تحليلات إسرائيلية: اغتيال البطش عملية تميز الموساد

اتفق أهم محللي الشؤون العسكرية في الصحف الإسرائيلية، اليوم الأحد، على أن أصابع الاتهام بجريمة اغتيال المهندس الفلسطيني، فادي البطش، التي ارتكبت فجر أمس في العاصمة الماليزية كوالالمبور، تتجه إلى الموساد، لافتين إلى عديد من الاغتيالات التي نفذها الموساد

تحليلات إسرائيلية: اغتيال البطش عملية تميز الموساد

أ.ب

اتفق أهم محللي الشؤون العسكرية في الصحف الإسرائيلية، اليوم الأحد، على أن أصابع الاتهام بجريمة اغتيال المهندس الفلسطيني، فادي البطش، التي ارتكبت فجر أمس في العاصمة الماليزية كوالالمبور، تتجه إلى الموساد، لافتين إلى عديد من الاغتيالات التي نفذها الموساد أو اتهم بها، كانت بذات الأسلوب الذي اعتبر من ميزاته.

وفي التحليلات التي نشرها رونين برغمان في صحيفة "يديعوت أحرونوت" ويوسي ميلمان في "معاريف" ويوآف ليمور في صحيفة "يسرائيل هيوم"، وهم الأكثر انتشارًا في إسرائيل، اتفق الثلاثة على الفائدة الإستراتيجية لإسرائيل من اغتيال البطش، وأن هذا الأمر يعتبر مكسبًا مهمًا في مواجهة حماس ومحاولات تسليحها بأسلحة متطورة وطائرات بدون طيار، وكذلك رسالة لأعدائها في كل مكان.

واستعمل الثلاثة ذات الأمثلة تقريبًا واتفقت روح تحليلاتهم، كما لو أن أحدًا لقنهم الرسائل التي يجب نقلها وصاغوها هم بطريقتهم، كما يفعل كل من يحاول صناعة رأي عام، ويعزز هذه الفرضية نشر التحليلات في ثلاثة صحف مختلفة، هي الأكثر انتشارًا في إسرائيل، أي أنه لم يبق إسرائيلي تقريبًا لم تصله الرسالة التي يجب أن تصل.

وبدأ الثلاثة مقالاتهم بالشرح عن الطريقة التي نفذت بها الجريمة، وهي استخدام دراجة نارية يقودها شخصان ملثمان انتظرا لمدة 20 دقيقة تقريبًا حتى خرج البطش من بيته متجهًا نحو المسجد، وأطلقوا عليه 10 طلقات ولاذوا بالفرار، وتركوا الدراجة النارية قرب مسرح الجريمة واستخدموا وسيلة أخرى للابتعاد. واعتبر الثلاثة هذه الطريقة مميزة لجهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي (الموساد).

وقالت السلطات الماليزية إنه تم تصوير المجرمين بكاميرات الأمن، وأكدت أن احتمال ضلوع جهاز مخابرات أجنبية في الجريمة وارد بدرجة كبيرة.

ورأى برغمان أن "البطش، الذي ولد بغزة، كان تحت المراقبة لفترة ليست بالقصيرة امتدت لعدة شهور دون أن يدري، في كل الأمكنة المهمة في حياته، في البيت والجامعة التي يدرس بها والمختبر الذي يقوم بأبحاثه فيه".

وقال إن "البطش انضم لصفوف حماس عندما كان في غزة قبل مغادرتها عام 2011 إلى ماليزيا، وتشير التقديرات إلى أن حماس من أرسل البطش إلى هناك لزيادة علمه وخبراته في مجال هندسة الكهرباء والإلكترونيكا، وأنه تولى مهام شراء المعدات التكنولوجية الحديثة والمتطورة في مجالين أساسيين، الصواريخ والطائرات بدون طيار، وأهمها مركبات في مجال الإليكتروأوبتيكا، وفي السنة الأخيرة، بدأ البطش العمل على بحث خاص به".

وبحسب برغمان، تعتبر "أبحاث البطش الأخيرة جزءًا من رؤية حماس التي تتمثل في نشر وتوزيع الخبرات ومراكز الأبحاث التابعة لها في أكثر من مكان خارج الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة لعدة أسباب، أهمها الابتعاد عن إسرائيل وأجهزتها الأمنية والابتعاد عن سلاح الجو الإسرائيلي لتنفيذ التجارب، وكذلك وضع الباحثين في أماكن يستطيعون الحصول على العلم والخبرة والمعدات بطريقة أسهل من وجودهم في قطاع غزة".

