. "من أجل أوضاع جنونية يتوجب أن يكون في الحكم أشخاص مجانين"، هذا ما قاله أحد سكان كريات شمونه، وعكس بذلك المزاج العام الجديد وذكر ليبرمان كوصفة سحرية.
إذا لم يعد أولمرت الأمل عاجلاً وإذا لم يفاوض السوريين والفلسطينيين واللبنانيين فمن شأن اليأس من الوضع أن يدفع الإسرائيليين نحو حلول متطرفة" (صحيفة "هآرتس"، 15/8/2006).


على صلة بما تقدّم صدر، في سنة 2007، عن "منشورات الكرمل"- القدس كتاب رائد في مجاله بعنوان "العيش مع النزاع، تحليل نفساني- اجتماعي للمجتمع اليهودي في إسرائيل"، من تأليف البروفسور دانيئيل بار- طال.
ويقدّم هذا الكتاب وصفًا علميًا منهجيًا للأساس النفساني- الاجتماعي، الذي يقف النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، والإسرائيلي- العربي، عليه. ولا يدعي المؤلف تحليل جميع العوامل والمنظومات والسيرورات النفسانية الضالعة في النزاع، بل يركز على الأساسيّ منها، أي تلك التي تؤثر بصورة بالغة على إدراك الواقع، من طرف المجتمع اليهودي في إسرائيل، بقدر ما تؤثر على السلوك الجماعيّ لهذا المجتمع.
ولعل الإطار النفساني لهذا الكتاب هو أحد تحصيلات كون مؤلفه باحثًا وأخصائيًا نفسانيًا- اجتماعيًا- سياسيًا، سبق له أن أشغل منصب رئيس "الشركة العالمية لعلم النفس السياسي"، علاوة على أنه محاضر كبير في جامعة تل أبيب. وتنهل أبحاثه، بقدر لافت، من المقاربة العقلية- الشعورية، التي تعتبر البشر أعضاء في أطر اجتماعية، ونتيجة لذلك فإنهم يتأثرون بهذه الأطر على نطاق واسع.
يتمحور الكتاب، الموزع على عشرة فصول ومقدمة وخاتمة، من حول "الريبرتوار" النفساني- الاجتماعي المرتبط بالنزاع لدى اليهود الإسرائيليين، والذي تكوّن وتطور على خلفية النزاع المرير والمتواصل، كما تغذّى أيضًا من الذاكرة الجماعية للشعوب ذات الصلة به. وبحسب ما يؤكد المؤلف فإن الذاكرة الجماعية للحياة في الدياسبورا (الشتات) وذاكرة المحرقة النازية (الهولوكوست) شكلتا وتشكلان عاملاً شديد التأثير على فهم دلالات النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني لدى الجانب اليهودي الإسرائيلي.
إن مفهوم بار- طال ينطلق، أساسًا، من اعتبار أن النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني يندرج في نطاق النزاعات القاسية التي لا يمكن السيطرة عليها، أو الخارجة على إمكان التحكم بها أو ضبطها. ويرى أن هناك نموذجًا عامًا في وسعه تأطير السيرورات النفسانية- الاجتماعية، التي تنميها مجتمعات خاضعة لنزاعات من هذا القبيل. وسوية مع ذلك هناك موضوعات عينية يتميز بها كل مجتمع من هذه المجتمعات على حدة. كما يرى أن جميع المجتمعات الموجودة في غمرة نزاعات خارجة على نطاق التحكم بها تواجه تحديات مماثلة، ما يُلزمها بإيجاد بنية تحتية نفسانية- اجتماعية تخدم حاجات المجتمع في ظروف النزاع القاسية. وتشكل هذه البنية التحتية الأساس لتطور ونمو ثقافة النزاع، لا ريبرتوار ذلك المجتمع فقط، ولا الموشور الذي ينظر من خلاله إلى واقع النزاع.
