"الزواج من الأغيار": تهويد المهاجرين الروس والتنكر لغير الأرثوذكس

ما مدى صحة مقولة نتنياهو إن اليهود في كل مكان هم "أبناء شعب واحد"؟ وهل ينظر حاخامات الحريديين والصهيونية الدينية إلى الأميركيين اليهود على أنهم يهود فعلا؟ وكيف تتعامل الحاخامية الإسرائيلية مع أبناء ثلث المهاجرين الروس؟

توضيحية (أ ب)

اضطر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أمس الإثنين، إلى التعقيب على الصياغات التي استخدمتها صحف الحريديين الإسرائيلية في وصف كنيس "عيتس حاييم" (شجرة حياة) في مدينة بيتسبورغ الأميركية، الذي تعرض لهجوم مسلح نفذه أميركي ينتمي لليمين العنصري، وقُتل فيه 11 شخصا. وبتعقيبه، دخل نتنياهو إلى حلبة صراع شرس بين اليهود الأرثوذكس، وخاصة الحريديين، وبين اليهود من التيارين الإصلاحي والمحافظ، الذي تنتمي إليهما الغالبية العظمى من اليهود في الولايات المتحدة.

واستعرضت مجلة "هَعاين هَشْفيعيت" (العين السابعة) الإلكترونية، التي تعنى وترصد وسائل الإعلام الإسرائيلية، اقتباسات من الصحف الحريدية بعد الهجوم، تظهر امتناعها عن وصف المكان المستهدف بأنه كنيس. واستخدمت صحيفتا "ييتد نئمان" و"بلاس" عبارة "هجوم في مركز يهودي"، فيما وصفته صحيفة "هَمودياع" بأنه "مركز يهودي محافظ"، أي تابع للتيار المحافظ، بينما ذكرت صحيفة "هَمِفَسير" اسم المدينة الأميركية التي وقع فيها الهجوم، ولم تذكر أنه وقع في مكان له علاقة بيهود. ويعود ذلك إلى أنه بموجب المفهوم الأرثوذكسي، ليس بالإمكان الاعتراف بكنسٍ إصلاحية ومحافظة، لأنها بنظرهم لا تستوفي شروط الشريعة اليهودية بما يتعلق بالحفاظ على قدسية يوم السبت والتواضع وما إلى ذلك.

وقال الحاخام الأشكنازي الأكبر في إسرائيل، دافيد لاو، ردا على سؤال وجهته إليه صحيفة "ماكور ريشون" حول ما إذا كان المكان الذي وقع فيه الهجوم كنيسا، إن "يهودا قُتلوا في المكان الذي اعتبره القاتل مكانا ذا طابع يهودي بارز. مكان مع كتب توراة، يهود مع شالات الصلاة، ويوجد هناك ترتيبات، ويوجد أناس جاؤوا إلى هناك من أجل الاقتراب من الرب. ولهذا، فإن القاتل جاء إلى هناك حصريا من أجل أن يقتل وليس في مكان آخر. وعلى هذا الألم والغضب". وامتنع لاو عن وصف المكان بأنه كنيس.

الكنيس الذي استهدفه الهجوم في بيتسبورغ (أ.ف.ب.)

ورد نتنياهو على أقوال الحريديين بأن "يهودا قُتلوا في كنيس. لقد قُتلوا لكونهم يهودا. المكان اختير لأنه كنيس. ولا ينبغي نسيان ذلك أبدا. نحن شعب واحد". وتأتي أقوال نتنياهو هذه على خلفية أزمة عميقة جدا بين إسرائيل ويهود الولايات المتحدة، بسبب خلافات في العقائد الدينية وبسبب التطرف في إسرائيل وقمع الحريديين لهم في كافة المجالات الدينية، لدرجة عدم الاعتراف بيهوديتهم.

لكن هل قول نتنياهو "نحن شعب واحد" صحيح وواقعي؟ قبل الإجابة على هذا السؤال، ينبغي الإشارة إلى أن اليهود في إسرائيل، وغالبيتهم العظمى ينتمون للتيار الأرثوذكسي، يعتبرون أن اليهودية ديانة وقومية، ومن يخرج من الديانة اليهودية يخرج من القومية اليهودية أيضا. أي أنه لا يمكن أن ينتمي شخص للقومية اليهودية من دون أن تكون ديانته يهودية. ويعني انتماء شخص للديانة اليهودية، حتى لو كان علمانيا، أنه جزء من القومية اليهودية، أو "الشعب اليهودي". لكن على الرغم من ذلك، فإنه لا يوجد حتى اليوم تعريف متفق عليه بين جميع يهود العالم جول "من هو اليهودي؟".

