التحذيرات تتحقق والتوتر في الحرم المقدسي يشعل الأوضاع مجددا

المحللون الإسرائيليون يجمعون على أن المركب الديني من شأنه أن يفاقم الأوضاع، ويدفع باتجاه تحفيز عمليات أخرى، خاصة بعد أن تبين أن المواجهات التي تدور في القدس كانت الدافع وراء تنفيذ العمليات الأخيرة في تقوع والخليل ومستوطنة حلميش

التحذيرات تتحقق والتوتر في الحرم المقدسي يشعل الأوضاع مجددا

(أ ف ب)

أبرز المحللون العسكريون الإسرائيليون تحذيرات أجهزة الأمن من نصب البوابات الألكترونية في موقع حساس، مثل الحرم المقدسي، ولكن دون أن يلقى آذانا صاغية لدى المستوى السياسي، الأمر الذي من شأنه أن يعزز المركب الديني في المواجهات، كما يعزز احتمالات التصعيد في الأيام القادمة.

كما أجمع المحللون على أن المركب الديني من شأنه أن يفاقم الأوضاع، ويدفع باتجاه تحفيز عمليات أخرى، خاصة بعد أن تبين أن المواجهات التي تدور في القدس كانت الدافع وراء تنفيذ العمليات الأخيرة في تقوع والخليل ومستوطنة حلميش.

وأشاروا إلى أن المركب الديني يتجاوز الشارع الفلسطيني ليمتد إلى العالم الإسلامي في أنحاء العالم، بكل ما ينطوي على ذلك من تبعات.

"ما أنجز خلال عام هدم في أسبوع"

كتب المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، اليوم السبت، أن ما استطاعت قوات الأمن الإسرائيلية إنجازه بصعوبة خلال عام، من الممكن أن يهدم بسهولة خلال أسبوع، خاصة عندما يدخل المركب الديني إلى الصورة.

وأشار إلى أن الاستخبارات العسكرية كانت قد وضعت قبل سنتين "تحذيرا إستراتيجيا" أمام المستوى السياسي بشأن اندلاع مواجهات خطيرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67، الأمر الذي تحقق في العمليات المنفردة التي قتل فيها نحو 40 إسرائيليا في عمليات طعن ودهس وإطلاق نار.

وبحسبه، فإن الأوضاع في الضفة الغربية لم تخرج عن السيطرة، وذلك لأن إسرائيل ردت باتزان وترو، وتمكنت من ربط أجهزة الأمن الفلسطينية بحرب مشتركة ضد ما أسماه "إرهاب الأفراد". بيد أن الاستخبارات الإسرائيلية كلها تجمع على أن كان واضحا أن أي تغيير في الوضع الراهن الحساس في الحرم المقدسي قد يؤدي إلى ردود فعل عنيفة في الأراضي الفلسطينية وربما في الدول المجاورة.

وأضاف أن مقتل الشرطيين في الحرم المقدسي دفع إسرائيل إلى نصب بوابات إلكترونية على مداخل الأقصى، الأمر الذي تسبب باحتجاجات فلسطينية. ويدعي المحلل العسكري في هذا السياق، أن الأوقاف الإسلامية وحركة حماس والحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني والنواب العرب قد "صبوا الزيت على النار".

وأشار إلى أن التحقيقات في محاولتي تنفيذ عمليات، خلال الأسبوع، في تقوع والخليل، قد بينت أن أحد محفزات المنفذين كان المواجهات في المسجد الأقصى، وكان الشاباك والاستخبارات العسكرية قد عبروا عن مخاوف من عمليات مماثلة بمبادرة أفراد أو مجموعات محلية صغيرة على خلفية أجواء التوتر الديني. على حد تعبيره.

وفي حين أدت المواجهات في القدس إلى استشهاد ثلاثة شبان فلسطينيين بنيران إسرائيليين، يقول المحلل العسكري إن ردود الفعل في الضفة الغربية كانت منضبطة نسبيا، وشارك فيها المئات وليس الآلاف، وانتهت بدون سقوط شهداء، بما يشير إلى عدم تراكم ما أسماه "طاقات سلبية بدرجة تكفي لاندلاع انتفاضة جديدة عنيفة وواسعة النطاق".

ويضيف أنه في هذه الأثناء، وفي ساعات المساء وقعت عملية حلميش، التي كتب منفذها على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي أن أحداث الأقصى هي التي دفعته لتنفيذ العملية التي قتل فيها ثلاثة مستوطنين.

