تحقيق: نتانياهو تلقى تقريرا شهريا وظل خطر الأنفاق الهجومية مغيبا

النقص في التدريب والخطط والعتاد أطال أمد الحرب على غزة أكثر بكثير من توقعات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية * نتانياهو تلقى لمدة سنة ونصف تقارير شهرية عن خطر الأنفاق الهجومية

تحقيق: نتانياهو تلقى تقريرا شهريا وظل خطر الأنفاق الهجومية مغيبا

 بيّن تحقيق صحفي إسرائيلي أن هناك فجوات كبيرة في التأهيل والتدريب والعتاد لدى الجيش الإسرائيلي في الحرب الأخيرة على قطاع غزة، في مهمة "تدمير الأنفاق الهجومية" التي حفرتها حركة حماس، حيث أن الجيش الإسرائيلي احتل منطقة بعرض كيلومترين، على أطراف الأحياء السكنية، من شمال القطاع وحتى جنوبه من أجل تدمير 32 نفقا هجوميا حددت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية مواقعها. ولكن هذه الفجوات، إضافة إلى خطط عملانية جزئية تمت حتلنتها واستكمالها في اللحظة الأخيرة أدت إلى إطالة أمد العمليات البرية أكثر بكثير من توقعات أجهزة الأمن.

وقال التقرير الذين نشرته صحيفة "هآرتس"، اليوم الجمعة، إن التأخير نجم عن حقيقة أن المجلس الوزاري المصغر تردد طويلا في المصادقة على العمليات البرية لتدمير الأنفاق، وذلك في ظل تحفظات في داخل الأجهزة الأمنية. وتبين أن الهجوم الجوي المسبق على فتحات الأنفاق صعب عمل القوات البرية بعد دخولها إلى قطاع غزة، حيث أن ذلك صعّب الوصول إلى مسار الأنفاق، كما أن القوات البرية كان ينقصها الوسائل الملائمة لتفجير الأنفاق بعد تحديد مواقعها.

وقالت الصحيفة إن التحقيق استند إلى محادثات مع 20 شخصية، كان لهم دور مركزي في الحرب وفي المصادقة عليها، وبضمنهم وزراء في المجلس الوزاري وضباط كبار في الجيش والاستخبارات وضباط وجنود شاركوا في تدمير الأنفاق.

وأشار التقرير إلى أن الاستخدام الأول للأنفاق الهجومية كان أثناء الهجوم الذي وقع فيه الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط في أسر كتائب القسام في حزيران (يونيو) 2006. كما أشار إلى أنه بين الحروب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في "الرصاص المصبوب عام 2009"، و"عامود السحاب 2012" كثفت حركة حماس من عملية حفر الأنفاق والخنادق تحت الأرض في كافة أنحاء قطاع غزة، وتركزت في المرحلة الأولى بأهداف دفاعية. وقبل أيام معدودة من "عامود السحاب" جرى تفجير نفق هجومي مفخخ بالقرب من قوة عسكرية إسرائيلية كانت تقوم بعمليات تمشيط غرب السياج الحدودي في وسط قطاع غزة، وكان الانفجار من الشدة بحيث ارتفعت المركبة العسكرية في الجو، بيد أن الجنود كانوا قد نزلوا منها قبل دقائق من الانفجار.

وبحسب التقرير فإن حركة حماس سارعت من خططها العملانية، وتسلم محمد ضيف قيادة الذراع العسكري (كتائب القسام) بعد استشهاد أحمد الجعبري. وقرر ضيف، إضافة إلى تعزيز القدرات الصاروخية، بذل جهود خاصة في تطوير الأنفاق الهجومية التي اعتبرها "مشروعا إستراتيجيا"، وحتى صيف 2014 أنهي حفر أكثر من 30 نفقا هجوميا بتكلفة وصلت إلى مئات ملايين الدولارات. وتمكن الشاباك والاستخبارات العسكرية الإسرائيلية من تحديد 32 نفقا منها، وكان هناك نقاش في داخل الأجهزة بشأن عدد هذه الأنفاق، حيث أشارت تقديرات إلى أن الحديث عن نصف أو ثلث هذه الأنفاق.

