"نستطيع أن نأخذ حيفا وطبرية ويافا ومراكز أخرى كثيرة في البلاد، ولكننا سنصبح كالألمان- في النهاية سنخسر الحرب"../ كتب: هاشم حمدان

-

نشرت صحيفة "هآرتس" مقتطفات من يوميات يهودا ليف ماغنس مؤسس الجامعة العبرية ورئيسها الأول، في سياق ما يسمى "60 عاما على قيام الدولة"، إلا أنه من اللافت أن المذكور كان قد عارض قيام "إسرائيل" وحاول إقناع الإدارة الأمريكية بعدم الاعتراف بها، وذلك من باب أن قيامها سيؤدي إلى استمرار الكوارث والحروب. وفي المقابل طرح فكرة الدولة الثنائية القومية.

وبحسب مذكراته، ففي 13 نيسان/ابريل من العام 1948، قرر يهودا ليف ماغنس، رئيس الجامعة العبرية، بالرغم من وضعه الصحي الهش (70 عاما) أن يسافر إلى نيويورك، ومن هناك إلى البيت الأبيض في واشنطن، من أجل وقف الحرب التي تدور في البلاد، ممثلا لمجموعة ناشطي سلام من حملة القاب بروفيسور، بهدف إقناع الرئيس الأمريكي بفرض وقف إطلاق النار ومنع تقسم أرض فلسطين التاريخية وإقامة الدولة اليهودية.

مع صدور قرار التقسيم في التاسع والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر 1947، اعتقدت مجموعة من المثقفين، وغالبيتهم محاضرون في الجامعة العبرية، أن الحرب ستندلع في أعقاب إقامة الدولة اليهودية، وأنها ستؤدي إلى وقوع كارثة للعرب واليهود سوية.

د.ماغنس، المؤسس للجامعة العبرية، داعية سلام معاد للإمبريالية، اشتهر بمعارضته للحرب العالمية الأولى. ومنذ وصوله إلى البلاد في العام 1922 أيد فكرة إقامة دولة ثنائية القومية، لليهود والعرب، ذات حكومة تتألف من الشعبين.

اليوميات الشخصية لماغنس، والمكتوبة باللغة الإنجليزية، محفوظة في أرشيف "المركز لتاريخ الشعب اليهودي" في القدس. ويصف ماغنس في يومياته الأحداث السياسية والحربية التي جرت في فترة الانتداب البريطاني، ونظريته وكوابيسه.

اعتبر ماغنس نفسه تلميذا للمهاتما غاندي و"النبي يرمياهو"، وعارض كافة أشكال القومية التي تستند إلى القوة العسكرية.

ويقول البروفيسور أرييه غورن، من الجامعة العبرية والذي درس كتابات ماغنس، إن الأخير قد توقع أنه حتى في حال الانتصار في الحرب، فسوف تكون هناك بعد ذلك حرب أخرى وأخرى بدون نهاية. ويضيف غورن أنه "عندما بدأت المعارك حاول ماغنس وقف تطبيق قرار التقسم والدفع قدما بالفكرة التي بادرت إليها الخارجية الأمريكية، وذلك بأن تجمد الأمم المتحدة قرار التقسيم وفرض حكم وصاية وحكومة مؤقتة على الطرفين إلى حين تنضج الظروف لتسوية أخرى. واعتقد أن الفرصة مواتية لوقف عجلة الأحداث على أمل نشوء تفاهم ويصبح بالإمكان إجراء حوار".

ويكتب ماغنس في مذكراته إنه سيسافر إلى الولايات المتحدة، على أمل أن يقنعها بفرض عقوبات على إسرائيل في حال الإعلان عن قيامها. مشيرا إلى أن "الحرب لن تظل مشتعلة بدون نهاية، وبدون ذخيرة"، كما كتب لمؤيديه في الولايات المتحدة.

