"الهدوء يقابل بالهدوء": إسرائيل ترفض وقف إطلاق النار بغزة

نتنياهو يرفض مطالبة ليبرمان، في الكابينيت أمس، بشن عدوان واسع على غزة* الإسرائيليون يتحدثون عن تصعيد مقبل قادم* رؤساء سلطات محلية في "غلاف غزة" يطالبون بعدوان واسع* كوشنير وغرينبلات يضعان خطة لتسوية في غزة

أطفال عند أنقاض بناية "المسحال" التي دمرها الاحتلال، أمس (أ.ب. )

ترفض إسرائيل الإعلان عن وقف إطلاق نار مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، فيما أعلنت حركة حماس، منذ الأمس، أنه تم التوصل إلى وقف إطلاق نار، بوساطة مبعوث الأمم المتحدة، نيكولاي ملادينوف، ومصر. ورغم أن قيادة الجبهة الداخلية في الجيش الإسرائيلي أصدرت تعليمات لسكان "غلاف غزة"، أي البلدات الإسرائيلية المحاذية للسياج المحيط بالقطاع، بالعودة إلى الحياة الطبيعية، إلا أن جهاز الأمن الإسرائيلي لا يتحدث عن وقف إطلاق نار وإنما عن "كتم إطلاق نار" وفق معادلة "الهدوء سيقابل بالهدوء"، وأن امتحان ذلك سيكون من خلال الأنشطة الفلسطينية عند السياج، اليوم الجمعة، وفقا للإذاعة العامة الإسرائيلية. ويصف الإسرائيليون الوضع الحالي بأنه "هدوء حذر".

رغم أن الوضع ليس واضحا في هذه الاثناء، ورغم أن المحللين الإسرائيليين يقولون إن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير الأمن، افيغدور ليبرمانن ليس لديهما إستراتيجية واضحة تجاه قطاع غزة، إلا أن المحلل السياسي في صحيفة "معاريف"، بن كسبيت، كشف، اليوم، عن أنه خلال اجتماع المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت)، مساء أمس، طالب ليبرمان بشن عملية عسكرية واسعة في القطاع، بينما عارض نتنياهو ذلك، والجيش الإسرائيلي "لم يوصِ" بخطوة كهذه. ووفقا لكسبيت، فإن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، غادي آيزنكوت، ومسؤولين آخرين استعرضوا في الكابينيت عدة إمكانيات إلى جانب أثمان تنفيذ كل واحدة منها، وأنه "كان بالإمكان الفهم من استعراضها أن جولة قتال واسعة لن تحسن وضع إسرائيل بشكل جوهري، لأنه لا بديل لحماس في هذه المرحلة".

وأضاف كسبيت أن معظم وزراء الكابينيت انضموا إلى موقف نتنياهو، بينما وجد ليبرمان نفسه معزولا. لكن في المقابل، صدر عن مكتب نتنياهو بيانا مقتضبا للغاية، في ختام اجتماع الكابينيت، جاء فيه أن "الكابينيت أوعز للجيش بمواصلة العمل بقوة" ضد الفصائل في القطاع. وبحسب كسبيت، فإن قصف الطيران الحربي الإسرائيلي لمبنى "المسحال" في غزة وتدميره، كان تلميحا من إسرائيل إلى حماس بما سيحدث في حال استمرار القتال واتساعه. إلا أن مراسلين ومحللين عسكريين تحدثوا طوال أمس عن ثمن عملية واسعة تشنها إسرائيل وتجتاح من خلال القطاع أو مناطق فيه، وتوقعوا سقوط عشرات الجنود القتلى، وعدد منهم في الأسر، إضافة إلى خسائر بالأنفس وبالأملاك في المناطق الإسرائيلية التي ستتعرض لصواريخ تطلقها الفصائل، وأن "القبة الحديدية" لاعتراض الصواريخ لن توفر حماية كاملة ولن تتمكن من اعتراض معظم الصواريخ وخاصة القصيرة المدى.

وقف إطلاق نار أم "كتم إطلاق نار"

أشارت تقارير إعلامية إسرائيلية عديدة إلى أن وقف إطلاق النار، مساء أمس، تحقق في أعقاب طلب حماس وبعد رسائل بعثتها الحركة إلى ملادينوف ومصر وطالبت فيها بأن توقف إسرائيل الغارات والقصف المدفعي في القطاع. وذكرت "شركة الأخبار" (القناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي سابقا) اليوم، أن إسرائيل رفضت وقف الغارات، واشترطت وقفها بأن يتوقف إطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة من القطاع، وأن حماس رفضت التعهد بذلك.

وقال مسؤولون أمنيون إسرائيليون إن إطلاق صاروخ "غراد"، مساء أمس، باتجاه مدينة بئر السبع كان نقطة تحول، تقرر في أعقابها، وقبل انعقاد الكابينيت، تشديد الغارات في القطاع واستهداف مبنى "المسحال" في غزة وتدميره، حيث أصيب 18 فلسطينيا. وقالت "شركة الأخبار" إن الجهات الأمنية الإسرائيلية توقعت أن تطلق الفصائل في القطاع صواريخ وقذائف هاون باتجاه إسرائيل في أعقاب استهداف المبنى، لكن تطورا كهذا لم يحدث.

في غضون ذلك، تنفي إسرائيل النبأ الذي أذاعته قناة الجزيرة، قبيل منتصف ليلة أمس بتوقيت القدس، عن التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار، لكن إسرائيل وضعت معادلة "الهدوء سيقابل بالهدوء"، وأعلنت عن عودة الحياة إلى طبيعتها في جنوب البلاد. وفي موازاة ذلك، قالت "شركة الأخبار" ووسائل إعلام إسرائيلية أخرى، إنه لم تنته الاتصالات حول إمكانية التوصل إلى تسوية تشمل هدنة طويلة ورفع الحصار عن القطاع ولو تدريجيا.