وقال ضابط في سلاح الهندسة للصحيفة إن الكشف عن ثلاثة أنفاق، قبل الحرب، أعطى لإسرائيل صورة تناسبية صحيحة، حيث أن الأنفاق كانت في السابق "للتهريب والتفجير وهي ضيقة ومن الصعب التحرك في داخلها، بينما الأنفاق الأخيرة التي تم اكتشافها أشارت إلى أمر مختلف تماما، فهي أوسع وفي داخلها أجهزة اتصال، وتم حفرها عميقا تحت سطح الأرض، وجدرانها محصنة بطبقات من الأسمنت، كما يمكن التحرك فيها بقامة منتصبه بسهولة.

وأضاف الضابط أن هذه الأنفاق جعلت الجيش يدرك أن الحديث ليس عن تهديد تكتيكي موضعي يواجه قوات الجيش على طول الجدار، وإنما عن جزء من مشروع أوسع وأخطر. وقال "فجأة، ترى أمام عينيك عملية خطط لها بعمق 300 متر داخل إسرائيل. تدخل النفق وتدرك أنه ليس معدا لخطف جندي من قرب السياج، وإنما يتيح تحرك قوة عسكرية كبيرة من العدو خلال وقت قصير إلى داخل إسرائيل".

ويضيف التقرير أن الصورة التي تكونت لدى الجيش في حينه أن محمد ضيف يخطط لعملية كبيرة حين يحين الوقت، وأن هذه الأنفاق الهجومية قد تستخدمها حماس لشن هجوم منسق ضد عدة أهداف كضربة أولى في الجولة القتالية مع الجيش، أو لشن هجوم مفاجئ في داخل قوات الجيش. وفي حينه جرى تركيز الجهود الاستخبارية والعملانية للوقوف على تفاصيل مشروع الأنفاق.

ومنذ العام 2013 دأبت الاستخبارات العسكرية على تقديم تقرير شهري لرئيس الحكومة، بنيامين نتانياهو، ووزير الأمن موشي يعالون، وقادة الأجهزة الأمنية، ويتضمن استعراضا لكل الأنفاق الهجومية المعروفة، ومسار كل واحد منها. كما جرى تخصيص موارد خاصة لقيادة الجيش في الجنوب، تشمل وسائل وأنظمة جمع معلومات استخبارية، وقوات إضافية، وذلك بهدف معالجة خطر الأنفاق. ونقل عن ضابط كان يخدم في "كتيبة عزة" أن الأنفاق كانت على رأس أولويات الكتيبة.

ويضيف التقرير أن الحلول التكنولوجية لتحديد الأنفاق، والتي قامت بفحصها "الدائرة لتطوير الوسائل القتالية" في وزارة الأمن، لم تشمل ردا يتيح تحديد فتحات الأنفاق في الجانب الإسرائيلي. كما أن السياسة التي فرضها المستوى السياسي وقيادة الأركان منعت شن هجمات استباقية في الجانب الفلسطيني من السياج الحدودي. وبحسب التقرير فإن إسرائيل لم تقصف من الجو مسارات الأنفاق التي تم تحديدها، ولم ترسل قوات برية لتدميرها خشية أن "تؤدي هذه الخطوة الاستباقية إلى اندلاع المواجهات العسكرية مع حركة حماس".

إلى ذلك، أشار التقرير إلى أن إسرائيل بدأت تتحدث عن القتال تحت الأرض في الخنادق والأنفاق في أعقاب الحرب العدوانية الأخيرة على لبنان، في تموز (يوليو) 2006، ولكن على أرض الواقع فإن الجيش اكتفى بإقامة ثلاثة أنفاق قصيرة نسبيا في ثلاث قواعد للتدريب، في الشمال والمركز والجنوب، وأن أحد هذه الأنفاق كان يبدو على أنه قناة قتالية عادية مسقوفة، وليس ميدانا قتاليا مركبا.

ونقل عن أحد الجنود في القوات البرية قوله إن غالبية القوات البرية والوحدات الخاصة شاركت في تدريبات قصيرة على هذه الأنفاق بدون أن يكون لها أي مضمون حقيقي، حيث يقول إن الجنود هبطوا بواسطة حبل إلى داخل موقع يشبه "المحمية الطبيعية"، الخاصة بحزب الله، في منطقة مفتوحة، وبذلك انتهت عملية تعريفهم بالقتال تحت الأرض.