ويضيف في مذكراته أنه تعززت لديه القناعة بأن الولايات المتحدة فقط تستطيع أن تنقذ اليهود من أنفسهم. وأنه سيسافر إلى هناك على أمل أن يحقق السلام، علاوة على الحاجة إلى صلاحية وقوة مجلس الأمن لفرض وقف إطلاق النار.

ولدى وصوله إلى الولايات المتحدة يبادر إلى إجراء سلسلة من اللقاءات مع الدبلوماسيين والقادة اليهود. ويعرض عليهم خطته في اجتماع في نيويورك: "غالبية ملموسة من اليهود سيقولون إنه في حال السماح لهم فقط بالهجرة إلى البلاد والبناء لمدة 20-30 عاما آخر، لا حاجة لهم إلى الدولة.. يمكن الحصول على دولة عن طريق الحرب، والحرب لن تبني أي شيء.. نحن نستطيع أن نأخذ حيفا وطبرية ويافا ومراكز أخرى كثيرة في البلاد، ولكننا سنصبح كالألمان- في النهاية سنخسر الحرب".

وقال ماغنس "هناك الملايين تتلو الملايين من المسلمين في العالم، وهم ليسوا على عجلة من أمرهم.. وهناك الملايين تتلو الملايين من العرب على استعداد لتحمل التضحية بحياتهم التي هي رخيصة بالنسبة لهم، بالمقارنة مع البقية البائسة من اليهود في العالم".


وفي الرابع من أيار/ مايو، بينما كانت تشتد المعارك قرب القدس وفي منطقة طبرية، التقى ماغنس مع وزير خارجية الولايات المتحدة، جورج مارشال، وقال له "إن أي حل لقضية فلسطين ليس ممكنا، إلا إذا أحضر اليهود والعرب للعمل سوية من أجل خلاصهم. وحكم الوصاية سوف يمنحهم هذه الإمكانية".

وفي الغداة يلتقى ماغنس مع الرئيس الأمريكي، هاري ترومان، فيقول له إنه قد بقيت أيام معدودة حتى الخامس عشر من أيار/ مايو (موعد انتهاء الانتداب البريطاني)، فيرد عليه الرئيس بإجابة ضبابية. ويقول إن "اليهود قد رفضوا اقتراحه، وأن العرب واليهود يفسدون كل شيء".

وفي الأيام العشرة التالية يجري صراع بين معسكر حاييم وايزمان، الذين سعوا للحصول على اعتراف بإسرائيل من قبل الإدارة الأمريكية، مقابل مؤيدي "حكم الوصاية". ولدى الإعلان عن قيام إسرائيل، من قبل دافيد بن غوريون، تسارع الإدارة الأمريكية إلى الاعتراف بالدولة الجديدة.




وعن ذلك يقول الدكتور أمنون راز - كركوتسكين، وهو محاضر في كلية التاريخ اليهودي في جامعة بئر السبع، في حديثه مع موقع عــ48ـرب إن ماغنيس كان مؤيدا متحمسا لفكرة الدولة الثنائية القومية، وحارب من أجل هذه الفكرة بشكل متواصل سنوات عديدة. كان الرئيس الأول والمؤسس للجامعة العبرية في القدس، ومع ذلك فقد رفض فكرة الدولة اليهودية، وآمن بأنه يوجد احتمالات للصهيونية فقط في حال كانت قائمة على مبدأ المساواة والشراكة بين الشعبين. وبسبب مواقفه تعرض للهجوم من قبل القيادة الصهيونية، الأمر الذي يشير إلى نوايا هذه القيادة، في الفترة التي كان اليهود فيها أقلية في البلاد، أي معارضة المساواة والتعايش المشترك.