واعتبر برغمان أن "هدف أبحاث البطش كان تطوير القدرات في مجال الإلكتروأوبتيكا لزيادة دقة الصواريخ والقذائف التي تصنعها حماس، وكذلك زيادة دقة ونجاعة آليات توجيه الطائرات بدون طيار، وفي حين لا ترتبط إيران مباشرة بهذه الأبحاث، إلا أنها تعتبر الممول الأكبر لها، إذ منحت حركة حماس 40 مليون دولار خلال السنة الأخيرة فقط".

ولفت برغمان إلى أن اغتيال البطش هو مجرد طرف في سلسلة عمليات استخباراتية شارك بها عدة عشرات، وربما أكثر، من رجال المخابرات، بمختلف مجالاتهم وتدريباتهم وخبراتهم، وأنه تم اعتبار البطش كهدف يشكل "خطرًا محدقًا ووشيكًا"، وهذا ما "يشرعن بشكل عملي واستخابراتي وقانوني وحتى قيمي القيام بخطوة كبيرة، مثل اغتياله".

وأشار برغمان إلى أنه "في حال كانت إسرائيل فعلًا من يقف خلف هذا الاغتيال، فإن هذا يقع في صلب تفكيرها، اغتيال الأهداف في مختلف دول العالم وعبر البحار، لمنع تطور حماس وامتلاكها وسائل حديثة وأسلحة دقيقة، وضرورة تنفيذ مثل هذه الأمور قبل أن يصل العلماء إلى ما يريدون".

وذكّر برغمان بأقوال رئيس الموساد، يوسي كوهين، التي يقول فيها إن "المواجهة هي عنوان اللعبة، وظيفتها اجتثاث القدرات الإستراتيجية لأعدائنا التي من الممكن أن تشكل خطرًا في المستقبل على أمن إسرائيل ومستقبلها، وعند الضرورة، يجب ضرب العدو نفسه، لكن شرط أن يكون الأمر جزءًا من توجه معدد الوسائل". وكذلك ذكر باقتباس كوهين لأقوال رئيس الموساد السابق، مئير بن داغان، عن "سلسلة عمليات سرية ومحددة تؤدي إلى تغيير الواقع الإستراتيجي".

وقال برغمان إنه "في حال كان الموساد من نفذ هذه العملية، فمعناه أن كوهين قدم خطة مفصلة ومحكمة لرئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، التي أثارت انتباهه وجعلته يوافق عليها، خاصة بعد أن تلقى عددًا من الخيبات في العمليات الخارجي خلال عهد بن داغان وداني ياتوم".

وقال برغمان إنه "يمكن رؤية عملية الاغتيال في ماليزيا كجزء من سلسلة عمليات اغتيار نسبت لإسرائيل في السنوات الأخيرة، واغتيل فيها عدد من العلماء الذي عملوا على تطوير قدرات حماس لامتلاك طائرات بدون طيار، منها اغتيال المهندس التونسي، محمد الزواري في بلاده في كانون الأول/ ديسمبر 2016، والذي عمل على تطوير طائرات انتحارية بدون طيار، والأخطر من ذلك أنه عمل على تطوير أسلحة انتحارية تعمل تحت الماء، التي أعدت لإصابة حقول الغاز الإسرائيلية في البحر المتوسط".

ويتابع برغمان "ومن ضمن هذه العمليات كذلك تفجير سيارة القيادي في حركة حماس، محمد حمدان، في مدينة صيدا اللبنانية في كانون الثاني/ يناير 2017، وأسفرت عن إصابته فقط، وكلك قامت إسرائيل بتدمير عدد من الطائرات بدون طيار التي أطلقتها حماس فوق البحر المتوسط".

ولفت برغمان إلى أن "الإقدام على خطوة جريئة كاغتيال البطش في دولة بعيدة وفي منطقة مليئة بكاميرات الأمن وبمواجهة شخص يعلم جيدًا أنه تحت التهديد طوال الوقت، هو أمر خطير ويمكن الإقدام عليه فقط في حال كان الهدف خطيرًا جدًا وإخراجه من اللعبة يشكل ضربة قوية للعدو".