كما أشار التقرير إلى أن الاستعدادات في وحدات الاحتياط، وفي وحدات الهندسة القتالية، كانت تتراوح ما بين السطحية وحتى غيابها التام، حيث أن الضباط والجنود في الاحتياط من وحدات الهندسة القتالية، والذين شاركوا في تدريبات سنوية أو مرة كل سنتين، تتلاءم مع وظائف تقليدية للجندي، مثل اقتحام حقل ألغام. ولم يتحدث أحد عن الأنفاق. وعندما قال الجنود لضباطهم أن مضامين التدريبات ليست ذات صلة بالتحديات العملانية التي يمكن أن تواجههم، تلقوا إجابة مفادها أن "المشكلة معروفة".

ولفت التقرير إلى أن الكشف عن أنفاق هجومية في العام الماضي وفر فرصا كثيرة للتصوير في وسائل الإعلام، حيث تجول فيها وزير الأمن وكبار الضباط في الجيش والتقطت لهم صور على مداخلها، كما أجريت مقابلة مع القائد العسكري لمنطقة الجنوب، سامي ترجمان، إلى جانب نفق، ووصف، في المقابلة، الأنفاق الهجومية بأنها التهديد المركزي الذي يجب أن تواجهه القيادة.

في المقابل، فإن المجلس الوزاري المصغر لم يناقش "تهديد الأنفاق". وبحسب وزراء فإنهم لم يكونوا على اطلاع عميق بهذه المسألة. وأشار التقرير إلى نصف أعضاء المجلس الوزاري أشغلوا مناصبهم بعد انتخابات العام 2013، وأنه قضوا جل وقتهم في مناقشة خطر المشروع النووي الإيراني والتطورات على الحدود مع سورية ولبنان، أما خطر الأنفاق فقد ذكر كبند ملحق في "تقييم الوضع". وذلك حسبما قال الوزير نفتالي بينيت.

وقال أعضاء المجلس الوزاري إنهم لم يعرفوا بشأن التقرير الاستخباري الشهري الذي كان يقدم لرئيس الحكومة ووزير الأمن. ورغم أن نتانياهو عين المستشار للأمن القومي، يعكوف عميدرور، رئيسا للطاقم الذي يدرس خطر الأنفاق، إلا أن الأخير أقر، في مطلع الشهر الجاري، بوجود فارق بين معرفة وجود الأنفاق، وبين تذويت شدة خطورتها بشكل تام.

وقال عميدرور "لم نعرف"، وأجرى مقارنة تهديد الأنفاق مع المفاجأة التي أوقعها الهجوم بالصواريخ المصرية على دبابات الجيش في حرب 1973. كما تقر الاستخبارات العسكرية بأنه كان يجب التشديد على قضية الأنفاق في التقارير التي تعرض على المجلس الوزاري، رغم أن المعلومات الاستخبارية المفصلة كانت في متناول يد رئيس الحكومة ووزير الأمن.

وبحسب تحقيق "هآرتس"، فإنه منذ نيسان (أبريل) 2014، بدأ يتضح تدريجيا أن حركة حماس تستعد لإمكانية تنفيذ عملية كبيرة عن طريق نفق في منطقة كرم أبو سالم، جنوب قطاع غزة. وأن الشاباك أطلق تحذيرا يشير إلى أن حماس تخطط لخطف جنود عن طريق النفق، وذلك بهدف فك الحصار الإسرائيلي – المصري المفروض على القطاع. وبذلت هيئة أركان الجيش وقيادة الجنوب جهودا محمومة لتحديد موقع النفق، وعمل نحو 30 آلية هندسية في المنطقة للكشف عن فتحة النفق في داخل إسرائيل، وأقامت حواجز لمنع الدخول من الحقول القريبة من السياج الحدودي إلى داخل كيبوتس "كيرم شالوم"، وعندما لم تجد عمليات البحث تمت المصادقة على شن عمليات هجومية، حيث ألقت طائرات سلاح الجو الإسرائيلي نحو 30 قنبلة من نوع "جي دام" في الجانب الفلسطيني من السياج الحدودي، وذلك بهدف قطع مسار النفق. ورغم ذلك تمكن سبعة من الوحدات الخاصة في "كتائب القسام"، في السادس من تموز (يوليو) من الدخول إلى النفق، ولكنهم قتلوا نتيجة إحدى الغارات الجوية. ووصف التقرير حادثة "كيرم شالوم" على أنها "الدفعة الأخيرة باتجاه الحرب بين إسرائيل والمقاومة في قطاع غزة، حيث ردت حماس بإطلاق رشقات صاروخية ما لبث أن توسع مداها، وقررت الحكومة الإسرائيلية ليلة 7 – 8 تموز شن "الجرف الصامد" على قطاع غزة، والتي استمرت 50 يوما.

