كيف ساهمت OECD بتطبيع الاحتلال وتكريس الضم؟

رصد مقال أكاديمي إسرائيلي الدور الذي تلعبه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، في التطبيع الدولي مع الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وأثر ذلك على خدمة المشاريع الاستيطانية بالترويج لمعطيات تهيئ الظروف لتنفيذ الضم وترجمة الحلم الصهيوني بـ"أرض إسرائيل الكاملة".

كيف ساهمت OECD بتطبيع الاحتلال وتكريس الضم؟

(أ ب أ)

رصد تقرير/ مقال أكاديمي إسرائيلي الدور الذي تلعبه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، في التطبيع الدولي مع الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وذلك على الرغم من تعارضه مع القوانين الدولية، في ظل الدبلوماسية الإسرائيلية المدعومة من الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، وأثر ذلك على خدمة المشاريع الاستيطانية بالترويج لمعطيات تهيئ الظروف لتنفيذ الضم وترجمة الحلم الصهيوني بـ"أرض إسرائيل الكاملة".

واستعرض التقرير الذي نشرته مجلة "هزمان هزيه" الصادرة عن معهد "فان لير" في القدس، الخطوات التي اتخذتها الإدارة الأميركية في اتجاه خلع صفة الراهنية عن الاحتلال الإسرائيلي وتبني فكرة أرض إسرائيل الكاملة، (بدءا من إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل مرورًا بالشق الاقتصادي لـ"صفقة القرن"، وصولا إلى الموقف الأخير الذي يشرعن الاستيطان). فيما تكرّس الممارسات الإسرائيلية لكونها دولة "أبرتهايد؛ تهيمن فيها أقلية يهودية على أكثرية فلسطينية من خلال الوسائل غير الديمقراطية والقوة العسكرية".

وذكر التقرير أن "عملية شرعنة الضم الزاحف ليست مجرد نزوة لحكومة أميركية غريبة الأطوار"، بواسطة تكريس لتغييب الجانب السياسي (الأساسي) عن الفهم الإدراكي للقضية الفلسطينية والصراع العربي الإسرائيلي، والتي تتمثل بالقاعدة التي تقول: "يمكن لإسرائيل أن تتوسع كما لو أن فلسطين غير موجودة، ويمكن أن تنمو فلسطين اقتصاديًا كما لو لم يكن هناك احتلال"، ويظهر ذلك في الشق الاقتصادي الذي طرحته الإدارة الأميركية لـ"صفقة القرن"، والذي تجاهل تماما واقع الاحتلال الإسرائيلي.

ولفتت التقرير إلى أنه سبقت إجراءات الإدارة الأميركية هذه، عملية معقدة بدأت في قاعات الاجتماعات ومكاتب الاقتصاديين والإحصائيين الإسرائيليين الذين حصلوا على الدوام على ختم "الشرعية" من منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، والتي تبنت نهج إسرائيل في إحصاءات "الحدود الاقتصادية للاعتراف بضمها الفعلي للأراضي الفلسطيني "إحصائيًا" على الأقل.

"الحدود الإحصائية"

منذ عام 1967، عكفت دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، التابعة فعليا لمكتب رئيس الحكومة والمنوط بها العمل على "جمع وتحليل المعلومات الإحصائية حول دولة إسرائيل"، على إدراج النشاط الاقتصادي للمستوطنين في الأراضي المحتلة في البيانات الرسمية، وتوسيع حدود إسرائيل الإحصائية إلى ما بعد الخط الأخضر. وعند تعاطيها مع الضفة الغربية المحتلة بما في ذلك القدس الشرقية، تأخذ دائرة الإحصاء الإسرائيلية بعين الاعتبار النشاط الاقتصادي للمستوطنين فقط، وبالتالي فهي تُجزئ الحدود الإحصائية لإسرائيل على أساس عنصري يخدمها عند معالجة البيانات.

وأشار التقرير إلى أن هذه السياسة تم تبنيها بعد الجدل بين إسرائيل ومنظمة OECD خلال المفاوضات التي خاضتها إسرائيل بهدف الانضمام إلى المنظمة، وذلك في ظل رفض الدول الأعضاء في المنظمة توسيع إسرائيل حدودها الإحصائية وفقًا لخطوط ذات دلالة عنصرية بحيث تشمل النشاط الاقتصادي الاستيطاني في المناطق المحتلة والتعامل مع الضفة على أنها مناطق إسرائيلية واسعة ذات كثافة سكانية (من المستوطنين) منخفضة، ووسط إصرار إسرائيلي على إدراج النشاط الاقتصادي للمستوطنين في بياناتها الرسمية، رغم أنها وعدت رسميًا بتزويد OECD ببيانات تستثني المستوطنات - وهو وعد لم تلتزم به إسرائيل مطلقا.

