6 سنوات على «14 آب»: حربٌ قوّضت أسطورة

قبل ست سنوات، وتحديدا في 14 آب، وبعد 33 يوما من التلعثم والتلكأ والتخبط والترنّح، انسحبت إسرائيل من لبنان تجر ذيول الفشل مهيضة الجناح، ورغم النيران الهائلة التي أسقطتها على لبنان برا وبحرا وجوا، والدمار الذي زرعته، خرجت وفاض اليدين تلملم فشلها وتلقي به أمام لجان التحقيق، فتقوضت أساطير، وبات ما قبل حرب لبنان لا يشبه ما بعدها.

6  سنوات على «14 آب»: حربٌ قوّضت أسطورة

 قبل ست سنوات، وتحديدا في 14 آب، وبعد 33 يوما من التلعثم والتلكأ والتخبط والترنّح، انسحبت إسرائيل من لبنان تجر ذيول الفشل مهيضة الجناح، ورغم النيران الهائلة التي أسقطتها على لبنان برا وبحرا وجوا، والدمار الذي زرعته، خرجت وفاض اليدين تلملم فشلها وتلقي به أمام لجان التحقيق، فتقوضت أساطير، وبات ما قبل حرب لبنان لا يشبه ما بعدها.

 



دخل الإسرائيليون الحرب يمتطون خيول الغطرسة، معتقدين أن النيران الكثيفة والقصف الشديد بالطائرات والمدافع سيحسم المعركة دون خسائر تذكر، بل أوحت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين في الأيام الأولى للحرب أننا سنشهد طوابير من الأسرى مكبلي الأيدي ومعصوبي العينين يقتادون إلى معسكرات الاعتقال، إلا أن ذلك لم يحصل، وبدأت تظهر بوادر الفشل،  فعلّق أحد المعلقين الإسرائيليين ساخرا: "يبدو أن مقاتلي حزب الله لم يسمعوا أنه يجب عليهم أن يستسلموا".

بدأ الحديث قبل وقف العدوان عن إخفاقات عسكرية، وازداد زخمه بعد انقشاع غبار المعارك وظهور الصورة بشكل أكثر وضوحا، أو أكثر قتامة، فتشكلت عدة لجان تحقيق داخل الجيش، وتشكلت لجنة «فينوغراد» التي قدمت تقريرها النهائي عام 2008، والذي تحدث عن "فشل ذريع" للحرب،  وتكررت فيه عشرات المرات جملة "وجدنا مواطن خلل وإخفاقات وعيوبا كثيرة وخطيرة في(...)".

وقفت كل التيارات السياسية الإسرائيلية خلف قرار الحرب وهللوا لها، وحينما كانت الآلة العسكرية الإسرائيلية تدك المنازل فوق رؤوس ساكنيها في الجنوب اللبناني، انبرى الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس قائلا إن الحرب هي حرب وجود، معتبرا أنها "معركة حياة أو موت"، لكن بعد تكشّف الفشل تبدلت الأمور، وتحوّلت الحرب إلى وصمة عار تسابق السياسيون لتنظيف أياديهم منها إلى درجة تراجع بيرس عن تصريحاته، وقوله في لجنة "فينوغراد" إنه لو كان يملك القرار لما خاضها.

أمّا الإعلام الإسرائيلي، الذي  تجنّد للحرب وكان يقرع طبولها وينفخ في أبواقها، فقد هرع بعد توقفها لاستكشاف الحقائق، وغصت الصحف ووسائل الإعلام بمقابلات مع ضباط وجنود، وانهالت التقارير الصحفية حول مجريات الحرب وتفاصيلها، لترسم صورة قاتمة عن أداء الجيش خلال المعارك وعن حالة الفشل والتخبط على كافة الأصعدة.

وصف معلق إسرائيلي أوضاع الجنود في لبنان بأنهم كانون كـ "الإوز في حقل رماية"، في حين شبّه آخر إصابة صاروخ الـ "كورنت" لدبابات "الميركافاه" بالـ «سكين حين يقطع الزبدة»، وكشفت شهادات الجنود الإسرائيليين عن إخفاقات في التخطيط للمعارك سواء على الصعيد اللوجستي أو على صعيد التعليمات المتضاربة، واشتكوا من عدم تزويدهم بالماء والغذاء، وعن صعوبة إخلاء الجرحى والقتلى، وتحدثت كثير من شهادات الجنود عن حالة الرعب والصدمة والعجز.

لكن بالمقابل، رسمت المقابلات مع الجنود والمصابين، هالة من التمجيد حول مقاتلي حزب الله، الأمر الذي استدعى ضابط الاحتياط يورام يائير، رئيس شعبة القوى البشرية السابق وضابط لواء المظليين سابقا، إلى الاحتجاج على ذلك، وقال في مؤتمر عقد في مدينة هرتسليا  بعد الحرب مباشرة: "فليتوقفوا عن إشاعة الرعب والحديث عن أساطير حزب الله".

