على عتبة الثمانين؛ يافين يكتشف إسرائيل: جيش لديه دولة وليس دولة لديها جيش

حاييم يافين يسلط كاميرته ولسانه على البقرة المقدسة "الجيش" ويشن هجوما على الأجهزة الأمنية وقادتها ويطالب بتغيير سلم الأولويات الاجتماعية

على عتبة الثمانين؛ يافين يكتشف إسرائيل: جيش لديه دولة وليس دولة لديها جيش
على عتبة الثمانين عاما، حمل حاييم يافين، أحد أبرز وجوه التلفزيون الإسرائيلي، خلال أكثر من أربعين عاما ومقدم نشرة الأخبار الشهيرة والوحيدة وحدانية القناة الأولى للتلفزيون الإسرائيلي في حينه، الذي قدم وغطى بالصوت والصورة، أهم المحطات النوعية في تاريخ الدولة العبرية، واكتسب مصداقية عالية لدى المشاهد الإسرائيلي، خرج حاملا كاميرته، لتصوير سلسلة وثائقية تشرح أهم البقرات المقدسة في إسرائيل ألا وهي الجيش الإسرائيلي.
 
 بعد سلسلته الشهيرة "العرب في إسرائيل"، تعرض القناة الثانية يوم الثلاثاء القادم سلسلته الثانية، تحت عنوان "جيش الشعب"، الجيش الذي يقول عنه يافين، إنه مازال يرى فيه بقرة مقدسة لا يريد ذبحها، لأنه تربى على ذلك هو وأبناء جيله، إلا أنه يحاول نزع بعض من هالة القدسية التي تغطي حقائقه.
 
في مقابلة طويلة نشرت  في ملحق "يديعوت أحرونوت" الأسبوعي، يعترف يافين أن المجتمع والجيش الإسرائيليين متشابكان، فالقواعد العسكرية في قلب المدن، في "ريشون لتسيون" مثلا يعيش سكان المدينة في ظل معسكر جيش يجري بشكل دائم تجارب بالمواد المتفجرة، هناك من يتخوفون ولكن يبدو أن غالبية السكان يستمتعون بهذا التداخل، لقد تعودوا على أصوات الانفجارات، ولديهم شعور بأن الجيش يحميهم، هذا التداخل "على حد تعبير يافين" تلقاه في كل مكان في إسرائيل، فقد صورنا في عدة مدن دبابات ومدافع نصبت في الساحات العامة.
 
ويقول "لا أعتقد أن أي إنسان يستمتع لرؤية مدفع أمام بيته عندما يستفيق من النوم ويفتح شباك غرفته، فالجميع يفضلون خضرة الأشجار. ولكن دون تغيير جذري في هذه العلاقة، لا يمكن أن يعيش الإسرائيلي بدون المدفع، لقد أيقنت أنه لا يمكن الفصل بين المدنيين وبين الجيش، فنحن نولد إلى داخل الجيش وهذا أيضا ما يجعل كل شيء صعبا، لأنك تستطيع الانتقاد تستطيع استخلاص النتائج، ولكنك لا تستطيع فك ارتباطك بالجيش إلا إذا أعلنت الحرب على الصهيونية". يقول يافين.
 
السلسلة تفتتح بصوته المنبعث من البث الأول للتلفزيون الإسرائيلي في الستينيات، البث الأول كان بثا عسكريا. يقول "كنت المبادر والمنتج، وكان ذلك العرض العسكري الذي أعقب حرب ال67، كل البلاد كانت جبهة حرب، وكل الشعب كان جيشا في أعقاب المعركة الدموية، على "جفعات هتحموشت" في القدس. اليوم بعد أربعين عاما ونيف خرجت لأرى ماذا تغير في المجتمع الإسرائيلي؟ ماذا تغير في الجيش؟ هل فقدنا الثقة به؟"، يتساءل يافين، في بداية السلسلة، وعندما يسأل اذا كان لديه جواب يقول، إنه يرى الجيش اليوم بصورة أكثر نقدية، أكثر تحليلية، ويتساءل خلالها "أين ذهب الجيش الذي يبنينا؟ أين ذهبت الأسطورة؟".
 