ولتبني هذه السياسة الإحصائية التي تراعي ظروف الاحتلال وقائمة على فصل عنصري بين المستوطنين والسكان الفلسطينيين، اقترح رئيس دائرة الإحصاء الإسرائيلية حينها، شلومو يتسحاكي، على منظمة OECD، لتعريف المستوطنات في الإحصاءات الوطنية لدولة إسرائيل على أنها "منطقة اقتصادية خالصة" (EEZ, Exclusive Economic Zone)، والتي تأتي ضمن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الصادر عام 1982، والتي استخدمت كآلية لحل النزاعات الناشئة بين الدول، في ظل السباق الذي تشكل لاستخراج الوقود الأحفوري من قاع البحار، بحيث يتم ترسيم حدود جديدة تتجاوز الحدود السياسية وتسمى "الحدود الاقتصادية"، وتتيح بفرض احتكار اقتصادي خارج الحدود السياسية لدولة ما.

عرض يتسحاكي الاقتراح على OECD للخروج من المأزق القانوني والسماح لإسرائيل المشاركة بعضوية المنظمة، واستخدم يتسحاكي تعريفًا استثنائيًا للمنطقة الاقتصادية الخالصة، كما لو كانت الضفة الغربية المحتلة محيطًا والمستوطنون هم الوقود الأحفوري، وذلك للسماح لـ OECD، بتبني نهج إحصائي قائم على الفصل العنصري. رفضت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية اقتراحه وطالبت إسرائيل بتقديم بيانات لا تشمل المستوطنات في الأراضي المحتلة.

وفي أعقاب رفض المنظمة لاقتراح رئيس دائرة الإحصاء الإسرائيلية، تم التوصل إلى حل وسط، تنضم إسرائيل بموجبه إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في عام 2010، وفي غضون عام من انضمامها، يتحتم عليها تزويد منظمة OECD ببيانات جديدة تميز خلالها بين حدودها المعترف بها دوليًا والأراضي المحتلة.

لكن إسرائيل انتهكت الاتفاقية، كما يوضح التقرير، وواصلت تزويد المنظمة بالبيانات التي تشمل النشاطات الاستيطانية، ما دفع المنظمة إلى توجيه المتخصصين الاقتصاديين والإحصائيين التابعين لها في محاولة للحصول بنفسها على هذه البيانات، لكنها فشلت بالطبع بهذه المهمة، وكان عليها في النهاية المطاف الخنوع للرغبة الإسرائيلية ونشر تقاريرها عن إسرائيل بناء على اقتراح يتسحاكي تماما، بحيث تتضمن التقارير بيانات عن جميع المواطنين الإسرائيليين في إسرائيل والمستوطنين في الأراضي المحتلة، وتتجاهل 4.5 مليون فلسطيني يخضعون للسيطرة الاقتصادية الإسرائيلية الكاملة.

ونجحت إسرائيل بانضمامها إلى منظمة OECD بتعزيز مكانتها الدولية حتى في ظل تعميق نظام الأبرتهايد وبسط سلطات الاحتلال العسكري، إلا أن الإنجاز الأهم الذي حققته إسرائيل بانضمامها إلى المنظمة، والذي عادة ما يتم تجاهله عند الحديث عن علاقة إسرائيل بـOECD، أن المنظمة ساهمت من جهة بتطبيع الاحتلال دوليا والضم الفعلي للأراضي المحتلة، ومن جهة أخرى، سمحت لإسرائيل بتقديم بيانات "اقتصادها المزدهر"، بتجاهل تام لملايين الفلسطينيين الذين يشكلون جزءا من هذا الاقتصاد.

ولفت التقرير إلى أن تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في تعليقه على أول تقرير أصدرته المنظمة حول إسرائيل في العام 2010، تعكس هذا الفصل العنصري للاقتصاد الإسرائيلي، حيث انتقد التقرير حينها نظام التعليم في إسرائيل وأبرز العلاقة القوية بين الهوية الدينية والعرقية على مستوى الفقر في إسرائيل، والذي أظهر الهوة بين العرب المواطنين في إسرائيل والحريديين، وبين الوسط اليهودي.

وقال نتنياهو حينها: "إذا استثنينا العرب والحريديين من مقاييس اللامساواة - فنحن في حالة ممتازة بدونهم"، وفي هذه الحالة لم يقصد نتنياهو الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، بل الفلسطينيين من أصحاب المواطنة الإسرائيلية الذين يشكلون 22% من السكان، بالإضافة إلى المجتمع الحريدي الذي يشكل 15% من السكان، أي أن نتنياهو أراد أن يعرض للعالم اقتصادا إسرائيليا مزدهرا بحساب 63% من السكان، والذين يشكلون نسبة 42% من منطقة نفوذ الحدود الاقتصادية لإسرائيل (فلسطين التاريخية – من النهر إلى البحر).

التعليقات