يشتمل هذا النموذج العام على ثمانية موضوعات تشكل الفحوى الأساس لثقافة النزاع، وهي: تكريس عدالة أهداف النزاع؛ تحقيق الأمن؛ إلغاء شرعية الخصم؛ التعظيم الذاتي الجماعيّ؛ المفهوم الذاتي كضحية؛ تنمية المشاعر الوطنية؛ الوحدة؛ التطلع إلى السلام. إن هذه الموضوعات حيوية وضرورية في إبان النزاع الخارج على إمكان التحكم به، لكونها تبني الأساس الإبستمولوجي- المعرفي [الأشبه بالأيديولوجيا] للروايات التي ينميها المجتمع. غير أنه في مقابل هذه الموضوعات، التي تعد كونية في النموذج العام، ثمة مضامين عينية تختص بكل مجتمع، وتشمل الأحداث (الوقائع) والأساطير والأبطال والتصاوير والمصطلحات والاستعارات ذات الصلة.
ويركز الكتاب على المضامين الخاصة بالمجتمع اليهودي الإسرائيلي، والتي نمت وتطورت في سياق النزاع الإسرائيلي- العربي، وبالأخص في إطار النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، الذي يعتبر لُبّه. ومع أنه يؤكد أن هذه المضامين قد هيمنت على الخطاب العام وعلى نتاج الثقافة اليهودية الإسرائيلية في الفترة التي بلغ فيها النزاع ذروته، وهي الفترة التي استمرت في قراءة المؤلف الخاصة منذ أربعينيات القرن العشرين الفائت حتى سبعينياته [تحديدًا حتى زيارة الرئيس المصري الراحل أنور السادات إلى إسرائيل في سنة 1977]، فإنه يشير إلى أن البنية التحتية النفسانية- الاجتماعية، التي أُنشئت في المجتمع اليهودي الإسرائيلي، تطورت على خلفية تجارب معيوشة أبعد، زمانًا ومكانًا، لا على خلفية تجارب تلك الفترة فقط. كما أنها تطورت على خلفية العادات والثقافة اليهودية القديمة. وهو يعتبر الهولوكوست التجربة المعيوشة الأكثر رهبة وفظاعة، التي تركت بصمات لا تمحى على كينونة المجتمع اليهودي الإسرائيلي.
لا يجوز، في عرف بار- طال، إدراك كنه السلوك الجماعي اليهودي- الإسرائيلي في خضم النزاع الإسرائيلي- العربي والنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني من دون أن نأخذ في الاعتبار "الصدمة التي مرّ بها هذا المجتمع نتيجة للهولوكوست، ومن دون إدراك الدلالة التي يعزوها لها". وهي تعتبر، في المجمل العام، نموذجًا رمزيًا لمصير الشعب اليهودي على تعاقب أجياله. غير أنه في الوقت نفسه يبدي تحفظه من جعل الهولوكوست قوة عليا تغذي سيرورات سلبية، ويذكر منها: استمرار النزاع؛ عقلية الحصار التي تزعم أن العالم كله ضد اليهود وإسرائيل؛ كراهية الغرباء؛ الانغلاق الذاتي؛ النزعة الذرائعية.
وقد جرى تضمين هذه التجارب، على مدار أعوام طويلة، في محتويات الثقافة ومضامينها، وانتقلت من جيل إلى آخر، وتعززت بواسطة تجارب اليهود المعيوشة في الزمن الراهن، بدايـة في فلسطين ومن ثم في دولة إسرائيل. ولذا كان من الحتمي، والحالة هذه، أن يُنظر إلى الخصم العربي، في سياق النزاع معه، باعتباره استمرارًا لعداء الشعوب الأخرى- الأغيار [الغوييم]- وحتى باعتباره استمرارًا للوحش النازي. وقد نقلت هذه المحتويات، بصورة مركزة ومنهجية، من خلال جميع مؤسسات المجتمع اليهودي الإسرائيلي وقنواته الإعلامية، في إبان فترة النزاع الخارج على نطاق السيطرة.