سواء تذكرنا عمير بيرتس، وزير الحرب حينذاك، أم نسيناه،  وهو الذي تعهد بأن «نصر الله لن ينسى اسمه»، لا شك في أن قدرة الردع الإسرائيلية ضُربت في الصميم، وظهرت بشكل جلي محدودية القوة، فضلا عن ذلك فإن لكل انفجار شظايا جانبية لا تركز عليها العدسات حين تكون مشغولة بتصوير الانفجار ذاته، وهذه الشظايا طالت معنويات الجيش الإسرائيلي وعقيدته القتالية.

الصورة التي تلخص الحرب

بعد الحرب، لخص محلل سياسي عربي نتائج الحرب الأخيرة على لبنان بمقطع تسجيلي - يُظهر أحد الجنود الإسرائيليين خلال دخوله إلى جنوب لبنان متغطرسا، ويظهر بعد ذلك الجندي نفسه خلال عودته من لبنان مصابا ممزق الملابس مطئطئ الرأس يتكئ على زميله صارخا مولولا.  واشار المحلل السياسي إلى أن الصورة تعكس نتائج الحرب لكنها لم تنعكس على قرار وقف إطلاق النار 1701، الذي اعتبر إنجازا لإسرائيل".
وأضاف: " قرار 1701 اتخذ بضغط أمريكي هائل،  ونتيجة لانعكاس الصراع اللبناني الداخلي على الموقف الفرنسي، إلى جانب رغبة دولية بوقف القصف الإسرائيلي الذي يستهدف المدنيين، ورغبة حزب الله في تجنيب المدنيين القصف الهمجي". وتابع: " لو كان القرار وفقا للأداء وميزان القوى على أرض المعركة وإنجازاتها لحصلت إسرائيل على مراقبين لبنانيين على الحدود الشمالية لفلسطين".

لعنة بنت جبيل

لا زالت لعنة بنت جبيل تلاحق الكثير من الجنود الإسرائيليين، الذين تحدثوا لوسائل الإعلام الإسرائيلية، وتكشف سلسلة مقابلات أجراها موقع "والا" الألكتروني، مع جنود من لواء النخبة "غولاني" أن صدمة بنت جبيل لا زالت تدوي في أذهانهم.

ويقول معد التقرير: "لم يكن من السهل إقناع مقاتلي غولاني بالتحدث في ذكرى حرب لبنان الثانية. بعضهم لا يزال يخضع للعلاج النفسي، وآخرون غير معنيين باستعادة صدمة بنت جبيل". 

وينقل عن أحد الجنود قوله إنه لا يود التطرق إلى التجرية التي تنكأ الجراح،  والعودة مجددا للصدمة. ويتابع: «نحن في غولاني، يحاول كل واحد منا إظهار شيء من الصلابة، لكنّ هناك أشخاصاً لا ينامون الليل طيلة تلك هذه السنوات. هناك من هرب، وهناك أشخاص لديهم انتقادات حادة، ولا يوجد أي سبب لكي نجاهر بذلك، ما حصل هو اشبه ببرميل متفجرات حقيقي».

مقاتل آخر من الكتيبة 51 تحدث بصوت مرتعش عن المعركة: «بعد أن ترى أصدقاءك يموتون بين يديك، لن تعود ابدا إلى حياة طبيعية. لا أحد منا يود أن يكون هناك. كان هناك صراخ وأصوات لا تفارق خيالي أبداً.  لقد زجوا بنا إلى الداخل ولم يُخرجونا. كانت حربا حقيقية بكل معنى الكلمة».

ينيف ايمني، جندي في شعبة «هحود» من غولاني،  ويقول: «حتى اليوم، لست قادراً على النوم ليلاً، وأنتظر طلوع الفجر كي أنام، وترافقني الصعوبات دائما». ويضيف: «كنا تشكيلات من الشبان، أرسلونا فجأة إلى لبنان، فاصطدمنا بكم هائل من النيران لم نصادفها في أي مكان آخر. اليوم ما كنت لأدخل إلى بنت جبيل من أجل الغباء. أدرك أنهم أرسلونا الى الموت هناك، وقالوا لنا إن المهم هو احتلال هذه المنطقة؟... لست مستعداً لدفع الثمن من أجل ما أرسلونا إليه».

وفي ذكرى اندلاع الحرب أجرت القناة العاشرة مقابلات مع عدد من الجنود من الوحدة (51) التابعة للواء "غولاني"،  ويقول أحد الجنود إن إحدى الوحدات حوصرت في بنت جبيل،  وفي  اليوم الثالث دخلت قوة من أجل إخراجهم، لكنها وقعت في كمين وتحول المكان لساحة موت بعد أن كانت الوحدة في وضع غير مريح مع مقاتلي حزب الله الذين طوقوهم، وأصبح الجنود محاصرين ولم تتمكن المساعدة الجوية من تقديم الدعم لهم أو إنقاذهم على مدار إحدى عشر ساعة.

