تقرير "مدار" الإستراتيجي: نتائج الانتخابات الإسرائيلية تهيئ لضم المستوطنات

*تكمن خطورة النتائج بتزامنها مع توفر بيئة دولية مواتية لليمين الإسرائيلي مقابل تآكل الحاضنة العربية للفلسطينيين* كتلة اليمين تحظى بدعم شبه ثابت من قواعدها، والحراك يتم بين الأحزاب في اليمين، مقابل مخزون محدود لأصوات اليسار - الوسط

تقرير

خلُص تقرير "مدار" الإستراتيجي للعام 2019، إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد نقلة في الدفع باتجاه ضم المستوطنات وإلحاقها بالسيادة الإسرائيلية، وتسريع التوسع الاستيطاني، بما يحبط إمكانية إقامة دولة فلسطينية، ويحصر الحل مع الفلسطينيين فيما يتبقى خلف الوقائع الإسرائيلية على الأرض، كما ستشهد المرحلة المقبلة وفق التقرير تسريعا لخطوات ترسيخ الهوية القومية اليهودية للدولة على حساب هامش القيم الديمقراطية الهشة أصلا، ما سينعكس سلبا على واقع الفلسطينيين في أراضي 48.

وقال التقرير الذي أُعلن عنه في مؤتمر "مدار "السنوي في رام الله، اليوم الخميس، إن خطورة نتائج الانتخابات الأخيرة، تكتسب زخمها من توفر بيئة دولية صديقة لليمين الإسرائيلي، ممثلة بتبني إدارة ترامب التام للرؤية الإسرائيلية، ومن صعود اليمين الفاشي على الساحة الدولية، إلى جانب تآكل الحاضنة العربية للفلسطينيين، ودخول إسرائيل من خلال شق الصراع السني الشيعي إلى العالم العربي، وتحوّل إيران إلى محور العداء لدول عربية عدة.

وقال التقرير إن تركيبة حكومة نتنياهو الخامسة من المتوقع أن تكون شبيهة إلى حد بعيد بحكومته الرابعة التي شكلها في 2015، بعد حصول كتلة أحزاب اليمين على 65 مقعدا مقابل 45 مقعدا لكتلة الوسط واليسار، و10 مقاعد للقوائم العربية، إلا إذا حصلت مفاجأة بإقامة وحدة وطنية، رغم وجود إمكانية متدنية لذلك.

وأضاف التقرير أن نجاح الليكود بقيادة نتنياهو جاء مغايرا للتوقعات والاستطلاعات التي تنبأت غالبيتها بتجاوز قائمة "كاحول لافان" لليكود بفارق عدة مقاعد، كما جاء على الرغم من تجند وتحالف غير مسبوق لشخصيات وقوى مختلفة ومتنافرة في قائمة واحدة من أجل إسقاطه، والأهم، أن فوز نتنياهو جاء في لحظة حرجة في مسيرته السياسية، في ظل نشر المستشار القضائي للحكومة افيحاي مندلبليت، في حمى المعركة الانتخابية توصيته بتقديمه للمحاكمة في ثلاثة ملفات فساد.

ونبه التقرير إلى أن النتائج أظهرت أن كتلة اليمين تحظى بدعم شبه ثابت من قواعدها، وأن الحراك يتم بين الأحزاب في اليمين، وليس بين كتل اليسار واليمين.

ونوه التقرير إلى أن نسبة التصويت بين فلسطينيي 48 انخفضت وسط دعوات للمقاطعة، وشعور الإحباط من تفكك المشتركة إلى حوالي 50 -52 % مقابل 64.2% في الانتخابات السابقة، فيما صوت ما يقارب 30% من العرب لأحزاب صهيونية، مقابل 18% في الانتخابات السابقة، خاصة لميرتس التي حصلت على مقعد من الأصوات العربية.

