بروتوكولات إسرائيلية: بين الترانسفير ولغة القوة و"الترحيل بطرق سلمية"

بن غوريون: في اللحظة التي يزول فيها الفارق بين العرب واليهود ويصلان إلى نفس الدرجة، وعندما لا يكون حكم عسكري في عالم خال من الحروب، فلا شك لدي بأن إسرائيل سوف تنتهي، ولن يبقى أي ذكر لليهود

بروتوكولات إسرائيلية: بين الترانسفير ولغة القوة و

قادة إسرائيليون أثناء الحكم العسكري (لاعام)

* بن غوريون: العرب لا يفهمون إلا لغة القوة.. العرب طابور خامس.. ننظر للعرب كحمير وهم لا يكترثون لذلك.. من يدعم إلغاء الحكم العسكري يكون مسؤولا عن ضياع إسرائيل

* موشي شاريت وبنحاس لافون عارضا طرد العرب بالقوة ولكنهما نظرا بإيجابية إلى ترحيلهم بـ"طرق سلمية"

* موشي ديان عام 1950: آمل أن تكون هناك إمكانية في السنوات القريبة لتنفيذ ترانسفير للعرب

* بنحاس لافون: إسرائيل لا تستطيع حل مسألة العرب بطرق نازية. فالنازية تظل نازية حتى لو مارسها يهود

* موشي شاريت: أمور رهيبة حصلت ضد العرب.. وإلى حين يشنق يهودي بسبب قتله عربيا دونما سبب وبدم بارد فعندها سيدرك اليهود أن العرب ليسوا كلابا وإنما بشرا

* دافيد هكوهين: القوانين التي نسنها للسكان العرب في إسرائيل لا يمكن مقارنتها حتى بالقوانين التي سنت ضد اليهود في القرون الوسطى


أطلق كبار المسؤولين في "مباي"، حزب السلطة قبل اندماجه في "المعراخ"، "المسألة العربية في إسرائيل" على المسألة "المعقدة" التي نشأت بعد إعلان قيام دولة إسرائيل، والتي تتصل بنحو 156 ألف عربي ظلوا في وطنهم بعد نكبة الشعب الفلسطيني، وكانوا يشكلون ما نسبته 14% من السكان.

وبحسب محاضر (بروتوكولات) "مباي"، المحفوظة في أرشيف حزب "العمل" في "بيت بيرل"، فقد كانت هناك خلافات في داخل الحزب بين توجهين حول مستقبل العرب في البلاد: الأول سياسة الفصل واتباع القبضة الحديدية، والتي دعا إليها دافيد بن غوريون وموشي ديان وشمعون بيرس؛ والثاني سياسة الاندماج التي دعا إليها موشي شاريت وبنحاس لافون وزيلمان أران ودافيد هكوهين وآخرون.

ونشرت صحيفة "هآرتس"، الجمعة، جزءا من هذه المحاضر، التي عكست، بحسبها، الخلافات بين بن غوريون وشاريت، الذي أشغل منصب وزير الخارجية في حينه، والتي عكست رؤيتهما للعالم العربي عامة، حيث انتقد شاريت سياسة بن غوريون التي تقول إن "العرب لا يفهمون إلا لغة القوة".

وفي حينه تطرق يتسحاك بن تسفي، الذي أصبح لاحقا رئيسا لإسرائيل، إلى هذه البدائل، حيث قال في جلسة لكتلة "مباي" في 9 تموز/يوليو من العام 1950: "السؤال هو ما هو موقف الدولة من الأقليات؟ هل نريدهم أن يبقوا في الدولة، ويتم استيعابهم أم طردهم منها.. أعلنا المساواة بين المواطنين بدون تمييز في العرق. فهل القصد هو إلى حين ياتي وقت لا يكون فيه عرب في البلاد؟".

أداة العمل الأساسية: الترانسفير

يستدل من المحاضر أن المناقشات داخل "مباي" كانت حرة تماما، وحتى في الجلسات التي كان يخشى فيها من التسريب للصحافة، وذلك لتجنب ممارسة ضغوط دولية على إسرائيل لتحسين تعاملها مع العرب. وبالتالي فقد كان يجب البت في عدد من القضايا ذات وزن سياسي ثقيل، مثل "حق التصويت وقانون أملاك الغائبين ومكانة جهاز التعليم العربي، وعضوية العامل العربي في الهستدروت، وغيرها".

ورافق جزءا كبيرا من هذه المناقشات قضية تتصل بالسياسة التي تقتضي طرد العرب من البلاد (ترانسفير). وفي الجلسة المشار إليها في تموز/يوليو 1950 عارض شاريت ادعاءات بن غوريون وأعوانه الذين اعتقدوا أن العرب "طابور خامس". ولكن شاريت اعتبر أن تلك "فرضية ساذجة تستوجب الفحص". وبحسبه فإن مصير علاقات الشعبين منوط باليهود.