كما لفت التقرير إلى أن التصعيد مع قطاع غزة بدأ بشكل مواز مع انتهاء حملة البحث عن المستوطنين الثلاثة في الضفة الغربية. وعثر الجيش في نهاية تموز على جثثهم. وبحسب تصريحات بينيت لوسائل الإعلام، قبل شهر، فإنه هو الذي اقترح للمرة الأولى فكرة معالجة خطر الأنفاق على وجه السرعة، وذلك استنادا إلى علاقاته المتشعبة مع ضباط في الجيش، من خلال شن هجوم على قطاع غزة لإزالة خطر الأنفاق وفي الوقت نفسه تكون ردا على مقتل المستوطنين. وبعد أسبوع من عرض الفكرة تم اطلاعه على التوتر القائم في الضفة الغربية وفي وسط فلسطينيي الداخل، وكذلك استمرار عمليات التمشيط بحثا عن نفق كرم أبو سالم.

في المقابل، فإن وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان كان يعتقد بضرورة احتلال قطاع غزة، وأبدى اهتماما أقل بقضية الأنفاق. أما باقي الوزراء فقد كانوا منصتين لمخاوف الجيش من الغوص في "المستنقع" في قطاع غزة.

ويضيف التقرير أنه كان هناك معارضة واسعة وموحدة ضد إدخال قوات برية إلى قطاع غزة، وعرض رئيس الحكومة أسئلة على الجيش لا تخرج عن رأي غالبية أعضاء المجلس الوزاري. وكانوا يعتقدون أن حماس لا تنوي استخدام الأنفاق الهجومية، علما أنه في الوقت نفسه أرسلت وحدة كوماندو بحري لشن هجوم في "زيكيم". واستمرت النقاش داخل المجلس الوزاري حتى بعد مقتل عناصر حماس في كرم أبو سالم واندلاع الحرب. ووضع أمام الجيش هدف توجيه ضربة قاسية لحركة حماس وإعادة الهدوء إلى الجنوب، ولم يتم ذكر الأنفاق بشكل مفصل.

ويتابع أنه بين الثامن وحتى الخامس عشر من تموز اكتفت إسرائيل بشن هجمات عن بعد ردا على إطلاق الصواريخ، عن طريق الغارات الجوية العنفيفة ونيران المدفعية. كما ركز الجيش قوات برية ومدرعة على حدود قطاع غزة. وبدأ يتضح تدريجيا أمام الوزراء "خطر الأنفاق" بكامله: عشرات الأنفاق على طول الحدود مع قطاع غزة، وبعضها متصل بفتحة داخل الحدود مع إسرائيل، وبالقرب من مواقع الجيش والكيبوتسات. وتلخص العمل ضد الأنفاق بالغارات الجوية على فتحات الأنفاق غرب السياج الحدودي.

في المقابل، ادعى وزير الأمن موشي يعالون، في مقابلة مع "هآرتس"، يوم أمس الأول الأربعاء، أن خطر الأنفاق والاستعدادات الدفاعية للجيش عرضت عدة مرات على المجلس الوزاري المصغر، وبتفاصيل أكثر في الأسبوع الذي سبق الحرب بينما كانت حماس تستعد لتنفيذ عملية في كرم أبو سالم.

وفي 15 تموز، صادق المجلس الوزاري، بمعارضة بينيت وليبرمان، على المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار. ولكن حركة حماس رفضت المقترح المصري الذي وضع بالتنسيق مع بين مصر وإسرائيل. وهنا يشير التقرير إلى أن القيادة الإسرائيلية كانت على استعداد لوقف إطلاق النار بدون توجيه أية ضربة للورقة الأساسية المتوفرة لدى حماس، وهي الأنفاق الهجومية. وعن ذلك يقول يعالون إن إسرائيل كانت ستواصل غاراتها الجوية وتعزيز دفاعاتها، بينما تستمر عمليات التمشيط عن فتحات الأنفاق داخل إسرائيل، وأن الموافقة على وقف إطلاق النار كانت بهدف الحصول على شرعية دولية للخطوات التالية.