وعكست الانتخابات الإسرائيلية، وفق التقرير، عدة ظواهر مهمة مرتبطة بصعود "إسرائيل الثالثة" (المتركزة على الهوية الدينية وعلى الاستيطان)، والصراع الداخلي المرتبط بذلك بين تيارات سياسية ومجتمعية على هويتها ومستقبلها، حيث ركز تحالف "كاحول لافان" حملته على قضية استعادة هيبة مؤسسات الدولة القضائية، وضرورة استعادة فكرة "الدولاتية" و"الرسمية" وترميم العلاقات الداخلية التي تضررت حسب رأيهم بسبب تغذية نتنياهو لحالة الاستقطاب الداخلي.

وأوضح التقرير أن صيرورة الانتخابات تدل على اعتبار قسم من النخب الإسرائيلية التقليدية   لنتنياهو خطراً على مستقبل دولتهم، وانقلابا على قيمها الأساسية وروحها كما يتخيلونها، ودلت على أن حزب العمل كفكرة لم ينهر، وإن حصل على ستة مقاعد، بل تمت إعادة تدوير توجهه من خلال حزب أزرق أبيض؛ "مباي" بحلة جديدة، في حين كشفت النتائج أن مخزون أصوات اليسار الوسط محدود، وأنه صار أقلية مقابل ترسخ كتلة اليمين.

إذ تظهر تركيبة كتلة اليمين الحزبية التي تم انتخابها مؤخراً أن اليمين يمثل طيفا مجتمعيا متعددا وواسعا، ويضم فئات من خلفيات مختلفة منها العلمانية، الدينية المتزمتة، والدينية القومية والشرقية، إضافة طبعا إلى الاشكنازية، ما يعني أن اليمين كما يبدو نجح في تحويل الاختلافات إلى أداة استقطاب تعتمد سياسات الهوية، وتسمح له باستقطاب فئات متمايزة من خلال مخاطبة هوياتها، في مقابل انحصار جمهور المصوتين لتيار الوسط واليسار في الفئة العلمانية الاشكنازية أساسا.

ولفت التقرير إلى تحول النجومية السياسية إلى ظاهرة مركزية في تشكيل المشهد الحزبي في إسرائيل، عكستها حالة "كاحول لافان"، وقد تحولت الضبابية في المواقف إلى جزء من التكتيك الترويجي للنجم وقائمته من أجل كسب الأصوات من اليمين والوسط واليسار،  والامتناع عن اتخاذ مواقف واضحة من قضايا إشكالية كالاحتلال والحل السياسي، ما أدى إلى إظهار أحزاب اليمين على أنها الوحيدة فعليا ذات المصداقية، وهو ما ساعد نتنياهو وحزبه في الظهور لاحقا بمظهر من يملكون برنامجا سياسيا واضحا، بعد أن أعلن نتنياهو أنه سيقوم بضم المستوطنات للسيادة الإسرائيلية.

ولخص التقرير استنتاجاته بأنه من غير المرجح أن يكون نتنياهو طرح مسألة الضم خلال الانتخابات من دون التشاور مع إدارة ترامب، ومن دون وجود تفاهمات ما على الموضوع، وأنه سيراهن على رفض الفلسطينيين لصفقة القرن من أجل إلقاء اللوم عليهم للبدء بتنفيذ مسألة الضم.

وعلى مستوى التركيبة الحكومية سيسعى نتنياهو إلى إرضاء أطرافها بفرض السيادة على مناطق من الضفة الغربية، إذ أن بقاء حكومته مشروط ببقاء أصغر حزب من الأحزاب اليمينية، فيما لم تحدث مفاجأة بتشكيل حكومة وحدة.

ونبه التقرير إلى أن مستقبل نتنياهو الشخصي مرتبط بتجنيد أحزاب اليمين لصالح بقائه، ومن الممكن أن تتم عملية مقايضة الضم بسن "القانون الفرنسي" الذي يمنع تقديم رئيس حكومة للمحاكمة وهو على رأس عمله.

