بوش الرئيس اليهودي الأول وترامب الرئيس الصهيوني الإسرائيلي الأول

غابت عن خطابات ترامب جملة من المصطلحات التي يجري تكرارها كلما اتصلت الأمور بالقضية الفلسطينية ولم يذكر حل الدولتين ولا الاستيطان، ولا الحدود، ولا اللاجئين ولا الاحتلال وغابت أيضا علاقة الشعب الفلسطيني بالقدس عند الحديث عن علاقة الاحتلال

بوش الرئيس اليهودي الأول وترامب الرئيس الصهيوني الإسرائيلي الأول

(أ ف ب)

أجمعت تقارير وسائل الإعلام الإسرائيلي على وصف خطابات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في زيارته القصيرة لإسرائيل بأنها صهيونية، بل وذهب بعض الكتاب إلى القول إنه إذا كان جورج بوش الرئيس اليهودي الأول، فإن ترامب هو 'الرئيس الصهيوني الإسرائيلي الأول'.

وغابت عن خطابات ترامب جملة من المصطلحات التي يجري تكرارها كلما اتصلت الأمور بالقضية الفلسطينية والصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. ولم يذكر حل الدولتين، ولا الاستيطان، ولا الحدود، ولا اللاجئين، ولا الاحتلال.

ولم يتحدث ترامب عن كيفية تحقيق السلام، بل وشدد على العلاقة بين الشعب اليهودي وبين القدس المحتلة وحائط البراق (ما يسمى 'حائط المبكى') بوجه خاص، و'أرض إسرائيل' عامة، دون أن يشير إلى أية علاقة للشعب الفلسطيني بالقدس الحرم المقدسي والأماكن المقدسة فيها.

ولم يطلب من الطرفين تجديد المفاوضات، ولم يطلب وقف الاستيطان ووقف توسيع المستوطنات القائمة، في حين أرخى العنان لإسرائيل بمواصلة الاستفراد، وذلك تحت ذريعة أنه لن يتم فرض أي اتفاق، وأن التغيير يجب أن يحصل من الداخل، وأن الطرفين يجب أن يتوصلا إلى نتائج لوحدهما، دون أن تقدم للسلطة الفلسطينية أية تعهدات مسبقة بشأن نتائج المفاوضات.

'الفلسطينيون عادوا 100 عام للوراء'

لخص مسؤول إسرائيلي زيارة الرئيس الأميركي ترامب لإسرائيل بالقول إن 'الفلسطينيين عادوا 100 عام إلى الوراء'.

وامتدح المسؤول الذي وصف بأنه مطلع على الاتصالات مع الولايات المتحدة التوجه الأميركي الجديد إلى القضية الفلسطينية، مشيرا إلى أنه 'للمرة الأولى منذ سنوات كثيرة لا تقدم للسلطة الفلسطينية تعهدات مسبقة بشأن نتائج المفاوضات مع إسرائيل'.

ومن هذا المنطلق، فمن غير المستبعد أن تؤدي الجهود الأميركية إلى تحريك ما يسمى 'العملية السياسية' العالقة منذ سنوات.

ولفت المسؤول نفسه إلى أنه منذ أن أعلنت إدارة جورج بوش عام 2003 عن 'خارطة الطريق'، فإن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، كان يعلم أن نتائج المفاوضات ستقود إلى 'حل الدولتين'.

وأضاف أنه بعد بوش، جاء باراك أوباما الذي ظل ملتزما بهذا التوجه. وتابع المصدر نفسه لموقع 'nrg' أنه في هذه الشروط فإنه لم يكن لعباس مصلحة في إجراء مفاوضات فعالة مع إسرائيل لأنه يعلم أنه لن يخسر شيئا. على حد قوله.

وبحسبه فإن الإدارة الأميركية الجديدة جاءت بتوجه لا يحدد مسبقا نتائج 'الصفقة'، ولا تفرضها على الطرفين، وإنما تخلق الأرضية والإطار لإجراء محادثات، وبالتالي فإن الطرفين هما من يجب أن يتوصلا إلى نتائج لوحدهم.

وفي هذا السياق، يضيف المصدر، أن الامتناع المتلاحق لترامب عن استخدام تعبير 'دولتين' يعيد الفلسطينيين 100 عام إلى الوراء، إلى أيام مؤتمر فرساي عام 1919 حيث أعطي المصطلح 'حق تقرير المصير'، الذي تستخدمه الإدارة الأميركية اليوم، تفسيرات كثيرة منذ ذلك الحين ولا تعني دولة بالضرورة.

ويضيف أنه 'في العالم يوجد آلاف الشعوب، ولكن لا يوجد سوى 200 دولة. هناك حق تقرير مصير سياسي، وحق تقرير مصير اقتصادي، وحكم ذاتي، وإمكانيات أخرى كثيرة متنوعة'.

