إسرائيل تتوغل في افريقيا وتغذي صراعاتها

زار إسرائيل في الأسبوعين الأخيرين عددا كبيرا من المسؤولين الأفارقة، ويأتي ذلك في إطار خطة إسرائيلية لتحقيق اختراق في أفريقيا والهدف المعلن هو إقامة حلف عسكري أمني مع عدد من الدول الافريقية لمواجهة «الاسلام المتطرف»، وإحباط مساعي ايران في افريقيا.

إسرائيل تتوغل في افريقيا وتغذي صراعاتها

- الرئيس الكيني ونتنياهو -

زار إسرائيل في الأسبوعين الأخيرين عددا كبيرا من المسؤولين الأفارقة، ويأتي ذلك في إطار خطة إسرائيلية لتحقيق اختراق في أفريقيا والهدف المعلن هو إقامة حلف عسكري أمني مع عدد من الدول الافريقية لمواجهة «الاسلام المتطرف»، وإحباط مساعي ايران في افريقيا.

فصل المقال

بعد الدور الإسرائيلي االبارز في دعم جنوب السودان في صراعه ضد الحكومة المركزية الذي انتهى بتقسيم السودان، والدعم الذي ما زالت تقدمه لحكومة الجنوب، والدور الذي تلعبه في دارفور، كشفت زيارة رئيس الوزراء الكيني لإسرائيل هذا الأسبوع عن تعزيز دور تل أبيب في دعم الصراعات المسلحة في القارة السوداء، إذ تعهّد نتانياهو بمنح نيروبي دعماً يعزز معاركها ضد الصومال.

 
وذكرت صحيفة «معاريف» أن رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يقود مسعى لتشكيل حلف جديد مع عدد من دول القرن الافريقي لـ«مواجهة الاسلام والمساعي الايرانية في افريقيا»، مشيرة الى انه بدأ بالفعل خطواته التأسيسية مع أكثر من دولة افريقية، والتقى لهذا الغرض كلاً من رئيس وزراء كينيا، رايلا اودينغا، والرئيس الاوغندي، يوري موسيفيني، اللذين يزوران اسرائيل حالياً، وايضاً رئيس دولة جنوب السودان، سلفاكير ميارديت، على هامش اعمال الجمعية العامة للامم المتحدة قبل شهر ونصف الشهر في نيويورك.
 
ونقلت الصحيفة عن مسؤول اسرائيلي رفيع المستوى تأكيده توجه تل ابيب الجديد، وأشار الى أن «التغييرات في شمال افريقيا، تؤثر على الدول الافريقية التي تخشى من تعاظم قوة الاسلام المتطرف وتأثيره على القارة بأسرها»، مضيفاً ان «هذه المواضيع تثير القلق لدى الدول المسيحية (في القارة) ولدى اسرائيل ايضاً، وبالتالي توجد قواسم مشتركة في هذا الحلف» المتبلور. وبحسب المسؤول الاسرائيلي، فإن «أحد اهداف الحلف الجديد، هو احباط المساعي الايرانية للتغلغل الى القارة السمراء، في المجال الاقتصادي».
 
وكشفت «معاريف» عن جزء من انشطة وزيارات مكثفة يقوم بها مسؤولون افارقة الى تل ابيب، ترتبط بنفس الاهداف، اذ إن «اسرائيل حظيت في الشهر الماضي باهتمام خاص من الدول الافريقية، بينها زيارة قام بها نائب الرئيس البورندي، تيرنس سينونغوروزا، ونائب وزير خارجية انغولا، روي مانغيرا، اضافة الى وجود خمسة سفراء من دول افريقية في اطار مؤسسات الامم المتحدة في اسرائيل»، مشيرة الى «وجود إمكانات اسرائيلية لمساعدة هذه الدول، عسكرياً وأمنياً، وايضاً في مجالات الزراعة والبنى التحتية وغيرها»، ونقلت الصحيفة عن رئيس الحكومة الكينية قوله، خلال لقائه الرئيس الاسرائيلي، شمعون بيريز، انه «يمكن اسرائيل ان تساعد كينيا في بناء منظومات مطاردة للمسلحين والمساعدة في توجيه ضربة مسبقة لهم».
 