"الزواج المختلط"

الإجابة على السؤال "من هو اليهودي؟" متعلقة بالمجيب. ولأنه لا يوجد تعريف متفق عليه حول "من هو اليهودي"، فإنه بالإمكان التوجه إلى تعريف "من هو غير اليهودي"، وربما هذا سيكون أسهل، خصوصا بنظر اليهودية الأرثوذكسية. وتُطرح مسألة من هو غير اليهودي في قضايا الزواج خصوصا. إذ يرى اليهود، الأرثوذكس على وجه الخصوص، بالزواج المختلط بين اليهودي وغير اليهودي أنه "انصهار" في ثقافة أخرى ويبعد اليهودي عن ديانته. وتجدر الإشارة إلى أن هذا أحد أكثر المواضيع التي تشغل اليهود الأرثوذكس.

مهرجان للحريديين

ربما تضمنت تعقيبات صحف الحريديين وأقوال الحاخام الأكبر لإسرائيل، المذكورة أعلاه، تلميحا للإجابة على السؤال الثاني على الأقل، من هو غير اليهودي؟ إذ أن الكنيس في بيتسبورغ لا يعتبر كنيسا بنظر الحريديين. كذلك فإن اليهودية الأرثوذكسية لا تنظر إلى اليهود الإصلاحيين والمحافظين أنهم يهود كاملون، والحريديون والحاخامية الإسرائيلية الرسمية لا تعترف بإجراءات التهود على الطريقة الإصلاحية والمحافظة.

في هذا السياق، ذكر تقرير نشرته صحيفة "ماكور ريشون" التابعة لتيار الصهيونية الدينية الأرثوكسية، يوم الجمعة الماضي، أن 75% من حالات الزواج بين اليهود غير الأرثوذكس في الولايات المتحدة هي زواج مختلط.

وبحسب دراسة أجراها بروفيسور آشير كوهين، من جامعة بار إيلان، في العام 2002، فإن نسبة الزواج المختلط بين يهود إسرائيليين وغير يهود مطلع الألفية الثالثة كانت 0.5%، بحيث أن 0.7% من الرجال اليهود و0.4% من النساء اليهوديات كانوا متزوجين من "أغيار"، أي غير يهود. وبحسب تقرير أعده موشيه نيسيم، الوزير الإسرائيلي السابق عن حزب "المفدال"، الذي كان يمثل الصهيونية الدينية التي يمثلها اليوم حزب "البيت اليهودي" وحزب الليكود الحاكم إلى حد ما، فإن نسبة الزواج المختلط بين يهود وغير يهود ارتفعت إلى ما بين 5% - 10% في بداية العقد الحالي. وعبر التقرير عن التخوف "لأن هذه ظاهرة متكررة، فإنها قد تصبح مباحة".

وقال تقرير الصحيفة إن بين موجة المهاجرين من دول الاتحاد السوفييتي السابق إلى إسرائيل، منذ العام 1989، كان 29% من الرجال و23% من النساء متزوجين من غير اليهود. هذا يعني أن أبناء المهاجرين الرجال المتزوجين من غير يهوديات ليسوا يهودا، لأنه بموجب الديانة اليهودية الابن أو الابنة تتبع ديانة الأم. والحديث في تقرير نيسيم عن الزواج المختلط يقصد به زواج يهود من أبناء وبنات المهاجرين الروس الذين لا يعتبرون يهودا، ويصنفون "آخرين"، أي ليسوا يهودا أو عربا، في تقارير دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية وعددهم قرابة 400 ألف نسمة، أو 4% من سكان إسرائيل.

واعتبر تقرير الصحيفة أن منظومة التهود بإمكانها وقف هذا الاتجاه ومنع الزواج المختلط، "لكن الحاخامية الرئيسية فشلت في ذلك". وتشير المعطيات التي أوردتها الصحيفة إلى أن عدد المتهودين كان يتزايد سنويا حتى العام 2005، عندما بلغ عدد المتهودين 2607، وبعد ذلك أخذ يتراجع. "وإذا علمنا أنه يضاف إلى المجتمع الإسرائيلي حوالي 10 آلاف طفل غير يهودي (لا يشمل المواليد العرب)، فإنه بإمكاننا أن ندرك حجم المشكلة الماثلة أمامنا. وفي واقع كهذا، ليس مستغربا أن الزواج المختلط يتزايد".

