"هكذا تدحرجنا إلى حرب لم نردها.."

في طريق الخروج من جلسة المباحثات في مكتب رئيس الأركان، اقترب رئيس شعبة العمليات، الجنرال غادي آيزنكوت من رئيس شعبة التخطيط، الجنرال يتسحاك(حاكي) هرئيل، وهمس: يجب وقف كل شيء، لا يدركون معنى القرار الذي اتخذوه. كان ذلك في 12 يوليو/ تموز 2006 عند منتصف الليل. بعد دقائق من قيام رئيس الأركان، دان حالوتس بتقديم تقرير حول قرار الحكومة قصف منصات إطلاق الصواريخ في عمق البلدات في الجنوب اللبناني. لم يكن لدى آيزنكوت أدنى شك: حزب الله سيرد على الهجوم بإطلاق الصواريخ إلى عمق الجبهة الداخلية الإسرائيلية، وبذلك ستنشب حربا ضروسا. أصبح متأخرا، أجابه الجنرال أرئيل، لم يعد بالإمكان وقف الطائرات. كل مسؤول من الجهات التي اتخذت القرار حول الهجوم متواجد الآن في صور عالمه الخاص. أكثر ما يمكن القيام به هو محاولة السيطرة على الأحداث، كي يكون لها نهاية.

حينما مر الجنرالات من أمام مكتب رئيس الأركان وانتشروا كل إلى مكتبه، ببطون مقلوبة. كانوا في قواعد سلاح الجو في أنحاء البلاد في أوج الاستعدادات الأخيرة لحملة الهجوم على صواريخ "فجر". ولكن لا أحد منهم يرى صورة متكاملة وواضحة. استعدت إسرائيل للخروج إلى حرب لبنان من منطلق إحساس بالمهانة وبدافع قوي للانتقام، دون خطة واضحة كيف يمكن تحقيق أهداف عالية بعلو السماء دون جدول زمني.

وفعلا، كما قال الجنرال هرئيل، كل مسؤول كان له دور في القرارات التي اتخذت في اليوم المصيري رأى صورة أخرى. الوزراء الذين صادقوا على الهجوم في أعقاب عملية اختطاف الجنديين في الاحتياط إلداد ريغيف وإيهود غالدفاسر في ذات الصباح في لبنان، لم يعرفوا حتى أن الجيش لم يوص بتنفيذ الحملة. بل كانوا ببساطة آلية مصادقة على خطة مطبوخة طرحت أمامهم. من ناحيتهم، الجيش استعد للخروج في حملة تستمر عدة ساعات، أيام على الأكثر. لم يتمكنوا من إدراك أنهم عمليا قرروا حربا.

الخطط السابقة للجيش لحالة نشوب حرب في لبنان كانت متعددة: شملت شن هجمات على أهداف بنية تحتية من أجل إجبار الحكومة اللبنانية على العمل بنفسها ضد حزب الله، وحملة برية لإبعاد صواريخ الكاتيوشا عن الحدود. ولكن تلك الخطط المعدة سلفا عقرت(أصبحت عاقر): من ناحية، بواسطة المستوى السياسي الذي لم يصادق على قصف منشآت بنية تحتية، ومن ناحية أخرى، بواسطة رئيس الأركان الذي رفض كليا إمكانية شن حملة برية دون أن يعرض خطة أخرى. جنرالات الجيش ورئيس الأركان ووزير الأمن ورئيس الوزراء والوزراء- لا أحد منهم يعرف ما هي المرحلة التالية بعد قصف منصات إطلاق صواريخ الفجر.

الأنباء الأولية عن إطلاق نار في الشمال وصلت إلى "الكريا"(مجمع الوزارات والأجهزة الأمنية م) قبل بدء جلسة أمنية في وزارة الأمن للتباحث حول الهجوم الذي نفذ في غزة فجرا. وكانت محاولة لتصفية قادة الذراع العسكري لحركة حماس، أحمد غندور ومحمد ضيف. وقد فشل الاغتيال وهما أصيبا فقط بجروح.