ويتابع التقرير أن نقطة التحول المركزية في الحرب بدأت بعد يومين، أي في صباح 17 تموز، حيث خرج 13 مقاتلا من الوحدات الخاصة لكتائب القسام من تحت الأرض على بعد بضع مئات الأمتار من كيبوتس "سوفا"، وقامت طائرة بدون طيار إسرائيلية بتصويرهم، ثم جرى استهدافهم من الجو. بيد أن الصور التي نشرتها الناطق بلسان الجيش أثارت ضجة واسعة لدى الجمهور الإسرائيلي والقيادة، حيث بدأ يغير رؤساء السلطات المحلية في محيط قطاع غزة من حديثهم عن الصواريخ والراجمات إلى الحديث عن خطر الأنفاق، وطالبوا بالعمل على تدميرها.

وبعد ساعات معدودة صدر تعليمات للجيش بالدخول البري إلى قطاع غزة لمعالجة خطر الأنفاق.

ويشير التقرير في هذا السياق إلى أن الخطط العملانية التي كانت لدى الجيش للقيام بعملية برية لم تكن مستكملة، فالخطط التي أعدت من قبل قيادة الجنوب لم تكن ذات صلة بالأنفاق، وإنما تمنت مراحل للسيطرة المتدرجة والمعمقة على مناطق في قطاع غزة، وتركزت على توجيه ضربات شديدة لحركة حماس. ووردت إشارة إلى تدمير أنفاق هجومية محدودة كانت قريبا نسبيا من مستوطنات إسرائيلية، ولكن ذلك لم يكن على رأس سلم الأولويات. ووضعت لاحقا خطط جديدة أعدت بسرعة وتضمنت تغييرات كبيرة.

وتم توكيل الكتيبة "162" بتولي شمال قطاع غزة. وقال قائد الكتيبة، نداف فدان، إنه تمت ملاءمة الخطط بشكل تدريجي لمعالجة الأنفاق بعد أن بدأت الكتيبة الاستعداد للحملة البرية، في الفترة القصيرة ما بين الأول وحتى العاشر من تموز، وكانت معرفة الكتيبة بالأنفاق نظرية وبدون تجربة عملانية. وبحسب قائد الكتيبة فإن كتيبته لم تقف على خطر الأنفاق إلا خلال العمل على تدميرها.

ويشير التقرير إلى أن القوات الإسرائيلية لم تدخل عمق قطاع غزة، وإنما تركزت في كيلومترين اثنين على طول السياج الحدودي من الجهة الغربية، وبدأ العمل على الكشف عن الأنفاق لتدميرها. كما يشير إلى أن العملية التي نفذتها "غولاني" في الشجاعية تأجلت مرتين حتى التاسع عشر من تموز، وذلك لأن استعدادات حماس كانت قوية جدا هناك، إضافة إلى الكثافة السكانية للحي.

ويضيف التقرير أن عملية "غولاني" كان ينقصها مركبات جوهرية، المفاجأة والحيلة، حيث أن جنود "غولاني" الذين شنوا هجوما مباشرا اصطدموا بمقاومة عنيفة وغير عادية من المقاتلين الفلسطينيين، وخلال 24 ساعة قتل 16 جنديا إسرائيليا، واضطرت الكتيبة إلى الاستعانة بالغارات الجوية العنيفة والمكثفة والقصف المدفعي لكسر المقاومة في الشجاعية.

وبالنتيجة، بحسب التقرير، فقد دخلت القوات البرية بدون خطة مفصلة، وبمعلومات عملية لا تتجاوز الحد الأدنى، وبخطط عملية جرت بلورتها تدريجيا مع كميات غير كافية من الوسائل لتدمير الأنفاق.

ويشير التقرير إلى أنه في العشرين من تموز، مع بداية العمليات البرية، صرح يعالون بأن تدمير الأنفاق سوف يستغرق يومين أو ثلاثة، ولكن ذلك استغرق أكثر من أسبوعين ونصف الأسبوع. وفي الوقت الذي انشغل فيها الجيش بالبحث عن الأنفاق، تمكن ضيف من إرسال 3 مجموعات عن طريق الانفاق إلى شرقي السياج الحدودي. وقتلت هذه المجموعات 11 جنديا إسرائيليا.