ترامب الصهيوني الإسرائيلي الأول وخطابه خطاب صهيوني حقيقي

من جهته، وصف المحاضر بقسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة 'بار إيلان'، د. يهودا بلانجا، الرئيس الأميركي بأنه 'الرئيس الصهيوني الإسرائيلي الأول'، وخطابه 'خطاب صهيوني حقيقي لوطني إسرائيلي'.

وأشار إلى أن 4 شهور فقط كانت كافية للتماثل المطلق بين المصالح الوطنية للولايات المتحدة وإسرائيل، وأنه يمكن القول بعد انتهاء زيارته إن 'الولايات المتحدة عادت إلى الشرق الأوسط'.

واعتبر أن عودة الولايات المتحدة بقوة إلى الشرق الأوسط تأتي بعد تراجع وانقطاع دام 8 سنوات، وذلك كي تكون مرة أخرى القوة الأعظم والأكثر نفوذا، بما يعود بالفائدة أساسا على إسرائيل والدول العربية الحليفة للولايات المتحدة.

وليس خافيا أن إسرائيل حصلت على الدعم الكامل من ترامب لم تحظ بمثله منذ سنوات، وبعد 4 شهور فقط من دخوله البيت الأبيض، إذ تبين أن هناك تماثلا مطلقا في المصالح الوطنية وتعزيزا للعلاقات الخاصة بين الطرفين.

ويقول بلانجا أن ترامب، خلافا لسابقيه، لم يصل السعودية وإسرائيل والسلطة الفلسطينية لتقديم المواعظ والتوجيه السياسي أو فرض سلام في الشرق الأوسط، وإنما لتحقيق ثلاثة تعهدات أطلقها خلال الحملة الانتخابية: 'الحرب على إلإرهاب الإسلامي المتطرف؛ ومنع إيران من حيازة أسلحة نووية؛ وخلق أماكن عمل للأميركيين'.

فلسطينيا، نعت ترامب في الرياض لحركة حماس بـ'الإرهاب'، ولم يتحدث عن أطفال قطاع غزة عندما أبدى حساسية وتفهما عميقا للمستوطنين في محيط قطاع غزة. وفي المقابل، فقد توجه بمطالب لعباس، وذلك بقوله 'إنه لن يتحقق السلام حين تقدم مكافآت للإرهاب'، بما يضع علامات استفهام حول استمرار دفع مخصصات لذوي الشهداء والأسرى، باعتبار أنه قد يكون لذلك تبعات على إمكانية الحصول على دعم أميركي، وإمكانية التقدم بمطالب من واشنطن.

كما شدد ترامب على أن 'التغيير يجب أن يحصل من الداخل'، وأن الاتفاقيات لن يتم فرضها على الطرفين من الخارج، ومن هنا فإنه يذكر أبدا طوال جولته مصطلح 'دولتين لشعبين'، ولم يطلب من الطرفين تجديد المفاوضات، ولم يصدر أية إدانة للبناء الاستيطاني، ولم يطلب أي تجميد للبناء.

وقال ترامب إنه معني بسلام إسرائيلي – فلسطيني، ولكنه لم يشر إلى كيفية تحقيق هذا السلام، بل وشدد على 'العلاقة بين الشعب اليهودي وبين القدس المحتلة وحائط البراق (ما يسمى 'حائط المبكى') بوجه خاص، وأرض إسرائيل عامة'، دون أن يشير إلى أية علاقة للشعب الفلسطيني بالقدس الحرم المقدسي والأماكن المقدسة فيها.

كما أشار الكاتب إلى أن التعهد الأخير لترامب، وهو تحريك الاقتصاد الأميركي، قد تحقق بواسطة الصفقة العسكرية الضخمة مع السعودية، والتي تزيد قيمتها عن 110 مليار دولار، بحيث وفرت آلاف أماكن العلم للأميركيين.

وأنهى الكاتب مقالته بالقول إنه إذا كانت بربارة بوش اعتبرت ابنها جورج بوش 'الرئيس اليهودي الأول'، فإن ترامب سيكون بدون شك 'الرئيس الصهيوني الإسرائيلي الأول'.

'ضوء أخضر للاستيطان'

يشار إلى أنه بعد ساعات معدودة من مغادرة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، البلاد، ارتفعت أصوات من اليمين الإسرائيلي تفيد بأن ترامب أعطى الضوء الأخضر لمواصلة البناء الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة.

وبحسب القناة التلفزيونية الإسرائيلية الثانية، فإن مسؤولين من اليمين يدعون أن ترامب لم يذكر الاستيطان في خطابه، وأن هذا الأمر يعتبر مصادقة على مواصلة البناء. ونقل عنهم قولهم إن 'هناك تغييرا حقيقيا في توجه الإدارة الأميركية'.

