تحليلات: شكوك تنخر الجيش الإسرائيلي حيال إخراج إيران من سورية

محللون إسرائيليون يرون أن انتهاء سياسة "الضبابية" الإسرائيلية إزاء الغارات ضد أهداف إيرانية في سورية، دفعت موسكو إلى التنديد بهذه الغارات. وتساؤلات حول مدى نجاح إسرائيل في عرقلة التموضع الإيراني في سورية

تحليلات: شكوك تنخر الجيش الإسرائيلي حيال إخراج إيران من سورية

(أ ب)

يكرر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، تصريحاته بأن إسرائيل لن تسمح لإيران بالتموضع في سورية عموما وقريبا من هضبة الجولان المحتلة خصوصا. ويطلق وزراء إسرائيليون تصريحات مشابهة. وانضم قادة الجيش الإسرائيلي إلى هذه الجوقة، وتحدث رئيس أركان الجيش الجديد، أفيف كوخافي، عن الجيش الإسرائيلي أنه "جيش فتاك". وفي موازاة ذلك، يتفاخر نتنياهو ووزراءه وعساكره بالغارات الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية في سورية. ودفع هذا التفاخر المحللين العسكريين الإسرائيليين إلى انتقاد هذه التصريحات، بأنها تضع نهاية لسياسة "الضبابية" الإسرائيلية التي لا تعترف بشن هذه الغارات، وتقود إلى خلط أوراق اللعبة في سورية.

لكن يظهر أن هناك انتقادات داخل الجيش الإسرائيلي لقيادته وللقيادة السياسية أيضا. وكتب محلل الشؤون الأمنية في صحيفة "معاريف"، يوسي ميلمان، اليوم الجمعة، أنه "في الغرف المغلقة لجهاز الأمن والجيش الإسرائيلي بدأ ينخر الشك حيال هذه الرواية. والشك مثلث: هل حقا ستتمكن إسرائيل من منع تموضع إيران في سورية؟ وإلى أي مدى نجحت إسرائيل حتى الآن في عرقلة هذا التموضع؟ إضافة إلى ذلك، باتت اللعبة الروسية في سورية أقل وضوحا".

وتأتي هذه التساؤلات والشكوك في أعقاب أحداث مطلع الأسبوع الحالي، عندما أطلق الجيش الإسرائيلي ستة أو سبعة صواريخ باتجاه مطار دمشق، أعقبها إطلاق صاروخ أرض – أرض إيراني من سورية. ويقول ميلمان أنه ليس واضحا ما إذا تم توجيه هذا الصاروخ إلى جبل الشيخ أم إلى قاعدة عسكرية قريبة منه. واعترض صاروخ أطلقته "القبة الحديدية" الصاروخ الإيراني فوق جبل الشيخ. وعند منتصف ليلة الأحد – الإثنين شنت إسرائيل هجوما عنيفا، أطلقت خلالها قرابة 30 صاروخا باتجاه الأراضي السورية، أسفرت عن مقتل 21 عسكريا، 12 إيرانيا وتسعة سوريين.

من جهة ثانية، تدعي إسرائيل أنها "لجمت" تموضع إيران في سورية. لكن ميلمان أشار في هذا السياق إلى إصرار إيران على هذا التموضع. وتتحدث شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عما تصفه بـ"رؤية سليماني"، أي قائد قوة قدس، الجنرال قاسم سليماني، ومفادها تشكيل قوة عسكرية مؤلفة من المليشيات الموالية لإيران في سورية قوامها 100 ألف نفر. وبحسب ميلمان، فإن "لا يوجد لإيران 100 ألف مقاتل شيعي، ووجودها تقلص بـ30%. لكن بعد أحداث هذا الأسبوع يبدو الإيرانيون أكثر إصرارا".

وفيما يتعلق بالوجود الروسي في سورية، فإن الجيش الإسرائيلي يتوجس من الدور الذي تلعبه موسكو. وأشار ميلمان إلى أن محللين عسكريين إسرائيليين يرون أن تغيّر موقف روسيا، الذي تمثل بالتنديد بالغارات الإسرائيلية، نابع من تغيير السياسة "الضبابية" الإسرائيلية. إذ أنه في السنوات الثلاث الماضية كان مريحا لموسكو التغاضي عن الغارات الإسرائيلية، لأن الإسرائيليين لم يعترفوا بها، لكن مجاهرة الإسرائيليين بهذه الغارات الآن بات يحرج موسكو.