يشار إلى أنه في حينه لم يكن قد أرسي التعليم الثانوي في القانون، وفي حين درس جزء كبير من الطلاب اليهود في المدارس الثانوية، فإن شاريت كان يعتقد أنه على الدولة أن تقيم مدارس ثانوية للعرب "لضمان الحد الأدنى الثقافي لهم".

وبحسب "هآرتس"، وانطلاقا من اعتبارات سياسية، فإن مؤيدي "سياسة الفصل" كانوا يميلون إلى تجاهل الفرق بين العرب في البلاد، وبين الفلسطينيين الذين حاولوا اجتياز الحدود للعودة إلى وطنهم. وفي المقابل، فإن شاريت كان يقول إنه "يجب أن يكون هناك فصل بين العمل ضد التسلل العربي، وبين قمع العرب داخل البلاد".

ورغم ذلك، فإن شخصيات مثل شاريت وبنحاس لافون، الذي أصبح لاحقا وزيرا للأمن، كانا ينظران بإيجابية إلى خروج العرب من البلاد، ولكن "بطرق سلمية" بحسبهما.

وفي حين كان ديان يسعى إلى تقليل أعداد العرب في البلاد، بل وسعى أيضا إلى تحقيق ذلك بواسطة التراسفير، فإنه بحسب شاريت "يجب عدم التوجه لتحقيق ذلك بسياسة قمع عامة، لتجنب أشكال لا داعي لها من القسوة تسبب تدنيسا لا يمكن التنبؤ به".

ورغم كون ديان عسكريا، في حينه كان القائد العسكري لمنطقة الجنوب، فقد شارك في الجلسات السياسية لـ"مباي" وفي وضع سياسة عامة للحزب. وكان من المتشددين تجاه البلدات العربية، وعارض منح العرب المواطنة الدائمة، وعارض دفع تعويضات للعرب الذين نهبت أراضيهم، كما عارض كل ما من يشأنه أن يبني "جسورا" بين اليهود والعرب.

وكان قد صرح في حزيران/يونيو 1950 "يجب أن تكون سياسة الحزب موجهة إلى اعتبار 170 ألف عربي كأنه لم يقرر مصيرهم بعد. وآمل أن تكون هناك إمكانية في السنوات القريبة لتنفيذ ترانسفير لهؤلاء العرب من أرض إسرائيل. يجب أن تكون هذه الإمكانية قائمة بالحسبان كل الوقت، ويجب عدم فعل أي شيء يتناقض مع ذلك".

وردا على اقتراح شاريت بتحسين مستوى التعليم العربي، قال ديان "لا يعنينا تغيير ذلك، وليست هذه المسألة الوحيدة التي لم يحن وقت حلها النهائي".

"أمور رهيبة حصلت ضد العرب"

وبحسب المحاضر، فإن زيلمان أران، الذي أصبح لاحقا وزير المعارف، عارض سياسة الحكم العسكري، الذي فرض على العرب منذ النكبة وحتى العام 1966. ونقل عنه قوله "طالما نحتفظ بهم في غيتوات، فإن أي فعل بناء لن يكون مجديا".

كما نقل عن لافون أنه دعا إلى إلغاء الحكم العسكري. وفي العام 1955، بعد شهور من استقالته من منصب وزير الأمن، صرح في مؤتمر في "بيت بيرل" أن "إسرائيل لا تستطيع حل مسألة العرب الموجودين فيها بطرق نازية. فالنازية تظل نازية حتى لو مارسها يهود".

وفي جلسة لمجلس "مباي" بتاريخ 21/05/1949، قال لافون بسخرية "هذا أمر معروف أننا الاشتراكيون الأفضل في العالم.. حتى عندما نقوم بنهب العرب".

كما يقر لافون في حديثه في جلسة لكتلة "مباي" بتاريخ 19/01/1950 أنه "لا يمكن العمل في وسط العرب عندما تكون السياسة هي الترانسفير والقمع. لم يتحقق سوى القمع الشديد والوحشي للعرب في البلاد، ولا يمكن الحديث عن ترانسفير، وإذا لم تندلع الحرب فلن يذهبوا".

وفي كانون الأول/ديسمبر، خلال المداولات بشأن حق التصويت لانتخاب "المجلس/الجمعية التأسيسية" (التي انتخبت في كانون الثاني/يناير 1949 وبعد نحو شهر تغير اسمها إلى الكنيست)، وافق بن غوريون على منح حق التصويت للعرب بموجب سجل السكان الذي شمل 37 ألف عربي فقط.

وتبين أن اعتبارات بن غوريون كانت حزبية وذلك لأن التقديرات كانت تشير إلى أنهم سيصوت لـ"مباي"، إذ أنه خلال المناقشات على قانون المواطنة في مطلع عام 1951، رفض بن غوريون منح حق التصويت للعرب الذين كانوا يعيشون في البلاد "بشكل قانوني"، ولكنهم كانوا في مكان آخر أثناء تسجيل السكان لأنهم هربوا من بلداتهم أو هجروا بسبب الحرب، أو سكان المثلث الذي ضم لإسرائيل في نيسان/أبريل 1949 بعد اتفاقية الهدنة مع الأردن. ونقل عنه في حينه قوله "لا يوجد دولة في العالم يوجد فيها نوعان من المواطنين خلال الانتخابات".