"عباس بحاجة للتنسيق الأمني"

وتابع أنه بعد الأحداث العنيفة في القدس، فإن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، أعلن عن تجميد قنوات التنسيق مع إسرائيل. وأضاف أن السلطة اتخذت مثل هذه الخطوات في السابق، ولكنها حافظت على مستوى متدن من التنسيق الأمني، حيث أن القناة الأمنية مهمة لها لكونها تضمن لها الاستقرار، وتساعد عباس في الشعور بالأمان من "محاولة انقلاب من قبل حركة حماس". بحسب المحلل العسكري.

كما أشار إلى أن الجيش والشاباك ومنسق عمليات حكومة الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 قد حذروا طوال الأسبوع من أبعاد إبقاء البوابات الإلكترونية في الحرم المقدسي. وادعوا أن الجانب الفلسطيني سوف يستغل الخلاف من أجل إشعال الأوضاع، دون أن يكون للوسائل الأمنية هذه أية فائدة عملية.

في المقابل، فإن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، تردد في اتخاذ القرار، على خلفية الاتصالات مع الأردن والسلطة الفلسطينية للتوصل إلى حل توسط لحل الأزمة، ولكن تقرر في نهاية جلسة المجلس الوزاري المصغر إبقاء البوابات الإلكترونية في مكانها.

ولفت المحلل العسكري في هذا السياق، إلى أن الوزراء أطلقوا تصريحات عالية بشأن إظهار السيادة والحفاظ على الردع، كما أنه لا يمكن تجاهل مركب آخر، بحسبه، وهو المنافسة الداخلية بين شركاء الائتلاف، حيث يخشى "الليكود" و"البيت اليهودي"، وإلى حد ما "يسرائيل بيتينو" من اتهامهم بالضعف أمام "الإرهاب". وفي ساعات المساء، وبعد أن بدت الأمور تحت السيطرة، بحسبه، يشير إلى ان الجيش والشاباك قد تقليا انتقادات غير مباشرة بسبب "إخافة المجلس الوزاري أكثر من اللازم".

ولكن، وبعد عملية حلميش، سارع رئيس الائتلاف، دافيد بيتان، إلى اتهام قوات الأمن بعدم إبداء اليقظة، ليخلص المحلل العسكري إلى القول إن رئيس أركان الجيش، غادي آيزنكوت، ورئيس الشاباك، نداف أرغمان، "يعملان في ظروف غير ممكنة".

الانتخابات التمهيدية للليكود والبلدية في القدس مقابل "يوم عملية في القدس ويوم هدوء"

من جهته كان قد كتب مراسل القناة الإسرائيلية الثانية لشؤون القدس، يارون أفراهام، الأربعاء، قبل أن القدس على وشك الغليان، ويبدو أن كثيرين في الجهاز السياسي "يفضلون أن يغلي السخان على أن يكونوا أول من يفصله عن الكهرباء"، حيث أن نتنياهو، وبعد ثلاثة مداولات متتالية أجراها، قرر في نهاية المطاف إبقاء البوابات الإلكترونية كـ"رد صهيوني ملائم".

واعتبر أن تصريح نتنياهو، لدى مغادرته البلاد متوجها إلى باريس، على متن الطائرة بأنه هو من أصدر التعليمات بنصب البوابات الإلكترونية، جعل القرار في الإطار السياسي، بدلا من أن يكون في الإطار العملاني.

وبعد أربعة أيام، اندلعت المواجهات والمظاهرات والاحتكاكات. وأشار في هذا السياق إلى أن رئيس بلدية الاحتلال أيضا دافع عن قرار نصب البوابات، معتبرا أن الشرطة اتخذت قرارا صائبا وضروريا، ولكن بحسب المراسل، فإن الشرطة لم تتحمس كثيرا لمثل هذا الحل، وإنما فعلت ذلك بضغط سياسي.

وأضاف بلهجة التساؤل أنه كان يجب أن يجب أن تنزل من سلم الأولويات الانتخابات التمهيدية في الليكود، أو حقيقة أن الحديث عن انتخابات بلدية، إزاء إمكانية أن تعود القدس إلى "يوم عملية ويوم هدوء".