وتبين أن هناك موجة من المناقصات للبناء الاستيطاني الجديدة في الضفة الغربية سيتم نشرها في الأسابيع القريبة، بعد أن كانت موضوعة جانبا إلى حين انتهاء زيارة ترامب.

ونقل عن مسؤولين كبار في اليمين قولهم إن 'ترامب أعطى الضوء الأخضر، لمواصلة البناء، ووفر حيزا للمناورة'.

وبحسبهم فإن هذا هو الوقت للعمل على توسيع المستوطنات، وإحلال السيادة الإسرائيلية على المستوطنات المقامة على أراضي الضفة الغربية.

'ترامب لم يقل شيئا'

من جهتها كتبت المحللة السياسية في صحيفة 'يديعوت أحرنوت'، الصادرة صباح اليوم الأربعاء، سيما كدمون أن 'خطابات ترامب لا تفيد إلا بكيفية عدم قول شيء بكثير من الكلمات'، وأنه بالتالي لم يقل أي شيء زيادة عما قاله لنتنياهو في زيارته إلى واشنطن، وملخصه 'افعلوا ما شئتم' الأمر الذي جعل اليمين راضيا.

وأشارت بدورها إلى أن ترامب لم يأت مطلق على ذكر 'دولتين لشعبين' أو المفاوضات أو حتى 'عملية السلام'، باعتبار أن ما قاله 'عملية السلام صعبة' يعرفه الجميع وليس هناك أي داع ليقول ذلك رئيس دولة عظمى.

وتضيف أنه مع تصريحات كهذه فإن اليمين سيكون راضيا، وكذلك نتنياهو، حيث لم يزعجه أحد بـ'حق الفلسطينيين في تقرير المصير، ولا الدولتين، ولا حدود 1967، ولا حتى تجميد البناء في المستوطنات'.

'الأبرز هو ما لم يقله ترامب'

في المقابل، كتب مراسل الصحيفة إيتمار آيخنر أن ترامب أبرز في خطابه في 'متحف إسرائيل' تحويل إسرائيل إلى أقوى مما كانت عليه، وعلى منع إيران من حيازة أسلحة نووية، ولكن الأبرز هو ما لم يقله، حيث أنه لم يأت على ذكر 'دولة فلسطينية' و'دولتين' و'انسحاب لحدود 67' و'المستوطنات كعقبة أمام السلام' و'اللاجئون' و'الاحتلال' و'الحدود'.

كما لم يأت على ذكر أي اتفاق، أو أي خطة من الماضي، ولم يشر إلى أية معيار أو إطار للاتفاق.

من جهته كتب الكاتب اليميني بن درور يميني في الصحيفة ذاتها أنه يجب العودة إلى خطاب باراك أوباما في العام 2013 من أجل تقدير خطاب ترامب.

ولفت إلى أن أوباما تحدث في حينه عن 'اعتراف بالتاريخ اليهودي، وامتدح إنجازات إسرائيل، ودعا إلى حل الدولتين لشعبين، وتحدث عن الأمل بالمستقبل للأجيال الشابة'، وهو ما فعله ترامب باستثناء الدعوة لحل الدولتين.

ويضيف أن ترامب لم يقل شيئا، فهو لم يعرض أي خطوط لمبادرة سلام، ولم يطلب من الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل كدولة الشعب اليهودي، ولم يطلب من إسرائيل وقف توسيع المستوطنات.

'خطاب صهيوني فارغ من أي مضمون حقيقي'

من جهته اعتبر المحلل يوسي فيرتر في صحيفة 'هآرتس'، الصادرة اليوم، إن يمكن استنتاج نتيجتين من زيارة ترامب القصيرة لإسرائيل: 'الأولى أنه من المهم جدا أن يكون صديقه نتنياهو راضيا؛ والثانية أن يثبت للعالم أنه ليس باراك أوباما'.

ووصف بدوره خطابه في 'متحف إسرائيل' بأنه 'صهيوني'، ولكنه 'فارغ وبدون أي مضمون حقيقي'. ويضيف أن اليمين كان يأمل أن يستمع إلى أخبار جيدة عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، في حين كان يأمل 'اليسار' أن يتحدث ترامب عن ضرورة إقامة دولة فلسطينية إلى جانب الدولة اليهودية.

وحول السؤال بشأن ما دار بين ترامب ونتنياهو في الغرف المغلقة، يشير المحلل إلى أنه من الجائز الافتراض بأن  'عملية ما' ستجري في الشهور القريبة، ربما على شكل 'مؤتمر سلام' برعاية ترامب، ويدعى نتنياهو وعباس إليها، وكلاهما ليسا معنيين بمخاصمة رئيس أميركي في سنته الأولى في الرئاسة، ولكن، بحسبه، فإن هناك علامة سؤال بشأن استعداده للغوص في هذا 'المستنقع' الذي غرق فيه سابقوه.

 

التعليقات