وفي المقابل، طرح شاريت موقفا معارضا يدعو لمنح العرب حق التصويت، ولكنه من منطلق الحفاظ على صورة إسرائيل، حيث قال إنه "لا يمكن الدفاع عن هذا الوضع، تجاه أنفسنا وتجاه العرب، وتجاه العرب عامة في إسرائيل والرأي العام العالمي، ولذلك يجب منح العرب حق التصويت، باستثناء أولئك الذين دخلوا البلاد بدون تصريح".

وأقر في حديثه بـ"حصول أمور رهيبة ضد العرب"، ليخلص إلى نتيجة أن "إلى حين يشنق يهودي بسبب قتله عربيا دونما سبب وبدم بارد فعندها سيدرك اليهود أن العرب ليسوا كلابا وإنما بشرا".

وفي جلسة أخرى، بتاريخ 09/07/1950، أبدى عضو الكنيست دافيد هكوفين رأيا مغايرا للادعاء أن التمييز ضد العرب والحكم العسكري ضروريان لأسباب أمنية. كما هاجم بشدة "قانون أملاك الغائبين"، مشيرا إلى أنه بموجب القانون فإن أملاك العربي المتوفي لا تنتقل لزوجته، وإنما لـ"الوصي على أملاك الغائبين".

وأضاف "هذه القوانين التي نسنها للسكان العرب في إسرائيل لا يمكن مقارنتها حتى بالقوانين التي سنت ضد اليهود في القرون الوسطى".

من جهته عارض زيلمان أران الخط الذي تبناه ديان، وقارن بين وضع العرب في البلاد وبين وضع اليهود الذين يعيشون في دول أخرى. وقال "لا يوجد سبب للمطالبة بتعامل آخر مع الأقليات اليهودية في الولايات المتحدة على أساس ما نفعله هنا للعرب".

ورد ديان بالقول إنه يعترض على ذلك، وإنه لا يرى سببا للتمييز بين العرب في البلاد وبين العرب في "الدول المعادية"، وقال إنه "متشائم" بالنسبة لاحتمالات "ولاء" هؤلاء العرب.

ديمقراطية؟

ويتضح من المحاضر أن صراعا كان يجري داخل "مباي" بشأن استمرار الحكمة العسكري، وكان بن غوريون يدافع باستمرار عن إبقائه، بوصفه "قوة رادعة" ضد العرب في البلاد. وفي تاريخ 01/01/1962 انتقد ما أسماه "السذاجة المهيمنة" لأمثال شاريت وآران، وقال "إنهم لا يفهمون العرب"، مضيفا أن "هناك أناسا يعيشون في أوهام بأننا شعب كباقي الشعوب، وأن العرب مخلصون لإسرائيل، وأن ما يحدث في الجزائر لا يمكن أن يحدث هنا".

وأضاف بن غوريون "نحن ننظر إليهم كحمير، وهم لا يكترثون بذلك، بل يتقبلون ذلك". كما اعتبر أن إلغاء الحكم ينطوي على خطر، حيث قال "إن من يدعم إلغاء أو تخفيف الحكم العسكري سيكون مسؤولا عن ضياع إسرائيل".

ونقلت المحاضر عن ليفي أشكول، الذي كان يشغل منصب وزير المالية، وخلال ولايته في رئاسة الحكومة ألغي الحكم العسكري، قوله "لن أستغرب إذا نشأ، فجأة، وضع جديد يرفضون فيه تأجير العربي إسطبلا (وليس غرفة) في مكان ما، وذلك كاستمرار لهذا الوضع".

وفي جلسة لسكرتاريا "مباي" بتاريخ 05/01/1962، ادعى شمعون بيرس، الذي أشغل في حينه منصب نائب وزير الأمن، أن "الحكم العسكري لا يضايق العرب"، كما ادعى أن "العرب الذين يشكلون خطرا على إسرائيل هم الذين أنشأوا الحكم العسكري".

يشار إلى أن إيسر هرئيل، الذي أشغل منصب رئيس الشاباك (1950 – 1952)، ورئيس الموساد (1952 – 1963)، قد صرح في العام 1966، بعد أيام معدودة من استقالته كمستشار لرئيس الحكومة أشكول لشؤون الاستخبارات والأمن، أن "الحكم العسكري ليس ضرورة أمنية، ولا يوجد أي داع له، فالجيش يجب ألا يعالج شؤون المواطنين العرب، فهذا عطب في ديمقراطيتنا".

كما نسب لبن غوريون قوله بتاريخ 05/01/1962 في جلسة سكرتاريا "مباي" إنه "في اللحظة التي يزول فيها الفارق بين العرب واليهود ويصلان إلى نفس الدرجة، وعندما لا يكون حكم عسكري في عالم خال من الحروب، فلا شك لدي بأن إسرائيل سوف تنتهي، ولن يبقى أي ذكر لليهود"، على حد تعبيره.

التعليقات