بين "دولة تل أبيب" وأجندة المستوطنين/ بلال ضاهر

هذه المرة ليس مؤكدا أن هذه الموجة ستضعف بسبب منع الوزراء وأعضاء الكنيست من اليمين المتطرف من اقتحام الحرم القدسي. ويبدو أن المستوطنين، الذين لديهم أجندتهم الخاصة، يغذون هذه الموجة، بعد أن أصبح ممثليهم وحدهم في مركز صناعة القرار في إسرائيل

بين

منفذ عملية تل أبيب بعد استشهاده، أمس

توالت عمليات الطعن في القدس الشرقية المحتلة، وفي غربي المدينة أيضا، وسرعان ما انتقلت إلى مناطق قريبة من المستوطنات في الضفة الغربية، وتبين أن الأمر لا يتعدى كونه مسألة وقت وحسب حتى وصلت إلى داخل الخط الأخضر، إلى مدن تل أبيب وبيتاح تيكفا والعفولة.

ووصول موجة عمليات الطعن إلى وسط إسرائيل، وخاصة إلى قلب تل أبيب، قبالة مقر وزارة الأمن وقيادة الجيش الإسرائيلي، له دلالات وأهمية خاصة بالنسبة للإسرائيليين، تختلف عن العمليات ضد المستوطنين في القدس والضفة.

ففي منطقة وسط إسرائيل، أو ما يسمى 'دولة تل أبيب'، يسكن 40% من اليهود في إسرائيل، بينما في المستوطنات يسكن حوالي 10% من اليهود. رغم ذلك، فإن الاختلاف الأهم، هو أن المستوطنين يألفون الصراع ويغذونه، بعدوانيتهم وتوسعهم الاستيطاني، بينما سكان 'دولة تل أبيب' ليسوا معتادين على مشاهد الصراع ولا يشعرون به تقريبا، كما أن الإعلام الإسرائيلي عموما يعمل على تغييب ممارسات الاحتلال والمستوطنين. وثمة أمر آخر هام، وهو أن 'دولة تل أبيب' تشكل العصب الاقتصادي لإسرائيل. لذلك فإن وصول موجة عمليات الطعن إلى تل أبيب من شأنه أن يؤثر على مجمل سياسات الحكومة الإسرائيلية.

ونقلت صحيفة 'معاريف'، اليوم الجمعة، عن أحد سكان تل أبيب قوله بلهجة غاضبة في أعقاب عملية الطعن، أمس الخميس، إنه 'حتى قبل عملية الطعن كنت قد بدأت أتلفت حولي في الشارع. هذه بلاد صغيرة وكانت هذه مسألة وقت وحسب حتى يحدث هذا الأمر هنا. ومن يعد بالأمن عليه أن ينفذ، نقطة'.

وقال شخص آخر من سكان المدينة إن 'عملية طعن أخرى في تل أبيب وسيواجه أصحاب المصالح التجارية مصائب. فإذا دخل مخرب إلى مطعمي، ماذا يمكنني أن أفعل؟ إن شعوري سيء في الأيام الأخيرة وليس أقل سوءا من فترة العمليات الانتحارية. إذ أنه فجأة أصبح بإمكان أي أحد أن يقرر أنه ذاهب لقتل أناس وأي أحد بإمكانه أن يكون مخربا'.

مواصفات منفذي عمليات الطعن

المشكلة بنظر الإسرائيليين لا تتوقف عند وصول عمليات الطعن إلى تل أبيب. فالأمر الأهم هو هوية منفذي هذه العمليات، الذين يحاول محللون رسم مواصفاتهم، ويتبين أن غالبيتهم العظمى لم تتجاوز أعمارهم العشرين عاما، وهم طلاب جامعات، غير منتمين لأي فصيل فلسطيني. ويصف مسؤولون أمنيون تعاقب العمليات، كل بضع ساعات، أو بوتيرة أسرع أحيانا، ب'عدوى العمليات'. ويصفها المحلل العسكري في صحيفة 'هآرتس'، عاموس هارئيل، ب'أجواء العمليات'.

وفي هذه الأثناء يدور نقاش في إسرائيل حول ما إذا كانت موجة عمليات الطعن هذه انتفاضة جديدة ثالثة. ويشدد قادة الجيش والشاباك على أنها ليست انتفاضة، بينما يعتبرها المحللون انتفاضة.

وكتب المحلل العسكري في 'معاريف' والقناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي، ألون بن دافيد، اليوم، أن موجة عمليات الطعن 'ليست موجة إرهاب، وهي ليست انتفاضة أيضا. هذا وضع جديد، ولن ينتهي قريبا. وحتى لو حدث انخفاض معين بالعنف في الأيام القريبة المقبلة، وجائز أن نرى أمرا كهذا، فإن العنف والعمليات لن تتوقف، لا في المناطق (أي الضفة) ولا في القدس ولا داخل إسرائيل'.