جلس حوالي 15 من كبار الأجهزة الأمنية، بينهم رئيس الأركان، حالوتس، ورئيس الشاباك يوفال ديسكين، في ذات الصباح حول طاولة واسعة. ووصلت رسائل إلى أجهزة الاستقبال الخاصة بهم تفيد بسقوط قذائف في عدة مراكز على طول الحدود الشمالية. وكان يميل الاعتقاد في البداية إلى أن الحديث يدور عن عملية تنفيس ضغط من قبل حزب الله ردا على محاولة اغتيال ضيف وغندور، ولكن تنبأ القلب بالأسوأ وتوقع إمكانية أن الإطلاق يستخدم كتغطية لعملية اختطاف.

رئيس شعبة العمليات، غادي آيزنكوت، غادر الجلسة لعدة لحظات كي يستوضح عن طريق الهاتف عما يحصل في الشمال. وبعد وقت قصير عاد إلى الطاولة مع خبر دراماتيكي وقال: الأمر الخطير الآن أنه ليس لدينا اتصال مع "ليبني". ما هي ليفني؟ سأل عمير بيرتس. "عادة دبابة أو ناقلة جند" أجاب آيزنكوت كمعلم لطالب. قد يكونون مشغولين الآن لهذا لا يوجد اتصال معهم، ولكننا أعلننا "هنيبعل". بيرتس أصبح يعرف الاصطلاح، في أعقاب اختطاف شاليت: وحسب أوامر "هنيبعل، في حالة اختطاف جنود يحاول الجيش إغلاق طرق هرب الخاطفين وملاحقتهم عن طريق الجو.

أين وقع ذلك بالتحديد؟ سأل بيرتس. نائب رئيس الأركان، الجنرال موشي كابلنسكي عرض على خريطة مددها على الطاولة: المقطع بين النقطتين اللتان أبلغ عنهما 104 و 105 من الجدار الحدودي شمالي مستوطنتي شتولا وزرعيت، حيث انقطع الاتصال مع "ليبني". هل هذه ساعات مناسبة للاختطاف؟ سأل بيرتس، فأجابوه بالإيجاب.

وكانت الجلسة الأولى مشاورات مقلصة بين وزير الأمن بيرتس ورئيس الأركان حالوتس. في هذه المرحلة أعلن حزب الله أنه اختطف جنديين إسرائيليين ونقلا إلى "مكان آمن". وبالمقابل أعلن التنظيم أنه مقابل الجنديين الذين يحتجزهما سيطالب بتحرير آلاف الأسرى.

وشارك مع بيرتس وحالوتس في المشاورات مساعديهما الشخصيين. وكان واضحا للجميع أن الجيش لا يقف أمام طبعة جديدة من تنفيذ هجمات على أهداف محددة في جنوب لبنان. وقد تسببت الأحداث الجديدة في الشمال بإحساس بأن الردع الإسرائيلي أمام جيرانها تآكل إلى حد كبير وتحول إلى غبار.

كان حالوتس متلهفا للتسبب بأضرار اقتصادية هائلة للبنان، ورغم إصراره، لم يَنسَق بيرتس مع أفكار رئيس الأركان. وفي المشاورات الأولى طرح السؤال إذا كان يجب استدعاء جنود الاحتياط. وقال المستشار العسكري لوزير الأمن، إيتان دانغكوط، أن برأيه تجنيد الاحتياط ضروري على ضوء إمكانية أن تتسع المواجهات. وأوحى حالوتس بحركات جسده أنه لا يرغب في تدخل دانغكود وجزم: أصدرت أوامري بأن لا نستدعي أي جندي احتياط.

بعد الظهر احتفل الأمين العام لحزب الله بالاختطاف في مؤتمر صحفي في بيروت. وبدا نصر الله معتدا بنفسه، ولكنه جفف عرقه أكثر من مرة. وسخر، أولمرت مبتدئ ووزير الأمن مبتدئ، ورئيس الأركان جديد. وأقترح عليهم قبل جلسة المجلس الوزاري الأمني السياسي أن أن يستشيروا سابقيهم ما العمل. في بيروت والقدس وتل أبيب لم يكن السؤال إذا كانت إسرائيل سترد بل كيف.

التعليقات