واشارت «معاريف» الى أن «المساعدة العسكرية الاسرائيلية لكينيا، تجعل من اسرائيل لاعباً مركزياً في الحرب التي تدور بعيداً عنها في شرق افريقيا، بين الجيش الكيني والميليشيات الاسلامية في الصومال»، مضيفة ان «اسرائيل اختارت ان تلتزم الصمت حيال المساعدة العسكرية، لكن اودينغا والوفد المرافق له، قالوا فور عودتهم الى بلادهم، إن اسرائيل استجابت لطلباتهم وستسلح وتدرب الجيش الكيني، بل ستضع تحت تصرفهم كل ما ينبغي لحماية حدودهم وفرض النظام في الصومال».
 
 وفي نفس السياق، نقلت الصحيفة عن نتنياهو قوله امام ضيفه الكيني، إن «اعداء كينيا هم اعداء اسرائيل، وعليه ينبغي لنا ان نساعد، وهي فرصة لتعزيز علاقاتنا».
 
بدورها، ذكرت صحيفة «هآرتس»، ان الرئيس الاوغندي ورئيس حكومة كينيا، اعربا خلال الجلسات الثنائية مع المسؤولين الاسرائيليين، عن قلقهما من تنامي القوى الاسلامية الراديكالية في القارة السمراء، مشيرة الى أن «موسيفيني أكد أن اوغندا دولة مسيحية وتخشى الاسلام الراديكالي، فيما أعرب أودينغا عن قلقه من تغلغل التطرف الإسلامي في الصومال».
 
وأكدت الصحيفة ان الزعيمين الافريقيين يريان في اسرائيل «دولاب نجاة» في صراعهما مع التطرف الاسلامي، مشيرة الى ان كينيا تقيم علاقات أمنية واستخبارية وثيقة جدا مع إسرائيل، ورغم أنه «لم يجر توقيع صفقات أسلحة خلال الزيارة، الا ان الزعيمين قالا إنهما سيرسلان في المستقبل جهات مخولة للبحث في الحصول على مساعدات إسرائيلية، بما في ذلك تجهيزات، وإذا تحققت هذه الآمال، فإن وزارة الخارجية الإسرائيلية، يمكن أن تلعب دوراً مشابهاً لما كان في ايام المجد الاسرائيلي في افريقيا في الستينيات».
 
جهود إسرائيلية لتخفيف انتقادات جنوب أفريقيا 
 ولا تغفل إسرائيل حتى أشد الدول انتقادا لسياساتها، فقد أكدت مصادر إسرائيلية أن نائب وزير الخارجية داني ايالون بذل جهودا لإقناع نظيره الجنوب أفريقي، ماريوس فرانسمان، الذي تعتبر بلاده من أشد المنتقدين للسياسات الإسرائيلية، بتحييد الخلاف حول القضية الفلسطينية بين البلدين وتعزيز العلاقات التي تعتمد على المصالح المشتركة.
 
 ويرمي ايالون بذلك إلى التخفيف من حالة النفور بين جنوب أفريقيا التي تدعم الحقوق الفلسطينية حكومة وشعبا، وبين إسرائيل.  وعرض أيالون على نظيره الذي زار تل أبيب ورام الله هذا الأسبوع "ألا تبقى العلاقات بين البلدين رهينة للصراع العربي الإسرائيلي"، وا قترح عليه أن تقوم جنوب أفريقيا بعملية "فصل بين موقفها من الصراع وبين العلاقات الثنائية، وأن تركز على تطوير المصالح المشتركة في مجالات الاقتصاد والعلوم والتطوير".
 
خلق قنوات من التقارب للتأثير على الدول العربية
ويقول خبراء عرب إن التوغل الإسرائيلي في القارة السوداء يهدف إلى خلق قنوات من التقارب معها، للتأثير بذلك على مواقفها السياسية، وربما الأمنية، من الدول العربية، وتتخذ إسرائيل من الصراعات المسلحة في أفريقيا مدخلاً لتفعيل نفوذها السياسي والأمني، فلم تكن إسرائيل بمنأى عن صراع إقليم دارفور، كما لم يغب الدور الإسرائيلي عن الصراع المسلح بين جنوب السودان وشماله.
 