ولفت ميلمان إلى أقوال غريبة أدلى بها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، رونين منيلس، الذي اعتبر خلال لقاء مع المراسلين العسكريين الإسرائيليين، هذا الأسبوع، أن من "كسر الضبابية هم خصوم إسرائيل، المتحدثين بالعربية (أي سورية) والمتحدثين بغير العربية (أي الروس)"، لأنهم يسارعون إلى الإدلاء بتفاصيل كثير حول أي غارة "منسوبة لإسرائيل".

كذلك ادعى منيلس أن إطلاق الصاروخ الإيراني، الأحد الماضي، جرى من منطقة تعهد الروس بألا يتواجد الإيرانيون فيها. لكن ميلمان أشار إلى أن منيلس رفض الإفصاح عن فحوى اتفاق كهذا ولمن تعهدت روسيا بذلك.

وأضاف ميلمان أنه قد يكون تبادل الضربات بين إسرائيل وإيران يصب في مصلحة روسيا، وحتى أن يتصاعد هذا الوضع، معتبرا أن أمرا كهذا يمكن أن يدفع روسيا إلى إخراج كافة القوات الأجنبية من سورية وأن تبقى روسيا وحدها هناك. "وسواء كان هذا تقدير صحيح أو لا أساس له، لا توجد مؤشرات، حاليا، على أن إسرائيل تنجح في ردع أو إحباط الإصرار الإيراني على التموضع في سورية".

مصالح نتنياهو

نقل المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، اليوم، عن الخبير الإسرائيلي في إيران وحزب الله، العميد في الاحتياط شمعون شبيرا، الذي يعمل في "المركز الأورشاليمي للشؤون العامة والدولة"، تقديره في أعقاب الأحداث في مطلع هذا الأسبوع، أن الإيرانيين مستعدون لتحمل مخاطر ضد إسرائيل، لدرجة الدخول في "مواجهة محدودة" مع الجيش الإسرائيلي. وبحسب شبيرا، فإنه "بنظر إيران، لا يمكن احتواء الهجمات الإسرائيلية، وخاصة على ضوء انتهاء سياسة الضبابية الإسرائيلية والاستعداد لتحمل مسؤولية مباشرة على مهاجمة الأهداف في سورية".

وأشار هرئيل إلى تقديرات قديمة للجيش الإسرائيلي، من الشهر الماضي، حول الوجود الإيراني في سورية. واعتبر الجيش الإسرائيلي حينها أن "جهود التهريب (للأسلحة) والتموضع الإيراني تراجع بشكل ملحوظ، بسبب الضغط الروسي على إيران". وبحسب الجيش الإسرائيلي، فإن روسيا تخشى تصعيدا عسكريا بين إسرائيل وإيران في الأراضي السورية، يؤدي إلى وضع مصاعب أمام خطوات روسية باتجاه استقرار نظام بشار الأسد، وأنه لذلك تعمل روسيا على لجم إيران وإسرائيل أيضا.

ورأى هرئيل أن التطورات في الأشهر الأخيرة في الجبهة مع سورية "عادت بالفائدة على نتنياهو. فخلال كل هذه الفترة لم يخرج الوضع عن السيطرة ولم تتدهور الأمور إلى حد الحرب. وخدمت الأجندة الأمنية مصبحته مقابل الجمهور، على ضوء التحدي المزدوج أمامه المتمثل بالتحقيقات والانتخابات. وللجيش مصلحة أيضا في الحفاظ على الهدوء ومصالح مشتركة مع رئيس الحكومة، الذي يتولى حقيبة الأمن أيضا. ومثلما وفّرت الحملة ضد الأنفاق نغمة نهائية قتالية لولاية (رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق غادي) آيزنكوت، فإن القصف في سورية (مطلع الأسبوع) مفيدة الآن من أجل تعزيز الصورة الهجومية لخلفه" رئيس الأركان الجديد، أفيف كوخافي.

التعليقات