غير أن بار- طال يرى أن الوضع في الوقت الحالي يختلف اختلافًا جوهريًا عما كان عليه خلال الأعوام التي بلغ النزاع خلالها ذروته، لكن على الرغم من ذلك ما زال الكثير من الذي يجري إكسابه لأبناء المجتمع اليهودي ينهل من نبع المحتويات الخاصة لما يسميه "روح النزاع". إنّ أدوات ذلك هي كتب التدريس؛ الأدب العبري؛ المسرحيات والأفلام الإسرائيلية؛ وسائل الإعلام الجماهيرية؛ خطابات الزعماء؛ الطقوس الرسمية وما شابه.
وهو يؤكد، علاوة على هذا، أن إسقاط الشرعية هو أحد العوامل النفسانية الأكثر أهمية للمقاربات والممارسات التي تزيد من حدّة النزاع وتؤججه، كما أنها تؤدي قسطًا في استمراره وفي ارتكاب أعمال تشذ عن المعايير المألوفة حتى في خضم القتال، مثل المسّ بالمدنيين والعقوبات الجماعية... إلخ.
ويتمثل فحوى إسقاط الشرعية، بشكل عام، في خلع صور تنميطية ذات دلالة سلبية متطرفة على أبناء جماعة بشرية معينة بهدف نزع السمات الإنسانية عنها.
لم يبدأ إسقاط الشرعية عن العرب لدى المجتمع اليهودي الإسرائيلي في الفترة القليلة الفائتة فقط. بل إن جذور ذلك موجودة في الماضي، عبر تمثيل العربي كرجل شرقي بدائيّ يميل إلى تنمية علاقات خصومة. وهذا الفهم انضفر في الخطابين الخاص والعام في الييشوف قبل إقامة إسرائيل، وبعد قيامها، وتغلغل في نتاج الثقافة والتربية، اللتين نمتا وتطورتا في المجتمع اليهودي.
ولقد انعكس إسقاط الشرعية عن العرب داخل المجتمع اليهودي الإسرائيلي في خطابات القادة، وفي التقارير الإخبارية والتحليلات التي قدمت وتقدم في وسائل الإعلام، وفي الأدب والمسرح والأفلام، وحتى في الكتب التدريسية. كما أن نزع الشرعية عن الفلسطينيين كان واسعًا ورائجًا لدى المؤسسة الإسرائيلية حتى سنة 1993. وحتى عندما حاول قسم كبير من المجتمع الإسرائيلي أن يدفع قدمًا عملية سلام مع الفلسطينيين، وحاول من ثمّ التخلص من نزع الشرعية الممأسسة لدى هذا القسم، فإنّ جماعات المعارضة القوية في المجتمع واصلت إتباع نهج رفض شرعية الفلسطينيين. وفي نهاية الأمر عندما انهارت عملية السلام واندلعت انتفاضة الأقصى [في أيلول/ سبتمبر 2000] ظهرت نزعة إلغاء الشرعية مرة أخرى وبقوة أكبر في الخطاب الإسرائيلي العام.
يعيد المؤلف إلى الأذهان أن اليهود الذين أتوا إلى فلسطين، بالأساس من أوروبا، خلال الهجرات الصهيونية التي بدأت في نهاية القرن التاسع عشر، تعاملوا مع العرب الذي قطنوا في المنطقة من وجهة نظر مركزية عرقية جلية، وقد نظروا إليهم بوصفهم متخلفين، قذرين، أميين، يُحرضون بسهولة وعدوانيين. وقد راجت هذه المفاهيم قبل تصعيد النزاع القومي، وشكلت الأساس لإلغاء الشرعية الذي ظهر بكل قوته مع تنامي النزاع الدامي. واستمرت الحال على هذا المنوال أيضًا بعد إقامة دولة إسرائيل. وعلى مدار عشرات الأعوام تركزت الجهود الخاصة في محاولات إلغاء شرعية منظمة التحرير الفلسطينية التي تأسست في سنة 1964 وأصبحت بمرور الوقت تمثل تطلعات الفلسطينيين في غالبيتهم.
