في الذكرى الخامسة: عدوان تموز نكسة لإسرائيل وانتكاسة لأمراء الحرب

"اعتبر دان حالوتس نجما ساطعا، وقائدا واعدا، غير أن سواعد المقاومين في جنوب لبنان أطفأت هذا السطوع، وقوضت فرصه في أي منصب قيادي، وظهر بعد الحرب وقد خبا اعتداده بالنفس الذي تميز به "

 في الذكرى الخامسة: عدوان تموز نكسة لإسرائيل وانتكاسة لأمراء الحرب

"اعتبر دان حالوتس نجما ساطعا، وقائدا واعدا، غير أن سواعد المقاومين في جنوب لبنان أطفأت هذا السطوع، وقوضت فرصه في أي منصب قيادي، وظهر بعد الحرب وقد خبا اعتداده بالنفس الذي تميز به "


فصل المقال وعرب48  

حسن عبد الحليم


فشل، ارتباك، إخفاق، قصور، مواطن خلل، عيوب، خيبة، انكسار، هذه الكلمات ترددت مرارا في تقرير لجنة فينوغراد التي حققت في فشل العدوان على لبنان في صيف عام 2006، وبعد خمس سنوات من العدوان لا زالت الحرب تعتبر نقطة سوداء في السجل العسكري الإسرائيلي، ومحطة فارقة في تقويض صورة "الجيش الذي يهزم" في الوعي العربي.


بعكس الصورة النمطية التي أريد لها أن ترسم في الأذهان للجيش الإسرائيلي، ورغم تفوقه التسليحي وامتلاكه لأحدث العتاد، دخل في حالة تخبط وارتباك منذ الأيام الأولى للحرب. تحدث العديد من الضباط أمام لجان التحقيق المتعددةعن الفوضى والتخبط في إدارة المعارك، والتعليمات المتغيرة والمتضاربة، وغياب عنصر المبادرة والتصميم، والأهداف غير الواضحة والمهمات العبثية، وعدم القدرة على تزويد القوات بالغذاء والماء، والضعف في التنسيق بين الأذرع المختلفة.


استمر العدوان 33 يوما استخدمت فيها إسرائيل ذخائر وقذائف تفوق كل ما اسخدمته في حروبها السابقة مجتمعة، وألحقت دمارا هائلا في لبنان، وسقط مئات الشهداء جراء القصف، غير أن هذه الحرب قلبت المعادلات والموازين، وأسفرت عن هزيمة مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تشدقت به وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس، وظهرت إسرائيل بكامل عريها.
ولخص المعلق الإسرائيلي البارز، الراحل زئيف شيف نتيجة الحرب بالقول: "ليس الأميركيون هم الذين خيبوا أمل إسرائيل، وإنما إسرائيل هي التي خيبت أمل أميركا من ناحية استراتيجية، عندما لم تفلح في أن تزود الإدارة الأميركية بأوراق عسكرية». وأضاف: "إن خيبة الأمل هذه، خيبة أمل إسرائيل من نفسها، وخيبة أمل الولايات المتحدة من جيش إسرائيل، ستكون لها انعكاسات عديدة في المستقبل القريب، فإسرائيل لم تعد بعد الآن القوة التي لا تقهر، وهي تؤمن بان بقاءها مرهون بكونها قوة لا تقهر. إن صورة إسرائيل ودورها الذي رسم لها كدولة مهيمنة مسيطرة لا تقهر، سيدخل عليه تغيير كبير. الصورة ستهتز، والدور (المهمة) لن يبقى صالحا. أما بالنسبة للولايات المتحدة، وسواء كانت تسعى إلى الشرق الأوسط الكبير أو الجديد، فإن النتائج على الأرض تبلور لها نكسة جديدة تضاف إلى نكساتها في أفغانستان والعراق وفلسطين، وكلها نكسات تقود إلى فشل أميركي كامل يصيب مغامرتها الكبرى، مغامرة «الفوضى الخلاقة».