أتباع التيارين الإصلاحي والمحافظ

اعتبرت الصحيفة أن تراجع عدد المتهودين يحدث فراغا، وأنه "إلى هذا الفراغ الحاصل دخل التهود الإصلاحي الذي يحظى باعتراف قانوني آخذ بالاتساع من خلال قرارات المحكمة العليا". وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل اعترفت بالتهود على طريقة التيار الإصلاحي لغرض السجل السكاني، منذ الثمانينيات. وتقرر في التسعينيات أنه لا توجد صلاحية للحاخام الرئيس، كونه "رئيس الطائفة الدينية"، بشؤون التهود، وتهود قاصرين بموجب الطريقة الإصلاحية معترف به في إسرائيل. وخلال العقد الماضي تم الاعتراف بما يصفه الأرثوذكسيون بـ"تهود القفزة"، أي تهود مواطنين إسرائيليين على أيدي جالية إصلاحية خارج البلاد. ومنذ بداية العقد الحالي بدأت السلطات بتمويل عمليات تهود إصلاحية.

إلى جانب ذلك، استهجن تقرير الصحيفة اعتراف إسرائيل بعمليات "تهود أرثوذكسي خاص"، التي تجري بهدف استيفاء شروط "قانون العودة"، الذي يسمح لليهود فقط بالهجرة إلى إسرائيل. ولم تنجح الأحزاب الحريدية في "إيقاف انهيار التهود الرسمي" من خلال مشاريع قوانين، حسب الصحيفة، التي اعتبرت أن شرعية التهود الإصلاحي تعززت في المحكمة العليا الإسرائيلية فقط. في المقابل، اعتبرت الصحيفة أنه "بنظر جماهير بيت إسرائيل، التهود الحقيقي هو ذلك الذي يجري في جهاز التهود الرسمي فقط (أي الحاخامية الأرثوذكسية التي يسيطر عليها الحريديون والصهيونية الدينية). ولأن الجهاز الرسمي لم ينجح في مواجهة تحدي التهود، فإنه يتزايد عدد الذين يتخلون عن فكرة التهود، والزواج المختلط ينتشر. فكيف بالإمكان إيقاف وباء الزواج المختلط؟".

ردا على هذا السؤال، وضع نيسيم "نموذج تهود رسمي وفقا للشريعة اليهودية، برأي الحاخامية الرئيسية، تنفذه سلطة رسمية تركز على هدف توسيع التهود".

موشيه نيسيم

ويستند نيسيم في خطته إلى قرار والده، الذي أشغل منصب رئيس مجلس الحاخامية الرئيسية في الماضي، ويقضي بإقامة مؤسسة خاصة بالتهود، على ضوء هجرة يهود إلى إسرائيل في بداية سبعينيات القرن الماضي، ومهمته "دفع عمليات تهود المهاجرين المتزوجين من أغيار". ويقترح نيسيم إقامة "سلطة رسمية للتهود"، تكون ملتزمة بالعمل على توسيع عملية التهود وفقا للشريعة اليهودية، وأن تعمل من خلال أجهزة عديدة، مثل جهاز التعليم.

ويعارض التيار الإصلاحي خطة نيسيم، إذ من شأنها أن توقف شرعيتهم في عملية التهود. وفي أعقاب طرح خطة نيسيم، تعالت انتقادات ضد الحاخامية الرئيسية من جانب حاخامات الصهيونية الدينية، الذين طالبوا في رسالة رسمية أن يتم سن "قانون تهود يضمن أن يكون التهود بموجب التوراة فقط لا غير، وبإرشاد الحاخامية الرئيسية، وألا يتم الاعتراف بأي عملية تهود أخرى في دولة إسرائيل. وقانون كهذا يطرحه نيسيم. وهو ضد التهود الإصلاحي". ولم يعارض الحريديون هذا الاقتراح. وطالب حاخامات الصهيونية الدينية حزب "البيت اليهودي" بالعمل وفقا لقرار هؤلاء الحاخامات، أي إلغاء التهود غير الأرثوذكسي، وعدم الاعتراف به وبيهودية غير الأرثوذكسيين.

التعليقات