ويقول الخبير حسين حموده المدير السابق لإدارة مكافحة الصهيونية في جهاز أمن الدولة المصري: " الحقيقة هي أن إسرائيل تدخل في صراع على احتواء الدول الأفريقية مع قوى إقليمية ودولية أخرى، مثل إيران وفرنسا والولايات المتحدة، إذ استخدمت إيران دول القارة السوداء في تمرير العديد من صفقات الأسلحة، مخترقة بذلك قرارات مجلس الأمن الدولي، والعقوبات الدولية المفروضة عليها، ولا يغيب عن إسرائيل مساعي حكومة طهران إلى تعزيز مواقف التيارات الراديكالية في أفريقيا، لتحويلها لاحقاً إلى سلاح يساهم في توسيع نطاق مدها في الشمال الأفريقي والدول العربية.
 
وأضاف الخبير حموده في حديث لموقع "إيلاف": "إن محاولات إسرائيل للسيطرة سياسياً واقتصادياً على الدول الأفريقية لا تتوقف عند الدول ذات الغالبية السكانية المسيحية، وإنما تتجاوزها إلى الدول الإسلامية الأفريقية، مثل السنغال، إذ تنطلق في مساعيها من زاوية خلق قنوات من التقارب الناعم، ولعل ما فعه ممثل تل أبيب الدبلوماسي في العاصمة السنغالية دكار خلال عيد الأضحى الماضي يؤكد ذلك، إذ كلفته الخارجية الإسرائيلية بتقديم 99 خاروفاً هدية من الدولة العبرية لحكومة السنغال، وتوزيع هذه الخراف على فقراء ويتامى الدولة الأفريقية، الذين يدين معظمهم بالإسلام".
 
ضلوع تل أبيب غير المباشر في حربين مرتقبتين
الغريب بحسب حسين حمودة هو أن إسرائيل اختارت 99 خاروفاً ليتناسب العدد مع أسماء الله الحسنى، ولعل ذلك هو ما أكده سفير تل أبيب لدى دكار، زاعماً احترام إسرائيل لطقوس المسلمين في أعيادهم، الأغرب من ذلك أن حكومة السنغال باركت الخطوة الإسرائيلية، واعتبرتها دليلاً على متانة العلاقات مع الحكومة الإسرائيلية، وتلقى سفير تل أبيب في دكار خطاب شكر يحمل هذا المضمون.
أما الخبير الدكتور سيد فليفل العميد السابق لمعهد البحوث والدراسات الأفريقية في جامعة القاهرة، فقال لموقع "إيلاف": "إن التسريبات العبرية التي يدور الحديث عنها تعكس مدلولاً وحيدًا، وذلك إذا خرجت إلى حيز التنفيذ، وهو ضلوع إسرائيل غير المباشر في حربين مرتقبتين في القارة السوداء، بدأت إحداهما كينيا في السادس عشر من تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، عندما اجتازت قواتها الحدود الصومالية لمداهمة مليشيا (الشباب) المحسوبة على تنظيم القاعدة".
 
أما الحرب الثانية فيمكن الإشارة إلى بوادرها على خلفية تردي الأوضاع الأمنية على الحدود الفاصلة بين شمال السودان وجنوبه، وتؤكد تلك المؤشرات أن خيار المواجهة العسكرية السودانية مع دولة جنوب السودان الوليدة ليس مستبعدًا".
 
ويؤكد خبير الشؤون الأفريقية أن إسرائيل تعكف على دعم رئيس جنوب السودان سيلفا كير عسكرياً واستخباراتياً، وذلك في مقابل المساعدات التي يمنحها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للرئيس السوداني عمر البشير، وعبر هذه الآليات تعود إسرائيل بشكل سريع إلى أحضان القارة السوداء بالأسلوب القديم نفسه، وهو تزكية الصراعات الأفريقية المسلحة، بعدما توقف نشاطها لمدة أربعين عاماً".

التعليقات