"أفيتار ترجمان" أحد جنود الاحتلال الذين قاتلوا في معركة بنت جبيل يتحدث كم كان قريباً من الموت، ويقول "عندما كنت أرفع رأسي كنت أرى مجموعة من المقاتلين،  سقط رفيقي آساف على رجلي، ولم أكن أعلم إنه قتل، وتقدم الضابط نحوه وأغمض له عينه، ونحن مستمرون في إطلاق النار وحينها سقط رفيقنا ريمون ، وحينها اندفع الضابط إلى الأمام وأصيب بجراح خطيرة، حاول النهوض لكنه لم يستطع".

"شاحر جورفن" والذي كان الممرض الوحيد مع الجنود قال " أنا لا أحب كلمة بطل، تطاير الرصاص فوق رؤوسنا، وكنت مدركا أنني  إن رفعت رأسي سأتلقى رصاصة في الرأس، وسمعت شابا متدينا يقول لماذا يا الله"؟."

فالديسلاف ديزستكوف" جندي آخر شارك في المعركة قال: "أنت تسمع صليات من الرصاص وتفهم أن هناك شيء ما بدأ، كان ثمة جنود  ينزفون ولا يعلمون لأين يذهبون، وكنت أعلم أنني كلما أطلقت النار فأنا في أمان، وشيئاً فشيئاً أخذت أفقد السمع، وفي مرحلة ما تحدث الضابط إلي لكن لم أسمع ماذا قال، ولكن فهمت أن علينا سحب جثث القتلى الموجودة في أرض المعركة".

__________________________________________________________________________________

عقدة بيت العنكبوت

كشفت وسائل إعلام إسرائيلية بعد الحرب بنحو عام، أن هيئة الأركان الإسرائيلية العامة، كانت تخطط خلال الحرب لخطوة  للانتقام من خطاب الأمين العام السيد حسن نصر الله  الذي ألقاه في بنت جبيل ووصف إسرائيل فيه بأنه أوهن من بيت العنكبوت، لكنها فشلت.

وكشفت صحيفة «معاريف» في تحقيق لها ن قيادة هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي، كانت مصرة على تحطيم رمزية بنت جبيل والسبب الأساسي لهذا الأمر هو خطاب بيت العنكبوت للسيد حسن نصرالله عام 2000، الذي سخر فيه من حصانة المجتمع الإسرائيلي.

وأضافت إن قيادة الجيش كانت متشوقة لأخذ صورة رمزية في بنت جبيل، وإضافة لرفع العلم بالقرب من المكان الذي ألقى فيه نصرالله خطابه، خطط الجيش الإسرائيلي لإجراء استعراض للنصر يشارك فيه رتل من الدبابات يسير في الشارع الرئيسي بمحاذاة مكان الخطاب. كما كشفت الصحيفة ان قائد لواء المظليين العقيد (حغاي موردخاي) فوجيء عندما سُلم نسخة لخطاب الانتصار الذي سيلقيه في بنت جبيل بعد سقوطها ليفند فيه كلام نصرالله حول ضعف المجتمع الإسرائيلي.

المحلل العسكري عمير رابوبورت قال ان" خطاب نصرالله في بنت جبيل أصاب هيئة الأركان بالجنون وعلى امتداد حرب تموز كانت الرغبة بالوصول إلى بنت جبيل ورفع العلم هناك مهما كلف من مصابين، والهاجس هو دحض ادعاء نصرالله بان المجتمع الإسرائيلي واهن كبيت العنكبوت. إلا أنهم بقدر ما أرادوا دحض نظرية نصرالله فقد أكدوا صحة مقولته حين رفضوا العمل البري خوفاً من عدم تحمل المجتمع الإسرائيلي لسقوط خسائر بين الجنود".

لكن رغم إصرار قيادة الأركان على احتلال المدينة ووضعها الخطط لكيفية إخراج الانتصار وإحضار طواقم التصوير وتعريضهم للخطر، إلا أن ضراوة المقاومين بحسب شهادات الضباط والجنود الذين شاركوا في محاولة احتلال بنت جبيل حالت دون وصولهم لمبتغاهم، فاستعاضت القيادة الإسرائيلية باكتفائها برفع العلم على احد المنازل النائية على أطراف بنت جبيل.

من جهته قال ايال بلوم - احد الجنود الذين أرسلوا لرفع العلم " هدف المهمة إحضار صورة انتصار من المكان الذي خطب فيه نصرالله، ولدحض نظريته حول بيت العنكبوت إلا أن ذلك لم ينجح كما كان مخططا له ما اضطرنا إلى رفع العلم على احد المباني الوقع في أطراف بنت جبيل".
 

التعليقات