صاروخ يدمر زيارة وصورة "سيد أمن"

تسبب صاروخ غزة بأزمة جديدة لنتنياهو، بنظر محللين عسكريين، وخاصة مع اقتراب الانتخابات، سواء لجهة كونه الدليل على أنه ليس لديه حل لـ"المشكلة الأمنية"، أو لجهة اعتبار أن حركة حماس أجبرته على تقصير زيارة سياسية بثمن صاروخ واحد

صاروخ يدمر زيارة وصورة

موقع سقوط الصاروخ (أ ب)

تسبب الصاروخ الذي أطلق من قطاع غزة، فجر اليوم الإثنين، بأزمة جديدة لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بنظر محللين عسكريين، وخاصة مع اقتراب موعد انتخابات الكنيست، سواء لجهة كونه الدليل على أن نتنياهو ليس لديه حل لـ"المشكلة الأمنية"، أو لجهة اعتبار أن حركة حماس أجبرته على تقصير زيارة سياسية بثمن صاروخ واحد فقط.

ولفتت بعض التحليلات إلى أن نتنياهو لا يزال عاجزا عن توفير الأمن لمنطقة الجنوب، رغم أن إسرائيل خاضت ثلاث حروب على قطاع غزة، بينها حربان في ولاية نتنياهو في رئاسة الحكومة.

كما لفتت إلى سهولة تدهور الأوضاع إلى حرب لم يخطط لها مسبقا في ظل المعطيات الحالية، وخاصة الأوضاع التي يعيشها سكان قطاع غزة، لدرجة اعتبار أن هذه الظاهرة باتت واقعا تتأرجح على حافته إسرائيل كل بضعة أسابيع أو شهور أو سنوات.

وذهبت تحليلات أخرى إلى أن إطلاق الصاروخ في التوقيت الحالي جعل نتنياهو كمن بلع منجلا، حيث أنه سواء قرر تقصير زيارته أم الإبقاء عليها كما هي فسوف يجده نفسه في مواجهة سيل من الانتقادات من كافة أطراف الخارطة السياسية الإسرائيلية.

"بعد 3 حروب على غزة نتنياهو لا يمتلك حلا أمنيا"

اعتبر المحلل العسكري، أمير أورن، في موقع "واللا" الإلكتروني، أن الصاروخ الذي أطلق من قطاع غزة فجر اليوم، الإثنين، قد أصاب نقطة الضعف لدى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في أوج المعركة الانتخابية، من جهة أنه "لا يوجد لديه حل للمشكلة الأمنية"، حيث أنه بعد 10 سنوات وبعد ثلاث حروب على قطاع غزة، بينها حربان خلال ولايته في رئاسة الحكومة (2012، و 2014)، من الواضح أن "طريقة نتنياهو فشلت وحماس تقرر له موعد عودته من واشنطن".

ولفت الكاتب إلى أن ذلك يتزامن مع نشر كتاب جديد من إصدار "الكلية للأمن القومي" في الجيش الإسرائيلي، وهو عبارة عن بحث أجراه الجنرال عميت ساعار، والمرشح لرئاسة شعبة الدراسات في الجيش، بعنوان "كيف تبدأ حرب لا يرغب بها أحد: استيضاح ظاهرة التصعيد غير المخطط لها" يدعي فيه أنه "عاين الظاهرة التي ميزت انجرار إسرائيل، بدون نية مسبقة، للحرب على لبنان في تموز/ يوليو 2006، وإلى الحرب على غزة بعد 8 سنوات (2014)".

إلى ذلك، يشير أورن إلى أن استعدادات الجيش الإسرائيلي، صباح اليوم، من خلال تعزيز قواته في محيط القطاع بأعداد تصل إلى نصف الأعداد التي كانت عليها في الحرب العدوانية عام 2014، إضافة إلى تجنيد الاحتياط، واستعراض القوة مقابل حركة حماس لتحذيرها من عدم المبالغة في رد الفعل على رد الفعل الإسرائيلي على استهداف موشاف مشميرت،  كل ذلك يشير إلى "الرضوخ للمنطق الداخلي الذي يتمثل في رفض تنفيس الضغوطات الناجمة عن البؤس المكثف لنحو 2 مليون فلسطيني بدون أمل".

وبحسبه، فإن "الحرب غير المخطط لها" هي الواقع الذي تتأرجح فيه إسرائيل على حافتها مرة كل بضعة أسابيع أو شهور أو سنوات، بما في ذلك اليوم، مع سقوط الصاروخ في "مشميرت"، والذي لا يختلف عن العمليات التي نفذت في سنوات الخمسينيات، والتي استدرجت بن غوريون وديان ومظليي أرئيل شارون للرد، وفي نهاية المطاف إلى الحرب التي كانت تهدف إلى إسقاط النظام المصري.

ويضيف أن بن غوريون أبدى انضباطا أكثر من ديان، ورفض المصادقة على "حرب استباقية" عام 1955، باعتبار أن "الهدف النهائي هو السلام مع الدول المجاورة، وأنه لا داعي لعمليات عسكرية تطيل الطريق إلى ذلك الهدف".