واعتبر أن 'هذا لم يبدأ الشهر الماضي ولا خلال الجرف الصامد. إن أجواء العنف بين الفلسطينيين تتصاعد منذ عدة سنوات' وأن الفلسطينيين يتأثرون بالأوضاع في دول المنطقة. وأضاف أن كل الوضع يستدعي من إسرائيل أن تقرر ما الذي تريده وفي أية حدود تريد أن تعيش، وأين يمر خط التماس.

انتخابات عامة مبكرة

على صعيد آخر، أعادت موجة عمليات الطعن الصراع السياسي الإسرائيلي الداخلي إلى واجهة العناوين. فقد طالب وزراء حزب 'البيت اليهودي' رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بالإعلان عن مشاريع لتوسيع المستوطنات. لكن نتنياهو رفض الاستجابة لهذا الطلب بعد إنذار وجهته إليه الإدارة الأميركية بأنها لن تستخدم الفيتو في مجلس الأمن الدولي لصالح إسرائيل.

في أعقاب ذلك نصب المستوطنون خيمة اعتصام قبالة مكتب نتنياهو، مطالبين بتوسيع المستوطنات ومعتبرين ذلك أنه الرد المناسب على موجة عمليات الطعن. ورغم رفض نتنياهو لهذا المطلب، بسبب الضغوط الأميركية، إلا أن وزراء من حزبه ومقربين جدا منه، وبينهم زئيف إلكين وياريف ليفين وحتى يسرائيل كاتس، الذي تولى منصب القائم بأعمال رئيس الحكومة خلال زيارة نتنياهو إلى نيويورك الأسبوع الماضي، زاروا خيمة الاعتصام ضد نتنياهو لكي يعبروا عن تأييدهم لطلب المستوطنين.

ووصف محلل الشؤون الحزبية في 'هآرتس'، يوسي فيرتر، هذا الوضع بأنه 'فقدان نتنياهو السيطرة' الأمنية والسياسية. ووفقا لفيرتر فإن هؤلاء الوزراء الثلاثة المذكورين وغيرهم، يتوقعون تقديم الانتخابات العامة في إسرائيل إلى النصف الثاني من العام المقبل. ولذلك تعين عليهم زيارة خيمة الاعتصام وتأييد مطالب المستوطنين، لكي يحصلوا بعد ذلك على دعمهم أثناء الانتخابات الداخلية في حزب الليكود، لأنهم يدركون تماما أنه في حال عدم تبوئهم الأماكن العشرة الأولى في قائمة مرشحي الحزب فإنهم سيكون صعبا جدا أن يحصلوا بعد ذلك على منصب وزاري.   

 ***

المشهد الحالي في القدس خصوصا تكرر عدة مرات في السنوات الأخيرة، وهناك عدة أسباب له: الاحتلال المتواصل وهو السبب الثابت والدائم؛ اقتحامات الأقصى، وهذه المرة بصورة يومية، بل عدة مرات في اليوم الواحد؛ تكثيف الاستيطان داخل البلدة القديمة واستفزازات المستوطنين المتواصلة داخل البلدة القديمة، حيث تكاد لا ترى يهودا من غير المستوطنين.

ومثلما يحدث في كل عام، فإنه الآن أيضا، يحاول نتنياهو الظهور وكأنه 'الكبير العاقل' الذي لا ينجر وراء مطالب وزرائه المنفلتين، مثل يسرائيل كاتس، المعروف بماضيه العربيد، والذي هدد قبل أيام بشن عملية 'سور واقي' ثانية في الضفة وعملية عسكرية مشابهة في القدس باسم 'أسوار القدس'.

إلا أن مسرحية 'الكبير العاقل' هذه لن توقف موجة التصعيد الأمني الحالية وكل ما يرافقها، مثلما لن توقفها تهديدات كاتس. وفي العام الماضي تراجعت حدة التوتر عندما تقرر وقف الاقتحامات للحرم القدسي. وهكذا حدث بعد عيد الفصح العبري في نيسان الماضي أيضا. وبالأمس اتخذ نتنياهو قرارا مشابها.

لكن هذه المرة ليس مؤكدا أن هذه الموجة ستضعف بسبب منع الوزراء وأعضاء الكنيست من اليمين المتطرف من اقتحام الحرم القدسي. ويبدو أن المستوطنين، الذين لديهم أجندتهم الخاصة، يغذون هذه الموجة، بعد أن أصبح ممثليهم وحدهم في مركز صناعة القرار في إسرائيل. 

التعليقات