مسرحية إخلاء "عمونا" المتقنة

لعبت الحكومة دور البطولة في المسرحية، وكانت الرابح الأكبر منها، إذ انهالت التصريحات والمواقف الشعبوية التي ستستثمر لاحقًا لأصوات خلال الحملات الانتخابية

مسرحية إخلاء "عمونا" المتقنة

المستوطنون بين عناصر الأمن (رويترز)

منذ صباح يوم أمس الأربعاء، بدأت مسرحية متقنة تحمل عنوان 'إخلاء عمونا'، يلعب دور البطولة فيها ثلاثة أطراف مختلفة، الحكومة الإسرائيلية متمثلة بعرابي الاستيطان من الليكود والبيت اليهودي، عناصر الأمن التي أتقنت دورها واختارت أزياء مختلفة هذه المرة والمستوطنون الذين أتقنوا دور الضحية، تارة بـ'مقاومة الاقتلاع العنيف' وتارة بالبكاء واللعب على المشاعر أو باستعمال الطريقتين سويًا.

ولعبت حكومة اليمين دور البطولة في المسرحية، وكانت الرابح الأكبر منها على المدى البعيد لأنها ظهرت كأنها تقوم بتنفيذ القانون وقرارات المحكمة العليا، لكنها تقوم بتمرير مشاريع استيطانية جديدة كانت 'في الدرج' كتعويض على إخلاء عمونا.

'دموع الإخلاء'... عنوان 'يديعوت'، اليوم

وسارع رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، مساء أمس،  إلى الإعلان عن بدء العمل على إقامة مستوطنة جديدة تمنح لمن تم إخلاؤهم، وسبق الإعلان مشاعر الحزن والأسف الكاذبة.

وأعلن نتنياهو  ووزير الأمن، أفيغدور ليبرمان، عن بناء 3 آلاف وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، وكذلك صادق الاثنان على بناء أكثر من ألفي وحدة استيطانية منذ قرار مجلس الأمن الذي يجرم الاستيطان.

ولم يقف وزير التربية والتعليم وزعيم البيت اليهودي، نفتالي بينيت، موقف المتفرج، إذ أعلن أن الحركة الاستيطانية 'خسرت المعركة' ولكنها كسبت الحرب على ما سماه 'أرض إسرائيل'، لكن وسائل الإعلام أظهرت عددًا من المستوطنين يشتمونه ويهتفون ضده وضد أعضاء من حزبه، مثل الوزير أوري أريئيل وعضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش، الذي شبه إخلاء 'عمونا' بعملية الاغتصاب.

وخلال عملية الإخلاء، أظهر الممثل الثاني في المسرحية، عناصر الأمن، حنانًا ورأفة تجاه المستوطنين خلال إخراجهم من المنازل التي بنوها على أرض فلسطينية بملكية خاصة قاموا بسرقتها والاستيطان عليها، وأظهروا 'حزمًا وقوة' في التعامل مع المخلين بالنظام ومن استخدم العنف فقط، لكنهم لم يستخدموا أيًا من وسائل القمع مثل الغاز المدمع والرصاص المطاطي التي يبدو أنها معدة للعرب فقط، ودخلوا بأزياء تناسب المسرحية، بلا خوذات واقية أو أسلحة نارية وقنابل صوت وغاز أو خيول تدب الرعب في القلوب. 

وحول سلوك قوات الأمن، تساءلت صحيفة 'هآرتس' في افتتاحيتها اليوم إذا ما كانت العملية في إحدى القرى العربية، وقام السكان بإلقاء الحجارة ومواد كيماوية على عناصر الأمن كما فعل مستوطنو 'عمونا'، هل سيكون الرد بالمثل؟ بطبيعة الحال هذا سؤال استنكاري، ومن تجربتنا كأقلية عربية في الداخل، نعلم أن الرد لن يكون بأقل من القتل، وإعدام يعقوب أبو القيعان قبل أسبوعين في أم الحيران دون أي سبب ودون أن يشكل أي خطر عليهم، أكبر دليل على ذلك.

ومن المهم التأكيد على أن أي مقارنة بين إخلاء بؤرة استيطانية وهدم منازل في قرية عربية هي مقارنة باطلة ومرفوضة تمامًا، إذ لا يمكن مقارنة من خالف القانون وسلب أرضًا خاصة واستوطن عليها بمن يسكن أرضه وترفض الحكومة منحه تراخيص بناء لأسباب سياسية وعنصرية بحتة.

وحصل الممثل الثالث، المستوطنون، الذين كانوا على علم بأن إخلاء بؤرتهم الاستيطانية آت لا محالة، على تعويضات مادية ومعنوية هائلة تخدم مصالحهم وتؤهلهم لمواصلة الاستيطان وسلب المزيد من الأراضي الفلسطينية، وهذا يعني أنهم لم خسروا المعركة كما صرح الوزير بينيت.

وقال محلل الشؤون الأمنية في صحيفة 'معاريف'، يوسي ميلمان إن تقسيم الأدوار كان حاضرًا بين المستوطنين كذلك، إذ تراجعت القيادات إلى الهامش، وأفسحت المجال للشباب المتطرف والراديكالي.

واعتبر أنه بعد 50 سنة من احتلال الضفة الغربية، وبعد سجالات متكررة في أروقة المحاكم، من الواجب الحفاظ على احترام سلطة القانون، وأن الإخلاء كان يجب أن يتم في السابق لأن 'سلب الأرض الخاصة والاستيطان عليها يجب أن يبقى ممنوعًا'.

وقال إن المحاكم الإسرائيلية يمكن أن 'تشرعن الاستيطان في حال تم على أرض دولة'، وهو المصطلح الذي تطلقه إسرائيل على المناطق التي تصادرها وتحولها إلى مناطق عسكرية مغلقة لفترة، ومن ثم تعلن عنها 'أرض دولة'، وعلى هذا الأساس تفرق المحاكم بين البؤر الاستيطانية غير الشرعية وبين المستوطنات 'الشرعية'.

وبحسب ميلمان، لم يحتكر اليمين الإسرائيلي الحدث، إذ حاول سياسيو المركز واليسار الإسرائيلي الإفادة من إخلاء البؤرة الاستيطانية، وبدأوا بالإشارة إلى أنه منذ قيام دولة إسرائيل قامت حكومات اليمين فقط بإخلاء المستوطنين، من مناحيم بيغين مرورًا بأريئيل شارون وصولًا إلى بنيامين نتنياهو.

لن تنتهي مسرحية عمونا في الأيام القريبة، فحجم التعاطف سيزداد وسيدفع 'فاتورته' الشعب الفلسطيني سواء عبر مصادرة أراضيه في الضفة الغربية وبناء المستوطنات، أو هنا في الداخل عبر جرائم هدم مباغتة في البلدات العربية، من الحيران جنوبا وحتى المغار وحرفيش شمالا مرورا بقلنسوة واللد.

إنها مسرحية متقنة مع المستوطنين، وحرب معلنة على وجودنا.

التعليقات