وتابع "وهناك أيضًا هدف رمزي للعملية، هو إعادة التأكيد على أن إسرائيل لن تتورع عن اغتيال أعدائها ومن يعمل معهم، بغض النظر عن أماكن تواجدهم".

وقال يوسي مليمان إنه "من الصعب الجزم بمن يقف خلف اغتيال البطش، إذ لم تتحمل أي دولة أو تنظيم مسؤولية ما حدث، ويلف الصمت المطبق المستوى الرسمي في إسرائيل، رغم اتهام جهات فلسطينية عديدة لها بتنفيذ الاغتيال، التي تعتبر الموساد المشتبه الأول والفوري، وحتى لو لم يكن له يد في ذلك، سيبقى مشتبهًا".

وبحسب ميلمان "كان البطش جزءًا من وحدة البحث والتطوير التابعة لحماس، حتى قبل مغادرته إلى ماليزيا، وكتب في السابق العديد من المقالات حول الحركة والدوافع الكهربائية والطائرات بدون طيار، وكان علمه وخبرته يمكنان حماس من تطوير قدراتها في عدة مجالات، منها الصواريخ والطائرات بدون طيار والأسلحة تحت مائية وبناء الأنفاق، وهذه المجالات التي تبذل فيها حماس قصارى جهدها لتجنيد أصحاب الخبرات وخريجي الجامعات للعمل فيها، ومنهم من أرسل لإيران لاكتساب علم وخبرة أكثر".

ورأى مليمان أن ماليزيا "دولة مسلمة لا علاقات تربطها بإسرائيل، تحولت مؤخرًا إلى قاعدة تدريب للشبان الفلسطينيين، وكشف جهاز الأمن الإسرائيلي العام (الشاباك) مرتين على الأقل، فعاليات للذراع العسكري لحركة حماس، كتائب عز الدين القسام، هناك. ففي عام 2015، قدمت لائحة اتهام ضد فلسطيني تم اعتقاله عند عودته من ماليزيا حيث درس إلى الضفة الغربية، كذلك اعتقل فلسطيني خلال العدوان على غزة عام 2014 بتهمة التدريب في ماليزيا على استعمال وسائل طائرة لتنفيذ عمليات تفجير، الأمر الذي أنكرته ماليزيا، وكذلك، زار رئيس وزراء ماليزيا عام 2013 قطاع غزة كضيف عند حماس".

وأشار ميلمان إلى عمليات إسرائيلية سابقة استهدفت عاملين في مجال البحث والتطوير في حركة حماس، منها اختطاف المهندس ضرار السيسي من أوكرانيا وعرضه على المحكمة في إسرائيل والحكم عليه بالسجن لعدة سنوات، واتهم أنه كان مستشارًا لحركة حماس في مجال تطوير الصواريخ والقذائف خلال عمله في محطة توليد الطاقة بغزة. وأشار كذلك إلى اغتيال الزواوي في تونس قبل عامين.

وبحسب ميلمان، ربطت كثير من الجات حول العالم بين "عمليات الاغتيال التي نفذها الموساد وبين استعمال الدراجات النارية، كما حدث عند اغتيال قائد الجهاد الإسلامي، فتحي الشقاقي، عام 2015 في مالطا، وكذلك اغتيال عدد من العلماء النوويين الإيرانيين خلال العقد الأخير".

واختتم مليلمان بالقول إنه "في حال كلن الموساد من يقف خلف هذا الاغتيال، فهذا يعني أن الجهاز الذي يقف على رأسه يوسي كوهين، ويتحدث مرة بعد أخرى عن ضرورة تحويله إلى جهاز ينفذ العمليات بكثرة، يبادر ويعمل خارج حدود إسرائيل في الدول القريبة والبعيدة دون أن يترك أي أثر يدل عليه".

وقال ليمور العلاقة بين البطش وحماس كشفتها حركة حماس نفسها، لكنها لم تفصح عن طبيعة عمله، لكن "نظرًا لخبراته ومؤهلاته العلمية، من المرجح أنه عمل في مجالات تهتم بها الحركة كثيرًا مؤخرًا، وهي تطوير دقة الصواريخ والقذائف وإنشاء منظومات طائرات بدون طيار".