ويعتبر أن "الانتحاري المتفجر والصاروخ الذي يطلق من قطاع غزة من الشمال هم أحفاد المتسللين (الإشارة إلى العمليات الفدائية في حينه) في سنوات الخمسينيات. ولكن يجلس نتنياهو، اليوم، على كرسي بن غوريون، وتحت مسؤوليته وخلال ولايته وصلت السياسة الأمنية إلى طريق مسدود".

كما لفت إلى أن الاستخبارات العسكرية والشاباك ومنسق عمليات الحكومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة (عام 67) يحذرون منذ شهور من الانفجار الذي يقترب، خاصة في ظل مناسبات توتر كثيرة للطرفين، بينها "يوم الأرض وانتخابات الكنيست ويوم الأسير والفصح وشهر رمضان والاستقلال".

وبالعودة إلى الكتاب، يشير ساعار إلى أن الطرفين لم يبلورا صورة الواقع بشكل دقيق، أو يشخصا حافة التصعيد، حيث أن إسرائيل تجاهلت مدى الضائقة السكانية في قطاع غزة، والأهمية التي توليها حركة حماس للوضع الاقتصادي والإنساني في القطاع، و"ربط قطاع غزة بأحداث في الضفة الغربية – اختطاف ثلاثة مستوطنين وقتلهم، والرد على ذلك باعتقال أسرى محررين أطلق سراحهم في صفقة غلعاد شاليط".

"حماس عرقلت زيارة سياسية بثمن صاروخ واحد"

وكتب مراسل شركة "الأخبار" للشؤون العسكرية والأمنية، روني دانييل، أن رد فعل نتنياهو أثبت أن حركة حماس انتصرت، حيث أن "نقل قوات الجيش إلى الجنوب يشير إلى أن الجيش الإسرائيلي يستعد لرد جدي أكثر من السابق، ورد فعل نتنياهو تقديم موعد عودته إلى البلاد يبث حالة من الهلع، ويشكل إنجازا لقائد حركة حماس بأنه بثمن صاروخ واحد عرقل زيارة سياسية".

وبالعودة إلى الحقائق، بحسب دانييل، فإن "الصاروخ أطلق من قبل حركة حماس، ومن موقع تابع لها، وهو صاروخ يصل مداه إلى 120 كيلومترا تم تطويره وإنتاجه من قبل الحركة. وفي المقابل، فإن استعدادات الجيش الإسرائيلي تمهد لشيء أوسع لا يزال غير واضحا. ولكن عندما يتم نقل لواءين آخرين إلى الجنوب، ويتم تجنيد الاحتياط، حتى لو بأعداد صغيرة، فإن ذلك يشير إلى التحضير لشيء آخر".

وكتب أن "الأحوال الجوية تصعب القيام بجزء من العمليات الجوية، ولكن ذلك لا يمنع الحاجة والقدرة على تنفيذ هجمات جدية أكثر مما رأينا في المرات السابقة".

أما بالنسبة لمعضلة عودة نتنياهو  من واشنطن، فمن الواضح أنه الآن في ضائقة: إذا لم يعد ولم يختصر زيارته فسوف يتلقى الانتقادات من اليمين، وإذا عاد فإنه سيواجه الانتقادات من كافة الأطراف السياسية أيضا لعودته، على شاكلة: كيف نجح يحيى السنوار أن يعرقل بصاروخ واحدة زيارة جدية لرئيس الحكومة في واشنطن، ويضطره للعودة إلى البلاد بسرعة".

وبحسبه، فإن هذه المعضلة تجعل نتنياهو يقرر العودة إلى البلاد، ومنح حركة حماس انتصارا بثمن صاروخ واحد.

ورغم ذلك، يضيف المحلل أنه بالنسبة لنتنياهو فإن ذلك يعزز من صورته كـ"سيد أمن"، وكأن الجهاز الأمني الإسرائيلي مشلول أو غير قادر على اتخاذ قرارات أو فعل شي إذا كان خارج البلاد.

ويشير في هذا السياق إلى أن نتنياهو محاط، خارج البلاد، بأجهزة إعلامية، وهو قادر على إدارة اتصالات مع جهات أمنية، ونقل تعليمات، وأجراء مباحثات جذرية في القضايا التي تواجه إسرائيل اليوم حول طبيعة وحجم الرد، ولكنه كـ"سيد أمن"، بحسب الكاتب، يريد أن "يخلق شعورا بأنه بدونه لا يتحرك شيء. ولذلك يجري، في هذه الأثناء، التحضير لعملية الرد، ولكن دون تنفيذها".

أما بالنسبة لحركة حماس، بحسب دانييل، فإنها تقوم بمفاقمة التوتر بشكل تدريجي تمهيدا لنهاية الأسبوع القريب حيث تتزامن عدة مناسبات: مرور سنة على مسيرات العودة، ويوم النكبة المقترب، والأحداث في القدس(الحرم المقدسي) وفي سجن النقب الصحراوي.

ويضيف أن كل ذلك يوفر لحركة حماس "نصرا في الوعي السائد". وفي المقابل، ولو لم تكن هناك انتخابات قريبة، فمن المشكوك فيه أن يكون من الصائب اختصار زيارة نتنياهو والعودة إلى البلاد، حيث أن إلقاء خطاب في مؤتمر "إيباك" مهم جدا بالنسبة له. ومهما يكن قراره فإنه "لن يكون موفقا، ولكنه الآن في طريقه إلى البلاد".

التعليقات