مطالب بشن عدوان واسع على غزة

سياسة حكومة نتنياهو ليست واضحة بالنسبة للإسرائيليين، خاصة وأن جميع الخبراء والمحللين الأمنيين والعسكريين على أنه حتى لو تم التوصل لوقف إطلاق نار الآن فإن جولة التصعيد المقبلة قادمة لا محالة. وبالمناسبة، هذا تحليل واقعي ومنطقي، بسبب استمرار الحصار ومآسيه من أزمة إنسانية ونقص في مقومات الحياة في قطاع غزة، من كهرباء وماء وغذاء ودواء...

وجه رؤساء سلطات محلية إسرائيلية في جنوب البلاد، صباح اليوم، انتقادات ضد الحكومة ووقف إطلاق نار محتمل، الأمر الذي من شأنه أن يشكل ضغطا على نتنياهو وحكومته. وقال رئيس بلدية سديروت، ألون دافيدي، إنه يدرك الرغبة بالتوصل إلى وقف إطلاق نار، إلا أنه اعتبر أن "هذا الأمر سيلحق ضررا بدولة إسرائيل. وبرأيي أن وقف إطلاق نار هو خطأ. وعلينا أن نشن عملية عسكرية نجتث فيها هذا الإرهاب. والحرب المتقطعة ليست صحية لنا ولا لدولة إسرائيل".

كذلك قال رئيس المجلس الإقليمي "سدوت نيغف"، تمير عيدان، إنه "إذا كان يدور الحديث فعلا عن وقف إطلاق نار، ولا يوجد تأكيد رسمي على ذلك بعد، فإن الحديث برأيي يدور عن خطأ خطير نوافق في إطاره على نموذج جديد بموجبه تتحكم حماس بالنيران وتقرر متى يتم وقفها. ونحن نتوقع عملية عسكرية شديدة وقاسية ضد حماس كي توقف الإرهاب بكافة أشكاله فورا وتسمح لسكان غلاف غزة بالعودة إلى حياة طبيعية".

ووصف ممثلون عن سكان بلدة "ناتيف هعسراه" أداء حكومة نتنياهو بأنه "استهزاء بسكان المكان"، وقال رئيس لجنة البلدة، معيان سنيئور، إن "هذا مخزٍ بكل بساطة. يبدو المكان هذا الصباح كأنه قرية أشباح. وهربت معظم العائلات بسبب تصريحات غير مسؤولة، وبقي المزارعون فقط الذين لا يمكنهم المغادرة، وقيل لهم إنه إذا لم يعملوا فسيتحملون المسؤولية".

في المقابل، قال رئيس مجلس إقليمي "أشكول"، غادي يركوني، إن تسوية يتم التوصل إليها ستضع نهاية للتصعيد. "يوجد هدوء في الساعات الأخيرة ونأمل أن التوتر الأخير انتهى، وتأتي تسوية بعده تضمن هدوءا طويل الأمد. فأحداث الأشهر الأخيرة والانتقال السريع من حياة عادية إلى حالة طوارئ أثر بشكل كبير على سكان غلاف غزة. ونتوقع من الحكومة أن تشمل أية تسوية تهدئة سياسية اقتصادية آخذة بالتبلور مع قطاع غزة تسوية اقتصادية ملموسة في بلدات غلاف غزة".

خطة كوشنير وغرينبلات بخصوص غزة

إزاء هذا الواقع في قطاع غزة وجولات التصعيد المتكررة، كشف كبير المعلقين في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع، اليوم، عن وجود تحرك أميركي من وراء الكواليس، يقوده جاريد كوشنير، صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومبعوث ترامب الخاص، جيسون غرينبلات. ويبدو أن هذا التحرك ينطوي على خطة بخصوص القطاع لم تكتمل بعد ولن تقدم أي فائدة، مثلما هو حال خطة "صفقة القرن" التي تحاول إدارة ترامب دفعها، وذلك بسبب انحياز الخطتين إلى جانب إسرائيل.

وبحسب برنياع، فإن خطة كوشنير وغرينبلات تقضي برفع الحصار تدريجيا عن القطاع، وأن تدير الحياة المدنية في القطاع هيئة دولية، وأن تحافظ حماس على مكانتها. "ينقص شريك واحد في هذه الخطة – هو أبو مازن (الرئيس الفلسطيني محمود عباس). هو ليس موجودا، ويقول الأميركيون إنه ’قررنا ألا ننتظره’".

وأضاف برنياع أن ترامب ليس ضالعا في شؤون غزة على الأرجح، "لكن مبعوثيه يتمسكون بتوجهه الأساسي، والمهم التوصل إلى صفقة. ونتنياهو لا يريد الوقوف بين البيت الأبيض والصفقة المرجوة. وهو لا يقول لا".

ويبدو أن "صفقة" كهذه نوقشت في الكابينيت، إذ تابع برنياع أن رئيس الشاباك، نداف أرغمان، قال للوزراء أن يتريثوا، لأن "تسوية في غزة من دون السلطة الفلسطينية ستبقي أبو مازن في الخلف، ولن يكون لديه ما يمكن أن يخسره. وسيقولون في الضفة الغربية إنه ليس فقط أن حماس ليست المشكلة، وإنما هي الحل. وهي تحصل من إسرائيل وأميركا ومصر ما ليس بمقدور أبو مازن أن ينجزه. ومن شأن تسوية مع حماس في غزة أن تولّد فوضى في الضفة. وعدد من قادة فتح، جبريل رجوب ورمزي حمد الله وغيرهما، يقيمون كتائب خاصة، كل واحد وكتائبه".

 

التعليقات