الأجهزة الأمنية تتوقع المزيد من التصعيد

من جهته، اقتبس المحلل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، عن مصدر أمني تعقيبه، صباح اليوم، على عملية حلميش، والذي جاء فيها "عملية إستراتيجية تخرج كثيراعن حدود القدس والضفة الغربية وقطاع غزة. فهي حدث إسلامي. فشبكات التواصل الاجتماعي تضج بشكل لم نره من قبل، وهذه علامات تصعيد. كما أن هناك علامة أخرى وهي أنه لا يوجد أي جهة لاجمة تعمل على الأرض، وإنما العكس، فالتحريض يتصاعد، وخاصة من قبل حماس والأوقاف، وانضم إليهم محمود عباس بسبب الخشية على سلطته".

وبحسب بن يشاي فإن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تتوقع المزيد من التصعيد، وخاصة في القدس والضفة الغربية، كما تتوقع تنفيذ "عمليات مماثلة" لعملية حلميش.

وفي هذا السياق، تساءل عن كيفية دخول منفذ العملية إلى المستوطنة واختراق السياج المحيط بها دون أن تتمكن أجهزة الأمن من معاينة ذلك.

وأشار بدوره إلى أن عملية حلميش قد نفذت بوحي المواجهات التي وقعت في القدس. وبحسبه فإنها ليست الأولى من نوعها، حيث كانت هناك عمليات في تقوع والخليل على نفس الخلفية، مثلما حصل في أيلول/سبتمبر 2015، وفي بداية الانتفاضة الثانية. كما يشير إلى أنه "في اللحظة التي يتحول فيها الحرم المقدسي إلى مركز توتر، فإن الوضع في الشارعين الفلسطيني والإسلامي في كافة أنحاء العالم يصبح متفجرا".

وضع متفجر في الشارع الفلسطيني والعالم الإسلامي

ويضيف بن يشاي أنه "يوجد حاليا طاقة متفجرة في كافة أنحاء العالم الإسلامي والشارع الفلسطيني، وفي حال عدم التوصل إلى حل يؤدي إلى تعاون كل الجهات لتهدئة الوضع، فإن الأيام القادمة ستشهد مواجهات أخرى وعمليات أخرى". كما أضاف أن سقوط ثلاثة شهداء فلسطينيين في مواقع بعيدة عن ساحة الحرم من شأنه أن يزيد من حدة التصعيد، وخاصة على الخلفية الدينية.

وكتب المحلل العسكري أن الشارع الفلسطيني كان في حالة متفجرة في الفترة الأخيرة، قبل نصب البوابات الإلكترونية، بسبب خيبة الأمل من جهود ترامب للتوصل إلى تسوية للصراع، وسبب الصراع على وراثة عباس، وبسبب الانقسام الفلسطيني الداخلي الذي تفاقم مؤخرا، وبسبب الخطوات الاستفزازية ضد قطاع غزة، وبسبب اليأس الاقتصادي والشخصي للشبان في الشارع الفلسطيني.

الحكومة الإسرائيلية فشلت..

كما كتب أن الحكومة الإسرائيلية فشلت في محاولتها التوصل إلى تسوية مع الأردنيين ومع الأوقاف والسلطة الفلسطينية، في حين فضل رئيس الحكومة تقديم المواعظ لقادة أوروبا بشأن كيفية التصرف، بينما كان الرأي العام الإسرائيلي منشغلا بقضية الغواصات، وترك أمر الحرم المقدسي بيد الشرطة وكأنما الحديث عن حدث محلي، بينما كان الشاباك والجيش يحذران من أن نصب البوابات الإلكترونية سيفسر على أنه خرق للوضع الراهن.

ويخلص بن يشاي إلى نتيجة أنه منذ اللحظة التي سقط فيها قتلى من الطرفين، فقد بات هناك حاجة لجهود كثيرة، أمنية ودبلوماسية، مع الأوقاف ومع السلطة الفلسطينية ومع الأردن، وربما بمساعدة أميركية وسعودية، من أجل تهدئة الأوضاع من خلال تسوية، وإلا "فإننا على أبواب موجة إرهاب جديدة". على حد تعبيره.

إلى ذلك، تجدر الإشارة إلى أن القناة التلفزيونية الإسرائيلية العاشرة قد أفادت، مساء أمس الجمعة، أنه من المتوقع أن يتوجه وزير الأمن الداخلي، غلعاد إردان، إلى رئيس الحكومة لفحص بدائل للبوابات الإلكترونية.

وجاء أنه من المتوقع أن يقوم إردان بفحص بديل على شاكلة ماسحات ضوئية بدلا من البوابات الإلكترونية.

التعليقات