وعلاوة على إلغاء شرعية منظمة التحرير الفلسطينية استمرت عملية إلغاء شرعية العرب عمومًا والفلسطينيين خصوصًا. والتصاوير البارزة التي يتم إدراج العرب والفلسطينيين ضمنها، في نظر اليهود الإسرائيليين، هي أنهم أناس دونيون من ناحية ذهنية، أغبياء وبدائيون. ويُنظر إليهم حتى باعتبارهم كسالى فاقدي القدرة على القيام بمهماتهم على أتمّ وجه، إلى درجة تصنيف ما ينجزونه في إطار توصيف "العمل العربي"، وهو تصنيف يشير إلى ممارسة فاشلة مهملة وأصبح مصطلحًا شائعًا بين اليهود الإسرائيليين. ويعتبر العرب عامة والفلسطينيون خاصة غير أمينين، عنيفين، وقساة ومستخفين بحياة الإنسان. هذه المعتقدات رائجة تقريبًا بين جميع فئات المجتمع اليهودي في إسرائيل، وتقف في مركز الأساس النفساني- الاجتماعي الذي يزيّن لهم طريق التكيّف للعيش مع النزاع العنيف.
وثمة شهادات مهمة على الريبرتوار النفساني- الاجتماعي للمجتمع اليهودي الإسرائيلي في مضامين الكتب التدريسية.
يقول بار- طال إن المدرسة هي مؤسسة يوجد إجماع راسخ وواسع على دورها كوكيل مركزي للتنشئة، إذ أنه بواسطة الكتب التدريسية ومناهج التعليم وآراء المدرسين ينكشف الطلاب على قيم وأيديولوجيات وتقاليد رائجة في المجتمع. وتعكس الكتب التدريسية الإسرائيلية، عيانًا بيانًا، المعتقدات الاجتماعية الممأسسة، والروح الاجتماعية، والقيم، والأساطير، والأهداف المهمة للمجتمع، والذي يكون بدوره معنيًا بتمريرها إلى الأجيال المقبلة. ومن هنا فإن الكتب التدريسية لا تنقل المعارف الموضوعية والمحايدة فقط، وإنما تنقل أيضًا المعارف التي تخدم حاجات المجتمع، ويتم بواسطتها تكوين الواقع الاجتماعي للأجيال الجديدة. إن هذه الوظيفة تؤديها، في الأساس، كتب تدريس التاريخ، الجغرافيا، العلوم الاجتماعية، الموطن [المدنيات]، الأدب العبري والتوراة.
حتى التسعينيات، على الأقل، كانت في إسرائيل، على غرار دول أخرى، رقابة صارمة على مضامين الكتب التدريسية. وقد خضعت أجيال كثيرة من طلبة المدارس لعملية تنشئة سارت في وجهة تعميق ضلوعهم في النزاع. وكانت الكتب التدريسية حافلة بالمضامين التي تلائم البنية التحتية النفسانية- الاجتماعية، التي تدعم استمرار النزاع. وحتى السبعينيات كانت هذه العملية تحتل الحيز المركزي في جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي، الذي رأى الواقفون على رأسه أن المدرسة هي مؤسسة تتحدّد وظيفتها الرئيسية في أن تلقن الجيل الشاب الرواية الوطنية الإسرائيلية وقيمها. إن هذه العملية متواصلة إلى الآن، لكن من دون المباشرة، ومن دون غسل الدماغ، اللذين ميزا العقدين الأول والثاني من قيام إسرائيل.
وربمـا يكون عرض وقائع عملية إلغاء شرعية العرب، وفقما تبدّت في كتب التدريس العبرية، موضوعـًا لمقالة أخرى في وقت لاحق.
_________________________________________

(*) باحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية- مدار.

[عن صحيفة "الحيـاة"]

التعليقات