ويقول التقرير إنه في الأسابيع التي سبقت العمليات البرية تمكنت الاستخبارات العسكرية من تحقيق تقدم ما في مجال الكشف عن فتحات الأنفاق في الجانب الفلسطيني من الحدود، ولكن مع بدء التصعيد في الثامن من تموز فإن سلاح الجو قصف هذه الفتحات بشكل منهجي، خشية أن تبادر حماس إلى استخدامها، ولكن القصف، كما يبدو، لم يجعل الأنفاق غير صالحة للاستخدام. ويقر رئيس أركان الجيش، بيني غنتس، بأن ذلك صعب الكشف عن مسار الأنفاق في الجانب الفلسطيني من الحدود، كما يقول ضابط آخر إن الاستخبارات قامت بعمل جيد، ولكن لم يكن هناك دقة كافية في تحديد مسارات الأنفاق.

ويضيف التقرير أن الجنود الإسرائيليين فوجئوا من عدد الفتحات وتفرعات الأنفاق. وفي حينه أكد الضباط الإسرائيلين على عامل السرعة في الكشف عن الأنفاق، ووتيرة تفجيرها. ويقول الضابط فدان إن الجنود عملوا على الكشف عن فتحات الأنفاق بسرعة، ولكن استكمال مهمة عناصر الهندسة، في تدميرها، كان يستغرق أسبوعا وأحيانا أكثر.

وتبين أنه لم يكن لدى الجيش ما يكفي من الأدوات لتدمير عدة أنفاق في الوقت نفسه. وقال ضابط هندسة إن طاقم كل كتيبة بمعالجة نفقين، ثم البدء بالنفق الثالث. ويضيف أنه بسبب النقص في الآليات بدأت عملية تدمير الأنفاق بشكل متتال، وليس متواز، حيث لم تتوفر القدرة على تدمير 32 نفقا في نفس الوقت، واضطر الجيش لتجنيد كميات كبيرة من الجرافات والآليات الثقيلة من القطاع الخاص. وبحسبه فإن بعض هذه الآليات تعود لشركات يملكها مواطنون عرب.

ويضيف التقرير أن الصعوبة الكبرى كانت في تدمير الأنفاق. فالأساليب والوسائل التي كانت لدى الجيش تتلاءم مع الأنفاق القصيرة والقريبة من سطح الأرض. ويشير في هذا السياق إلى أن الجيش قام في العقد الأخير بشراء منظومة تعمل على ضخ كميات كبيرة من المواد المتفجرة إلى داخل النفق بدون أن ينزل الجنود إلى داخله. وكبديل، اضطر الجيش لاستخدام 500 ألف لغم، ومواد متفجرة أخرى، حيث جرى ربط الألغام بسلسلة تم إدخالها إلى داخل فتحة النفق. وفي معظم الحالات كانت تدمير الأنفاق بشكل جزئي، رغم أن سلاح الهندسة شدد على أنه يجب تدمير غالبية النفق حتى يستطيع الضابط التوقيع على اعتبار النفق "مدمرا غير صالح للاستعمال".

ونقل عن جنود احتياط قولهم إن هذه هي المرة الاولى التي يقومون فيها بتجربة تدمير نفق، حيث تخصصوا في تدمير المباني في لبنان وغزة وهو أمر مختلف تماما. ويقول ضابط احتياط إن أحدا لم يعرف أو يخطط مسبقا كيف سيعالج أمر الأنفاق، وأن ذلك حصل بشكل تلقائي على الأرض. ويقول جنود في الهندسة القتالية إنهم أجروا تدريبات في السنوات الأخيرة على القتال تحت الأرض، ولكن هذه الأنفاق أمر مختلف. ففي التدريبات، كما يقول أحد الجنود، جرى إدخال آلي (روبوت) إلى الداخل، يتبعه جندي مسلح بمسدس، بينما تحتاج غزة إلى نظرية قتالية مغايرة.

وقال جنود آخرون إنهم دخلوا قطاع غزة بمستوى جاهزية قتالية منخفضة، وبدون أن يجروا تدريبات على سلاحهم الخاص، كما أن جزءا من الوسائل القتالية كان ناقصا أو معطوبا.

ونقل التقرير عن ضابط كبير في سلاح الهندسة قوله إنه بعد الحرب توصل الجيش إلى نتيجة كان قد توصل إليها قبل الحرب، حيث أن ضباطا كانوا قد أشاروا إلى ضرورة دراسة إمكانية القيام بخطوات ملموسة، مثل تشكيل كتائب تتخصص بالحرب تحت الأرض، وأنه يجب على القوات البرية أن تطور قدراتها القتالية في مواجهة الأنفاق، وأن تتسلح بوسائل جديدة كثيرة.

التعليقات