 وبعد أن حطم الأسطورة، أو اقتنع أنها تحطمت، وبعد أن خاض في السلسلة في ميزانية الأمن التي تشكل ربع ميزانية إسرائيل ولا يستطيع أحد تقليصها، بسبب الهاجس الأمني وبعد أن اكتشف أن قواعد ومعسكرات ومناطق تدريبات ومناورات الجيش تسيطر على 50% من أراضي الدولة، وبعد أن عرج على حركة الاحتجاج التي طالبت بالعدل الاجتماعي وعلاقتها بالأمن وميزانية العسكرة وصل يافين، إلى نتيجة عادة ما يصلها الإسرائيليون متأخرا، مفادها أن مصير الإسرائيليين لن يتحسن بدون سلام.
 
لقد اكتشف في رحلة بحثه، أن الوضع القائم هو وضع جيش لديه دولة وليس دولة لديها جيش، فالجيش كما يقول، هو المنظمة الأكبر والأقوى في الدولة وهو يتساءل إذا كان ذلك  جيدا؟ وإذا كان ذلك  طبيعيا؟ ويستنتج أنه بدون تغيير الأجندة السياسية الاجتماعية لن يتغير شيئا، وأن السلام هو الوجهة الصحيحة لدولة إسرائيل، وبدون ذلك فيجب أن يكون جيشها جاهزا لكل شيء، ويرى المفهوم الأوسع للأمن لأن المسكن والرفاه وتعليم الأبناء هو جزء من الأمن أيضا، ولذلك يرى في حركة الاحتجاج تعبيراعن حاجات المجتمع الإسرائيلي العصري، الذي يطالب بإحداث انقلاب في سلم الأولويات القومي، وأنها كانت عبارة عن انفجار، والانفجار كان على الحق في بيت للسكن والحق في تعليم الأولاد حتى بثمن تخفيض ميزانية الأمن، كما يقول يافين، الذي يبرر عدم مشاركته شخصيا في حركة الاحتجاج بعامل الجيل، ويشير الى مشاركة ولديه يوناتان وهو كاتب، وحجاي وهو طبيب مختص، ولعل ذلك يعكس التغيير في الأجندة بالمستوى الشخصي.
 
أسطورة أخرى تتحطم، في سلسلة يافين حول الجيش هو الرمز العسكري الأكثر إثارة للإعجاب في المجتمع الإسرائيلي، إيهود براك. ولعل المشترك بين يافين وبراك هو أن الاول يلقب إسرائيليا "سيد تلفزيون"، والثاني "سيد أمن" في إشارة إلى تربعهما كل في قمة مجال اختصاصه. ويقول يافين "كلنا نكتفي بخبر أن لدينا وزير أمن يركن إليه، ولكن براك لم ينجح بعد في امتحانات سبق ونجح فيها وزراء أمن في الماضي. في إشارة على ما يبدو إلى ما يقال عن براك في المجتمع الإسرائيلي، من أنه بنى مجده العسكري على عمليات الكوماندو والاغتيالات، وليس على معارك وانتصارات.
 
 ويضيف أن براك لم يف بوعده ببناء جيش صغير وناجع معبرا عن خيبة أمله منه.
 
على عتبة الثمانين، يشن يافين هجوما حادا على الأجهزة الأمنية وقادتها، ويطالب بتغيير سلم الأفضليات القومي. قد تكون ضربة رجل ولى زمانه أو هي حكمة الشيخوخة، ولكنها ترتبط بدون شك بتململ وحراك يعتمل داخل المجتمع الإسرائيلي كانت حركة الاحتجاج الأخيرة إحدى تعبيراته.

التعليقات