واعتبر ليمور أن "حماس تعتمد في هذه المجالات على خبرات من الخارج لعدة أسباب، منها صعوبة إجراء التجارب في قطاع غزة أو بسبب نقص في المواد المطلوبة، وكذلك بسبب القلق من اغتيال الخبراء في الأراضي الفلسطينية كما حدث أكثر من مرة، ومن غير المستبعد أن تكون الحركة هي من أخرجت البطش من غزة من اجل منحه الفرصة والمساحة لإجراء أبحاثه وتجاربه من أجل التوصل إلى الوسائل المناسبة، وبعد ذلك تهريبها إلى القطاع".

وتابع "ومن المرجح كذلك أن تكون إسرائيل راقبت البطش لفترة طويلة، الشاباك في غزة والموساد والاستخبارات العسكرية (أمان) في الخارج. ونسبت تقارير أجنبية في السابق عمليات اغتيال مختلفة للموساد في الشرق الأقصى، وكذلك إحباط اعتداءات على أهداف إسرائيلية هناك (لا سيما في تايلاند)، ما أجبر إسرائيل على تعزيز قدراتها وشبكاتها الاستخبارية في هذه المنطقة".

وبحسب ليمور "طريقة الاغتيال مميزة للموساد أيضًا، فبهذه الطريقة بالضبط تم اغتيال الشقاقي في مالطا، واغتيل أيضًا عدد من العلماء النوويين الإيرانيين في طهران بهذه الطريقة بالضبط. ترك الدراجة النارية قرب مسرح الجريمة والهرب أمر يساعد على هروب المنفذين إلى أماكن بعيدة خلال محاولات الشرطة جمع الأدلة وخيوط التحقيق".

وقال ليمور إن "السلطات الماليزية تنوي إجراء تحقيق شامل تستند فيه على صور قالت إن كاميرات الأمن التقطتها في مسرح الجريمة، لكن نجاحها موضع شك، ليس فقط لأنها فشلت في تحقيقات أبسط من هذا، مثل اغتيال أخ الرئيس الكوري الشمالي في مطار كوالالمبور".

وأكد ليمور أنه "يمكن الافتراض أن من اغتيال البطش قد درس المنطقة وشدد على إخفاء ملامحه وهويته، وهو درس تعلمه من فضيحة اغتيال القائد الحمساوي محمود المبحوح في دبي عام 2010".

وتابع "صحيح أن إسرائيل لا تتحمل مسؤولية مثل هذه الأمور بشكل رسمي، إلا أن الاغتيال بضاف إلى اغتيال الزواوي في تونس، الذي استأجرته حماس بسبب خبراته ومؤهلاته في مجال تطوير الطائرات بدون طيار، لكن البطش كان مختلفًا، لأنه أحد أعضاء حماس ومن لبها، إنسان متدين ويحمل آيديولوجية الحركة ومولود في غزة وكثير من أقربائه لا زالوا يقطنون فيها، من وجهة النظر هذه، يمكن اعتبار هذه الضربة قوية لحماس، والتي من شأنها أن تشكل ضغطًا طبيعيًا على نشطاء الحركة للانتقام".

ورأى ليمور أن "قيام حماس بالانتقام في الوقت الحالي موضع شك، إذ تفضل الحركة التركيز على مظاهراتها السلمية في العلن، التي تصنع لها رأيًا عامًا عالميًا إيجابيًا. وأكثر من ذلك، في حال قامت بعمل عسكري واضح، فإنها تمنح إسرائيل شرعية للرد ووضعها مرة أخرى في خانة تنظيم إرهابي منبوذ، وهي الخانة التي تريد الحركة الخروج منها".

واستنتج ليمور، كسابقيه برغمان وميلمان، أن "الاغتيال في ماليزيا يحمل رسالة أخرى لأعداء إسرائيل، وعلى رأسهم إيران، إذ نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الأسبوع الماضي تفاصيل وأسماء ضباط الحرس الثوري الإيراني الذين بهم علاقة بالتمركز الإيراني في سورية، والهدف من النشر كان القول لهم ’نحن نعلم من أنتم وماذا تفعلون وأين تسكنون’، ومن المستبعد أن يتم تغيير أي ممن نشرت أسماؤهم، لكن إذا افترضنا أن الأخبار تصل من ماليزيا إلى إيران، من المرجح أنهم لن يناموا جيدًا خلال الليل".

 

التعليقات