أمراء الحرب
تولى دان حالوتس رئاسة الأركان عام 2005، في عهد شارون، وكان أول رئيس للأركان من سلاح الجو، واعتبر نجم ساطع، وقائد واعد، غير أن سواعد المقاومين في جنوب لبنان سرعان ما أطفأت هذا السطوع، وقوضت فرصه في أي منصب قيادي، وظهر بعد الحرب وقد خبا اعتداده بالنفس الذي تميز به.
في عام 2004، أجرت صحيفة «هآرتس» مقابلة معه بعد فترة وجيزة من عملية اغتيال قائد كتائب الشهيد عز الدين القسام، صلاح شحادة، التي راح ضحيتها أكثر من 16 فلسطينياً، من بينهم أطفال ونساء. وسُئل حالوتس في حينه عمّا يشعر به الطيّار حين يلقي قنبلة بزنة طن على مكان مأهول بالسكان، فردّ قائلا «إذا أردت أن تعرف ما أشعر به أنا حين ألقي قنبلة؟ ضربة خفيفة بالجناح (جناح الطائرة) وتختفي بعد ثانية».
اضطر حالوتس أمام سيل النقد، إلى الاستقالة من منصبه، وخرج خروجا مهينا، وعمل مؤخرا في شركة استيراد سيارات، ويعتزم مواصلة حياته السياسية في حزب كاديما، غير أن المحللين الإسرائيليين يعتبرونه كرتا محروقا.

أولمرت
قيل عن رئيس وزراء الحرب إيهود أولمرت، أنه رئيس وزراء بالصدفة، فبعد أن كان يتبوأ المكان 33 في قائمة الليكود، ولم يكن يعتبر من القادة البارزين، وجد نفسه في ليلة وضحاها، وبسبب صداقته وولائه لشارون، في المكان الثاني في الحزب الجديد ("كاديما") الذي أسسه أرئيل شارون بعد انسحابه من الليكود عام عام 2005، وبعد شهور دخل شارون في غيبوبته ووجد أولمرت نفسه قائما بأعمال رئيس الحزب، ورئيس وزراء بالوكالة.
في 12 تموز وبعد شهور من توليه المنصب، فاجأت عملية الوعد الصادق رئيس الوزراء الغض، فخرج بخطاب ناري معلنا الحرب وواضعا أهدافا لا سقف لها، سرعان ما تحطمت على أرض الجنوب. حملت لجنة فينوغراد المستوى السياسي والعسكري مسؤولية الفشل، وكان رئيس الوزراء أولمرت، قاب قوسين أو أدنى من الاستقالة غير أن حزب العمل برئاسة إيهود باراك منحه طوق نجاة، لكنه استقال بعد وقت قصير على وقع قضايا فساد. ووصف المعلق السياسي في صحيفة يديعوت أحرونوت وضع أولمرت بأنه «مات في حرب لبنان ودفن في قضايا الفساد».
عمير بيرتس
أما وزير الحرب عمير بيرتس، الشرقي القادم من العمل النقابي، الذي تغلب على العجوز شمعون بيرس، في الانتخابات الداخلية للحزب التي أجريت عام 2005، فقد قادته الصدف ليكون وزيرا للأمن في حكومة أولمرت. لقي تعيينه حينها انتقادات شديدة لأنه ليس لديه خبرة عسكرية أو أمنية، واشتدت تلك الانتقادات وعلت أصوات تطالب بإقالته بعد فشل العدوان على لبنان.
كان بيرتس مهمشا خلال الحرب، لكنه تعهد بأن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله لن ينسى اسمه أبدا، ورغم توجيه لجنة فينوغراد انتقادات لاذعة لأدائه، إلا أنه كان أقل المتضررين من الحرب، لكنه اضطر بعد فترة قصيرة للاستقالة من منصبه، لتشكل  شخصيته وأداؤه خلال الحرب مادة خصبة للتعليقات الساخرة.


نهايات عسكرية

نهاية الحياة العسكرية والسياسية لقادة حرب لبنان الثانية لم تقتصر فقط على  الثلاثي أعلاه فقد طالت أيضا عددا من كبار الضباط.  فقد اضطر موشيه كابلينسكي، نائب رئيس الأركان، خلال الحرب، للانسحاب عن المنافسة لمنصب رئيس الأركان، قبل شهور، وكان فشل حرب لبنان يلقي بظلاله على المنافسة.
قائد المنطقة الشمالية السابق أودي آدم كان قد  حيد من منصبه خلال حرب لبنان الثانية، وقدم استقالته رسميا بعد نهايةى الحرب.
كما استقال الضابط غال هيرش من منصبه كقائد لمنطقة «إصبع الجليل» في أعقاب استخلاصات لجنة «ألموغ» العسكرية، التي حققت في قضية أسر الجنديين الإسرائيليين في حينه.  كما أن قائد وحدة الاحتياط ايرز تسوكرمان، الذي نال الكثير من الانتقادات في أعقاب الحرب، أنهى مهمّاته في الجيش الإسرائيلي عام 2007، معرباً عن تحمله المسؤولية.








 

التعليقات