واعتبر التقرير أن الانقسام الفلسطيني سيسمح لنتنياهو بالمناورة، واستخدام سياسة العصا مع طرف والجزرة مع طرف آخر، لإدارة الانقسام، والاستفراد بكل جهة على حدة لفرض الأجندة اليمينية للضم، وتحويل الضفة إلى منطقة معازل رسمية تدار على نمط غزة.

وختم التقرير بملخص حول نافذة الفرص الفلسطينية، في وسط المعطيات القاتمة، تضمن إمكانية تغير الإدارة الأميركية بقيادة ترامب، وتزايد النقد الموجه إلى نتنياهو في صفوف قيادات ديمقراطية أميركية ويهودية أميركية، وهذا ما يمكن محاولة العمل على استثماره، ناهيك عن أن التحالف بين نتنياهو وقيادات اليمين الفاشي في العالم، واصطفافه إلى جانب شخصيات من اليمين المتطرف، يمكن أن يفسح المجال أمام الفلسطينيين لتعميق تحالفهم مع فئات ديمقراطية في العالم، والاستثمار بشكل خاص في الدبلوماسية الشعبية.

وقد شارك في إعداد فصول التقرير الذي تحرره المديرة العامة لـ "مدار"، هنيدة غانم، كل من: عاطف أبو سيف (إسرائيل والمسألة الفلسطينية)، أنطوان شلحت (المشهد السياسي- الحزبي الداخلي)، مهند مصطفى (مشهد العلاقات الخارجية)، فادي نحاس (المشهد الأمني العسكري)، عاص أطرش (المشهد الاقتصادي)، نبيل الصالح (المشهد الاجتماعي)، رائف زريق (الفلسطينيون في إسرائيل).

وفي تعقيبه على التقرير، تحدث عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" د. ناصر القدوة عن الانجراف الإسرائيلي نحو التطرف سياسيا ودينيا، ليس فيما يتعلق بالصراع مع الفلسطينيين وحسب، وإنما ايضا فيما يتعلق بهوية المجتمع، وبنية الدولة وعمل مؤسساتها.

وأضاف القدوة: تتضاعف الإشكالية بغياب أي رادع أمام الانجراف اليميني وما يترتب عليه من إجراءات، فهم يكرسون الوقائع ببساطة لأنه ليس هناك ما يمنعهم.

واعتبر القدوة أن ما يحدث منذ سنوات هو التخلص من إرث أوسلو، ويتحول الآن بقوة نحو فرض القانون الاسرائيلي على المستعمرات الاستيطانية، ما يعني وضع اليد على الضفة الغربية، ووضع عقبات حقيقية أمام إنجاز الشعب الفلسطيني لاستقلاله الوطني في ظل إدارة اميركية تتنصل من تعهدات سابقاتها، وتخالف القانون الدولي وتتنكر للحقوق الفلسطينية.

وتوقع القدوة أن تتجه إسرائيل نحو توجيه ضربات خشنة للنظام الفلسطيني، في محاولة لضمان تجاوب الحالة الفلسطينية مع الرؤية الإسرائيلية.

وقال القدوة إن الممكنات الفلسطينية يجب أن تتركز على استعادة الوحدة، وبث الثقة بالمؤسسات عبر اعادة بنائها، وضبط الخطاب السياسي ليركز حول القوة القانونية لحدود العام 1967 كخط دفاع، وعدم التفاوض على الدولة انما على تحقيق الاستقلال الوطني وانهاء الاحتلال، هذا إلى جانب إعادة بناء العلاقة مع العالم العربي، ومع المجتمع الدولي.

وختم القدوة بالحديث عن ضرورة تركيز الجهود على مواجهة الاستيطان الاستعماري، لأن عنوان المرحلة إسرائيليا هو شرعنة المستعمرات، وذلك عبر التصدي للمشروع الإسرائيلي ميدانيا، وعبر تحريم العمل في المستعمرات، وتعزيز جهود  مقاطعتها دوليا.

التعليقات