وأضاف أنه كان لماغنس شركاء في هذه الأفكار في وسط الجمهور اليهودي في فترة الانتداب البريطاني، إلا أنهم كانوا قلائل، وبينهم شخصيات مثقفة ومهمة عاشت في البلاد في حينه، وغالبيبتهم ينحدرون من الثقافة الألمانية مثل مارتين بوبر وأرنست سيمون وهوغو برغمان، ولفترة معينة غرشوم شالوم. وقد انتظموا للمرة الأولى في حركة صغيرة أقيمت في العام 1926 تحت اسم "ميثاق السلام". وأدانت الحركة اعتماد الصهيونية على وعد بلفور وعلى القوة الكولونيالية، وطالبت بميثاق يقوم على المساواة الكاملة.

وتابع أنه في سنوات الأربعين كان ماغنس أحد قادة منظمة "إيحود- اتحاد" التي عارضت تقسيم البلاد، وأيدت إقامة دولة مشتركة. ورأى في خطة التقسيم صيغة تؤدي إلى كارثة، وعمل بشكل فعال من أجل منع تنفيذها. وفي شهر آذار/مارس، وعندما كان من الواضح أن قرار هيئة الأمم المتحدة سوف يؤدي إلى عنف لم يسبق له مثيل، طرح في الولايات المتحدة فكرة إقامة نظام وصاية (Trustees) في فلسطين، كبديل لخطة التقسيم. وكرس ماغنس، الذي كان مريضا، نفسه لمحاولة إقناع الإدارة الأمريكية، والتقى مع الرئيس ترومان في محاولة يائسة لإقناعه بالموافقة على هذه الفكرة، ورفض التقسيم، إلا أن محاولاته باءت بالفشل.

وبحسب د.أمنون راز فإن ماغنس وصحبه لم يعرضوا بديلا مرضيا، وفي كل الحالات فإن الظروف التاريخية قد تغيرت بشكل مطلق منذ ذلك الحين. ولكن توجههم النقدي بقي ذا أهمية حتى في يومنا هذا، سواء من أجل الفهم التاريخي أم من أجل العمل. ومن يقرأ اليوم كتاباته فسوف يجد فيها مشاكل كثيرة، إلأ انها تظل مصدرا مهما للإلهام. وفي نشاطه ضد خطة التقسيم تعاون ماغنس مع حانا أرنديت، الفيلسوفة اليهودية الكبيرة، والتي عارضت التقسيم أيضا، وحاولت إقناع السياسيين في العالم بمعارضتها. وفي العام 1945 أكدت على أن "السياسة الصهيونية تقترح الطرد للعرب أو مكانة مواطنين بدرجة ب"، وكما هو معروف فقد تبين لاحقا صدق أقوالها.

ويضيف أنه في وقت لاحق كان هناك من ادعى أن تنبؤات ماغنس المتشائمة لم تتحقق؛ وخلافا لادعاءاته، فإن "الييشوف" اليهودي لم يدمر في الحرب. إلا أن جزءا واحدا من نبوءته المتشائمة قد تحقق، فقد دمرت "المدينة الفلسطينية". ولكن من منظور اليوم، فليس من الواضح إذا ما كان قد أخطأ بهذا الشأن. صحيح أن إسرائيل اليوم قوة مزدهرة، وأن ماغنس لم يخطر بباله إقامة "ييشوف" كبير بهذا الشكل (لقد افترض أن يصل عدد السكان إلى 2 مليون على الأكثر)، ولكن هذا المجتمع هو في أزمة، وهو يعيش في رعب وجودي وخوف دائم.

وينهي بالقول إنه "في هذه الأثناء، وعندما تواصل عناصر مختلفة تطوير أوهام عملية السلام، تجدر العودة إلى هذه الأفكار. ومقابل الأفكار الجديدة للتقسيم الذي يخلد مصادرة الحقوق الفلسطينية، هناك رؤية الاعتراف المتبادل، ورؤية المساواة والعدل. هناك من يرى في ذلك رؤية غير واقعية وأوتوبيا، إلا أنه يبدو أن ذلك أكثر براغماتيا من أوهام الدولة الفلسطينية التي يواصلون تقطيرها لنا".

التعليقات